مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أندرياس غروس: “التونسيون أوجـدوا المثال الذي يتعيّن الإقتداء به”

يوم 24 أكتوبر 2011، أعلنت الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات عن النتائج المبدئية للتصويت في دوائر الخارج وتشمل 18 مقعدا Keystone

يوم الأحد 23 أكتوبر الجاري، تابع العالم بانتباه شديد سير انتخاب المجلس الوطني التأسيسي (الجمعية التأسيسية) في تونس وهو أول اقتراع ديمقراطي ينظم في تونس منذ إطاحة ثورة 14 يناير بالرئيس السابق بن علي واندلاع ثورات الربيع العربي في مصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين.

وفي الوقت الذي لا زالت فيه عمليات فرز الأصوات مستمرة وقبل الإعلان الرسمي عن النتائج النهائية للتصويت من طرف الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات، تشير المعطيات الأولية المتداولة إلى أن حزب حركة النهضة ذي التوجه الإسلامي قد يحصل على نحو 40% من أصوات الناخبين وهو ما سيؤهله للفوز بنحو ثلث مقاعد المجلس التأسيسي ( 60 أو 65 من بين 217 مقعدا) متبوعا بحزبي المؤتمر من أجل الجمهورية (بقيادة منصف المرزوقي) والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (بقيادة مصطفى بن جعفر).  

في هذا السياق، تحول البرلماني السويسري أندرياس غروس إلى تونس على رأس فريق من المراقبين التابعين للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا لمتابعة سير الإنتخابات ونزاهة وشفافية عملية التصويت. وبحكم خبرته الطويلة في هذا المجال – حيث اشترك في مراقبة الإنتخابات في العديد من بلدان أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية ومنطقة البلقان والقوقاز – اتصلنا به في العاصمة التونسية بعد ساعات من إغلاق مراكز الإقتراع وأجرينا معه الحوار التالي.

swissinfo.ch: ما هو أكثر شيء أثار إعجابــكم في سير عمليات التصويت؟

أندرياس غروس: أولا، وقوف الأشخاص بكرامة وشعورهم بالفخر واستعدادهم للانتظار لـساعتين وثلاثة في ساحــات المدارس قبل الاقتراب من صندوق الاقتراع لإيــداع ورقة التصويت. وقد مرت العملية في أجواء سادها الهدوء والكرامة والشعور بالمسؤولية بصورة لا تكاد تُصدق. وشعرنا لدى المواطنين الذين تجاوزت نسبة مشاركتهم في الانتخابات 90%، حتى في القرى المعزولة البعيدة بمئات الكيلومترات عن العاصمة تونس، بأنهم فخورون ومستعدون لاغتنام اللحظة التاريخية. فلأول مرة منذ مائة عام، تمتع التونسيون بحرية اختيار هيئة (حاكمة) وبمنحها الشرعية، وقاموا بذلك بشكل فريد من نوعه تقريبا في تاريخ الديمقراطية في العالم منذ الثورة الفرنسية. فالديمقراطية هي دائما بمثابة عملية ذات مراحل، واليوم أُنجــِزت في تونس مرحلة واعدة بكل خير لهذا البلد.

رغم التعبئة القوية للناخبين التونسيين، ما هي أوجه القصور الرئيسية التي لاحظتها أو سجلتها فرق الملاحظين؟

أندرياس غروس: قبل الحديث عن نقاط الضعف، يجب أولا إدراك صعوبة إنجاز مثل هذه العملية بعد عشرة أشهر من اندلاع الثورة دون دعم من المؤسسات الحكومية لأن الدولة برمتها فقدت مصداقيتها بسبب الديكتاتورية، والقوى الديمقراطية لتونس الجديدة لم ترغب في استخدام القوى القديمة لبناء الأسس لديمقراطية المستقبل وللمجلس الوطني التأسيسي.

وبالنسبة لنقاط الضعف، وهي العبارة التي استخدمتها في تصريحاتي لأننا لم نجد كلمة أفضل، فنقاط الضعف هذه لا تعني الأخطاء الإرادية بقدر ما تعني أشياء لا يمكن تفاديها لأن القوى الثورية أرادت (من جملة الأشياء التي سعت إليها من خلال هيئة حماية الثورة التي أعدت القوانين المنظمة للمرحلة الإنتقالية) فتح الباب للجميع لمن يريد ان ينتخب بشكل ديمقراطي في المجلس الوطني التأسيسي. وفي الوقت نفسه، أرادت القيام بذلك بشكل لا مركزي، أي في 33 منطقة، وفي نفس الوقت ارادت منح فرصة المشاركة للجميع، وهذا أدى إلى ظهور عدد هائل من القوائم الصغيرة لأحزاب صغيرة وعدد كبير من المرشحين على البطاقات الانتخابية، وكان على الناس في ضاحية قرطاج حيث كنت أتواجد أن يختاروا بين 80 منظمة وحزبا ومرشحا وقائمة مستقلة، وهذا استغرق وقتا كبيرا وأدى إلى فترات انتظار طويلة مما يجعل عملية احتساب الأصوات صعبة، ولهذا السبب على التونسيين ان ينتظروا بعد ظهر الثلاثاء (25 أكتوبر) لمعرفة النتائج النهائية.

شيء آخر هو مبدأ المساواة (التناصف) الذي فرضته هيئة حماية الثورة بالقانون: 50% للرجال و50% للنساء مثلما هو الحال في النرويج والسويد (في سويسرا ليس لدينا شيء من قبيل، ليس هناك تكافؤ الفرص أمام لمال وافتقار للشفافية..) هذه القوائم الصغيرة الهائلة العدد، النساء تصدرت 7% فقط منها، لأن المجلس التأسيسي قد يضم احزابا صغيرة عديدة وتمثيلية من سينتخبون قد تكون مختلفة جدا عن تمثيلية القوائم أي انه ليس هنالك عدد كاف من النساء، وإذا كانت هنالك نساء ستكون من حزب النهضة لأن هذا الحزب سيكون من الأحزاب القليلة التي ستحصل على مقاعد كثيرة في المجلس التأسيسي، والنساء ايضا.

تقولون إن عمل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات رائع وأن المشاكل المسجلة لا تقوم على سوء نية…؟

أندرياس غروس: تماما، وهذا هو التناقض أو الإختلاف بين هذه الانتخابات والانتخابات التسعة والخمسين الأخرى التي ساهمت في ملاحظتها (أو مراقبتها) لا سيما في بلدان الكتلة الشيوعية السابقة. في تونس، حاول الجميع حاول انجاز عملية شاملة ومتوازنة، لم يحاول أحد الغش أو سوء استخدام الامتيازات ضد روح ومعنى العملية (الديمقراطية) وهذا ليس فقط حدثا فريدا من نوعه بل هو رائع ويجب تهنئة هذا البلد على قدرته (على هذا الإنجاز).

في تقريركم النهائي، ماذا ستكون توصيات فريقكم لـحلّ هذه المشاكل أو تداركها؟

أندرياس غروس: سيتضمن التقرير العديد من التوصيات والاقتراحات. بشكل مستقل عن فترة الانتخابات، وضع قوائم منُتخـِبين تعكس الواقع، تشجيع الجميع على التسجيل. ففي المناطق القروية والأحياء الفقيرة كان هنالك أشخاص لم يثقوا في المؤسسات لان الدولة لم تستحق أبدا في حياتهم ثقتهم وقد قدموا متأخرين يوم أمس (الأحد 23 أكتوبر) إلى مكاتب التسجيل (للمشاركة في التصويت) وكان قد فات الأوان لم يكن ممكنا، إذن يجب وضع قائمة ناخبين جيدة، لأن المجلس التأسيسي سيصوغ دستورا سيتم التصويت عليه في استفتاء على الأرجح (غير أكيد)، ولكن الأكيد أن هذه القوائم ستصلح كأساس لانتخاب البرلمان والرئيس، البلاد في حاجة إلى قائمة منتخبين جيدة.

ثانيا، يجب إيجاد وسيلة لتشكيل برلمان تمثل فيه النساء أيضا لأن النساء هن أيضا أمهات الثورة كما يقال هنا ومن المهم جدا بالنسبة للمؤسسات التي تناضل من أجل إنجاح الثورة والحفاظ على مكاسبها أن تكون عناصر الثورة حاضرة أيضا للتعبير عن مواقفها.

شيء آخر، يوم أمس كافة الناخبين غمسوا أصابعهم في الحبر الأسود الذي لن يزول الا بعد اسبوع تقريبا، ووجدت أن هذا ينال من كرامة الشخص، حتى أنني خجلت من الأمر، وشعرت بالرأفة، ولكن الناس كانوا فخورين جدا لأنهم صوتوا، وعاشوا هذه التجربة ولا يخجلون من إظهار ذلك للجميع، ولكن التصويت مرتبط بحرية الفرد، وعندما يصوت الشخص لا يجب بالضرورة أن يعلم الجميع أنه أدلى بصوته، فمن حقه أيضا أن لا يصوت، وأنا متأكد أن المواطنين التونسيين لن يسمحوا بهذا مرات أخرى، ربما مرة ثانية، يجب ضمان أن لا يكون الغش مرة ثانية، ولكن بشكل أكثر تحضرا، لأن اليوم في تونس 99% من السكان أصابعهم سوداء…

طلبت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا من الفاعلين الرئيسيين للحياة السياسية في تونس الاعتراف بنتائج الانتخابات، هل لديكم مخاوف بهذا الشأن؟

أندرياس غروس، نعم، رئيس حركة النهضة ذكر بشكل غير مقبول، نقل عنه أنه قال إذا لم نحصل على 35 أو 40% من نسبة الاصوات التي نعتقد اننا نستحقها، سنشكك في مشروعية الانتخابات، ولكنه أوضح على الفور بأن تصريحاته فُسّرت بشكل خاطئ من قبل الصحفيين والفرنسيين والإستعماريين السابقين… لا يجب اللعب بهذا الخيار، هذه العملية الانتخابية كانت ذات جودة تقريبا فريدة من نوعها واستثنائية بالنظر إلى السياق الصعب والوقت المتاح، سويسرا لم تشهد انتخابات بهذه الدرجة من المساواة والتوازن والعدل في العقدين الأخيرين، وأنا متأكد بأنه ليس هنالك أي حق للتشكيك (الإعتراض) في مشروعية الانتخابات او محاولة الوصول الى مركز في السلطة بطريقة اخرى غير المرور عبر الانتخابات القادمة، والعمليات التشاورية الأخرى للشعب التونسي.

من وجهة نظرك، هل تبشر هذه الإنتخابات بمستقبل أفضل في البلدان العربية التي نجح فيها الربيع العربي؟

أندرياس غروس: من الصعب القول نعم. هذه العملية الانتخابية التي جرت بعد عشرة أشهر من الثورة، التونسيون أوجدوا المثال الذي يجب الاقتداء به ووضعوا المعايير بطريقة رائعة. كل البلدان التي ستستطيع الاحتذاء بهذا المثال ستنجح في بناء ديمقراطيتها. وانا متأكد أنه اذا فشلت العملية في تونس ستفشل أيضا  في المنطقة بأسرها، ولدي أمل وثقة كبيرين أن الأمور لن تتدهور في تونس، وستكون مثالا ايجابيا سيشجع أيضا المصريين والليبيين، وحتى السوريين رغم صعوباتهم الكبيرة التي نعرفها والتي هي أكبر وأكثر من غيرهم، ولكن بالنسبة لهم أيضا تونس مثال لاختيار طريقة الثورة بدون عنف شاملة محترمة للآخرين، الطريق هو الذي يخلق الجودة، احد عناصر قلب الذي سمح للتونسيين ان يعيشوا هذه اللحظة التاريخية.

يشغل الاشتراكي اندرياس غروس (59 عاما) مقعد نائب في مجلس النواب السويسري منذ عام 1991 وقد أعيد انتخابه مجددا في زيورخ يوم 23 أكتوبر أيضا لعضوية مجلس النواب.

يظل معروفا في سويسرا بأنه “أب” أول مبادرة شعبية طالبت بإلغاء الجيش عام 1989. لكن اهتمامه يتركّـز الآن على حماية وتوسيع مجال الحقوق الشعبية.

التحق اندرياس غروس بالجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا منذ يناير 1995، وهو يناضل من خلاله من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان واحترام الديموقراطية.
 
أتاحت له هذه العضوية المشاركة في مراقبة سير الانتخابات في العديد من بلدان العالم، وخاصة الرئاسيات الأخيرة في فرنسا والولايات المتحدة، إضافة إلى اقتراعات أخرى في بلدان أوروبا الشرقية ومنطقتي البلقان والقوقاز.
 
ترأس مجموعة المراقبين التابعين للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا التي لاحظت سير أول انتخابات ديمقراطية لاختيار مجلس تأسيسي يوم 23 أكتوبر 2011 في تونس منذ إسقاط نظام زين العابدين بن علي في يناير الماضي.

تونس (رويترز) – يتأهب حزب النهضة الاسلامية المعتدل لان يقود حكومة ائتلافية بعد أن بعث فوزه في أول انتخابات حرة في تونس برسالة الى دول أخرى في المنطقة كانت تحظر يوما نشاط الاسلاميين الذين أصبحوا يتنافسون على السلطة بعد “الربيع العربي”.

ومع استمرار عملية فرز بطاقات الاقتراع قال حزب النهضة ان احصاءه غير الرسمي يظهر فوزه في الانتخابات التي أجريت يوم الاحد في اول انتخابات منذ الانتفاضات التي بدأت في تونس وامتدت في أرجاء المنطقة.

وسعيا لطمأنة العلمانيين في تونس ودول أخرى تخشى على قيمها الليبرالية قال مسؤولون بالحزب انهم سيتحالفون مع حزبين علمانيين في ائتلاف مؤقت موسع يحكم البلاد.

وقال عبد الحميد الجلاصي مدير الحملة الانتخابية امام مقر الحزب في وسط العاصمة التونسية “النتائج الاولية اظهرت ان النهضة جاءت في المركز الاول.” وبينما كان يتحدث تجمع نحو 300 شخص في الشوارع وكبروا بينما بدأ اخرون يرددون النشيد الوطني التونسي. وقال الجلاصي “لن ندخر جهدا في اقامة حكومة ائتلاف… نطمئن المستثمرين والشركاء الاقتصاديين الدوليين.”

وبعد يومين من نسبة اقبال غير مسبوقة على الانتخابات بلغت 90 في المئة ما زال يفرز المسؤولون أوراق الاقتراع في بعض المناطق. وقالوا ان النتائج الرسمية ستعلن قبل مساء يوم الثلاثاء 25 أكتوبر . وقالت زينب عمري وهي شابة محجبة خارج مقر حزب النهضة “انها لحظة تاريخية… لا احد يمكنه ان يشك في هذه الانتخابات. النتائج اظهرت ان الشعب التونسي متمسك بهويته الاسلامية.”

وقال المنصف المرزوقي المعارض السابق الذي شغل حزبه المؤتمر من اجل الجمهورية المركز الثاني في الانتخابات طبقا للنتائج غير الرسمية انه مستعد للتعاون مع النهضة وأحزاب اخرى.

وقال المرزوقي الذي امضى سنوات في المنفى بفرنسا قبل الثورة التونسية في يناير كانون الثاني لرويترز في مقابلة “انا مع حكومة وحدة وطنية… نريد حكومة وحدة وطنية تكون بمشاركة اوسع الاطراف.” وأضاف “هناك عديد التحديات التي تواجهنا ويتعين على الطبقة السياسية ان تكون في مستوى الشعب التونسي الذي قدم درسا استثنائيا للعالم.”

وتحدث مسؤولون في حزب النهضة عن حزب المؤتمر من اجل الجمهورية وحزب التكتل اليساري باعتبارهما شريكين محتملين في الائتلاف. وربما يساعد وجودهما في الائتلاف الحاكم على طمأنة العلمانيين في تونس.

ومن المرجح أن يكون لهذه النتيجة صدى في مصر التي ستجري في نوفمبر تشرين الثاني أول انتخابات بعد الثورة. ومن المتوقع أن يكون أداء حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الاخوان المسلمين والذي تربطه قواسم ايديولوجية مشتركة بحزب النهضة اداء قويا.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 25 أكتوبر 2011)

(نقلته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية