مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ائتلاف انتخابي أم تحالف سياسي عابر

إبراهيم الجعفري مرشح قائمة الإئتلاف العراقي لمنصب رئيس الحكومة وعبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (بغداد - يوم 15 يناير 2005) Keystone

تمكنت قائمة "الائتلاف العراقي الموحد"، التي حصلت على دعم لافت من المرجع الديني الأعلى آية الله علي سيستاني، من الحصول على أكثر من نصف المقاعد في الجمعية الوطنية العراقية الجديدة.

لكن قراءة متأنية في تشكيلة القائمة وطبيعة التوازنات الموجودة فيها تشير إلى احتمالات غير مطمئنة بالنسبة للمستقبل.

خاضت الاكثرية الشيعية في العراق الانتخابات التي جرت أواخر شهر يناير الماضي وأسفرت عن فوز كبير لمرشحيها بقائمة انتخابية موحدة ضمت في صفوفها أيضا شخصيات سنية وممثلين للاكراد الفيليين (الشيعة) والتركمان واليزيديين.

وقد حظيت هذه القائمة بدعم لافت من المرجع الديني الأعلى آية الله علي سيستاني مامكنها من الحصول على 140 مقعدا من أصل 275 يشكلون الجمعية الوطنية في العراق الجديد.

وقدمت اللائحة التي أطلق عليها اسم “الائتلاف العراقي الموحد” 228 مرشحا وسعت الى أن لا تظهر كقائمة شيعية رغم أنها ضمت أبرز الاحزاب الشيعية في العراق، باستثناء تياري مقتدى الصدر والمرجعين صادق الشيرازي ومحمد تقي المدرسي وحركة الدعوة الاسلامية التي أسسها الراحل عز الدين سليم، الرئيس السابق لمجلس الحكم المنحل.

وشارك في لائحة «الائتلاف العراقي الموحد» المجلس الاعلى للثورة الاسلامية برئاسة عبد العزيز الحكيم و”منظمة بدر” (سابقا “فيلق بدر” التابع للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق) وحزب الدعوة الاسلامية برئاسة ابراهيم الجعفري، نائب رئيس العراق، و”حزب الدعوة الاسلامية ـ تنظيم العراق” (عبد الكريم العنزي) و”المؤتمر الوطني العراقي” بزعامة أحمد الجلبي.

وفيما شكل النساء ثلث القائمة، لوحظ أن أطرافا علمانية استطاعت من خلال تحالفاتها مع احزاب شيعية مثل المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، وحزب الدعوة الاسلامية، الدخول بقوة في هذه القائمة، وفي مقدمتها حزب أحمد الجلبي (المؤتمر الوطني العراقي)، الذي سجل حضورا سياسيا واضحا في العراق بعدما وجهت له ضربات قوية له من دوائر أميركية سعت لابعاده عن الساحة السياسية هناك.

كما لوحظ أن المجلس الاعلى وحزب الدعوة نجحا في الهيمنة على أغلبية هذه القائمة تارة باسماء حزبيين منظمين وتارة باسماء مستقلين، بما صبغ القائمة بالالوان السياسية لحزب الدعوة والمجلس الاعلى.

تيارات غائبة عن القائمة

في المقابل، انحسر نفوذ تيارات دينية فاعلة بالساحة العراقية، مثل التيار الصدري، و”منظمة العمل الاسلامي” التي مثلت بأمينها العام جاسم العطار، و”رابطة العلماء المسلمين في العراق”، وتيار المرجعيات الدينية الاخرى أبرزها تيار آية الله السيد محمد تقي المدرسي، الذي يشكل قوة ملحوظة في مختلف المدن العراقية وخاصة بغداد وفي وسط طلاب عدد من الجامعات العراقية.

في هذا السياق تجدر الإشارة إلى خلو القائمة لممثلين عن التيار الذي يمثله المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي، الذي يرسم في العراق خطا سياسيا معتدلا ويشتهر عنه استقلاليته عن أية تاثيرات خارجية كما تميز بالدعوة الى نبذ العنف وانتهاج خط الاعتدال في العمل السياسي.

كما يتصدى آية الله الشيرازي بشكل يومي لكل الموضوعات التي يشهدها الوضع السياسي في العراق من خلال خطبه وفتاواه وبيانات مكاتبه في العراق وآخرها فتواه بالمشاركة الواسعة في الانتخابات وتحريم شراء الأصوات الانتخابية، وهي مقاربة سبق أن ركز عليها طوال أربعة عقود صاحب هذه المدرسة المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي.

اتهامات وخلافات

وقد وُجـهـت اتهامات إلى المجلس الاعلى للثورة الإسلامية في العراق وإلى حزب الدعوة من قبل بعض مرجعيات الشيعة في العراق، بانهما وراء استبعادهم من ان يأخذوا حجمهم الحقيقي في هذه القائمة، إلا أن هذه المرجعيات دعت الى المشاركة في الانتخابات بقوة، كما أن هذه التيارات التي لم تنل نصيبا عادلا في هذه القائمة أكدت عزمها على المساهمة الايجابية والكاملة في العملية السياسية لغرض تشكيل حكومة تضمهم معربين عن رغبتهم في التعاون لصياغة الدستور القادم بما يخدم هدف الطائفة الشيعية بشكل عام.

لكن التيار الصدري -الذي اشترط وقف عمليات الاعتقال والمطاردة لعناصره للمشاركة في عمليات الاقتراع- أدخل نحو 16 من عناصره الى القائمة بصفة مستقلين ونجح في الاستحواذ أيضا على مقعدين في إطار قائمة أخرى خاضت عناصره فيها الانتخابات ككوادر مستقلة أيضا.

ومن الملفت أن عمليات الاعتقال ومطاردة عناصر التيار الصدري النشطة في مختلف المدن العراقية قبل الانتخابات لم تقم حائلا دون دعم شخصيات نافذة من التيار لقائمة “الائتلاف العراقي الموحد”، في وقت حـمّـّل الشيخ علي سميسم، مساعد مقتدى الصدر، حزب الدعوة الاسلامية والمجلس الأعلى، مسؤولية “محاصرة ومحاولة تصفية التيار الصدري في كل المدن العراقية”، وقال بان “هذين الطرفين عملا بكل جهدهما لضرب التيار الصدري”.

وبالرغم من أن القائمة اتفقت على ترشيح إبراهيم الجعفري عنها لرئاسة الوزراء منافسا بذلك القيادي البارز في المجلس الأعلى عادل عبد المهدي، وزعيم المؤتمر الوطني أحمد الجلبي، إلا أن هذا الاتفاق لم يحسم بالشفافية المطلوبة ما يشير الى أن قائمة الائتلاف العراقي الموحد قد لاتتمكن من التماسك مستقبلا في وجه تحديات تحالفات القوائم المنافسة الأخرى خصوصا الأكراد وقائمة رئيس الحكومة المنتهية ولايته أياد علاوي.

مستقبل الإئتلاف

ويعتقد بعض المراقبين أن القائمة مهددة بخطر النزاعات الشخصية والاستراتيجيات المتباينة بعد أن أفرز التأييد (غير المعلن رسميا) الذي يبدو أن المرجع السيستاني قدمه لترشيح الجعفري لرئاسة الوزراء خلافا حادا مع العلمانيين الشيعة وباقي المرشحين من الأقليات الأخرى.

ويسعى الشيعة وهم الغالبية العراقية، الى الوصول للمرة الاولى الى السلطة بعد ثمانية عقود (هي عمر العراق الحديث وثلاثة عقود من قمع نظام صدام حسين)، ولا يتردد بعض الملاحظين في الإشارة إلى أن ذلك ربما يتم بدعم أمريكي مباشر بهدف دق أسفين بين الشيعة العراقيين وإيران، إذا كانت واشنطن تخطط بالفعل لتقويض الجمهورية الاسلامية.

وكشف السجال الأخير لتسمية مرشح لرئاسة الوزراء تصدعا داخل القائمة التي تضم خليطا متنافرا من الاسلاميين المحافظين ورجال الدين المتشددين ومجموعات صغيرة من السنة والتركمان والاكراد الشيعة والشخصيات المستقلة.

وحتى الان تؤكد أطراف فاعلة فيه، أن الائتلاف “متماسك وصلب”. ويقول حيدر الموسوي المتحدث باسم أحمد الجلبي، الشخصية المثيرة للجدل والطامح الى رئاسة الوزراء، إن “أطراف القائمة سيستمرون في العمل معا وقد مضى وقت طويل وهم يعملون بهذا الشكل .. على الأقل منذ 1992”.

ويعتقد مراقبون أن هذه القائمة ليست إلا تحالفا سياسيا عابرا أملته ظروف مرحلة الانتخابات وسط توقعات بصعوبة التعايش بين حزب الدعوة والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية على خلفية صراعات قديمة مرت بها العلاقة بينهما في العشريتين الأخيرتين.

نجاح محمد علي – دبـي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية