مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أزمة القرار الأردني بوجه تطورات “المُعضلة السوريّة” المتفاقمة

معارضون سوريون يرتدون أعلام الإستقلال ويرددون شعارات مناهضة لبشار الأسد في العاصمة الأردنية عمان يوم 15 مارس 2012 في مناسبة مرور عام على اندلاع الثورة السورية. swissinfo.ch

بينما ينظر المسؤولون الأردنيون بقلق شديد تجاه ما يحدث في شمال البلاد في الجار السوري، من أحداث دموية وأزمة أمنية وسياسية، وإلى التحركات الدولية والإقليمية والأجندات المتضاربة نحو الوضع هناك..

.. فإنّ أعين هؤلاء المسؤولين ما تزال مفتوحة أيضاً على تداعيات ذلك على المعادلة الداخلية من زوايا متعددة، سياسية واقتصادية، وحجم السجال الكبير الذي يحتله الملف السوري في الأوساط السياسية والإعلامية في الأردن.

وفي الواقع، لا تقف حدود تأثير الأوضاع المتدهورة في سوريا على الأردن عند حدود التماس الجغرافي الواسع، في شمال المملكة المحاطة بنزاعات إقليمية دائمة، ولا عند التزايد الهائل بأعداد اللاجئين السوريين إلى الأردن، إذ تقدّر مصادر دولية أعداها بعشرات الآلاف بأقل تقدير، ولا التداخل الإجتماعي والثقافي بيد المجتمعين، ولا الأضرار الإقتصادية الجسيمة على الأردن، الذي يمتلك شبكة واسعة من المصالح مع سوريا، فهنالك، بالإضافة إلى ذلك كله، ضغوط سياسية داخلية وخارجية يتعرض لها صانع القرار الأردني في مواجهة هذا الملف الشائك.

مع تراجع سيناريو التدخل العسكري المباشر الأممي في الشأن السوري، في ظل الإستعصاء الروسي والصيني في مواجهة مثل هذا القرار، ووجود لوبي أمريكي ضاغط ضد أي تدخل عسكري من طرف الولايات المتحدة في سوريا، فإنّ الرهان الغربي يبدو اليوم على زيادة قوة ضغط العقوبات الإقتصادية ضد النظام السوري من جهة، والسعي إلى إقامة “مناطق عازلة” في المناطق الشمالية والجنوبية من البلاد، ما يعني دوراً أساسياً لكل من الأردن وتركيا، وتسهيل عملية تسليح الجيش السوري الحر لمواجهة النظام في الداخل، وهو توجه دول الخليج العربي، التي تشكل رافداً رئيساً للإقتصاد الوطني الأردني، الذي يعاني في الأصل من صعوبات كبيرة ويعتمد بصورة كبيرة اليوم على هذه المساعدات المباشرة في مواجهة ضغوط داخلية كبيرة جزء حيوي منها متولد من الجانب الإقتصادي.

خيارات صعبة وسيناريوهات ضبابية

يجد صانع القرار الأردني نفسه، إذاً، أمام مُعضلة حقيقية في التعامل مع الشأن السوري، ومؤشرات متضاربة عندما يريد رسم سياساته تجاه هذا الملف الحيوي.

بالرغم أنّ العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني كان أول زعيم يدعو الرئيس الأسد، بلغة غير مباشرة، إلى الإستقالة وتمهيد الطريق إلى مرحلة انتقالية، وبالرغم – كذلك – من أنّ السياسة الخارجية الأردنية داعم مباشر لقرارات الجامعة العربية ضد ما يرتكبه النظام السوري، ويؤيد المبادرة العربية، إلاّ أنّ قناعة صانع القرار في عمان، كما يصرّح مسؤولون أردنيون لـ swissinfo.ch، أنّ الأردن تتمثل بالحذر من الإنجرار إلى سيناريوهات غامضة ورهانات غير مضمونة في التعامل مع هذا الملف الشائك.

في الوقت نفسه، ما تزال قناعة مراكز القرار والتأثير في الأردن بأنّ النظام السوري – وبالرغم من قوة الإحتجاجات التي تعصف به – إلاّ أنّه يملك موازين القوى في الداخل، ولا توجد إشارات قوية على انهياره من الداخل، في ضوء قاعدته الأمنية والعسكرية والطائفية.

وفي هذا السياق، يقول مسؤولون أردنيون لـ swissinfo.ch: “النظام ليس قوياً، ولن يتمكن من إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثورة، فهو لن ينتصر سياسياً، لكن في الوقت نفسه المعارضة السياسية ضعيفة، وحركة الإنشقاقات محدودة، والمعادلة الدولية والإقليمية تخدمه، فهو لن ينهزم عسكرياً وأمنياً، مما يجعل الوضع معقدا أكثر من الحالات العربية الأخرى”، التي شهدت ثورات الربيع العربي بدرجة أو بأخرى.

وفي الأيام الأخيرة ارتفع حجم الضغوط الخليجية على الأردن لاتخاذ مواقف حاسمة من النظام السوري، بخاصة بعد أن سحبت دول خليجية سفرائها من دمشق، لكن المطالب الخليجية لم تصل بعد إلى دفع الأردن لإقامة منطقة عازلة في المناطق الشمالية تكون سنداً وقوة للثورة والعمل المسلّح هناك. وفي حال تصاعدت هذه الضغوط فإنّ خيارات الأردن ستكون محدودة، بخاصة أنّ دول الخليج لا تخفي عداءها لنظام الاسد في دمشق وسعيها الحثيث لإسقاطه، وهو ما قد يضع الأردن في موقع حرج.

في واشنطن، كذلك، لم يتم الحسم النهائي بعد في كيفية التعامل مع الشأن السوري، كما يلاحظ مدير معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن في تصريحات لـ swissinfo.ch، إذ يقر بأنّ “الخيار العسكري يتراجع إلاّ أنّ هنالك تياراً ما يزال يتبنى ضرورة التحرك بصورة أو بأخرى لوقف حد لنظام الأسد لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسة: حماية اللاجئين، إسقاط نظام مُعاد، وإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة”.

المشهد السياسي الداخلي.. صفيح ساخن

في سياق متصل، لا تتوقع مصادر سياسية أردنية أن يقبل الأردن بسهولة الإضطلاع بأي دور علني في مواجهة النظام السوري، لكن قلقه يتجاوز ذلك إلى قلق سياسيين أردنيين من “عمليات نزوح كبيرة” تجري حالياً. ويبدو القلق أكبر في حال تدهور الوضع الأمني أكثر، وسعي النظام السوري إلى تصدير أزمته للأردن عبر الحدود أو دخل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا ضمن حزمة الهاربين عبر الحدود المشتركة بين البلدين، وهو سؤال أكثر صعوبة في حالة الأردن الذي يعاني أصلاً في مواجهة التوازنات الديمغرافية بين سكانه من أصول فلسطينية وشرق أردنية ضمن المعادلة الداخلية.

محليا، يتجاوز الموقف من الأزمة السورية السياسة الخارجية إذ يضرب على وتر العلاقة الداخلية. فبينما تُسيّر الحركة الإسلامية المعارضة بالتعاون مع آلاف اللاجئين السوريين مسيرات واعتصامات ضخمة ضد النظام السوري، وترفع حجم ضغوطها على مطبخ القرار في عمان لاتخاذ مواقف أكثر صلابة من النظام في دمشق، تنشط نخبة سياسية قومية ويسارية مرتبطة بالنظام السوري ومحافظة قلقة من الوضع هناك من أجل تحذير الحكومة الأردنية من اتخاذ أي موقف عدائي من نظام الأسد ومن الإستجابة للضغوط الغربية والخليجية لما يعتبرونه “تورطاً في الشأن السوري”.

وإلى حد الآن، يتسم موقف عمان بالحذر والسير على خيط رفيع من التوازنات بين الضغوط المتداخلة بين الخارج والداخل. فالحكومة الأردنية تتفق مع الأجندة العربية والمبادرة التي تصب نحو تنحي الأسد وتأييد العقوبات الدولية، لكنها تحاول الإبقاء على “شعرة معاوية” مع النظام السوري وعـدم الانزلاق إلى تصعيد أكبر مثل طرد السفير السوري من عمان أو دعم المعارضة السورية، سياسياً وعسكرياً.

وفي الوقت الذي يرصد فيه المسؤولون هجوم الإعلام السوري الرسمي على الأردن، فإنهم يُحجّمون نشاط المعارضة السورية ويراقبون الحدود لوقف محاولات تهريب السلاح أو المقاتلين عبر الأردن، ولا يبدو هناك إجماع داخل مراكز القرار ولا في قلوب المسؤولين نحو الموقف المطلوب من النظام السوري.

وإلى الآن، يتحمل مطبخ القرار حجم الضغوط في عملية بناء التوازنات الدقيقة، لكن السيناريوهات المفتوحة على احتمالات تطور الوضع السوري داخلياً أو الضغوط الخارجية تجعل من هذه السياسة مؤقتة وغير مستقرة بل غير مضمونة على المدى الأبعد، مما يجعل الخيارات في التعامل مع “المعضلة السورية” في الأيام القادمة أكثر صعوبة وأقل مرونة في الحفاظ على المنطقة الوسطى الحرجة!

جنيف (رويترز) – تقول مفوضية الامم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين إن عدد اللاجئين الفارين من سوريا زاد خمسة آلاف في الأيام القليلة الماضية ليصل إلى 39 ألفا في الوقت الراهن في حين يُعتقد أن هناك مئات الألوف نزحوا داخل سوريا.

وطلبت الأمم المتحدة التي تتوقع تواصل ارتفاع أعداد اللاجئين 84 مليون دولار يوم 23 مارس 2012 لمساعدة 100 الف لاجئ على مدار الأشهر الستة القادمة لكنها لديها خطة احتواء لأكثر من 200 ألف لاجئ.

تركيا
يوجد حوالي 17 ألفا سوريا يعيشون في ثمانية مخيمات أقيمت في اقليمي هاتاي وجازيانتب. وتقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة انه تم ايواء نحو 23 ألف شخص هناك منذ ابريل نيسان 2011 لكن الكثيرين عادوا الى سوريا. وتعتزم الحكومة التركية نقل الكثير من اللاجئين الى منطقة أقيمت لهذا الغرض في اقليم كيليس. وقالت جماعة هيومان رايتس ووتش يوم 20 مارس إن القوات السورية زرعت ألغاما قرب حدود لبنان وتركيا على الطرق التي تستخدم في الهروب من الصراع بسوريا.

لبنان
يوجد في لبنان اكثر من 16 الف لاجيء سوري من بينهم نحو خمسة الاف في سهل البقاع وثمانية الاف في شمال لبنان وطرابلس. كما يوجد لاجئون سوريون في جنوب بيروت. وتقوم خطة الامم المتحدة على اساس 25 الف لاجئ في لبنان خلال الاشهر الستة القادمة مع خطة احتواء لخمسين الفا.

الاردن
وفي الاردن تم تسجيل 6000 سوريا على مدى العام الماضي وحوالي 2500 ينتظرون التسجيل. وقال مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين “من المتوقع ان يزداد هذا العدد بشكل كبير مع توسيع مفوضية الامم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين من جهود اتصالها.”

العراق
عبر نحو 500 سوري واغلبهم من الاكراد الحدود الى دهوك في اقليم كردستان العراق. ويقوم طلب الامم المتحدة على اساس وجود 1500 لاجئ في العراق خلال الاشهر الستة القادمة مع خطة احتواء لخمسة الاف لاجئ.

اللاجئون داخل سوريا
هناك حوالي 110 الاف لاجيء داخل سوريا ولا يشمل هذا الرقم اللاجئين من الاراضي الفلسطينية. وجميع هؤلاء من العراق باستثناء 8000 لاجيء. وعاد حوالي 67 ألف عراقي الى بلادهم في العام المنصرم.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 23 مارس 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية