مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إيران بين فكَّـيْ “النووي” وأزمة الانتخابات الرئاسية.. المستمرة!

عمود من الدخان يرتفع قرب سيارة تقل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لدى وصوله إلى مدينة همدان (340 كلم جنوب غرب طهران) يوم 4 أغسطس 2010 Keystone

لم تُـفلح الحكومة الإيرانية بكلّ أجهزتها الأمنية ورغم مرور نحو 15 شهرا على اندلاع أزمة الإنتخابات الرئاسية، في كسْـر شوكة المعارضة الإصلاحية، رغم تراجع الإهتمام الغربي بملف الحقوق والحريات في إيران، في ظلّ إصرار السلطات على إعدام المحتجِّـين على نتائج تلك الإنتخابات أو اعتقالهم وإصدار أحكام ثقيلة بالسِّـجن عليهم والاستمرار في سياسة الترويع، التي اتّـبعتها بعد اندلاع الاحتجاجات في يونيو من العام الماضي.

ويمكن القول اليوم، أن السلطات الإيرانية استغلّـت، وبشكل مُـمنهج، الإهتمام الغربي بما يسمّـى بـ “الطموح النووي الإيراني”، لتزيد من استِـخدام سياسة القبضة الحديدية مع المعارضة، ورفعت العِـيار مع زعماء الإصلاح لعزْلهم وإقصائهم نهائيا عن العمل السياسي، والتحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2013، حتى مع غياب الإصلاحيين، بحيث بات شِـبه مؤكّـد في ضوء استمرار إطلاق الاتهامات لهم بتلقي دعْـم من الخارج، وما أعلنه رئيس مجلس صيانة الدستور آية الله أحمدي جنَـتي حول دعم مالي بقيمة مليار دولار حصل عليها زعماء الإصلاح محمد خاتمي وموسوي ومهدي كروبي، لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية.

“انحراف زعماء الإصلاح”

وبينما تنفي السلطات بشكل رسمي وجود “أزمة” داخلية نتجت عن “التّـلاعب” في الانتخابات ورفض المرشد الإيراني علي خامنئي كل جهود الوساطة للتصالح مع زعماء الإصلاح، خصوصا مع الزعيم الديني المحافظ آية الله محمد رضا مهدوي كني، أمين عام جامعة علماء الدِّين، التي تضمّ عددا لا بأس به من غلاة المحافظين بحجّـة “عدم وجود أزمة”، بدا لافتا في ذكرى وفاة الإمام الخميني الراحل يوم 3 يونيو 2010، أن خامنئي نفسه أقَـر ضمنا بوجود أزمة حقيقية، تفجّـرت عقِـب تزوير الانتخابات الرئاسية، وتأييد خامنئي صحة الانتخابات قبل أن يبت بها مجلس صيانة الدستور.

وقد خصّـص خامنئي خطبتَـيْ صلاة الجمعة “الدِّينية والسياسية” عند ضريح الخميني، لشنّ هجوم عنيف جدّا على زعماء الإصلاح، واتّـهمهم بالانحراف عن نهج الإمام الراحل، تاركا الباب مواربا لاعتقالهم من خلال الأمثلة التي ساقها خامنئي ولمح بها بشكل أقرب إلى التصريح، إلى احتمال إعدامهم، كما حصل مع صادق قطب زادة، وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الذي رافق الخميني في الطائرة التي أقلته من منفاه.

“جلاّد الحي الجامعي”

وقبل أن يُـلقي خامنئي خطابه المذكور بشقَّـيه الدِّيني المُـمهد للسياسي حول “انحراف زعماء الإصلاح” وتأكيده أنه هو ومَـن يؤيِّـده في النظام، ممثلون عن نهج الإمام الخميني، كان نجله مجتبى يشرف على حملة نفَّـذها محمد رضا نقدي، قائد “الباسيج” المتطوّعين، المعروف بـ “جلاد الحي الجامعي”، لمنع “حسن”، حفيد الخميني من إلقاء خطابه السنوي في ذكرى الإمام عند مرقد جدِّه، وهو المسؤول عن تعيين مَـن هو مع نهج الإمام ومَـن انحرف عنه، من خلال إشرافه على مؤسسة لحفظ أفكار الخميني وتُـراثه الفكري..

وإذْ فشلت كل محاولات هاشمي رفسنجاني، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام ورئيس مجلس الخبراء في التقرّب من المرشد خامنئي وإقناعه بإيجاد مخرج، يحفظ للنُّـظم مشروعيته المُـنبثقة من الشعب عبْـر إعادة ثقة الشعب به وتطييب خواطِـر الضحايا وأسَـرِهم والإفراج عن المعتَـقلين، لم تتوقّـف الحملات، التي قادها مجتبى ذو النور، نائب ممثل خامنئي في الحرس الثوري وآخرون ضد رفسنجاني والتهديد بإقالته من جميع مناصبه، ما أدّى إلى أن يُـلوِّح رفسنجاني بأنه قد ينسحِـب من الحياة السياسية، وهو ما يتمنّـاه غُـلاة المحافظين ويُحرج خامنئي، الراغب في التخلّـص من عبْـء ما قام به رفسنجاني لانتخابه خليفة للخميني بعد وفاته عام 1989.

نظام من أجل “التغيير ومقاومة الانحراف”

في الفترة الماضية، اشتدّت الضغوط على زعماء الإصلاح واستهدفت لأكثر من عشر مرات مهدي كروبي، “شيخ الإصلاحات”، الذي حاز على هذا اللَّـقب بجدارة من قِـبل الإصلاحيين جميعهم، بمن فيهم أنصار الزعيم الإصلاحي مير حسين موسوي، ووصلت قبل يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان 3 سبتمبر 2010، إلى مهاجمة منزل كروبي بزجاجات حارقة وتبادل إطلاق نار، “قيل في الهواء”، وسقوط أربعة جرحى بمن فيهم رئيس فريق حماية كروبي.

زوجة كروبي فاطمة ونجله حسين، أكَّـدا أن الهجوم يُـمهِّـد لاغتيال كروبي، “ربما برصاصة طائشة!”، وموسوي تحدّى حصارا فُـرِض على كروبي لخمسة أيام، قام به مَـن أطلَـقوا على أنفسهم تسمية “جنود ولاية الفقيه” وهاجموا المنزل وهم يردِّدون “لبّـيك يا خامنئي”، وزار موسوي وزوجته منزل الشيخ وأعلن قبل ذلك أن عداء حكومة أحمدي نجاد لإسرائيل، ليس إلا كذبة لصرْف الأنظار عن قمْـع الأحرار، وعلى رأسهم “شيخ الإصلاحات”، الذي رحّـب بالموت من أجل إعادة نظام الجمهورية الإسلامية إلى جادة الصّـواب قائلا، وهو يقرأ القرآن في منزله المحاصر، إنه يعلم بالثمن الباهظ الذي سيكلّـفه، حين سلك سبيل النضال من أجل التغيير ومقاومة الانحراف.

انقسام داخلي

ولم يشهد يوم القدس العالمي مظاهرات كبيرة من قِـبل الإصلاحيين، عدا احتجاجات متفرِّقة هنا وهناك، سبقتها حملة اعتقالات عشوائِـية واستنفار أمني مكثّـف وغير مسبوق في طهران والمُـدن الكبرى. إلا أن البارز فيه، بعد استمرار محاصرة منزل كروبي ومنعه من المشاركة، كان إطلاق بعض الإصلاحيين، ممّـن رفعوا سقف مطالِـبهم من إعادة الانتخابات إلى تغيير النظام، تسمية “يوم إيران” على اليوم الذي سماه الخميني بُعيْـد انتصار الثورة على الشاه بـ “يوم القدس”، بما يُـكرِّس الانقسام الداخلي وأن المعركة القيِّـمة التي يخوضها أمثال موسوي وكروبي والرئيس السابق محمد خاتمي، ما عادت توحِّـد المعارضين.

وفي ذكرى بداية المحاكمات، التي أسفرت عن سجن أكثر من 150 من كبار مسؤولي النظام السابقين وعدة آلاف من المحتجِّـين وحزمة من الإعدامات، كتب نائب الرئيس السابق محمد علي أبطحي في مدونته على الإنترنت، كيف كان يتمرّن ورفاقه في السجن، على ما أدلَـوا به من اعترافات مُـثيرة أمام كاميرات التلفزيون الرسمي.

ضجّـة تصريحات “جنّـتي”

غير أن القنبلة التي فجّـرت سِـجالا أدّى إلى أن يُـطالب 7 من قادة الإصلاح بمحاكمة قادة الحرس الثوري، خصوصا قيادة “ثار الله”، وكانوا اعتُـقِـلوا وصدرت بحقَِّـهم أحكام “قاسية” بالسجن، تضمنت جلدا وحرمانا من العمل السياسي والاجتماعي، كانت في اعتراف غير صريح من رئيس مجلس صيانة الدستور جنتي حول تزوير الانتخابات، وكان يتحدث عن استعدادات إسفنديار رحيم مشائي، صهر الرئيس، لخوْض الانتخابات الرئاسية المقبلة، عندما قال إن عليه أن لا يستعجل في حملته الانتخابية المبكرة جدا. ففي حينها، سيتم ترتيب ما يؤدّي إلى “انتخاب” الرئيس المقبل.

قُـنبلة جنتي، كان دَوِيُـها أقل بكثير من “اعتراف” الضابط الكبير في الحرس الثوري “مشفق”، نائب القائد العام لمقر “ثأر الله” في طهران، عن دور الحرس الثوري المنظم، لمنع موسوي وكروبي من الفوز في الانتخابات الأخيرة.

وشرح مشفق في مدينة مشهد الدِّينية تفاصيل مثيرة جدا (بثّـها الإصلاحيون بصوته على الإنترنت)، تفاصيل سمحت بتزوير الانتخابات لصالح أحمدي نجاد، غير عابِـئ بالضجة التي أحدثتها تصريحاته.

وقبل “مشفق”، أعلن قادة سابقون في الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات، انضمامهم إلى الحركة الإصلاحية، وزار هؤلاء موسوي، بينما شكّـل عدد منهم تنظيما سريا، سمّـوه بـ “كتائب الأحرار الخُـضر في الحرس الثوري”، لتطهير النظام من أحمدي نجاد والأب الروحي له مصباح يزدي وباقي المتسلِّـقين المتسلِّـلين، على حدّ تعبير بيان خاص.

“إيجاد تغيير لإعادة شرعية النظام”

ورغم القمع والقَـسوة في ممارسته مع المحتجِّـين واعتبار مَـن يخرج إلى الشارع “عدوا لله وللرسول” ومُـفسدا في الأرض ومُـحارِبا للنظام، وإعدامه، ما أدّى إلى أن لا يصبح خيار الشارع مجديا لإيجاد تغيير يعيد الشرعية للنظام، كما قال كروبي، وأن الأجواء الحالية تختلف كثيراً عن صور الاحتجاجات الكبيرة التي تسرّبت من إيران في الشهور الماضية، مع استمرار المظاهرات في مناسبات عدّة داخل الجامعات، إلا أن المعارضة الإصلاحية نجحت في تنظيم صفوفها وأعدت ميثاقا يوحِّـدها ويزيد من فُـرص خياراتها في إيجاد التغيير، وهي تضيق مساحة “مشروعية النظام” لدى الرأي العام الإيراني، بما يُـبرِّر ضربه عسكريا، خاصة وأن موسوي أعلن بشكل واضح وقوف الإصلاحيين صفّـا واحدا مع الشعب، لمواجهة أي اعتداء عسكري من الخارج بسبب ملف بلاده النووي، إذ قال إن الاحتمالات بوقوعه كثيرة على وقع خطابات أحمدي نجاد “النارية المستفزّة للمجتمع الدولي”، والتي يبْـرَع فيها، لتحويل أصدقاء إيران إلى أعداء، بما يجعل إيران تواجِـه مصيرا مشابِـها للعراق وأفغانستان، على حدّ تعبيره.

أزمة انتخابات وتصدع تيار المحافظين

وحتى مع نفْـي السلطات وجود أزمة، يتكرّر الهجوم على بيوت مَـراجِـع الدِّين في قُـم وشيراز، وإغلاق مكتب المرجع الراحل حسين علي منتظري، دأبت أجهزة الأمن وقوات الحرس الثوري على اعتقال أعداد من مراسلي حقوق الإنسان واللجنة الطلابية للدفاع عن السجناء السياسيين ومركز الدفاع عن حقوق الإنسان، برئاسة شيرين عبادي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام. كما يستمر اعتقال مدافعين آخرين عن حقوق الإنسان، لتوجّـه لهم اتهامات بمحاولة قلب نظام الحكم عن طريق “الحرب الإلكترونية عبر الإنترنت.

وأخيرا، لابد من الإشارة إلى أن أزمة الانتخابات، أنتجت تصدّعا داخل تيار المحافظين، معارضي الإصلاح، بين أحمدي نجاد والمحيطين به، وبين الأصوليين المُهيْـمنين على البرلمان، برئاسة علي لاريجاني، وقد هدد أنصار أحمدي نجاد بضرب البرلمان بالمدفعية، الذي يرفض (أحمدي نجاد) الخضوع لإشراف البرلمان ولا يقبل اللوائح التي يصادقٍ عليها، وربما يؤدّي كل ذلك إلى إقالة أحمدي نجاد أو حتى اغتياله.

ويقول بعض الإصلاحيين إن “بروفة” اغتيال الرئيس نفِّـذت في همدان الشهر الماضي في حادث إلقاء قنبلة يدوية أو مفرقعة نارية، الأمر الذي نفاه أحمدي نجاد بعد أن أيّـدته وكالة أنباء الحرس الثوري ووكالة تابعة للاريجاني، قبل أن يطلب منهما حذف الخبر، إذا فشل البرلمان في إسقاط كفاءته السياسية لإقالته.

في ضوء استمرار السلطات في إتباع سياسة فرض قيود أكثر تشدّدا على “إعلام” الإصلاحيين في الخارج، يتواصل اعتقال ومحاكمة الصحفيين والمحامين ونشطاء المجتمع المدني، كمحاربين لله وللرسول على شاكلة “شيوا نظر آهاري”، المُـهدَّدة بالإعدام، خصوصا إذا تحدّثوا إلى وسائل الإعلام الأجنبية ومنظمات حقوق الإنسان، إلا أن الإصلاحيين نجحوا في إطلاق قناة “رسا” التلفزيونية على الإنترنت، التي لم تُـقصِّـر نشاطها على نقل أخبار أزمة الانتخابات، وهي تقوم بجهد لافت في تسليط الأضواء على قمع القوميات، حيث أعدمت السلطات منذ يونيو من العام الماضي ما لا يقل عن سبعة معارضين سياسيين أكراد، بينهم فتاة، بتُـهمة “الحرابة”.

كما ناشدت قناة “رسا” النلفزيونية المجتمع الدولي التدخّـل لإنقاذ حياة أكثر من اثني عشر كردياً معارضاً ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام بحقِّـهم، بينهم فتاة أيضا، فضلاً عن العشرات من المعارضين ونشطاء المجتمع المدني في إقليم العرب وسيستان بلوشستان، ممن لم يشاركوا في الإحتجاج على نتائج انتخابات 12 يونيو 2009.

أسفرت موجة القمع الشديد عن اعتقال أكثر من سبعين صحفيا لا يزال 37 منهم على الأقل وراء القضبان و19 آخرين أفرج عنهم بكفالة في انتظار محاكمتهم، بينهم ما شاء الله شمس الواعظين، نائب رئيس جمعية الصحفيين الإيرانيين.

من جهة أخرى، أجبر عدد أكبر من الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان على مغادرة إيران على مدار العام الماضي، حيث يعيشون كلاجئين في تركيا وألمانيا ودول أخرى.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية