مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أزمة بين حكومة … وقناة فضائية

قناة المستقلة الفضائية التي تبث من بريطانيا اقتحمت الممنوعات الاعلامية و السياسية على الساحة التونسية swissinfo.ch

خبر صغير، لا يكاد يأخذ حيزا من بوابة إعلامية تونسية رسمية، برز واضحا يوم الثلاثاء الموافق السادس والعشرين من الشهر الجاري. فتحت عنوان "بحث قضائي ضد سهام بن سدرين"، يشير الخبر إلى أن أحد القضاة، دون أن يذكره بالاسم، تقدم بشكوى إلى النيابة العامة في تونس ضد الناشطة الحقوقية، التي َنسبت له أثناء برنامج حواري بثته "قناة المستقلة" تصريحات لم تصدر عنه. وبناء عليه، يكمل الخبر، "تم فتح بحث قضائي ضدها."

خبر صغير لكنه هام، ويخفي الكثير وراءه. فالمتهمة، هي السيدة سهام بن سدرين، الناشطة في مجال حقوق الإنسان، والناطقة باسم المجلس الوطني من أجل الحريات في تونس، ورئيسة تحرير مجلة “كلمة” التي تصدر على شبكة الانترنيت المعلوماتية. وهي شخصية تونسية عامة لها باع كبير في مجال الدفاع عن الحريات العامة.

أما تهمتها فهي ليست بصغيرة. حيث تم القبض عليها، يوم الثلاثاء الموافق السادس والعشرين من شهر يونيو/حزيران، في مطار تونس عند عودتها من زيارة إلى لندن بتهمة “مهاجمة سلطة القضاء… ونشر معلومات خاطئة تهدف إلى زعزعة الاستقرار العام.” وأُدخلت لذلك في سجن النساء بمنوبة في العاصمة التونسية في انتظار مثولها أمام القضاء يوم الخامس من شهر يوليو/ تموز المقبل.

والبرنامج الحواري المعني، هو برنامج أسبوعي بعنوان “المغرب الكبير” بدأت قناة “المستقلة”، التي مقرها لندن، في بثه قبل ثلاثة أشهر، ويبدو أنه سبب صداعا شديدا للسلطات التونسية، بسبب استضافته للعديد من رموز المعارضة والمدافعين عن الحريات المدنية في تونس وإتاحة المجال لهم للتعبير عن أراءهم بحرية. وهو التعبير الذي دفعت السيدة بن سدرين ثمنه عندما انتقدت النظام القضائي في البرنامج يوم السابع عشر من الشهر الجاري، وعادت إلى بلادها لتواجه أمرا باعتقالها.

ردة الفعل جاءت ملفتة

لعل الملفت في القضية برمتها هو الكيفية التي تعاملت بها الحكومة التونسية مع قناة “المستقلة” في إطار انتقادها لبرنامج “المغرب الكبير”. إذ تبدت ملامح مستويات ثلاث في التعامل: أولها كان رسميا.. اتخذ من القنوات القانونية وسيلة للمواجهة. ومن هنا كان إلقاء القبض على بعض ضيوف البرنامج كالسيد محمد مواعدة والسيدة سهام بن سدرين، الذي بررته السلطات بحيثيات قانونية. وعلى نفس الصعيد، جاء تهديد الوزير التونسي المكلف بحقوق الإنسان والاتصال والعلاقات مع مجلس النواب، صلاح الدين معاوي، باللجوء إلى القضاء للاقتصاص من قناة “المستقلة”.

المستوى الثاني تبدى في لجوء بعض وسائل الأعلام التونسية إلى شن حملة شرسة ضد قناة “المستقلة” وصاحبها الدكتور محمد الهاشمي الحامدى، وضيوف برنامج “المغرب الكبير” من التونسيين، واتهامهم بالخيانة، وتذكيرهم في الآن ذاته بعقوبة الخيانة، وهي معروفة.

أما المستوي الثالث، فبرز في أسلوب الهجوم اللاذع و”الشخصي” على لسان الوزير المكلف بحقوق الإنسان والاتصال والعلاقات مع مجلس النواب أثناء ندوة صحفية عقدها في ذات اليوم الذي ألقي فيه القبض على السيدة بن سدرين.

فقد أعتبر السيد صلاح الدين معاوي أن “القناة الفضائية التي ُتدعي “المستقلة” تحولت إلى منبر مسخر لكل من يريد التشهير بتونس والمس بمؤسساتها والتشكيك في حصافة خياراتها”، وأن “الحديث عن هذه القناة يستدعي بعض التساؤلات بخصوص صاحبها الهاشمي الحامدى.”

كما أردف الوزير بالقول:”كيف يوفر الهاشمي الحامدى اليوم فضاء للتهجم على النظام التونسي بعد أن كان مستميتا في الدفاع عنه كلما أتيحت له الفرصة في عدد من الفضائيات العربية…”. ثم شكك في نزاهة الدكتور الحامدى المالية، عندما تساءل عن مصادر تمويل قناته الفضائية قائلا”من يدفع هذه الأموال بهدف النيل من تونس.”

تشكيل الرأي العام من الخارج

أسلوب تعامل الحكومة التونسية مع القضية عكَسَ، كما يؤكد العديد من المراقبين، ظاهرة أثارت القلق التونسي، وهو مقدرة الفضائيات الخارجية على اختراق الجدار الحديدي للأعلام الرسمي، والوصول إلى المواطن العادي دون رقابة. ووصل الأمر ببعض المراقبين إلى التأكيد على أن برنامج “المغرب الكبير” الذي ُخصصت حلقاته للحديث عن الأوضاع السياسية التونسية ُيتابع من طرف اكثر من مليون شخص أسبوعيا.

لكن، إذا كان من الصعب التأكد من عدد المشاهدين فإن الشيء الواضح هو أن ردود الفعل بمستوياتها الثلاث المذكورة آنفا تجاه برنامج تلفزيوني أسبوعي، أظهرت تململا رسميا. والدليل على هذا التململ، كما يؤكد الدكتور محمد الهاشمي الحامدى في حديث خاص لسويس إنفو، هو العرض الذي تلقاه من الحكومة التونسية على حد زعمه.
حيث قال: “ُُعرض علينا من تونس حتى قبل سبعة أيام أن تصبح قناتنا، كما قيل لنا، أغني من قناة الجزيرة الفضائية، مقابل فقط وقف هذا البرنامج، الذي تشيرين إليه، ومنع سهام بن سدرين ومحمد مواعدة ومحمد الشرفي ومختار الطريفي من أن يتحدثوا في المستقلة. وقلنا لهم هذا غير لائق. ألم يحن الوقت بعد ستة وأربعين عاما من استقلال تونس أن تتحمل الحكومة رأيا لسهام بن سدرين؟”

يؤكد الدكتور الهاشمي أن الرأي العام التونسي، بفضل حضور الفضائيات، اصبح من خلال برنامج “المغرب الكبير” ” شاهدا وطرفا وشريكا فيما يحدث”. لكنه في الوقت ذاته لا ينفي عزمه على إنشاء تيار سياسي وطني في تونس وربما… الترشيح في انتخابات الرئاسة التونسية المزمع عقدها عام 2004.

حيث قال:” إذا توصلنا إلى إجابات وبرنامج عمل واضح قبل عام 2004 فإنني كتونسي… لا أستطيع أن أقول لك ماذا سيحصل.. لكن ليس هناك ما يمنعني.. إذا وجدنا برنامج عمل وشعرنا أن جزءا من الرأي العام التونسي مؤيد لهذا ، فإننا سننافس به في كل المستويات وكل الاستحقاقات.”

ربما سيتمكن الدكتور الهاشمي حقا، من خلال حضور قناة “المستقلة”، من تشكيل رأي عام مؤيد له، لكن السؤال… في حال ترشحه بالفعل، هل سيتمكن من الدخول إلى تونس لخوض إنتخابات الرئاسة؟

إلهام مانع

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية