مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إشكالية وقف الاستيطان الإسرائيلي و”حِسْبـة برما” الفلسطينية

AFP

رغم الوُعود والتحرّكات والتّـصريحات البرّاقة أحيانا، والمتشائمة غالبا، تُـواجه مساعي التسوية السياسية مأزقا مُضاعَـفا يُـعيد الأمور إلى ما قبل نقطة الصفر، وكأن قَـدَر المِـنطقة أن تُـعيد إنتاج أزماتها واحدة تِـلو الأخرى، بعد أن تزيدها تعقيدا وتشبيكا، دون أن تحقّـق أي خطوة إلى الأمام.

هذا التّـقييم ليس إفراطا في التشاؤم بقدر ما هو تعبير عن وضْـعٍ عامّ تعيشه المنطقة منذ فترة طويلة، ولم تُـفلح كل التحرّكات والجهود في أن تُـحوِّل مصير المنطقة من كبوتها المتفاقمة إلى مجرّد بدءٍ لحالة تعافي يُـمكن البناء عليها بتدرّج وثقة.

تفاؤل.. لم يَـدُم طويلا

لقد تفاءل الكثيرون بموْقف الرئيس الأمريكي أوباما تُـجاه الاستيطان الإسرائيلي، ومنهم مَـن اعتقد أن هذا الموقِـف الأمريكي سيكون بداية عملية سِـلمية تتّـسم بالجدِّية والانضِـباط والالتزام بالقرارات الدولية، وأيضا بالخُـطط والاتِّـفاقات العديدة، التي تمّ التوصّـل إليها في السنوات الخمس الماضية، وأشهرها بالطّـبع خطة “خارطة الطريق”.

مبعث التفاؤل أن الاستيطان الذي تلتزم به كل الحكومات الإسرائيلية تحت حُـجج وذرائع مُـختلفة، هدفه الوحيد هو تهويد كلّ الأراضي الفلسطينية، ومِـن ثَـمّ قطْـع السُّـبل والأواصِـر الجغرافية بين البلدات والتجمّـعات السكنية الفلسطينية، وبِـما يجعل هدف إقامة دولة فلسطينية قابِـلة للحياة، ضرباً من المُـستحيل، وبالتالي، يقضي على أي عملية تسوية قبل أن تبدأ.

معروف أن إدارة الرئيس بوش السابقة لم تفعل أي شيء تُـجاه الاستيطان الإسرائيلي، رغم إعلانها الالتزام بحلّ الدولتين، بل كانت عمَـلِـيا داعِـمة للاستيطان والتّـهويد بكل أشكاله، المُـعلَـنة والمُـستترة معا.

وحين أعلن أوباما موقِـفه بضرورة وقف الاستيطان، بدا الأمر نوعاً من القطيعة مع سلوك الإدارة السابقة واقترابا نِـسبيا، ليس من الحق الفلسطيني بوجه عام، بل من الشروط الدُّنيا لإنجاح أي عملية تسوية تستهدف إنجاز حلّ الدولتين، الذى بات شعارا محلّ توافُـق بين العرب في عمومهم، وإدارة أوباما تحديدا، ومن ورائها قوى الغرب النافِـذة.

لكن هذا الشعار ليس مقبولا إسرائيليا، وخطاب رئيس الوزراء نتانياهو الشهير في جامعة بار إيلان، أكّـد رفض وقْـف أو تجميد الاستيطان وِفقا لمِـا تُـطالب به إدارة أوباما، وأوضح أن الهدف ليس إقامة دولة فلسطينبة، وإنما تكريس الاحتلال وإعادة جدولة الأمور المطلوبة، بحيث يُستبعد الشقّ السياسي تماما ويقتصِـر الأمر على إجراء بعض التّـغييرات الشكلية المحدودة في حياة الفلسطينيين الاقتصادية في الضفة، باعتبارهم مجرّد تجمّـعات سكانية، وليسوا أصحاب قضية قومية مشروعة، مع تجاهلٍ تامٍّ للوضْـع في غزة.

الضغط الأمريكي الغائب

الإصرار الإسرائيلي على الاستمرار في الاستيطان، واجهته تصريحات أمريكية قوية رافضة، سواء على لسان الرئيس نفسه أو وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون أو المتحدِّث الرسمي للبيت الأبيض، غير أن الأمر لم يتغيّـر على الأرض، وكلّ ما تملِـكه الولايات المتحدة من أوراق للضّـغط على إسرائيل لم يُستخدم بعدُ، فيما يظلّ التساؤل مشروعا: متى يُـمكن أن تُستخدَم هذه الأوراق طالما أن حلّ الدولتين يخدِم المصلحة الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة وفي عموم العالم الإسلامي أيضا، وِفقا للتّـصريحات الرئاسية المُـعلنة؟

جديد الأمر يُـثير القلق إلى حدٍّ كبير. فجُـهود المبعوث الأمريكي الخاص بعملية التسوية، تبدو متعثِّـرة في مسألة وقْـف الاستيطان وفي غيرها، بل ربّـما نلمح تراجُـعا أمريكيا في هذا السياق.

وبعض التسريبات الإسرائيلية تتحدّث عن أمرين: أولهما، بداية قبول أمريكي لحُـجّـة إسرائيل بأن وقْـف الاستيطان يجب أن لا يشمل البناء لمُـواجهة الزيادة الطبيعية للمستوطنين ولا يشمل أيضا المشروعات الجاري العمل بها، وتلك المُـعلن عنها بالفعل، والتي يصِـل عدد الوحَـدات المقرّر بناؤها إلى حوالي 3 آلاف وِحدة في مستوطنات مختلفة بالضفة الغربية. وثانيهما، أن الولايات المتحدة قد تُـطالب العرب بخُـطوة تطبيعٍ جماعِـية مع تل أبيب، مقابِـل أي قرار جزئي وظاهري تقدِم عليه بشأن تجميد مؤقّـت ومحدود للاستيطان، وهو أمر يصعُـب قبوله عربيا.

صحيح أن المتحدّث الرسمي للبيت الأبيض نفى ما قيل عن صحّـة ما سرّبته الصحافة الإسرائيلية، ولكنه لم ينفِ قُـرب التوصّـل إلى اتفاق مع الحكومة الإسرائيلية بشأن السّـماح الجُـزئي لخُـطط الاستيطان الإسرائيلي المستقبلي.

النفي إذن غير مُـكتمل الأركان ولا يقدِّم اطمئنانا كاملا للفلسطينيين أو للعرب، خاصة وأن رُؤية أوباما للتسوية السياسية الشاملة في المنطقة لم تُـعلن بعدُ، ولا أحد يعرف بالضّـبط ما هي أفُـق هذه الرُّؤية وكيف يُـمكن تطبيقها، وأسئلة أخرى كثيرة ما زالت بلا إجابات.

“حسبة برما”

ناهيك عن تلميحات أخيرة للرئيس أوباما نفسه، تتحدّث عن تطوّر إيجابي في الاتفاق مع حكومة نتانياهو بشأن الاستيطان، ولكنه لم يحدّد طبيعته، ورُبّما يعلِـن عنه في خطاب له في إسرائيل، وهي فكرة قيد الدّرس.

وهنا تجب وقْـفة. فإذا حدَث مثل هذا الاتِّـفاق بين أمريكا وإسرائيل في شأن يخصّ الفلسطينيين ومصيرهم، وهو أمر مرجح، فهذا معناه عودة مرّة أخرى إلى الصيغة ذاتها، أي اتفاق يحقِّـق المصالِـح الأمريكية والإسرائيلية، بعيدا عن أي مشاركة فلسطينية، ثم يُـفرض على الفلسطينيين، فإن قبَـلوه، لا توجد ضمانات لهم للحصول على ما يُـفيد موقفهم الرّاهن أو المستقبلي، وإن رفضوه، يصبحون خارج المعادلة بإرادتِـهم ويصبح من السّـهل اتهامهم بأنهم يضيِّـعون الفرصة تِـلو الأخرى وأنهم رافضون للسلام، رغم أنه غير موجود أصلا.

هكذا هي “حسبة برما” (عبارة دارجة مصرية تُـقال عندما يحتار المرء في حساب شيء ما.. “التحرير”)، التي تتبدى ملامِـحها بشأن الاستيطان والتسوية والمواقف الأمريكية الملتبسة. ويزداد الأمر التِـباسا مع ذلك الموقف الذي ألزَم به الرئيس محمود عباس نفسه بعدم العودة إلى الاتِّـصالات السياسية مع الحكومة الإسرائيلية، ما لم تلتزم بحلّ الدولتين بصراحة وشفافية، وأن يتِـم وقف الاستيطان تماما وِفقا لمُـقتضيات خطة خارطة الطريق، وهو موقف سليم من الناحية المبدئِـية، ولكنه لا يخلو من تحدِّيات وصِـعاب، والسؤال المطروح هنا: ما هي أوراق الضّغط الفِـعلية التي يملِـكها الفلسطينيون لفرْض هذين الشرطيْـن على الطّـرف الآخر؟ وحتى ولو كانت هناك أوراق ضغط، فهل يُـمكن أن تُـصبح فاعلة في ظل وجود الانقِـسام وتضارُب الرّؤى السائديْـن في الساحة الفلسطينية؟

الانقسام .. أيْـقونة فلسطينية عصِـية وسالبة

لقد أصبح الانقِـسام الفلسطيني أيْـقُـونة جديدة يصعُـب فكّ طلاسِـمها، ليس فقط على المصريين الذين يبذلون جُـهدا كبيرا ومستمِـرا منذ تسعة أشهر، وإنما على أصحاب القضية أنفسهم، دون إغفال أن النّـصيب الأكبر تتحمّـله كلُّ من حركتَـيْ فتح وحماس، ومن ورائهما السلطة الفلسطينية وحكومة سلام فياض في جانب، وحكومة إسماعيل هنية في غزة في جانب آخر.

فبعد ستّـة جولات من الحِـوار المكثّـف، والسابعة في الأفُـق، وزيارات لوفود مصرية لدمشق والضفة، ورسائل مع غزة، واستقبال لخالد مشعل في القاهرة، ما زالت الأمور في مربَّـعها الأول. الشكوك هي السائدة والمطالِـب التعجيزية هي المتبادلة والوسيط المصري حائر يطرَح الافكار تِـلو الأفكار ويقوم بالمبادرات ويدعو القادة والكوادر، ولكنه يصطدِم في كلّ خطوة بمشكلة جديدة ما أن يبحث لها عن حلّ توافقي إلا ومشكلة أخرى تفرِض نفسها بقوّة، تبدأ صغيرة ثم تكبر ككُـرة الثلج، وتطيح بكلّ ما سبق إنجازه، هكذا مثلا قضية الاعتقال الذي تقوم بها الحكومتان في الضفة وغزة لأبناء وكوادر الطرف الآخر.

حماس ترى أن اعتقال كوادرها يتِـم لأسباب سياسية تتعلّـق بقرار السلطة تصفية وجودها في الضفة، ولذا فلا اتِّـفاق إلا بعد تحرير المُـعتقَـلين بالجُـملة، وليس فرادى. والسلطة من جانبها، تعتبر الاعتقال قضية أمنية لها أساس قانوني يتعلّـق بضرورة نزع سلاح الفصائل والتزامات محدّدة على السلطة الوفاء بها، وأن من يثبت براءته فلا جُـناح للافراج عنه، وبالتالي، وحسب رُؤية السلطة، فليس هناك علاقة مباشرة بين هؤلاء وبين التوصّـل إلى اتفاق فلسطيني مطلوب بشدّة اليوم قبل غدا.

وما بين السياسي والقانوني، تضيع القضية الأم، وهي التوافق الفلسطيني المنشود، ويبقى الانقسام معزّزا مُـكرّما وسيِّـدا للموقف، وتستمِـرّ حسبة برما الفلسطينية إلى مدى غير معلوم.

د. حسن أبو طالب – القاهرة – swissinfo.ch

رام الله (الضفة الغربية) (رويترز) – نفى أنصار الرئيس الفلسطيني محمود عباس مزاعم أنه خطط في وقت من الاوقات لقتل الرئيس الراحل ياسر عرفات ووصفوا تلك الاتهامات بأنها حملة تشويه هدفها شق وحدة حركة فتح.

وقالت اللجنة المركزية لحركة فتح في بيان في موقعها على الانترنت يوم الثلاثاء 14 يوليو، إن ما قاله فاروق القدومي، أمين سر اللجنة المركزية العليا لحركة فتح، “مُـفبرك ومليء بالتناقضات والأكاذيب”.

وقالت اللجنة المركزية في بيانها “إن النظام الداخلي للحركة يعتبر ما فعله القدومي محاولة انشقاق وتحريض لافشال المؤتمر العام السادس للحركة”، في إشارة إلى المؤتمر العام للحركة المُـزمع عقده يوم 4 أغسطس في الضفة الغربية، وهو أول مؤتمر عام منذ 20 عاما.

وقال مسؤول من فتح مُـوالٍ لعباس، بعدما طلب عدم الافصاح عن اسمه، إن القدومي أعطى الصحفيين في الاردن نسخا من تقرير يُـفيد بأنه كان هناك مخطط بين عباس وقيادات اسرائيلية من أجل قتل عرفات قبل عام من وفاة عرفات في نوفمبر 2004.

ولم يتسنّ الحصول على تعليق من القدومي، الذي يقيم في تونس. ويوجه القدومي انتقادات لعباس منذ فترة طويلة. وكانت تونس قاعدة لمنظمة التحرير الفلسطينية وفتح قبل إبرام اتفاقات السلام المؤقتة مع اسرائيل، والتي أدّت لعودة عرفات الى المناطق الفلسطينية في التسعينيات.

ومنذ انتخابه عقب وفاة عرفات، واجه عباس مصاعب في سبيل الحفاظ على سلطته. وخسرت فتح الانتخابات البرلمانية في عام 2006 أمام حركة حماس التي ترفض الاعتراف باسرائيل. وبعدها بعام، سيطرت حماس على قطاع غزة، وأعاق ذلك جهود عباس لمواصلة محادثات السلام مع اسرائيل، وشهدت فتح نفسها انقسامات في داخلها. فقد كانت هناك مشاحنات مريرة بشأن ما اذا كان يتعين عقد المؤتمر وأين ينبغي عقده للمرة الاولى منذ عام 1989.

وتقرّر أن يُـعقد المؤتمر العام في بيت لحم يوم 4 أغسطس المقبل، ولكن البعض مثل القدومي يقولون، انه ينبغي عدم عقده في الضفة الغربية وهي تحت الاحتلال الاسرائيلي، وبالتالي، ينبغي عقده في الخارج كما حدث في السابق مع المؤتمرات الاخرى.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 14 يوليو 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية