مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أولى رُدود الفعل الإنسانية والأممية حول الفـلوجة

معاناة المدنيين في الفلوجة تجد أخيرا صدى لدى المنظمات الإنسانية Keystone

أخيرا خرجت المنظمات الإنسانية والأممية من صمتها لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في الفلوجة العراقية من "الطرفين المتحاربين".

ولم يجد صمت هذه المنظمات عما يجري في الفلوجة -رغم تساؤلات وسائل الإعلام- تبريرا فيما أوردته من “عدم معرفتها بما يجري” أو لـ”عدم تواجد موظفين دوليين في العراق”.

رغم إلحاح بعض وسائل الإعلام المعتمدة في قصر الأمم في جنيف، ومن بينها “سويس إنفو”، على جلب انتباه المنظمات الإنسانية والمنظمات الأممية لما يتعرض له المدنيون في مدينة الفلوجة من انتهاكات وقصف عشوائي من قبل المتحاربين من كلا الطرفيين، ظلت المنظمات الأممية الإنسانية تلتزم الصمت بشكل يثير الكثير من التساؤلات.

فقد لجأ الناطق باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مرارا إلى تعليل هذا الصمت “بعدم الاطلاع عن كثب عما يجري هناك”. أما مديرة قسم الإعلام التابع لمنظمة الأمم المتحدة فكثيرا ما كانت تردد أنه “لم يعد للمنظمة الأممية تواجد فعلي في العراق منذ تعرض مقرها لاعتداء في التاسع عشر أغسطس من عام 2003، ومقتل 23 موظفا أمميا من بينهم المفوض السامي لحقوق الإنسان سيرجيو فيرا دي ميللو”.

لكن نفس الناطقة باسم الأمم المتحدة لا تردد في الحديث عن إشراف المنظمة الأممية على التحضير للانتخابات العراقية. فهل يعقل أن تتاح لها ظروف تنظيم الانتخابات، ولا تتاح لها ظروف إغاثة الضحايا من المدنيين؟

جرأة منظمة العفو الدولية

لا شك أن الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام المرئية، من قصف بري وجوي، وضراوة المعارك التي سمحت بتسريبها وسائل الرقابة، جعلت الاستمرار في الصمت أمرا غير ممكن.
وما كان ذا ثقل أكثر في دفع المنظمات الإنسانية إلى الخروج عن صمتها، إن هي أرادت الحفاظ على سمعتها، إقدام شبكات تلفزيونية، أمريكية بالدرجة الأولى، على نشر صور جندي من مشاة البحرية الأمريكية، يطلق النار على رجل يبدو جريحا وأعزل من السلاح في أحد مساجد الفلوجة.

هذا الحادث دفع منظمة العفو الدولية إلى إصدار بيان في 15 نوفمبر، تدين فيه “انتهاك قواعد الحرب وبالأخص تلك التي تحمي المدنيين والمحاربين الجرحى من قبل الأطراف المتحاربة في الفلوجة”.

بيان المنظمة أشار بالخصوص إلى أن “القوات الأمريكية والقوات العراقية لم تتخذ الإجراءات الضرورية لضمان عدم تعريض المدنيين وغير المقاتلين للخطر”. وأضاف البيان “أن المنشقين أساءوا استعمال الراية البيضاء بإطلاق النار بدون تمييز”.

وقد عبرت منظمة العفو الدولية بالاستناد على شهادة طبيب عن المخاوف من “أن يكون مدنيون قد قتلوا في انتهاك للقانون الإنساني الدولي”، موضحة بأن “عشرين من أعوان القطاع الصحي العراقي وعشرات المدنيين قد قتلوا إثر سقوط صاروخ غير معروف الهوية على مصحة في التاسع نوفمبر”.

قلق اللجنة الدولية للصليب الأحمر

أما اللجنة الدولة للصليب الأحمر، المسؤولة عن تطبيق معاهدات جنيف التي تحمي المدنيين وغير المقاتلين أثناء الصراعات المسلحة، فقد عبرت على لسان الناطقة باسمها في جنيف السيدة رنا صيداني في رد على تساؤلات سويس إنفو، بتحفظها المعتاد عن “القلق لتدهور الوضع الإنساني هناك بعدما وردت معلومات أن هناك جرحى لا يتلقون العلاج اللازم، وأن هناك عددا من المدنيين الذين لا يزالون محتجزين”.

وأعربت السيدة صيداني عن “القلق”، خصوصا بعد منع القوات الأمريكية لجمعية الهلال الأحمر العراقي من إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين في الفلوجة. علما أن جمعية الهلال الأحمر العراقية تعتبر المنظمة الإنسانية الوحيدة تقريبا العاملة في المنطقة بعد انسحاب مبعوثي اللجنة الدولية من العراق بعد تعرض مقرهم للهجوم قبل عام.

وفي ردها على تساؤلات سويس إنفو حول “هذا الصمت تجاه الانتهاكات في الفلوجة”، ذكرت الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن “هدف اللجنة الدولية للصليب الأحمر هو ضمان الوصول الى الضحايا وليس الحصول على مكانة بارزة في عناوين الصحف”، مشيرة الى أن الحوار متواصل مع الأطراف المعنية.

أخيرا..تصريح أممي وإدانة واضحة!

ولا شك أن ما يسترعي الاهتمام في البيانات الصادرة أمس عن الأوضاع في الفلوجة، بيان المفوضة السامية لحقوق الإنسان الكندية لويز آربور التي “أدانت الانتهاكات المتركبة من قبل كل الأطراف المتحاربة”، والتي طالبت بـ”فتح تحقيق ومتابعة مرتكبي تلك الانتهاكات”.

بيان المفوضة السامية لحقوق الإنسان المكتوب والذي وزع على الصحافة، يشمل التعبير عن “القلق العميق” بخصوص مصير المدنيين المحاصرين في الفلوجة، وللأخبار العديدة الواردة عن الانتهاكات المتكررة لقوانين الحرب، ولمنع وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين.

ولم تكتف المفوضة السامية لحقوق الإنسان بإدانة الانتهاكات بل طالبت “بفتح تحقيق عن كل الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان”. كما حثت على “تقديم المسؤولين عن تلك الانتهاكات للمحاكمة سواء كانوا من قوات التحالف أو من المقاتلين المنشقين”. وقد خصت بالذكر “أولائك الذين أطلقوا النار بشكل متعمد وعشوائي على المدنيين، أو الذين أعدموا جرحى حرب او استعملوا المدنيين كدروع بشرية”.

ولئن كانت هذه المواقف تظل محتشمة، فإنها أمل بداية عودة للتمسك بمبادئ ومثل المنظمة الدولية في وقت تسير فيه البشرية نحو تآكل القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي بشكل لم يسبق له مثيل.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية