مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أمل جديد في رأب الصّـدع في علاقة أمريكا بالعالم الإسلامي

أكدت السيدة إنغريد ماتسون، رئيسة رابطة المجتمع الإسلامي في أمريكا الشمالية في مؤتمر عقد مؤخرا في واشنطن على أهمية دور الإعلام في وقف الصُّـور السلبية النَـمَـطية عن الإسلام وعن الأمريكيين swissinfo.ch

عندما يُـغادر الرئيس بوش البيت الأبيض في يناير القادم، سيكون قد ترك وراءه أسوأ مُـستوى في تاريخ العلاقات الأمريكية بالعالم الإسلامي، بسبب سياساته العدوانية واستخدام القوة العسكرية ضدّ عدد من الدّول الإسلامية، وغزوه للعراق، وانحيازه التام لإسرائيل وتطاوله على الإسلام بعبارات، مثل الفاشية الإسلامية، وخلطه بين الحرب على الإرهاب والحرب على الإسلام.

وقد شارك مركز “البحث عن أرضية مشتركة” في واشنطن مع معهد “التوصّـل إلى الإجماع” في بوسطن، في إطلاق مبادرة تسمّـى “مشروع التعامل الأمريكي الإسلامي” والتي تَـضافرت من خِـلالها جهود أكثر من ثلاثين من المسؤولين والمشرِّعين الأمريكيين والدبلوماسيين السابقين، فضلا عن خُـبراء في حلّ الصِّـراعات وباحثين أمريكيين في استطلاعات الرأي العام في العالم الإسلامي وزُعماء المسلمين والمسيحيّـين واليهود الأمريكيين على مدى عام ونصف، لدراسة ما يتعيّـن عمله في إطار إستراتيجية جديدة لتحسين علاقات أمريكا بالعالم الإسلامي وتقليص العَـداء المُـتنامي للولايات المتحدة.

وأصدرت المجموعة تقريرها في مائة وخمسين صفحة تحت عنوان: “تغيير المسار: اتِّـجاه جديد لعلاقات الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي”.

سويس إنفو التقت بالسيد ديفيد فيرمان، الذي أشرف على إصدار التقرير، فأكّـد أن السبب في الصّـدع الذي أصاب العلاقات الأمريكية بالعالم الإسلامي، ليس ما روّج له البعض من وجود صِـراع بين الحضارات، وإنما كان بسبب السياسات والإجراءات التي اتُّـخِـذت في فترتَـيْ رئاسة الرئيس بوش، لذلك طرح التقرير على الرئيس القادم للولايات المتحدة عددا من التوصيّـات العاجلة لخَّـصها السيد فيرمان بقوله:

“أولا، أن يسلَّـط الضّـوء في خِـطاب تنصيبه على الأهمية القُـصوى لتحسين العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي.

ثانيا، أن يؤكِّـد فورا إلتِـزام الولايات المتحدة بحظْـر استخدام كافة أشكال التعذيب.

ثالثا، أن يُـبادر خلال ثلاثة أشهر من تنصيبه بطرح مُـبادرات رئيسية لحلّ الصِّـراعات الإقليمية في الشرق الأوسط، وعلى رأسها الصِّـراع العربي الإسرائيلي والمجابهة مع إيران.

رابعا، أن يدعو بحلول شهر يوليو من عام 2009 إلى عقد مؤتمر موسّـع يضُـم وكالات الحكومة ورجال الأعمال، لمناقشة الإصلاح الاقتصادي والتنمية وخلْـق فُـرص العمل في الشرق الأوسط.

خامسا، أن يقود الرئيس الأمريكي الجديد مُـبادرة أمريكية بالتّـعاون مع الكونغرس وقيادات التعليم في الولايات المتحدة ورجال الأعمال، لتحسين العلاقات مع العالم الإسلامي، وإطلاق مبادرة للتبادل والتعليم بين المُـواطنين الأمريكيين ومواطني الدول الإسلامية”.

بناء على رغبة المسلمين

وسألنا السيد أحمد يونس، عضو المجموعة وكبير المحلِّـلين في مركز غالوب لدراسات العالم الإسلامي عن الأساس الذي استنَـدت إليه المجموعة في توصِـياتها لتحسين العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي فقال:

“تمّـت المناقشات بين أعضاء المجموعة التي أعدّت التقرير، استنادا إلى نتائِـج استطلاعات للرّأي العام في الدول الإسلامية، أجرتها مؤسسة غالوب، لمعرفة ما الذي يُـريده مواطنو الدول الإسلامية من الولايات المتحدة لفتح صفحة جديدة في العلاقات، ليس فقط مع الدول الإسلامية، ولكن مع الشعوب والمجتمعات الإسلامية، ولذلك، وفّـقت المجموعة تماما بين ما تتطلّـع إليه الشعوب الإسلامية وبين ما يُـريده الأمريكيون”.

وضمّـت المجموعة شخصيات بارزة، مثل وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت، والنائب السابق للخارجية الأمريكية ريتشارد أرميتيج، والمنسِّـق السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط دينيس روس، وعضوَيْ الكونغرس السابقيَـن، فين ويبر وستيف بارتلت، وإنغريد ماتسون، رئيسة رابطة المجتمع الإسلامي في أمريكا الشمالية، التي أكّـدت لسويس إنفو اعتقادها بأن التوصيات عملية وقابلة للتطبيق، إذا صدَقت نوايا الجانبين.

وأكّـدت الدكتورة ماتسون على أهمية دور الإعلام في وقف الصُّـور السلبية النَـمَـطية عن الإسلام وعن الأمريكيين، قائلة: “لقد اعترفنا في التقرير بأهمية الإعلام في رأب الصَّـدع بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، ويتعيّـن لنجاح التوجّـه الجديد، أن تتحرّى وسائل الإعلام الأمريكية الدقّـة والموضُـوعية فيما تنشره وتُـذيعه عن الإسلام والمسلمين، وأن تلتزم وسائل الإعلام في الدول الإسلامية كذلك بتقديم الصُـور الصحيحة عن الولايات المتحدة وعن الأمريكيين”.

مُكافحة تشويه صورة الإسلام

ويتزامن تصريح الدكتورة ماتسون مع تقرير أصدرته مؤسسة الدقّـة والإنصاف “FAIR” في التقارير الإخبارية عمّـن وصفتهم بـ “دستة الأشرار”، التي أخذت على عاتقها مهمّـة تشويه صورة الإسلام وبثّ الخوف من المسلمين في وسائل الإعلام الأمريكية، ومن أبرزهم دانيال بايبس ومذيع قناة “فوكس نيوز” بيل أورايلي، ومذيع “سي إن إن” غلين بيك، ومقدِّم برامج الراديو مايكل سافيج وعدد من الكتَّـاب البارزين، مثل ديفيد هورويتز ومارك ستاين وروبرت سبنسر.

وإدراكا من المجموعة لأهمية مكافحة تشويه صورة الإسلام في الولايات المتحدة، فقد انطلق مع صدور التقرير موقِـعٌ إلكتروني جديد باللغة الإنجليزية يسمّـى: ChangeTheStory.net، يهدِف إلى تعريف المواطنين الأمريكيين، بل ورجال التعليم في الولايات المتحدة، بالإسلام والمسلمين لسدّ فجوة معلومات الأمريكيين والابتعاد بهم عن الصُّـور السّـلبية التي يروِّجها أعداء التفاهم والحِـوار من غُـلاة المتشدّدين والمتعصّـبين المسيحيين واليهود.

ومن بين الأبواب الثابتة على الموقع: تَـعرّف على جارِك، وتغيير القصّـة لمكافحة تشويه الإسلام، غيـّر العالم بالكتابة للصحف ورجال الكونغرس، ورجال التعليم ورجال الدين، وغيرها من الأبواب التفاعلية.

ولتعريف المواطن الأمريكي العادي بالتقرير، أعدّت شبكة Link TV، وهو تلفزيون أمريكي ثقافي محايد، فيلما تسجيليا تناول محاوِر التّـقرير بأصوات كِـبار المشاركين فيه، مثل مادلين أولبرايت ودينيس روس وغيرهم، وجعلته مُـتاحا للمشاهدة على موقِـع المشروع على شبكة الإنترنت: www.USMuslimEngagement org

وتقول إنغريد ماتسون، إن إستراتيجية تحسين العلاقات مع العالم العربي، تستند إلى أربعة أعمدة: “أولا، الاعتماد على الدبلوماسية كأداة رئيسية لحلّ النزاعات في العالمين، العربي والإسلامي، وإشراك الأطراف الحليفة، وكذلك المناهضة للولايات المتحدة في الحوار. ثانيا، مساندة الجُـهود المبذولة للارتِـقاء بنُـظم الحُـكم وتعزيز مشاركة المجتمع المدني في الدول الإسلامية، والترويج للتحوّل الديمقراطي، دون تفضيل توجّـه على آخر. ثالثا، العمل مع الدول الإسلامية في برامج شراكة اقتصادية توفِّـر فرص الإسلامية”.

وقالت “إن مرشّـحي الرئاسة، الديمقراطي باراك أوباما والجمهوري جون ماكين، تسلَّـما نُـسختين من التقرير وأعرَبا عن ارتِـياحهما للتوصيّـات التي وردَت فيه.

توصيات للكونغرس وللزّعماء الدِّينيين

وإدراكا من المشاركين في إعداد التقرير لضرورة توافُـر إجماع على هدف تحسين العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي، تضمّـن التقرير توصِـيات لكل من الكونغرس ورجال الدِّين ورجال التّـعليم، المسلمين والمسيحيين واليهود، بل ولرجال الأعمال ووكالات التنمية والمؤسسات الخيرية ولأصحاب وسائل الإعلام ولأفراد الشعب الأمريكي.

وكان من أبرز التوصيات للكونغرس الأمريكي، مناشدتهم تأييد التوجّـه الجديد لتحسين العلاقات مع العالم الإسلامي، ومساندة الجُـهود الدبلوماسية الأمريكية لحلّ الصِّـراعات الإقليمية في الشرق الأوسط، وتوفير الاعتمادات المالية اللاّزمة لِـدعم التجارة والاستثمار، وخلق فُـرص العمل في الدول الإسلامية، وتقديم حوافِـز للإصلاح الاقتصادي فيها.

كما أوصى التقرير رجال الدِّين الإسلامي والمسيحي واليهودي، بالعمل النَّـشِـط في مجال الحوار والتفاهم بين الأديان وإظهار احترام كلّ منهم للآخر، من خلال التصريحات العامة والتعليم الدِّيني والاحتفالات المُـشتركة والمساعدة في بناء تأييد في أوساط الرأي العام، للتواصل البَـنَّـاء بين أبناء الدِّيانات السماوية الثلاث، وتقديم القُـدوة للشباب وتشجيعهم على التحلّـي بالتسامح واحترام الدِّيانات الأخرى.

تقييم الخبراء لمستقبل التوجه الجديد

وتُـشير ردود الفِـعل الأولية إلى مساندة وترحيب حارّ بذلك التوجّـه، خاصة من الأعضاء المُـخضرمين في الكونغرس الأمريكي، مثل الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السناتور الجمهوري ريتشارد لوجر، الذي وصَـف التوصِـيات بأنها نأت بنفسها عن المُـنافسات الحِـزبية، وتضمّـنت تحليلا دقيقا لِـما وصلت إليه أحوال العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي، ومقترحات بنَّـاءة لتحسين تلك العلاقات.

كما دعا رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، النائب الديمقراطي هاورد بيرمان، أعضاء الكونغرس إلى دراسة توصِـيات التقرير بعناية، حيث أنه يتناول بعُـمق واحدة من أهمّ التحدِّيات التي تُـواجه عالم اليوم، وهي تطوير علاقات انسِـجام بين الدول الإسلامية والغرب.

أما الجنرال أنتوني زيني، القائد السابق للقيادة الأمريكية الوُسطى، فوصف التقرير بأنه بالِـغ الأهمية ويتعيّـن على كلّ أمريكي يعمَـل في رسم السياسات أن يدرسه بعناية. ووصف ليون بانيتا، الرئيس السابق لهيئة موظفي البيت الأبيض، التوجُّـه الجديد الذي دعا إليه التقرير، بأنه خارطة طريق للرئيس الجديد، تأخذ بيَـده إلى أسرع الطُّـرق، لتحسين العلاقات الأمريكية بالعالم الإسلامي وتوفِّـر الأمن الحقيقي للولايات المتحدة في أنحاء العالم.

وتوجَّـهت سويس إنفو إلى الدكتور رضوان المصمودي، رئيس مركز دراسات الديمقراطية والإسلام في واشنطن، لمعرفة تقييمه لإمكانية تطبيق التوصيات الواردة في التقرير فقال:

“توصيات التقرير واقِـعية وعمَـلية، وتستند إلى نبْـض الشارع في العالم الإسلامي، ولكنها ستحتاج إلى بَـذْل جهودٍ ضخمة لإقناع صنّـاع القرار في البيت الأبيض والكونغرس بضرورة تطبيق تلك التوصيات، من أجل تحسين العلاقات الأمريكية بالعالم الإسلامي والإقرار بضرورة إصلاح الصَّـدع الكبير الذي خلّـفه الرئيس بوش في تلك العلاقات”.

وردّاً على سؤال عمّـن هو المرشّـح الذي سيكون أقدر على الأخذ بتوصيات التقرير، إذا ما أصبح الرئيس القادم للولايات المتحدة، قال الدكتور المصمودي: “مع الأسف، لم يتّـضح من خلال المُـناظرتين بين أوباما وماكين أي اهتمام منهما بطرح مشكلة التّـدهور الذي لحِـق بالعلاقات الأمريكية بالعالم الإسلامي خلال فترتي رئاسة بوش، ومع ذلك، فإن السناتور باراك أوباما سيكون أكثر استعدادا للأخذ بتوصيات التقرير، لكونه منشغِـلا منذ ترشيحه بضرورة تحسين صورة أمريكا في العالم وضرورة الحِـوار، حتى مع خصوم الولايات المتحدة.

أما السناتور جون ماكين، فللأسف يفكِّـر بنفس طريقة بوش التي خلَـطت بين الإسلام والإرهاب وبين العُـنف والتطرّف وبين الحركات السياسية ذات التوجّـه الإسلامي، وظهر ذلك في إشاراته المتكرِّرة إلى خطَـر التطرف الإسلامي الراديكالي والذي ينطوي على خلْـط التطرّف والراديكالية بالإسلام، وكذلك تعمّـده الحديث مثل بوش عن كراهِـية القوى الإسلامية الراديكالية في الشرق الأوسط للقِـيم الغربية والحضارة والتمدّن، ورغبتها في بناء خلافة إسلامية تمتَـد إلى القارة الأوروبية”.

محمد ماضي – واشنطن

القاهرة – رويترز- لا ينطلق مؤلف كتاب «سقوط نظرية صراع الحضارات وإعادة تقديم الإسلام للعقل الغربي» من افتراض يسعى للبرهنة عليه، لكنه من السطر الأول يشدد على أن «الهدف الرئيسي من هذا الكتاب هو الدفاع عن تاريخ وحاضر الإسلام وإسقاط نظرية صراع الحضارات» للمفكر الأمريكي سامويل هنتنغتون.

وقال عزيز فهمي إن نظرية صراع الحضارات التي أطلقها هنتنغتون في التسعينيات، أشبه بالأسطورة التي كانت بحاجة إلى حدث ضخم يبعث فيها الروح، وأضاف أن تلك النظرية ظلت مرفوضة إلى أن جاءت هجمات 11 سبتمبر 2001 فأعادتها إلى الحياة «بعد أن كادت تموت..
أضفت «الهجمات» على النظرية مصداقية غير مستحقة»، ولخص هنتنغتون، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد نظريته في كلمتين جعلهما عنوانا لكتابه «صدام الحضارات»، الذي ذهب فيه إلى أنه بعد انهيار الشيوعية وتفكك المعسكر الشرقي في مطلع التسعينيات وانتهاء الحرب الباردة، سيشهد القرن الحادي والعشرون صراعا دوليا بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي.

وصدر كتاب عزيز فهمي في القاهرة ويقع في 414 صفحة كبيرة القطع ويضم فصولا منها «الأساس التاريخي لانحياز الغرب ضد الإسلام» و«الأساس العلمي لتبرئة الإسلام من تهمة العدوانية» و«إسقاط النظريات الغربية العنصرية عن نشوء الحضارة» و«موقع الإسلام في تاريخ المعرفة الإنسانية» و«مصيدة هنتنغتون للقارئ الغربي»، وقال فهمي، وهو إعلامي مصري يعمل في الولايات المتحدة منذ 1991، إن هنتنغتون متأثر ببيئة ثقافية أفرزت مئات المفكرين السابقين منذ عصر النهضة الأوروبية، متهما إياهم بالاستعلاء، حيث يرون «أن السيادة العالمية حِـكر على الشعوب الأوروبية والغرب»، معتبرا ذلك موقفا سلبيا من الإسلام، وأضاف أن هذا الموقف «السلبي» ليس جديدا، بل تمتد جذوره إلى مرحلة «الصعود الإسلامي على مسرح التاريخ»، الذي بدأ في القرن السابع عشر ميلادي واستمر نحو ألف عام، قضى فيها على الإمبراطوريتين، الفارسية والبيزنطية، وبلغ حدود أوروبا الغربية في الأندلس.

وأشار إلى أنه منذ تلك الفترة، اعتبر بعض المفكرين الغربيين الإسلام «دينا عدوانيا.. هنتنغتون لم يكتف باتهام الإسلام بالعدوانية في الماضي، بل حاول اتهامه بالعدوانية في المستقبل أيضا، وحذر الغرب من أن الإسلام هو العدو الجديد بعد انهيار الشيوعية».

وبشيء من التعميم، اتهم الباحث العقل الغربي الذي ينتمي إليه هنتنغتون بتجاهل ألف عام من الصراع الدولي بين شعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من جهة، والشعوب الأوروبية من جهة أخرى، قبل الإسلام من عام 550 قبل الميلاد حتى 632 ميلادية، وقال إنه تأسيسا على ذلك «ادعى هنتنغتون أن الصراع الدولي في التاريخ الإنساني بين الشرق والغرب لم يبدأ إلا بسبب الفتح الإسلامي»، واصفا هذا التجاهل بأنه لم يكن عفويا، بل نتيجة «اعتقاد» المواطن الغربي بأن حضارات الشرق تنتمي إلى مرحلة ما قبل التاريخ.

وأورد المؤلف شهادة للمؤرخ الإغريقي هيرودوت «نحو 484 – 425 قبل الميلاد»، سجل فيها أن المصريين القدامى، هم الآباء الشرعيون لعلوم الهندسة والرياضيات والطب والفلك والتقويم الشمسي. ودلل فهمي على ما رآه انحيازا من «المؤرخين الأوروبيين» في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ضد الشرق باعتبارهم طاليس «ولد نحو 640 قبل الميلاد» وفيثاغورس «نحو 582 – 500 قبل الميلاد»، هما من أسس علم الرياضيات والهندسة، قائلا إن معظم المصادر الغربية تجاهلت «أنهما تلقيا تعليمهما في الشرق، خاصة في مصر وبابل»، حيث تلقى فيثارغورس تعليمه في مصر لمدة 22 عاما «بين عامي 547 و525 قبل الميلاد» وبعد الغزو الفارسي لمصر، اعتقل مع طلاب وأساتذة معبد التحق به ككاهن ورحلوا إلى بابل، التي قضى فيها خمس سنوات «تعلم خلالها الرياضيات البابلية والعبادات البابلية أيضا».

وعلق على «عنصرية» الغرب مستشهدا بقول المؤرخ الأمريكي مارشال هدجسون، صاحب نظرية وحدة التاريخ العالمي أن «لفظ تاريخ في الخطاب الأكاديمي الغربي، تعني تاريخ أوروبا، ومع ذلك يطلقون عليه تاريخ العالم»، وقال إن هنتنغتون سعى لعزل الإسلام عن تاريخ الإنسانية، وهو بذلك يكون «ضحية لعقيدة المدرسة الفكرية الغربية عن عمر الحضارة الإنسانية»، التي قال إنها تتجاهل دور الحضارة الإسلامية كجسر بين الحضارة الإغريقية وعصر النهضة الأوروبية. ونفى أن يكون العالم الإسلامي قد توحد خلف زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن أو الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين «ولم ترسل أي من الدول العربية أو الإسلامية قوات للقتال مع نظام الملا عمر أو نظام صدام حسين»، مضيفا أن الدول الإسلامية أدانت هجمات 11 سبتمبر.

وأثارت نظرية صراع الحضارات كثيرا من الجدل قبل نهاية القرن العشرين وإن قلّـت حدة الانتقادات الموجهة لهنتنغتون بعد هجمات 11 سبتمبر، التي فتحت طريقا لحروب قادت فيها الولايات المتحدة تحالفا دوليا وبدأت بإسقاط نظام طالبان في أفغانستان نهاية 2001، حيث وصف الرئيس الأمريكي جورج بوش تلك الحرب، بأنها صليبية جديدة وإن قال فيما بعد أنها زلة لسان. والكتاب كله مخصص لدحض نظرية «صدام الحضارات»، التي ابتدعها هنتنغتون، لكن مؤلفه يقر في الصفحة الأولى بأن هجمات سبتمبر جاءت «لتُـعيد الحياة» إلى النظرية في إشارة الى أنها موجودة. هكذا يكون المؤلف – الذي قدم بانوراما تاريخية – قد تأخر بضع سنوات عن السياق الذي كان يمكن أن يناقش فيه أفكار هنتنغتون.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 31 يناير 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية