مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مصر تتأرجح بين “ديكتاتورية مؤقتة” و”صراع أهلي”

مشهد عام للأوضاع في ميدان التحرير وسط القاهرة يوم 25 نوفمبر 2012 Keystone

الأجواء فى مصر ساخنة للغاية، بدأت بمفاجأة إعلان دستورى يكرس صلاحيات مطلقة للرئيس بلا محاسبة، واشتعلت بالإحتجاجات والمظاهرات الشعبية من جانب المعارضين، وفى مواجهتها مظاهرات وهتافات الإسلاميين المؤيدين لديكتاتورية مؤقتة يرونها ضرورية وجالبة للإستقرار المنشود.

ومع مرور الوقت وتصاعد الإحتجاجات ضد الإعلان الدستورى وبداية تنظيم حركة شاملة لإنقاذ الوطن من رموز وأحزاب القوى المدنية، فى الوقت الذى يتهم مؤيدو مرسى معارضيهم بالعمل لصالح أجندات خارجية بهدف تخريب الوطن وتعطيل دولاب العمل وإفشال الرئيس، ويؤكّــدون بقاء الإعلان الدستوري على ما فيه من صلاحيات لم تعرفها مصر من قبل اللهم أيام الحاكم بأمر الله فى العهد الفاطمى..

وهكذا تدخل مصر دوامة من الصراع السياسى الممزوج بالمواجهات الشعبية بعضها مسلح يسقط فيه قتلى وجرحى كُثر، مما يفتح الباب أمام حالة صراع أهلى وفوضى أسوأ مما كانت عليه الأمور فى المرحلة الإنتقالية التى أدارها المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وكأن المصريون بات عليهم أن يترحّموا على ماضيهم القريب الذى ثاروا عليه حين يرون واقعهم الجديد فى ظل رئيس منتخب.

مفاجآت غير سارة

دوامة الصراع السياسى تمتلئ بالمفاجآت غير السارة والمفارقات المحبطة للمصريين جميعا، خاصة هؤلاء الذين اعتقدوا من قبل أن انتخابهم للرئيس المنتمى لجماعة الاخوان المسلمين محمد مرسى سيجلب معه الإستقرار المنشود والخير والبناء والقصاص للشهداء ونهضة الوطن، فإذا بالأوضاع تشهد المزيد من التوتر والكثير من الاخفاقات، فهناك قتلى جدد من الشباب فى المواجهات الدائرة بالقرب من وزارة الداخلية فى قلب القاهرة ومصابون كثر فى الشرطة من الضباط والجنود، وحرق كامل لمدرسة تاريخية بالقرب من ميدان التحرير الشهير، وتخريب وحرق لمقار حزب الحرية العدالة فى أكثر من محافظة فى الوقت الذى استخدم فيه المدافعون عن هذه المقار الأسلحة الآلية لمواجهة المتظاهرين الغاضبين مما أسقط بعض القتلى فى حين وقفت الشرطة احيانا بدون تدخل خوفا من المحاكمة التى يبشر بها الاعلان الدستورى الجديد.

وثمة بيان غريب منسوب “لضباط فى الجيش المصري” تم توزيعه فى مظاهرات التحرير الجمعة 23 نوفمبر 2012 يدعو المواطنين إلى قول كلمتهم ضد من أسماهم البيان بـ “تجار الدين” وموضحا ان الجيش فى انتظار هذه الكلمة فكان أن رد النائب العام الجديد الذى عيّنه الرئيس بخلاف ما نص عليه قانون القضاء بأن من يفكر فى الإنقلاب على النظام عقابه الوحيد والفورى هو الإعدام.

وتتوالى المفارقات، ومنها حديث للرئيس مرسى فى حشد من أنصاره الذين تجمعوا امام قصر الرئاسة لتأييد خطواته يتهم فيه بعض القضاة بأنهم يعملون ضد الوطن ويُسرّبون الأحكام قبل صدورها وأنه سيطبق عليهم القانون، يقابلها احتجاجات للقضاة والمحامين انتهت إلى التوصية بتعطيل العمل فى عدد كبير من المحاكم رفضا لتغول الرئيس على السلطة القضائية. وكذلك الصحفيون الذين طالبوا فى جمعية عمومية طارئة عقدت يوم الاحد 25 نوفمبر 2012 حضرها حشد كبير بإسقاط النظام والاعلان الدستورى الجديد وأيدوا المتظاهرين والمعتصمين الذين استقروا فى التحرير، فضلا عن استقالة عدد من مستشاري الرئيس وأحد مساعديه لشؤون التحول الديموقراطى، وفى أسباب الإستقالة أنهم مهمشون وفوجئوا بالإعلان ولم يطلب أحد منهم النصيحة أو أعلمهم بنية صدور إعلان دستورى كهذا.

ومن وراء كل ذلك انهيار فى البورصة المصرية بقيمة 9.5%، أي ما قيمته 24 مليار دولار تمثل فى الواقع أكثر مما تطلبه الحكومة المصرية فى قرض من البنك الدولى، وكأن الإقتصاد المصري لديه رفاهية الخسارة فى وقت عصيب.

المؤيدون ومبررات الإعلان

الصورة على هذا النحو تتناقض تماما مع مبررات الإعلان الدستورى وهى أربعة يقول بها المنتسبون لحزب الحرية والعدالة ومستشارو الرئيس المقربون؛ الأول منها أن الرئيس منتخب من الشعب وأن من حقه أن يُصدر ما يشاء من قرارات وإعلانات وأنه أراد بهذا الإعلان أن يحقق الإستقرار ويمنع انهيار المؤسستين الوحيدتين المنتخبتين وهما مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور لاسيما وأن هناك موقفا عدائيا مسبقا – من وجهة نظرهم – من المحكمة الدستورية لكل ما يفعله الرئيس.

المبرر الثانى أن الرئيس حين حصّن قراراته السابقة والقادمة ومنع القضاء من النظر فيها أراد بذلك أن يُواجه الفساد ويدفع حركة الحياة السياسية للأمام، وأنه لن يستخدم أي صلاحيات إضافية فى المستقبل. والثالث أن الرئيس سيكون جامعا للسلطات الثلاث تنفيذية وتشريعية وقضائية بيديه لمدة مؤقتة لا تزيد عن عدة أشهر من أجل الوطن. والرابع أن الإعلان يحقق بالفعل عددا من مطالب الثوار والشعب مثل إقالة النائب العام المستشار عبد المجيد محمود لأنه من أذناب النظام السابق، كما أنه أعاد محاكمة قتلة الثوار وأنشأ لها محاكم ثورية.   

القوى المدنية وأسباب الرفض

هذه المبررات لم تقنع أيا القوى السياسية المدنية للوقوف وراء الإعلان الدستورى الذى فوجئت به، إذ وجدت فيه ثلاث سمات كبرى؛ الأولى أن الاعلان يكرس صلاحيات لم تحدث من قبل لأى رئيس فى البلاد أو حتى فى العالم، فقد أعطى للرئيس سلطات تأسيسية وأطاح بالقضاء ومنعه من ممارسة وظيفته الطبيعية فى النظر فى القرارات والقوانين التى تصدر عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، مما يجعل الرئيس مرسى نموذجا ديكتاتوريا بإمتياز، والغريب أنه يريد بذلك تحقيق “التحول الديموقراطي”. 

السمة الثانية أن الإعلان خلط السم بالعسل، فقد أطاح بالنائب العام بالفعل ولكن بطريقة غير قانونية وفيها افتئات على قانون السلطة القضائية الذى يمنع السلطة التنفيذية أن تُعيّن النائب العام أو تقرر متى يترك منصبه. كذلك فإن إعادة محاكمة قتلة الثوار وفق الأسلوب الجديد الذى ابتدعه الإعلان الجديد ينطوى على مخاطر كبرى لأنه يؤسس لقضاء استثنائى لا تتوافر فيه حقوق التقاضى لا سيما حق الدفاع وتوافر الأدلة اليقينية، فضلا عن أن هذا النوع من القضاء الإستثنائى غير المنضبط والواقع تحت تأثير الرأي العام الذى يمكن توجيهه نحو وجهة بذاتها يفتح أبواب المحاكمات وفقا للشبهات أو البلاغات الكيدية لاسيما وأن الإعلان يتحدث عن محاكمة “كل من شغل منصبا تنفيذيا أو سياسيا فى الزمن البائد” بتهمة قتل الثوار أو الفساد.

السمة الثالثة وهي أن إصدار الإعلان الدستورى يعنى ان الرئيس بات يمتلك سلطة تأسيسية، وهو أمر غير منصوص عليه فى إعلان 30 مارس 2011 الذى انُتخب على أساسه الرئيس مرسى، فكيف يمنح لنفسه سلطة بهذا القدر دون تفويض من المجتمع؟. 

السمة الرابعة وهى أن الإعلان يُحصن مؤسستين مشكوك فى شرعيتهما، ولا يُعقل أن يصدر عن إحداهما أى دستور وهناك رفض شعبي لها ولا تعبّر إلا عن تيار سياسى واحد وتتجاهل باقي التيارات والقوى السياسية، وتعمل على فرض دستور يؤسس لدولة دينية.

تحركات مدنية وأخرى إخوانية

وبين مبررات التأييد وأسباب الرفض تبدو تحركات الطرفين، المؤيد لمرسى والمناهض له، على طرفى نقيض. فكل متمسك بموقفه، لكن هناك ثغرة أحدثها وزير العدل المستشار أحمد مكى الذي أبدى تحفظه على بعض بنود الإعلان الدستورى وطارحا وساطته بين الرئاسة وبين السلطة القضائية، في حين تردد أن الرئاسة فُوجئت برد فعل القضاء، وترغب فى التهدئة.

غير أن الخطوة التى اتخذت بالفعل جاءت أقل من المطلوب، وتمثلت فى بيان رئاسى مقتضب يؤكد أن الإعلان الدستورى باق وأن صلاحيات الرئيس الواسعة بلا محاسبة ستكون فقط مؤقتة. كما أعلن أن هناك اجتماعا بين مجلس القضاء الأعلى والرئيس مرسي لبحث المخرج المناسب، خاصة وأن مجلس القضاء يرفض الاعلان ويجد فيه اعتداء غير مسبوق على القضاء، ويرى أنه يمكن تحصين قرارات لرئيس السيادية وحسب، أما ما عدى ذلك فيخضع للقضاء الطبيعى.

من جهة جماعة الإخوان فالواضح انها تدفع الرئيس إلى عدم التراجع، وتفتح بابا للمواجهة الشعبية مع قوى المعارضة، فقد اعلنت الجماعة وقوى سلفية عن تنظيم مظاهرة حاشدة يوم الثلاثاء 27 نوفمبر بالقرب من ميدان الجيزة، البعيد نسبيا عن ميدان التحرير الذى يعتصم فيه بالفعل مئات من القوى المدنية، والذين بدورهم ينتظرون مظاهرة حاشدة تنظمها القوى المدنية فى اليوم ذاته. وفى كل الأحوال هناك خشية من مواجهات واسعة المدى بين الطرفين، خاصة وأن سلوك قوى الأمن المنتظر هو الإبتعاد عن مثل هذه المواجهات الشعبية الواسعة، وليفعل المتظاهرون بأنفسهم ما يشاؤون.

وفى الخلف من ذلك قرار للقوى المدنية بإنشاء مجلس لإنقاذ الوطن بقيادة ثلاثية من كل من عمرو موسى وحمدين صباحي المرشحين الرئاسيين السابقين ود. محمد البرادعى رئيس حزب الدستور، فى خطوة عكست أهمية التعلم من أخطاء التشرذم والتفرق، وأهمية ان تكون هناك قيادة موحدة تجمع الشمل الوطني فى مواجهة المصاعب والتحديات التى تعصف بمصر وأبنائها.

ورغم أن الرئاسة المصرية دعت إلى ما أسمته حوارا وطنيا شاملا لشرح مبررات الإعلان الدستورى وبث الطمأنينة للمصريين، فإن الشرط الوحيد الذى تطرحه القوى المدنية المدعوة للحوار هو إلغاء الإعلان أولا، وإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور ثانيا، فالحوار ثالثا.

المأزق على هذا النحو يعني انتظار التصعيد والدماء ومواجهة شعبية واستمرار التراجع الإقتصادي، اللهم إلا إذا غاب العناد وتغلبت الحكمة وتم التراجع عن الإعلان الدستوري جملة وتفصيلا. وكما يُقال فإن “الرجوع إلى الحق فضيلة”.

القاهرة (رويترز) –  من المقرر أن يجتمع الرئيس المصري محمد مرسي مع مجلس القضاء الأعلى يوم الاثنين 26 نوفمبر في محاولة للحد من أزمة اثارها اعلان دستوري يمنحه سلطات جديدة والذي فجر أعمال عنف أعادت إلى الاذهان ثورة العام الماضي التي جاءت به إلى السلطة.

وهوت الأسهم المصرية يوم الأحد 25 نوفمبر في أول تعاملاتها منذ الاعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في وقت متأخر يوم الخميس 22 نوفمبر والذي يوسع صلاحياته بصفة مؤقته ويحصن قراراته من الطعن القضائي مما جعله عرضة لاتهامات بانه يتصرف مثل دكتاتور جديد.

وأصيب اكثر من 500 شخص في اشتباكات بين الشرطة ومحتجين قلقين من اهداف جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها مرسي للهيمنة على فترة ما بعد حسني مبارك بعد فوزهم في اول انتخابات برلمانية ورئاسية هذا العام.

وقال حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في موقعه على الانترنت ان عضوا بالجماعة قتل وأصيب 60 آخرون يوم الأحد 25 نوفمبر في اشتباكات حول مقر الجماعة في مدينة دمنهور شمال غربي القاهرة. وقال شهود عيان إن بعض سكان منطقة شبرا بالمدينة توجهوا إلى ميدان الساعة الذي يطل عليه مقر جماعة الإخوان واشتبكوا مع أعضاء في الجماعة بعد أنباء عن قيام أعضاء فيها باحتجاز أقارب لهم وإن اشتباكات دارت بين الجانبين. وقال شاهد عيان إن الاشتباكات تستخدم فيها طلقات خرطوش وقنابل مولوتوف وحجارة.

ولمح المجلس الاعلى للقضاء إلى امكانية التوصل إلى حل وسط لتجنب المزيد من التصعيد رغم ان معارضي مرسي لا يريدون شيئا اقل من إلغاء الاعلان الدستوري الذي يعتبرونه خطرا على الديمقراطية.

وقال المجلس الاعلى للقضاء ان الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي يجب ان يقتصر على “الأعمال السيادية” فقط مشيرا إلى انه لم يرفض الإعلان رفضا باتا. ودعا المجلس في بيانه القضاة وأعضاء النيابة الذين دخل بعضهم في اضراب يوم الاحد 25 نوفمبر إلى العودة إلى اعمالهم.

ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن المتحدث الرئاسي المصري يوم الأحد قوله إن الرئيس مرسي سيجتمع يوم الاثنين مع اعضاء المجلس. وقال المتحدث ياسر علي إن الاجتماع سيعقد في القصر الرئاسي.

وكرر مكتب مرسي تأكيداته بأن الصلاحيات الجديدة للرئيس ستكون مؤقتة وقال ان مرسي يريد اجراء حوار مع الاحزاب السياسية للتوصل إلى موقف مشترك حول الدستور المصري وهو احد القضايا الرئيسية في الازمة.

وقال حسن نافعة استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ان الرئاسة والقضاء يبذلان جهودا لحل الازمة لكنه أضاف ان بياناتهما غامضة وان الوضع يتجه نحو المزيد من المشكلات.

وتراجعت البورصة نحو 10 في المائة وهو اكبر تراجع منذ الانتفاضة التي أطاحت بمبارك في فبراير 2011. وأعادت صور الاشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن والغاز المسيل للدموع في ميدان التحرير بوسط القاهرة للأذهان ذكرى الانتفاضة. واعتصم ناشطون في الميدان لليوم الثالث وعرقلوا حركة المرور بالحواجز. وعلى مقربة منهم دارت اشتباكات على نحو متقطع بين قوات الامن ومحتجين.

ويعتزم مؤيدو مرسي ومعارضوه المشاركة في مظاهرات كبيرة يوم الثلاثاء قد تؤدي إلى مزيد من العنف. وقالت جماعة الإخوان المسلمين يوم الاحد إنها أبعدت مكان المظاهرة المؤيدة لمرسي عن ميدان التحرير الذي سينظم فيه المعارضون للرئيس مظاهرتهم. وقال المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان في موقعها على الإنترنت إن المظاهرة ستنظم أمام جامعة القاهرة التي تبعد كيلومترات عن التحرير.

وقال محمد رضوان من فاروس للسمسرة “عدنا إلى المربع الأول سياسيا واجتماعيا… اضطرابات واشتباكات وما إلى ذلك.”

ويمثل الإعلان الدستوري محاولة من مرسي لتعزيز نفوذه بعد ان نجح في اغسطس الماضي في تهميش المجلس العسكري. ويقول محللون إن هذا يعكس تشكك الاخوان المسلمين في بعض فئات القضاء.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 26 نوفمبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية