مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أولمرت يُواجـه مــأزقا متعدد الأبعاد

صورة وزعها المكتب الإعلامي التابع للحكومة الإسرائيلية يوم 15 يوليو 2006 لرئيس الوزراء إيهود أولمرت وهو يطالع وثيقة على متن مروحية حملته إلى شمال إسرائيل Keystone

بعد عملية غزة، كان وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود اولمرت داخل حزبه المقبل على انتخابات داخلية صعبا، أما ضربة حزب الله فسوف تزيده صعوبة وتعقيدا.

وإذا ما تطورت الأمور، فقد تنقلب المواجهة مع حزب الله إلى مواجهة إقليمية غير مرغوب فيها، وهو ما قد يضطر اولمرت إلى إنهاء حياته السياسية كأحد أسوإ رؤساء الحكومات في إسرائيل…

شوارع مدينة نهاريا في شمال إسرائيل كانت خالية، الشارع الرئيسي في المدينة أشبه بحارة واسعة بنيت في وسطها قناة مفتوحة لاحتضان مياه وادي المفشوخ أو حسب التسمية العبرية الجعتون، الشارع سمي باسم الوادي الذي يقطعه، وفي ذاكرة أهالي المدينة. فالجهة الشمالية للشارع كانت تمتلئ بالمخاطر، عندما كانت تشتعل المواجهات العسكرية على الحدود اللبنابية القريبة من المكان.

فمدى صواريخ الكاتيوشا كان ينتهي على حدود قناة الوادي الشمالية، والضفة الجنوبية كانت تنعم بالهدوء هذا الأسبوع. القصة باتت اليوم مختلفة، فالضفة الجنوبية أخذت حصتها من الكاتيوشا والصواريخ وصلت حتى إلى حيفا ماحية حكاية الضفة الشمالية والضفة الجنوبية لوادي المفشوخ، بعد اختطاف الجنديين الإسرائيليين يوم الثلاثاء الماضي، وقتل ثمانية جنود آخرين على الحدود المشتركة مع لبنان.

الأحداث بدت عاصفة، والعملية العسكرية الإسرائيلية انطلقت، وفي قيادة المنطقة الشمالية للجيش الإسرائيلي، بدوا متلهّـفين للانقضاض على حزب الله، وايهود اولمرت وعمير بيرس لم يترددا بالموافقة.

فمع جندي مخطوف واحد في غزة وصواريخ القسام المتساقطة جنوب إسرائيل، كانت الأمور سيئة والرأي العام في إسرائيل غير راض عن أداء الحكومة، ومع جنديين آخرين، الورطة أكبر، إذ لم يكن التحرك والرد هذه المرة مزلزلا. فقدرة الردع الإسرائيلية، التي كثر الحديث عنها وعن الإصابة التي لحقت بها بعد عملية حماس الناجحة في كيرم شلوم، ستتحطم نهائيا وستفقد إسرائيل هيبتها نهائيا، وسيستطيع أيا كان أن يوجّـه إليها الضربات، دون أي خوف من العواقب.

حسابات داخلية

أحد المعلقين الإسرائيليين علّـق بخُـبث على الموضوع بعد أن هاجم شمعون شطريت، أحد وزراء حزب كاديما في الحكومة، وأحد أبرز قياداته الغاضبة على زعيم الحزب، الذي لم يُـنصفه ولم يُـعطه منصبا يناسب طموحه خطة الانسحاب من غزة. فقدرة الردع الخاصة بايهود اولمرت هي التي بدأت بالانحسار وشهية وزرائه بدأت تزداد، وكل من رأى نفسه مظلوما لدى اولمرت، بدأ يرى فرصة لاسترداد حقه المهضوم.

المذيع لمّـح أيضا لشاؤول موفاز، وزير الدفاع السابق المشغول بحل مشاكل السكك الحديدية في إسرائيل، بعد أن أبعده اولمرت من وزارة الدفاع إلى وزارة المواصلات، قال: “وضع اولمرت الداخلي بعد عملية غزة كان صعبا داخل حزبه المقبل على انتخاباته الداخلية، وضربة حزب الله كانت ستزيدها صعوبة”. وأكد الكاتب في صحيفة يديعوت الإسرائيلية لسويس انفو “اولمرت كان مضطرا أن يردّ بقوة للحفاظ على حياته السياسية”.

وفق الصحافة الإسرائيلية “فالنوم قد طار من عيني ايهود اولمرت”، عندما استلم منصبه في رئاسة الحكومة بعد مرض ارييل شارون، واستلام اولمرت لمهامه قبل أن يشكّـل الحكومة الإسرائيلية بعد الانتخابات الأخيرة، عندما عرض عليه الملف المتعلق بحزب الله وترسانة الصواريخ الموجودة لديه، والتي يمكن أن يصل مداها، وفق التسريبات، حتى مدينة هرتسيلسا على مشارف تل أبيب. اولمرت فهم حينها أنه لا يستطيع أن يبقي الوضع على حاله، خصوصا وأن المؤسسة الأمنية ضغطت بشكل قوي في هذا الاتجاه، بعد أن حذرت من عُـمق التغلغل الإيراني في لبنان من خلال حزب الله.

“تكسير حزب الله”

اولمرت اقتنع حينها بالأمر، وبدا الانتظار للحظة المناسبة أو “للحجة”، وعملية حزب الله صباح الثلاثاء 12 يوليو بدت الفرصة التي طالما انتظروها في إسرائيل منذ اشهر. وبما أن حزب الله أصبح خارج الإجماع اللبناني، وتحديدا سلاح الحزب، فضرب الحزب بعد عمليته التي بدت للإسرائيليين من خلال متابعاتهم، خلافية داخل المجتمع اللبناني وبما أن القرار 1995 أوجد الشرعية القانونية والسياسية دوليا، فإن أهداف عملية إسرائيل العسكرية في لبنان، وصلت إلى حد تجريد حزب الله من سلاحه، ونشر الجيش اللبناني على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

ومع اشتداد الانتقادات في لبنان لحزب الله، بات رأس الشيخ حسن نصرالله ضمن أهداف العملية، فشرعيته المعنوية أصبحت هي أيضا خلافية لدى اللبنانيين، وتصفيته ستجلُـب موجة ردود هادئة نسبيا وتعزيزا غير مسبوق لشعبية اولمرت في الشارع الإسرائيلي من ناحية، وللمؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي بدت فاشلة بعد عمليتي غزة وزرعيت اللتان “ورّطتا إسرائيل بحرب على جبهتين”، على حد تعبير الون بن دافيد، المراسل العسكري للقناة الإسرائيلية العاشرة.

“إذا بدأت عملية معقّـدة، فأنت لا تستطيع إنهاءها بدون تحقيق أية نتيجة”، هذا ما كتب زئيف شيف، المعلق العسكري لصحيفة هارتس الإسرائيلية، معقبا على العملية.

وقف العملية يجب أن يكون بعد تحقيق جزء مهم من أهدافها، الأجواء في إسرائيل تبدو داعمة لاستمرار العملية حتى “تكسير حزب الله”، على حد تعبير عمير بيرتس، وزير الدفاع الإسرائيلي، غير أن تاريخ العمليات الإسرائيلية في لبنان، يتشح بالسواد لدى الإسرائيليين. فحرب “سلامة الجليل”، اي حرب 82 في لبنان، بدأت بعملية عسكرية محدودة في الجنوب، لم تنته إلا عام 2000 بانسحاب إسرائيلي من الجنوب اللبناني، بعد سنوات طويلة، لم تتوقف خلالها الدماء الإسرائيلية من النزف على الأراضي اللبنانية.

المستنقع اللبناني

خمسة من الجنود الإسرائيليين الذين قُـتلوا في اليوم الأول العملية، أي طاقم الدبابة الأربعة التي فجّـرها مقاتلون من حزب الله، بعد أن مرت فوق عبوة ناسفة زرعت في المكان، والجندي الخامس الذي لقي حتفه برصاصة قناص تابع لحزب الله، أضاءوا النور الأحمر لدى قيادة الجيش.

فإذا استمرت العملية طويلا ولم تستطع قوة نيران سلاح الجو الإسرائيلي حسمها وتحقيق أهدافها السياسية، واضطرت إسرائيل إلى اجتياحات برية للأراضي اللبنانية، فقد تتبدل الانطباعات على وجوه القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، والجولة الثانية في المستنقع اللبناني وفق القاموس الإسرائيلي، الذي رافق اجتياح عام 82 للبنان، قد تكون أسوأ على الأقل. فمستوى المخاطرة الإسرائيلية سيرتفع إلى درجات جديدة، وربما غير مسبوقة.

وإذا وجدت إسرائيل نفسها من خلال عمليتها المستمرة في مواجهة جبهة ثالثة مع سوريا على الأراضي اللبنانية أو في عمق الأراضي السورية، فمساحة هذا المستنقع ستتوسّـع وتزداد عُـمقا، خصوصا وأن أهداف مواجهة مع سورية قد تتجاوز الأهداف المرغوب فيها في إسرائيل، فأي مواجهة كهذه، قد تدخل الإيرانيين مباشرة، بعد معاهدة الدفاع المشتركة بين سوريا وإيران، إلى الصراع في أسوأ الحالات.

وبالتالي، تنقلب المواجهة إلى مواجهة إقليمية غير مرغوب فيها، إسرائيليا وأمريكيا بالأساس، بسبب الأوضاع في العراق أو مواجهة قد تؤدّي إلى تحريك ملف الجولان المحتل، التي لا تريد إسرائيل فتحه حاليا، وحتى وإن أرادت، فالأجدى لها فتحه من خلال الاستجابة للنداءات السورية بالعودة إلى طاولة المفاوضات بعيدا عن المواجهات العسكرية، التي قد تضطر اولمرت إلى إنهاء حياته السياسية كأحد أسوأ رؤساء الحكومات في إسرائيل.

ومع التوازنات الإقليمية والعالمية، تبدو خطوات اولمرت الحالية أشبه برهان قد ينتهي، ربما بالقضاء على حزب الله أو “إعادته إلى حجمه الطبيعي”، والمساعدة في إنهاء تطبيق القرار 1559 وسط شعبية غير مسبوقة في الشارع الإسرائيلي واحترام إقليمي ودولي منقطع النظير أو كجليس على مقاعد أحد المقاهي المنتشرة على ضفتي شارع الجعتون أو وادي المفشوخ، بعد أن يبعده الإسرائيليون عن سدّة الحكم، ينظر ما حوله مستذكرا، كيف ورّط إسرائيل عام 2006 في مستنقع إسمه لبنان أو “حزب الله”؟

قاسم الخطيب – القدس (15 يوليو 2006)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية