مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أفغانستان تقترع؟ كيف .. ولمن؟

صور المرشحين الثمانية عشر لانتخابات الرئاسة في أفغانستان swissinfo.ch

ستكون "الانتخابات الأفغانية مميّـزة للغاية، إذ أن كل الناخبين الأفغان سيقترعون لصالح الرئيس.. جورج بوش"!

هكذا أطل مراقبون شرق أوسطيون على انتخابات الرئاسة الأفغانية المقررة ليوم السبت 9 أكتوبر.

برغم أن التوصيف يحمل الكثير من السخرية، إلا أنه يتضمن أيضا الكثير من الواقع.

فهذه الانتخابات، وهي الأولى من نوعها في هذه البلاد المنكوبة منذ أربعة عقود بالاجتياحات الخارجية والحروب الأهلية الداخلية ستجري قبل ثلاثة أسابيع تقريبا من الانتخابات الأمريكية في 2 نوفمبر المقبل، وهي، بالتالي، ستكون عنصرا من عناصر السباق الرئاسي المحموم بين جورج بوش وجون كيري، حيث سيدّعي الأول أنه “حرر أفغانستان، ويحارب الإرهاب، وأدخل مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان إلى الأرض الإسلامية”.

بيد أن هذا الاستخدام الناجح للانتخابات الأفغانية في الانتخابات الأمريكية، لا يعني بأي حال أن الأولى ستكون ناجحة أيضا.

فمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا أعلنت سلفا، أنها ترفض اعتبار الانتخابات المقبلة حرة ونزيهة، وفريق الأمم المتحدة، الذي يشارك في الاعداد للانتخابات، قال إنها ستكون مثقوبة كعيون المنخل بالتجاوزات وعمليات التزوير.

والحال أنه سيكون من المستغرب ألا تكون الانتخابات على هذا النحو. فأفغانستان تفتقد بشدة إلى الأمن، حيث لا تسيطر القوات الحكومية، ومعها قوات حلف الأطلسي، سوى على العاصمة كابول وبعض ضواحيها.

أما القوات الأمريكية (التي لا يتجاوز عددها 20 ألف جندي) فتتحصّـن في قواعد عسكرية جنوبي البلاد قرب الحدود الباكستانية، وهي لا تفعل شيئا سوى شن حرب كـرّ وفـرّ ضد تنظيم “القاعدة”، إضافة إلى حمايتها للطريق الذي ستمر فيه أنابيب النفط المنطلقة من حوض بحر قزوين.

أما باقي أفغانستان فهو مُـوزّع بالعدل والقسطاس بين أمراء الحرب، وأمراء المخدرات، وأمراء طالبان، وهؤلاء الأخيرون استأنفوا العمل العسكري كالمعتاد تحت سمع القوات الأمريكية – الأطلسية وبصرها وبدعم سري من باكستان.

دول الميليشيات

للوهلة الأولى، قد يبدو أن الخطر الأكبر على حرية العملية الانتخابية هم الطالبانيون. فهؤلاء، على أي حال، هم الذين يُـعلنون نهارا جهارا أنهم ينوون عرقلتها، وهم الذين يجردون الحملات العسكرية على المقار والشخصيات الانتخابية، وهم الذين يدسون ليلا مناشير في المنازل تهدد بقتل المرشحين والناخبين معا.

بيد أن هذه الوهلة الأولى سرعان ما تتبدد، حين نعلم أن أمراء الحرب الذين يديرون ميليشيات يقـدّر عدد المنخرطين فيها بأكثر من 130 ألف مسلح مدججين بالرشاشات والصواريخ، هم الخطر الحقيقي.

فهذه الميليشيات، التي هي بقايا حركات المجاهدين الذين قاتلوا الاتحاد السوفياتي، تعتبر القوة الرئيسة في البلاد، وهي تقيم تحالفات ظرفية مع الأمريكيين مقابل التعاون معهم في الحرب على “الإرهاب”، كما تتلقى مئات ملايين الدولارات من الحكومة المركزية في كابول، لقاء إعلان ولائها الشكلي لها.

كل عمليات السلب والنهب وسرقة المعونات الدولية الضخمة التي تحدث في أفغانستان، تتم بإيعاز الميليشيات، وكل زراعة زهرة الأفيون وتجارته، تجري تحت إشرافها. وتقـدّر الأمم المتحدة بأن 28 من أصل مقاطعات أفغانستان الـ 32 تنتج الأفيون، وتوظف أكثر من 1،7 مليون عامل يعملون على أراض تبلغ مساحتها 200 ألف فدان. وقد وصل إنتاج أفغانستان من الأفيون عام 2003 إلى 3600 طن، أي ثلاثة أرباع الانتاج العالمي.

ويقال أن شقيق الرئيس حميد قرضاي، أحمد والي قرضاي الذي يدير حملته الانتخابية، ينتمي هو أيضا إلى خانة أمراء الحرب والمخدرات، ويتعرض الآن إلى حملات عنيفة في الحملات الانتخابية بسبب ذلك.

إلى البرلمان!

لا يخفي زعماء الميليشيات نيتهم في السيطرة على البرلمان الجديد. ومنافس قرضاي الرئيسي على منصب الرئاسة (هناك 19 متنافسا)، هو يونس قانوني الذي يُـدرك، على ما يبدو، أن هذا ما سيكون عليه الحال، إما بسبب تهديد الميلشيات للناس بالقتل، إذا لم يصوتوا لهم، أو لأنهم سيشترون الأصوات. لذا، فقد قرر قانوني ببساطة تبنّـي “قضيتهم” بالكامل.

كانت نقطة البداية بالنسبة لقانوني رفضه تسمية أمراء الحرب بهذه الصفة. وقال إن علينا أن نقول إنهم “المجاهدون الذين وقفوا ضد السوفييت، وضد الإرهابيين وضد طالبان”. وبعدها كان طبيعيا أن يطالب أن يكون هؤلاء الأمراء في البرلمان والحكومة، وأن يكُـون في منصب الرئاسة بالنيابة عنهم.

لكن ليس هذا ما تريده الأغلبية الكاسحة الأفغانية. فقد قال إستطلاع أجرته مؤخرا مؤسسة “كير”، إن 88% من الأفغان يريدون تقليص قوة أمراء الحرب، وأن 66% منهم يعتبرون أن تجريد الميليشيات من سلاحها، خطوة لازبة ولابد منها لاستعادة الأمن والاستقرار.

وعلى أي حال، لم ينس الشعب الأفغاني بعدُ أن الحرب الأهلية، التي نَـشبت غَـداة إطاحة حكومة محمد نجيب الله، بين مختلف الميليشيات التي كان يُـطلق عليها إسم “تنظيمات المجاهدين”، أسفرت عن مقتل أكثر من 100 ألف شخص، وجرح نصف المليون، وتهجير أربعة ملايين نسمة، إضافة إلى تدمير البلاد ونهبها.

واحتمال نجاح هؤلاء الأن في السيطرة على البرمان الجديد، يثير القشعريرة في أبدان الجميع. فعلى سبيل المثال، يقول اندرو وايلدر، رئيس وحدة الأبحاث الأفغانية: “إذا لم ننزع سلاح الميليشيات، فسنحصل على الوجوه نفسها في البرلمان، وإذا ما وصل هؤلاء إلى البرلمان، فعلينا جميعا أن نحزم حقائبنا ونستسلم”.

تكرار الأخطاء

لماذا لا يتم نزع سلاح الميليشيات؟ قالت حكومة قرضاي مرارا إنها تنوي فعل ذلك. لكنها في الواقع لم تنجح سوى في “إقناع” 9 آلاف منهم بتسليم أسلحتهم (التي حصلوا على غيرها لاحقا من أمرائهم)!

لكن، حتى وإن كان قرضاي يريد ذلك، فهو غير قادر على تنفيذ هذه الخطوة. وحدها القوات الأمريكية وقوات حلف الأطلسي بوسعها فرض الاستسلام السياسي والعسكري على أمراء الحرب. لكنها هي الاخرى لا تفعل. لماذا؟

يَـرُدّ إدوارد غيرادت، مؤلف كتاب “أفغانستان: حرب السوفييت”، على هذا السؤال بتسجيل الملاحظات الاتية:

– تكرّر أمريكا حرفيا ما فعلته في الثمانينات، حين موّلت وسلّحـت المجاهدين الذين يقاتلون السوفييت، ثم تركت أفغانستان لمصيرها بعد أن حقّـقت أهدافها، وهي الآن تركـّز على مكافحة “الإرهاب” غير عابئة بمصير الشعب الأفغاني.

– دول حلف الأطلسي، التي يُـفترض أن تقود عملية السلام في أفغانستان، تحذو حذو واشنطن خطوة خطوة. فهي تعلن أنها تريد توسيع سيطرة حكومة كابول على مناطق أخرى، لكنها ترفض في الوقت ذاته تنفيذ أي من وعودها.

– والحصيلة: العديد من العشرة ملايين ناخب الذين سجّـلوا أسماءهم في أقلام الاقتراع، لن يتمكنوا من الانتخاب بسبب الوضع الأمني المتدهور، الأمر الذي قد يدفع البلاد بعد الانتخابات إلى الانهيار.

بالطبع، واشنطن (أو بالأحرى إدارة بوش) ترفض هذا المنطق. فالكاتب الامريكي وليام سافاير مثلا، يعتبر الانتخابات الافغانية “معجزة”، قافزا بذلك فوق كل مخاطر الوضع الأمني هناك. ووزارة الخارجية الأمريكية تقول إن العدد الكبير من الأفغان الذين سجّـلوا أنفسهم للاقتراع، فاق كل التقديرات والتوقعات، علما بأن العديد من هؤلاء ينوون “التصويت باكرا ومرارا”، على حد تعبير صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور”.

وبالتأكيد سيعمد الرئيس بوش قريبا إلى “الاحتفال بهذا النصر الجديد للحرية في كابول”. بيد أن نهار فرح واشنطن سيبدده ليل أفغانستان الذي يعج الآن بأمراء الحرب والتقسيم والتفتيت.

ولعل المراقبين الشرق أوسطيين أنفسهم الذين تحدثوا بسُـخرية عن انتخاب الأفغانيين لبوش، لم يكونوا مخطئين كثيرا، حين قالوا أيضا إن ما تفعله واشنطن في أفغانستان لا يعدو، كونه تشريع الحرب الأهلية، وتكريس انهيار “الدولة – الأمة” الأفغانية، عبر إلباسهما رداء الانتخابات.

وهذه، برأيهم، “مهزلة” انتخابية قد لا يكون لها سابق، لكن سيكون لها حتما لاحق، ربما في العراق وباقي أنحاء الشرق الأوسط الكبير!

سعد محيو – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية