مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إلى أين تتجه أمريكا بعد العراق؟

قمة سعادة صقور الإدارة الأمريكية وزير الدفاع رامسفيلد ومساعده بول ولفوفيتز أمام تطور الأحداث في العراق Keystone

تؤشر التهديدات المتلاحقة التي يوجهها المسؤولون الأمريكيون إلى سوريا على أن دمشق قد تجد نفسهاأمام وضع لا يختلف كثيرا عن وضع العراق قبل بداية الحرب.

ويبدو أن المسؤولين السوريين على وعي بذلك، لكن مجال المناورة أمامهم محدود جدا.

يجمع خبراء السياسة الخارجية الأمريكية على أن نجاح استخدام القوة العسكرية الأمريكية في الإسقاط السريع لنظام الرئيس العراقي صدام حسين قد يغري قادتها بالمزيد من المغامرات العسكرية في إطار الحرب الأمريكية المعلنة على الإرهاب، وأيضا انتهاج مبدأ بوش في الحروب الاستباقية لضرب الدول التي قد تشكل تهديدا للأمن الأمريكي قبل أن تشرع في تنفيذ أي هجوم.

ويرى السيد مايكل هدسون، أستاذ الدراسات العربية والعلاقات الدولية بجامعة جورج تاون، أن صقور الحرب في وزارة الدفاع الأمريكية سيحاولون استغلال النجاح العسكري في إسقاط صدام حسين، للترويج لفكرة اللجوء للقوة لحل المشاكل الدولية المستعصية، خاصة في الشرق الأوسط، بحيث يتم استهداف الدول التي لها مشاكل مع واشنطن مثل سوريا وإيران الواحدة بعد الأخرى، مما سيجعل الولايات المتحدة في حالة حرب لا تنتهي تحت مظلة محاربة الإرهاب في العالم.

ويتفق السفير تشاس فريمان، رئيس مجلس سياسات الشرق الأوسط في واشنطن مع هذا التحليل ويقول، إن هناك توجها جديدا للتعامل مع المشاعر المعادية للولايات المتحدة، والتي زادت في العالم العربي بعد الغزو الأمريكي للعراق يستند إلى أنه “لم يعد من المهم أن يكره العرب والمسلمون أمريكا طالما أنهم يشعرون الآن بالخوف والرهبة من قوتنا العسكرية”، وإذا ساد هذا التوجه في تسيير دفة السياسة الخارجية الأمريكية بعد الحرب ضد العراق، فإن تلك السياسة ستتجه نحو مزيد من “العسكرة” في المستقبل.

العبرة لمن يعتبر، والعصا لمن عصى

ومن أغرب التصريحات التي توضح اعتزام القائمين على السياسة الخارجية الأمريكية استخدام تجربة التدخل العسكري الأمريكي في العراق كعبرة لمن يعتبر مع التلويح بإمكانية إعادة استخدام عصا أمريكا الغليظة مع كل من يعصى إملاءاتها، هو تصريح وزير الخارجية الأمريكية كولن باول الذي قال فيه، إن ما حدث في العراق يجب أن يكون مثالا وعظة للنظم الأخرى في محور الشر، وهي إيران وكوريا الشمالية.

ولكي لا تفلت سوريا من قائمة الدول المستهدفة، كال وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفلد الاتهامات لها بأنها سمحت بهروب كبار قادة النظام العراقي السابق عبر حدودها، وأن غالبية المقاتلين الذين تسللوا إلى العراق من الخارج للقتال ضد قوات التحالف كانوا من سوريا وحملوا معهم منشورات تشجع قتل الأمريكيين، وكان معهم مئات الآلاف من الدولارات كمكافآت لمن يتمكنون من قتل الأمريكيين. كما اتهم سوريا بمساندة منظمات إرهابية مثل حزب الله وحماس على حد قوله.

وانضم الرئيس بوش بدوره إلى حملة التصعيد الأمريكي ضد سوريا محذرا إياها من مغبة توفير ملاذ آمن للهاربين من القادة العراقيين. وانضم إلى وزير دفاعه في مطالبة سوريا بالتوقف عن حيازة أسلحة الدمار الشامل.

وحتى تكتمل الصورة، سارع عدد من أعضاء مجلس النواب الأمريكي بتقديم مشروع قانون لفرض عقوبات على سوريا تحت عنوان “قانون محاسبة سوريا” يطالب الموقعون عليه سوريا بضرورة وقف ما يسمى بمساندتها للإرهاب، وإنهاء الوجود العسكري السوري في لبنان، وإنهاء حيازة سوريا أسلحة الدمار الشامل، خاصة الصواريخ الموجهة الطويلة المدى، وإلا تعرضت سوريا لعدد من العقوبات منها:

1- منع الشركات الأمريكية من التعامل مع سوريا
2- فرض قيود على الدبلوماسيين السوريين في الولايات المتحدة
3- وقف رحلات الخطوط الجوية السورية إلى الولايات المتحدة
4- تجميد الممتلكات والأموال السورية في أمريكا.

وقد سارع نائب السفير السوري في الأمم المتحدة عماد مصطفى إلى نفي صحة المزاعم والاتهامات الأمريكية وقال، إنها ليست سوى حملة للتضليل تستهدف إبعاد أنظار العالم عن المأساة الإنسانية التي تسببت فيها الحرب الأمريكية على العراق، مضيفا أن المسؤولين في المخابرات الأمريكية شهدوا بأن سوريا كانت من أوائل الدول التي تعاونت مع واشنطن في حربها ضد الإرهاب في أعقاب هجمات سبتمبر. كما أن سوريا ترحب بإخلاء منطقة الشرق الأوسط بالكامل من أسلحة الدمار الشامل، وسترحب بأقصى إجراءات التفتيش ولكن عندما يتم تطبيق تلك الإجراءات على كل دول المنطقة بما في ذلك إسرائيل التي تمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية.

التلويح بالقوة يغني عن استخدامها

ورغم تكرار نفي وزير الخارجية الأمريكية كولن باول لوجود قائمة من الدول التي سوف تستهدفها الولايات المتحدة بعد حربها على العراق، فإن تصريحات صقور الحرب في وزارة الدفاع مثل بول ولفوفيتز تنطوي على أن مسألة استخدام القوة الأمريكية رغم المعارضة الدولية أصبحت واردة كأداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية لمواجهة ما وصفه بتحديات القرن الحادي والعشرين، وفي نطاق الحرب الأمريكية على الإرهاب.

ويروج أنصار ذلك التوجه لفكرة أن استخدام القوة الأمريكية المفرطة ضد العراق قد أجبر دولة مارقة مثل كوريا الشمالية على التراجع عن موقفها المتشدد. فبعد أن كانت مُـصِـرّة على محادثات وجها لوجه مع الولايات المتحدة فقط لمناقشة مشكلة برنامجها النووي، وافقت على المطلب الأمريكي بتوسيع نطاق المحادثات ليشمل الدول المعنية في جنوب آسيا.

وبينما يحاول صقور الحرب في وزارة الدفاع إملاء أجندة السياسة الخارجية الأمريكية على أساس شن الحروب عند الضرورة والتلويح باستخدام القوة للضغط من أجل تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، سارع مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية إلى التأكيد على أن الرسالة التي تريد الوزارة توصيلها هي أن الدبلوماسية وحدها ستكون كفيلة بالتعامل مع القضايا الأخرى مثل كوريا الشمالية وعملية السلام في الشرق الأوسط.

خارطة الطريق بين الحقيقة والخيال

ومن التوجهات الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية بعد الحرب على العراق، محاولة إظهار التزام الولايات المتحدة بالعمل على دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين نحو إقامة دولة فلسطينية لحل النزاع الطويل الأمد من خلال ما أصبح يعرف بخارطة الطريق، والتي ستعلن عنها الإدارة الأمريكية قريبا، ولكن السيد خليل جهشان، نائب رئيس اللجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز، يتشكك في قدرة إدارة الرئيس بوش على تحقيق تقدم رئيسي في عملية السلام في الشرق الأوسط من خلال خارطة الطريق. وقال، إنه لا يوجد إعداد حقيقي للشروع في تنفيذ خارطة الطريق مع أن السبب الأساسي في فشل الوساطة الأمريكية في كامب ديفيد الثانية كان عدم الإعداد الكافي لمفاوضات بالغة الدقة والصعوبة.

وأضاف إن الإدارة الأمريكية تنوي استخدام الإعلان عن خارطة الطريق كوسيلة لتنفيس الغضب في الشارع العربي من الغزو الأمريكي للعراق، كما أن خارطة الطريق تتحدث عن دولة مؤقتة لا تتمتع بالسيادة الكاملة على أراضيها وطالما استمرت سياسة الاستيطان، فلن يبق من الأرض الفلسطينية ما يكفي لإقامة دولة تتمتع بالاتصال الجغرافي ولن تكون هناك أرض يمكن مبادلتها بالسلام؟

كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سجل 14 تحفظا على بنود خارطة الطريق تجعلها سرابا لا يجب اللهاث نحوه. غير أن السفير تشاس فريمان، رئيس مجلس سياسات الشرق الأوسط، أعرب عن تفاؤل مشوب بالحذر إزاء إمكانية استخدام النفوذ الأمريكي لدى إسرائيل في تنفيذ التزاماتها وفق خارطة الطريق، واستشهد بأن مستشارة الرئيس بوش لشؤون الأمن القومي كوندوليزا رايس أوضحت أمام الاجتماع السنوي للجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية المعروفة بـ “الإيباك”، إصرار واشنطن على وفاء الطرفين بالتزامات حددتها خارطة الطريق بدون أي تعديل.

محمد ماضي – واشنطن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية