مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أجيال شابة بعقليات جديدة في مخيمات الصحراويين

Keystone

يعيش الصحراويون في مخيمات داخل الأراضي الجزائرية منذ أزيد من أربعة وثلاثين عاما، ما يعني أن الجيل الذي بدأ العمل المسلح، قد أحيل أكثره على التقاعد، و أن جيلا جديدا قد نشأ، بعيدا عن حياة المدن في الجزائر وفي سائر بلاد المغرب العربي.

هذا الجيل الجديد من الصحراويين الذي احتك من حين لآخر بحياة المدن والتجمعات الحضرية في شمال افريقيا وفي مناطق أخرى من العالم يستحق بدوره الاهتمام.

قد لا يبالغ المرء، عندما يحاول إقامة الشبه بين تنظيم المجتمع في كوريا الشمالية، وتنظيم المجتمع الصحراوي داخل المخيمات، ذلك أن السمع والطاعة هي سمة المجتمعين، مع وجود اختلاف أكيد في المجتمع الصحراوي، ويتمثل في ذلك التنوع في الأفكار والتصورات داخل نظام حياة شبه عسكري يتسم به المجتمع ككل.

و قد يكون المرء مؤيدا للقضية الصحراوية، أو معارضا لها، أو يقف منها موقف المحايد، لا مع هذا و لا مع ذاك، إلا أن أسماء المخيمات التي أطلقت عليها من قبل اللاجئين، تثير الإحساس البشري و يصعب على كل واحد منا أن يقف أمامها من دون مشاعر، أمام أسماء مثل: الداخلة والعيون، لأنهما يمثلان أسماء المدن التي تقع تحت سيطرة المغرب، والمخيمان بهذين الاسمين أيضا لأن الكثير من اللاجئين القاطنين فيهما هربوا من العيون أو الداخلة، ثم عاشوا في الخيام إلى يوم الناس هذا.

لاشك أن الولاء و الطاعة للقيادة الصحراوية ضمن نظام عسكري أو شبه عسكري، جعلت الصحراويين كلا مصمتا لا فرق بين أحد من أبنائه، غير أن الشباب فتيانا و فتيات، يعبرون لبعضهم البعض وللغير ممن يقابلونه، عن مللهم من عيشة المخيمات، ويقولون لكل من يُحاورهم إنهم يرغبون في الاستقلال اليوم قبل الغد.

ثم إذا ما أطلنا الحديث معهم، يصرخ الشاب ولد عبد الله، في وجوه الصحافيين: “لماذا تسألونني عن موقفي أنا وعمري لا يتجاوز خمسة عشر عاما؟ أنتم الجزائريون حصلتم على استقلالكم بقوة السلاح، وساعدكم الناس، أما نحن فلا يمكننا قتال المغرب لأنها أقوى منا”.

وسألت سويس إنفو الشاب ولد عبد الله، عن سبب غضبه بهذا الشكل؟ فأجاب “أنا هنا في مخيم 27 قرب مدينة تندوف لا أعرف إلا مقهى الانترنت هذا كي أتصل بالعالم الخارجي، سأنفجر من الغضب لأني أريد قتال المغرب الآن، وأريد أن استقل الآن، وإلا فإني أريد العودة إلى المغرب، أو أطالب بالجنسية الجزائرية، وأعيش كباقي الناس”.

لم تنفع المهدئات اللفظية التي أطلقها زميل جزائري يعمل لحساب الصحافة الإسبانية، فرغم تكراره للشباب الغاضب أن الاستقلال طريقه صعب وشاق، إلا أن ولد عبد الله تسمر على موقفه، الأمر الذي دفع بصديقيه للضحك عليه وغمزا إلينا بأن ولد عبد الله “غاضب كما يغضب باقي الشباب في جميع أنحاء العالم”.

دراسة وعطل وطبائع

يتحدث ولد عبد الله، العربية والفرنسية والإسبانية، وهناك نظام محكم من الرعاية باللاجئين الصحراويين، تتولاه الجزائر وإسبانيا وكوبا وليبيا وجمعيات ومنظمات غير حكومية في الاتحاد الأوروبي تساند الشعب الصحراوي كي يقرر مصيره عبر استفتاء شعبي لا عبر الحكم الذاتي كما تريد المملكة المغربية.

وفي المخيمات، شُيدت منازل من الطين والطوب، وغطيت بالقش أو بالقصدير، والقليل منها ما بني بناء صحيحا بالمعنى الذي يحول المكان إلى قرية أو مدينة، والجهود تبذل كي يدخل هذا المسمى على المكان الذي يسكن فيه الصحراويون وبالكاد يصل إلى معناه أحيانا دون أخرى.

توفر الجزائر التعليم من الابتدائي إلى نهاية الدراسة الجامعية، أيا كان نوعها، ولو كانت طبا أو هندسة نووية بالمجان، ويعامل الصحراويون في الجزائر كالفلسطينيين تماما، تعليما ورعاية صحية وتنقلا بين المدن، وهو وضع إيجابي جدا بالنسبة للشباب الصحراوي، إلا أنه يؤدي إلى اختلاف في البنية النفسية بسبب تنوع سرعة الوتيرة الاجتماعية ما بين المخيم، ومقار الدراسة في المدن.

في نفس السياق، يتكفل الجميع بعطلة الشباب الصحراوي، فيقضي كلهم عطلة الصيف في إسبانيا، سواء في مخيمات صيفية أعدت لهم، أو في منازل عائلات إسبانية تنتمي إلى التيارات السياسية التي تؤيد الصحراويين، فيتم الاختلاط مع بيئة جديدة متحضرة، تختلف في شكلها وأجوائها ومبادئها عن الجزائر عربية اللسان ومسلمة الدين.

وعندما يتعدى الصحراوي أو الصحراوية المستوى الثانوي، يملك حظوظا قوية في الدراسة في جامعة جزائرية، أو ليبية أو إسبانية أو كوبية، وتأتي المحصلة تنوعا لدى الشباب لسانا وأفكارا وطبائع.

يقول عبد الحفيظ، وهو صحراوي تخرج برتبة ضابط خلال ثمانينات القرن الماضي من الكلية المتعددة الأسلحة بشرشال في الجزائر: “لقد تغير سلوك شبابنا وشاباتنا فأصبحوا لا يقفون للكبير، ويرفعون أصواتهم بين الآباء والأعمام والأخوال، ويحتجون على ما يرونه هضما لحقهم، في خلاف تام مع تقاليدنا التي تربينا عليها”.

ويضيف عبد الحفيظ: “الجميع أتى بأخلاق الناس الذين اختلط بهم، فمن خالط الجزائريين صار عصبيا، ومن خالط الإسبان تغيرت أخلاقه وساءت أحيانا، ومن خالط الكوبيين ثرثار لا يتوقف عن الكلام”.

أعراف راسخة .. وتدين جديد.. وعلمانية

يمثل كلام عبد الحفيظ، الذي يبلغ من العمر اثنين وأربعين عاما، التصور الكاريكاتوري عن شباب لازال يحب أهله وقومه، إلا أنه يعبر عن حبه بطريقة أخرى. وفي نفس الوقت، يلاحظ على القيادات الصحراوية متابعة دقيقة لهذا الوضع، وقد ساعدتهم في ذلك الروابط العائلية والقبلية المتشابكة والمعقدة، التي لم تؤثر فيها لا الجزائر ولا ليبيا ولا إسبانيا ولا كوبا.

ومثل هذه العلاقات القبلية والعائلية هي الحل السحري لشد التماسك داخل تيار سياسي يحمل هدفا معينا، كجبهة البوليساريو، لأن تحديات العولمة كبيرة جدا، وإغراءات الحياة الوديعة أصبحت تقض مضجع كبار السياسيين في أوروبا والعالم الغربي ككل، فما بالك بقوم لاجئين في المخيمات.

أما من الناحية الغذائية، فالطعام واللباس والدواء والوقود والكتب ومواد التجميل للنساء إما جزائري الصنع أو يأتي في شكل مساعدات دولية، كلها ومن دون استثناء تقدم من الشمال، أي من الجزائر ومن الموانئ الجزائرية لإقامة إود شعب لا يمكنه العيش أسبوعا واحدا من دون عون خارجي، فلا فلاحة ولا زراعة، إلا بعض الأغنام والماعز قد أهلكها البحث عن كلأ أو حشيش يؤكل، لأن المطر لم ينزل بشكل معتدل منذ ثلاثة أعوام.

من ناحية أخرى، يمثل الإسلام العمود الفقري للمجتمع الصحراوي، إلا أن هذا المجتمع، يشبه باقي التكتلات القبلية والسكانية التي تقع جنوب خط الواحات في المغرب العربي، من حيث الدور الهام الذي تتولاه المرأة في جميع مناحي الحياة باستثناء إمامة المصلين في المسجد.

فالتقاليد تتقدم على الفتوى أحيانا كثيرة، ثم ما تلبث أن تتصادم مع شباب متدين، جديد بأتم معنى الكلمة، لأنه تأثر بأقرانه في الجزائر وليبيا، ولأنه يشاهد عبر الأقمار الصناعية القنوات الدينية التي تحمل أفكارا وخطابا يتعارض في العديد من مفرداته مع التركيبة الأسرية ذات السلطة الأنثوية للشعب الصحراوي.

ولئن كان الإسلام لا يعارض سلطة أنثوية على غير قرارات الحرب والشرف، فإنه لا يمانع أن تسير المرأة شؤون البيت المادية إذا رضي الزوج بذلك، إلا أن الشباب المتدين الجديد، يلوم الآباء على تحويل الرضا الأبوي عن تسلط السيدات، إلى تقليد راسخ أضحى معه الوضع تحصيل حاصل.

أما جبهة البوليساريو فعلمانية الاتجاه والمنشأ، وليست تيارا دينيا مسلحا، يعمل لإقامة دولة إسلامية تحكم بالشريعة، ولكن الملاحظ، أن المخدرات والخمور والجرائم شبه منعدمة في المخيمات والمدن التي تتحكم فيها البوليساريو داخل “الأراضي المحررة”.

الصحراويون يتغيرون..

وقد لاحظ المشرفون على جبهة البوليساريو تغير نمط تفكير الشباب، الذي أضحى لا يتجاوب مع طريقة تفكير الجيل القديم، ولقد شك صحافيون مثلنا قدموا من “الشمال”، أي من العاصمة الجزائرية وما حولها، في تغير طال تفكير الشباب أدى إلى نبذ فكرة الاستقلال والعمل المسلح.

إلا أن المفاجأة كانت كبيرة، فعبر فريق جزائري لموسيقى الراب اسمه Sans Smire ومعناها بالعربية “من دون لفت للنظر”، هاج الشباب الصحراوي في مخيمات العيون والداخلة و27 فبراير، عند سماع شعارات الكفاح والعمل المسلح والاستقلال، ولقد نفدت أشرطة فريق الراب الجزائري، وأضحت كلمات أغانيه متداولة لدى الشباب دون استثناء.

و كدليل على تفطن القيادات الصحراوية لما يجري، أضحى المشرفون على وزارة الثقافة الصحراوية يعملون كل ما في وسعهم لتجنب الشعبية الكبيرة لفريق الراب الجزائري، الذي يغني فيه شباب من حي باب الوادي في الجزائر العاصمة، شكلهم الخارجي يوحي باللامبالاة إلا أن كلماتهم وأداءهم يُوحي بأرقى أنواع الخطاب النضالي، بشهادة أنصار وخصوم الصحراويين وبخاصة بعض الفرنسيين والمغاربة.

وبالرغم من وجود موضة الأوانس والسيدات المطلقات والأرامل الصحراويات ممن يردن الزواج مع شاب من الجزائر، تحتمين به في مدن الشمال، إلا أن رغبات الكثير منهن بسيطة جدا، ولا تخلو من طرافة، فالكثير ممن تقابلهن يرغبن في الزواج من شاب أو رجل يقطن في مدن تندوف أو أدرار أو عين صالح، وهي خطوط النار والحرارة وشظف العيش بالنسبة لسكان الشمال، لأنها مدن تقع في الجنوب الغربي، ذائع الصيت بحرارة جوه الهائلة.

إن حياة الصحراويين، ليست حياة مخيمات فحسب، فبالرغم من شظف العيش، وصعوبته، إلا أن هناك تغيرات نفسية واجتماعية عميقة، وكما تتغير الجزائر والمغرب، يتغير الصحراويون، بنفس النسق وبنفس السرعة، لأسباب موضوعية تتعلق بعوامل عدة منها عصر العولمة والاتصال المميز للصحراويين بالعالم الخارجي.

وقد ينظر البعض بنوع من الاستغراب إلى “الكتاب الأبيض” الذي أصدرته مؤخرا الحكومة الفرنسية حول مسائل الأمن الفرنسي والإقليمي، والذي تضمن فقرة تشير إلى أن الحرب بين المغرب والجزائر “مُستبعدة في السنوات الخمس عشرة المقبلة”، وهو ما قد يعني (بلغة الرموز والإيحاءات) أن السلام الذي تأخر طويلا لن يحل ركبه في هذا الجزء من المغرب العربي إلى حين انقضاء هذه المدة الزمنية.

ولكن من يدري فقد تحدث أمور كثيرة خلال هذه الفترة لم تدر أصلا بخلد الموظف الفرنسي الذي حرر هذه الفقرة..

هيثم رباني – العائد من مخيمات تندوف – الجزائر

الجزائر – أ. ف. ب.: اعلن مسؤول في جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) الثلاثاء 24 يونيو 2008 في العاصمة الجزائرية ان مواصلة المفاوضات مع المغرب “امر صعب” اذا لم يتغير المبعوث الحالي للامم المتحدة الى الصحراء الغربية.

وقال عبد القادر طالب عمر المسؤول الصحراوي ان “اجراء مفاوضات جديدة مع المغرب يبدو صعبا ما دام بيتر فان فالسوم هو المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة الى الصحراء الغربية لانه انتهك مبدأ الحياد”. وكان فان فالسوم اعتبر مؤخرا ان “خيار استقلال الصحراء الغربية غير واقعي”.

ومن المقرر عقد جولة خامسة من المفاوضات بين المغرب والبوليساريو الجارية منذ يونيو 2007 في مانهاست قرب نيويورك برعاية الامم الامتحدة. ولم يتم الاعلان عن اي موعد لعقد هذه الجولة الخامسة. وقال عمر “ليس هناك جدول زمني لمفاوضات جديدة”.

وكان المغرب ضم سنة 1975 الصحراء الغربية التي كانت مستعمرة اسبانية. ومذاك تطالب جبهة البوليساريو مدعومة من الجزائر باستقلال الصحراء عبر استفتاء لتقرير المصير يجري برعاية الامم المتحدة.

(المصدر: وكالة فرانس برس أ. ف. ب. بتاريخ 24 يونيو 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية