مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أداء الجيش في لبنان يُطلق سجالا داخل إسرائيل

إشارة تحذيرية رُسمت يوم 29 أغسطس 2006 على طريق يقع خارج مدينة الناقورة جنوب لبنان عثر فيه على قنبلة عنقودية إسرائيلية لم تنفجر Keystone

بعد أكثر من شهر على إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، نشرت بعض الصحف الإسرائيلية، العسكرية والمدنية، تحقيقات مثيرة حول ما خلفته هذه الحرب.

لقد استعملت إسرائيل قذائف عنقودية، وتمّ ذلك مع معرفة مُـسبقة، بأنها قذائف غير دقيقة الإصابة وبأن مجال الخطإ يصل إلى ألف ومائتي متر.

“..في وسائل الإعلام العربية يقولون، إنكم تستخدمون القنابل العنقودية ضد المدنيين في الجنوب اللبناني…”،

“هذا هراء…. هذه الادّعاءات جُـزء من الآلية الإعلامية لحزب الله ومن حربه النفسية ضدنا. طوال سنوات مواجهتنا مع العرب كانت طهارة السلاح والحفاظ على حياة المدنيين الأبرياء، جزءا أساسيا من أخلاقياتنا الحربية…..”، هكذا أجاب شمعون، الشاب اليهودي الإسرائيلي ابن الأربعين عاما، والذي بقي منذ سنوات الانتفاضة الفلسطينية الأولى خارج صفوف احتياط الجيش الإسرائيلي، بعد أن أصيب فيها واعتبره الجيش الإسرائيلي مُـعاقا نتيجة الإصابة.

شمعون خدم خلال سنواته في الجيش الإسرائيلي في سلاح المدفعية، وفي حرب لبنان الأولى، شارك في القتال ووصل مع القوات التي حاصرت حينها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا.

“أخلاقياتنا لا تسمح بذلك…”، عاد شمعون وأصَـرّ في حواره مع أحد معارفه الفلسطينيين من حمَـلة الجنسية الإسرائيلية.

خلال الأيام الأخيرة لحرب إسرائيل الثانية على لبنان، الأسبوع الماضي قد يكون شمعون قد أُصيب بالدّهشة بعد سلسلة المقالات التي نشرتها صحيفة هارتس حول الموضوع أو أنه قد يكون وجد مبررا لهذه العمليات.

“وحشي وغير أخلاقي”

المراسل العسكري للصحيفة ميرون ربابورت، نشر تقريرا على حلقتين في الصحيفة حول الموضوع، وبحسب ما ورد في تقاريره، فإن إسرائيل بدأت في أيام الحرب الأخيرة، في استخدام صواريخ من طراز “إل ام إل ار اس” بشكل مكثّـف، بحسب المعطيات التي نشرها ربابورت، وأن الجيش الإسرائيلي قام بإطلاق 1800 قذيفة من هذا النوع، حملت أكثر من مليون ومائتي ألف قذيفة عنقودية.

في الحلقة الثانية في عدد الصحيفة، الصادر يوم 12 سبتمبر الجاري، اقتبس رابابورت أقوال قائد إحدى الفرق العسكرية المسؤولة عن إطلاق هذه القذائف، الذي أفاد أن “استعمال هذه القذائف قد تمّ مع معرفة مُـسبقة، أنها قذائف غير دقيقة الإصابة ومجال الخطإ يصل إلى ألف ومائتي متر”، لقد قمنا بغسل قرى كاملة بهذه القنابل، ما فعلناه، كان وحشيا وغير أخلاقي”.

أحد الجنود الذي أطلق هذه القنابل بواسطة قذائف من عيار 155 ملم، قال للصحيفة في الحلقة الأولى، التي نشرت يوم 8 سبتمبر، إنه تلقّـى أوامر من قادته “بإغراق” مساحات واسعة من الجنوب اللبناني بهذه القنابل، وإنه تلقّـى تعليمات بإطلاقها، دون تحديد هدف مُـسبق”.

هذه القنابل غيرُ محرّمة للاستخدام، ولكن وبما أنها من نوع الأسلحة العمياء، فيُـمنع استخدامها في المناطق القريبة من المدنيين.

وحسب مُـعطيات طواقم تفكيك الألغام، التابع للأمم المتحدة في لبنان، فإن أكثر من 40% من هذه القذائف لم تنفجر بعدُ، وبحساب بسيط، فقد يصل عدد القنابل التي أطلقت على الجنوب اللبناني خلال الحرب الأخيرة ولم تنفجر إلى أكثر من نصف مليون قنبلة، أدّى انفجار بعضها إلى قتل 12 لبنانيا في الأيام الأولى التي تلت الإعلان عن وقف العمليات الحربية في لبنان، وإلى تاريخ نشر التقرير في هارتس.

“اعتبارات غير ذكية”

كتبت هيئة تحرير الصحيفة معلّـقة على هذا الموضوع في مقال لها حمل عنوان “إطلاق نار بلا هدف”: “القليل التي تستطيع إسرائيل فعله الآن، هو الاستجابة لنداءات الأمين العام للأمم المتحدة، الداعية إسرائيل لتحديد المناطق التي تم استهدافها بهذه القنابل، من أجل وقف ارتفاع عدد الضحايا اللبنانيين المدنيين في هذه الحرب. أجزاء واسعة من جنوب لبنان، تحوّلت إلى حقول ألغام، والتنديد الذي أطلقه عنان بهذا الخصوص، على ما يبدو، له ما يسنده على الأرض”.

“للأسئلة المتعلّـقة بتصرّف جيش الدفاع في الحرب على لبنان، تَـبعات كثيرة أخلاقية وعملية”، على حدّ تعبير هيئة التحرير، “قُـدرة إسرائيل على تجنيد دعم دولي قوي لها، مشروطة أيضا بقُـدرتها على التمييز بين الأبرياء للأعداء. ففي حين تستهدف حماس وحزب الله المدنيين كجزء من أدواتها في القتال، تعلن إسرائيل العكس، وتقول إنها تبذُل جُـهودا خاصة لعدم المساس بالمدنيين. إطلاق النار على المناطق الريفية بدون تحديد أهداف، وانتشار القنابل على مساحات واسعة مع عدم القُـدرة المُـسبقة على تحديد المتواجدين في تلك المناطق، وأيضا مع المعرفة المُـسبقة أن جزءا كبيرا من هذه القنابل لن تنفجر لحظة سقوطها وستتحوّل إلى ألغام في المناطق التي سيعود إليها القرويون الأبرياء، هي دلالة على اعتبارات غير ذكية لمن أداروا هذه الحرب من العسكريين الإسرائيليين”.

إشكاليات أخلاقية

بعث ضابط الاحتياط، المسؤول عن الوحدة العسكرية التي كُـلفت بمهمة إطلاق هذه الصواريخ خلال الحرب، برسالة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس، لفت فيها نظره إلى هذه القنابل التي أطلقت خلال الحرب والتي “ربما نَـسي بعض الجنرالات إخبارك عنها”. “عاجلا أم أجلا، ستنفجر هذه القنابل بأيدي وتحت إقدام القرويين”.

لم يرد عمير بيرتس بعدُ على رسالة الضابط، غير أن مثل هذه الرسائل تُـثير قلقا شديدا في أوساط الجيش الإسرائيلي والساسة، وحتى مؤسسات المجتمع المدني في إسرائيل.

بالنسبة للساسة، فهي إثباتات إضافية لعُـمق الفشل في إدارة المُـواجهة مع حزب الله، والقلق من أن تقوم لجان التحقيق في نتائج الحرب أو انتخابات مبكّـرة بالإطاحة بهم، نتيجة فشلهم.

أما بالنسبة للجيش، فهذا الموضوع يعكس مدى البلبلة، التي رافقت قيادتهم للمعارك والرغبة بالانتقام بأي وسيلة، مهما كانت، للحفاظ على كبريائهم.

أما بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني، فان هذا الموضوع، بالإضافة إلى “الفضائح” التي ما زالت تتكشف يوميا حول ما دار في لبنان، فان إشكاليات أخلاقية كبيرة بدأت تتكشّـف وعلامات تصدّع بدأت تظهر في قاموس الأخلاقيات العسكرية الإسرائيلية، بدءًا من “طهارة السلاح” و”الجيش صاحب أرقى مستوى أخلاقي في العالم” و”وحدة المصير” و”عدم إبقاء مُـصابين في أرض المعركة”.

وبما أن الجيش يشكّـل حالة اجتماعية في إسرائيل، بالإضافة إلى كونه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، فإن الأسئلة المتعلّـقة بمُـستوى أدائه الأخلاقي، تعكس “تدنّـي الحملة الداخلية في المجتمع الإسرائيلي وميزان أخلاقياته”، على حدّ تعبير بعض المُـراقبين الإسرائيليين.

ردود فعل عكسية

لجنة الفحص الحكومية، التي شكّـلتها الحكومة الإسرائيلية في جلستها الأخيرة برئاسة القاضي فينوغراد، ستحقق أيضا في المعايير الأخلاقية التي رافقت الأداء العسكري للجيش الإسرائيلي في حربه الأخيرة. وبتقدير البعض، فإن هذا البند في تقريها سيكون أحد الفصول الأكثر إثارة عند نشره.

أحد الإسرائيليين عقَّـب على هذا الموضوع في الفترة الأخيرة بقوله: إن “مَـن يريد أن يُـخصخص كل ما يتحرّك في إسرائيل، ليس له الحق بالاندهاش لما يحصل”، وتعزيز المعايير الانفرادية على حساب المعايير العامة، وشرعنة استخدام العنف بشكل متزايد ضد أعدائنا، بدأ يجلب لنا ردود فعل عكسية ستُـفقدنا أصدقاءنا في كل مكان وتهدم ما بنينا هنا خلال عقود طويلة”.

قاسم الخطيب – إسرائيل

القنابل العنقودية ذخيرة تطلق إما عن طريق سلاح الجو او المدفعية، وتتكون من قذيفة تحتوي على قنابل صغيرة يصل عددها الى حدود 100.

يكمن خطرها في أن قسما منها لا ينفجر عند الإطلاق، ويتحول إلى حقل ألغام سيواصل حصد أرواح المدنيين حتى بعد انتهاء الصراع.

إذا كان القانون الدولي لا يحرم استخدامها بشكل قطعي، فإنه يحدد بألا تتجاوز نسبة القنابل التي لا تنفجر عند الإطلاق 1%، ولكن النسبة التي لا تنفجر في الذخيرة التي تستخدمها إسرائيل تتجاوز 14% حسب تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية