مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

فتورٌ في التنافس بعد مقاطعة المعارضة للرئاسيات في موريتانيا

الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز Keystone

مع انتهاء الآجال المحددة لتقديم ملفات الترشح للإنتخابات الرئاسية الموريتانية، المقرر إجراء شوطها الأول يوم 21 يونيو 2014، تزداد الهوة اتِّساعا بين النظام وأحزاب الموالاة من جهة، وأحزاب المعارضة من جهة أخرى، بعد أن أعلنت مُنسّقية المعارضة اعتزامها مقاطعة الرئاسيات، بحجّة أن النظام رفض الإستجابة لمطالبها، مكرِّرة بذلك موقفها من الإنتخابات البرلمانية والبلدية التي أجريَت في نوفمبر 2013.

وقد عززت منسقية المعارضة (التي تعتبر القطب السياسي ضمن “منتدى الوحدة والديمقراطية” الذي يضم أحزابا ونقابات ومنظمات غير حكومية مناوئة للنظام) موقِفها هذه المرة بمقاطعين جُدد شاركوا في الإنتخابات الماضية، ويتعلّق الأمر بحزب “تواصل” الإسلامي وحزب “التحالف الشعبي التقدمي”، الذي يقوده رئيس البرلمان السابق مسعود ولد بلخير، تاركين ساحة المنافسة للرئيس الحالي ولمجموعة مرشّحين يقدمون من خارج كتل المعارضة الرئيسية.

حوار فاشل من البداية

وبإغلاق باب الترشح للانتخابات الرئاسية وتأكيد يوم 21 يونيو القادم موعدا لإجراء الشوط الأول من الإنتخابات، يكون النظام قد أصدر شهادة وفاة للحوار السياسي إلى حين. فبعد أسابيع من الشد والجذب بين قوى المعارضة من جهة، والنظام والأغلبية من جهة أخرى، وصل الطرفان إلى طريق مسدود، بعد أن فشلا في التوصل إلى جدول أعمال محدّد للحوار الذي كان يُفترَض أن يركّز على تنظيم توافقي للإنتخابات الرئاسية، يضمن مشاركة الجميع فيها، حيث أصرّت المعارضة ممثلة في “منتدى الديمقراطية والوحدة” على تأجيل الإنتخابات وتعهّد النظام بأن لا ينظمها إلا وفقا لأجندة توافقية، بينما أصّر ممثلو النظام في الحوار على أن يكون التأجيل والأجندة التوافقية، نتيجتان للحوار، وليسا شرطا لانطلاقه.

ويقول سيدي محمد ولد محم، وزير الإعلام الموريتاني ورئيس وفد النظام إلى الحوار، إن الحكومة والأغلبية الداعمة لها، جاهزان لاستئناف الحوار في أي لحظة، محمِّلا أحزاب المعارضة مسؤولية توقّف الحوار، وقال إن الأغلبية قبلت بالتوقيع على وثيقة جدول أعمال اقترحتها المعارضة، لكن ممثلي المعارضة حاولوا إضافة فقرات أخرى غير مقبولة، بُغية عرْقلة الحوار وإفشاله. وأضاف أن قِوى المعارضة تسعى لإفشال الحوار قبل انطلاقه وتبحث عن ذرائع لتبرير مقاطعتها، لأنها غير جاهزة للانتخابات الرئاسية وتُدرك أن الشعب الموريتاني لن يمنحها ثقته، إذا نظمت الانتخابات في ظروف شفّافة ومقبولة.

في المقابل، اتّهم يحيى ولد أحمد الوقف، رئيس الوزراء السابق ورئيس وفد المعارضة للحوار، النظام بتعمّد نسف الحوار عبْر إعلانه عن قرار تحديد يوم 21 يونيو القادم موعدا للشوط الأول من الإنتخابات الرئاسية، دون التشاور مع المعارضة، في وقتٍ ما يزال الحوار متواصِلا. وخلّص إلى القول أن المعارضة الديمقراطية “متمسِّكة بأن الإنتخابات التوافقية، هي وحدها التي تضمن حلّ الأزمة السياسية في البلد، وهو ما لن يتِم بدون حوار جادّ ومسؤول، ما يزال النظام يُماطل فيه حتى الآن”، على حد قوله.

أما حزب التحالف الشعبي التقدّمي، فقد أعلن أنه لن يشارك في الإنتخابات قبل حلّ اللجنة المستقلة للإنتخابات وإعادة تشكيلها، متّهما إياها بالفشل الذّريع في الإنتخابات البرلمانية والبلدية، التي أجريت في شهر نوفمبر 2013.

ولد عبد العزيز.. الأوفر حظا

وبعد مقاطعة مُعظم أحزاب المعارضة للإنتخابات الرئاسية، يتّجه الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز إلى خوْض غِمار منافسة ضعيفة ضدّ خمسة مرشّحين من جهات مستقلّة أو محسوبة على المعارضة من خارج أحزاب المنسقية الراديكالية.

ولد عبد العزيز، هو أول المرشّحين ويُعتبر الأوفر حظّا في حسْم نتيجة الانتخابات لصالحه في الشوط الأول، نظرا لاعتبارات عديدة، من أهمّها غياب المعارضة الراديكالية القوية، التي كانت دائما تعادِل الكفّة الثانية في السباقات الانتخابية، إضافة إلى الواقع السياسي للبلد والتراكم التاريخي، حيث أن موريتانيا من البلدان العربية والإفريقية التي لم تعرف هزيمة لرئيس حاكم يترشّح لمأمورية جديدة، بل لم تعرف عبْر تاريخها الحديث أي تناوُب سِلمي على السلطة، إذا استثنينا الانتخابات الرئاسية لعام 2007 والتي كان المرشّح الفائز فيها سيدي ولد الشيخ عبد الله، مدعوما بقوة وبشكل علني وسافر من طرف الحكّام العسكريين للبلاد ساعتها، لذلك كان مجرّد امتداد للحُكم الذي تنازل له عن السلطة. وبالتالي، فإن المجتمع الموريتاني ذا التعدّد القبلي والعِرقي، درج على أن مرشّح السلطة هو الفائز دائما ويحظى تلقائيا بدعْم شيوخ العشائر ورجال الأعمال وأصحاب المصالح، فضلا عن شقٍّ كبير من المواطنين الذين لا يروْن في التغيير مطلبا ولا في التصويت ضدّ الحاكم مَخرَجا.

هذا فضلا عما يقدّمه ولد عبد العزيز في برنامجه الدِّعائي من حصيلة لمأموريته الماضية، عبْر أرقام اقتصادية إيجابية تتعلّق بارتفاع نِسبة النمو والدخل الفردي للمواطن، والحرب على الإرهاب وتصدر موريتانيا للعالم العربي في مجال حرية الصحافة وفتح المجال أمام تحرير الفضاء السّمعي البصري، والعزوف عن اعتقال أصحاب الرأي والمعارضين والقضاء على جزء كبير من أحياء الصفيح، التي كانت تشكل طوقا حول العاصمة نواكشوط وكُبريات المدن، وإعادة ترتيب ملف الحالة المدنية والمواطنة، وتدشين عدد من المشاريع المتعلِّقة بالبنية التحتية، إضافة عن شعارات رفعها سابقا وما زال يرفعها، كمحاربة الفساد وإصلاح الإدارة، وهي أمور ترى المعارضة أنها مجرّد مزايدات انتخابية وذرّ للرماد في العيون، وأن الرجل قاد البلاد إلى ما هو أسوأ من وضعها قبل انقلابه على الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله سنة 2008.

بقية المتنافسين على كرسي الرئاسة

ثاني المرشّحين، هو رئيس حزب الوئام الديمقراطي بيجل ولد هميد، وهو وزير سابق في عدّة حكومات إبّان حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، الذي حكم البلاد خلال الفترة ما بين 1984 و2005، ويمثل بيجل ولد هميد جيلا من السياسيين يُعرَفون باسم “جيل ولد الطايع”، وهو من السياسيين القلائل الذين تمسّكوا بموقِفهم الإيجابي من ولد الطايع والدِّفاع عنه بعد الإطاحة به في انقلاب عسكري سنة 2005، ويتوقّع أن يحظى “ولد هميد” بدعم كبير في الأوساط المقرَّبة، اجتماعيا وسياسيا، من ولد الطايع، كما أن له مصادِر شعبية في أوساط أخرى، فضلا عن كونه ينحدِر من شريحة الحَرَاطين (العبيد السابقين)، وقِيادي سابِق في حركة “الحر”، التي كانت تناضِل ضد العبودية في موريتانيا إبّان سبعينيات وثمانينات القرن الماضي، وهو سياسي محنّك. كما يتوقّع أن يستفيد من قرار رئيس البرلمان السابق مسعود ولد بلخير، مقاطعة الانتخابات، إذ من المتوقّع أن يحظى بأصوات بعض مؤيِّدي ولد بلخير.

ثالث المرشحين، هو نقيب المحامين الموريتانيين أحمد سالم ولد بوحبيني، وهو معارض عنيد للرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، ومن أكثر معارضيه عداوة له، وقد ظلّ يجاهر برفضه لحكمه ويعمل ضد نظامه طيلة السنوات الماضية، وقد روَّج الرجل لترشّحه إبّان الحوار السياسي بين النظام والمعارضة، على أمل أن يكون مرشّحا موحدا تلتفّ حوله المعارضة، ذات الخلافات البينية الكثيرة، إن هي قرّرت المشاركة في السباق الرئاسي، لكن إعلان أحزاب المعارضة مقاطعتها للانتخابات الماضية، شكل صدمة بالنسبة للرجل، ومع ذلك أصرّ على خوْض الانتخابات، أملا في أن يحظى بدعم من شعبية المعارضة المقاطعة، وكذلك الناقمين على الرئيس الحالي من الكتل السياسية. ويحظى الرجل باحترام كبير في أوساط المحامين، ويستند إلى تاريخ من النِّضال في نقابة المحامين، مكّنه من قيادتها عدّة مأموريات.

المرشحة الرابعة، لالة مريم بنت مولاي إدريس، وهي سيدة عملت وكيلة وزارة ومديرة مساعدة لديوان الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، وتنحدر من أقصى الشرق الموريتاني، وتعتبر ثاني سيدة تترشّح للانتخابات الرئاسية، بعد السيدة عائشة بنت جدان، التي ترشّحت سنة 2003 وحصلت على نِسبة تناهِز واحدا بالمائة، ولم يعرف عن “بنت مولاي إدريس” معارضتها للنظام الحالي، وتتضاءل حظوظها لاعتبارات عديدة، في مقدمتها أنها تترشح في ساحة سياسية درج الرجال على احتكارها بنسبة كبيرة، رغم حضور النساء في قيادات بعض الأحزاب، كما أنها لا تحظى بدعم أي من القوى المعارضة للنظام، التي يتنافس معظم المرشحين على خطب ودّ شعبيتها بعد مقاطعة أحزابها.

أما المرشح الخامس، فهو الناشط الحقوقي بيرام ولد الداه، وهو زعيم حركة “إيرا” غير المرخّصة والمناهضة للعبودية. ويمثل بيرام الخطاب الراديكالي في شريحة “الحَرَاطين (العبيد السابقين)، حيث عرفت عنه تصريحات نارية تُجاه فئة العرب البيض في موريتانيا (البيضان)، كما اشتهر بانتقاداته اللاّذعة لعلماء الدِّين الموريتانيين، وقد نظم حفلا سنة 2012 لإحراق كمية من الكتب الفِقهية المعتمدة في مناهج التعليم الدِّيني التقليدي في موريتانيا، ووصفها بأنها كُتب النخاسة، استخدمها علماء الدِّين لتشريع العبودية في موريتانيا عبر التاريخ. ويرفع بيرام شعار مرشّح القطيعة مع الإقطاعية، وهو حاصل على جائزة دولية في مجال حقوق الإنسان، ويراهن على أصوات فئة “الحراطين”، كما يسعى للاستفادة من مقاطعة رئيس البرلمان السابق مسعود ولد بلخير، الذي ينحدر من نفس الشريحة وظل طيلة تاريخيه السياسي يلعب ورقة النِّضال ضد العبودية.

المرشح السادس، النائب البرلماني صار إبراهيم مختار، وهو من الأقلية الزنجية في موريتانيا، ويترأس حزبا سياسيا يمثل إحدى الواجهات السياسية لمجموعة “البولار” الزنجية في موريتانيا، وهو مرشح تقليدي درج على التقدّم في كل الانتخابات التي تنظم في البلاد، وتتراوح نسبة التصويت له عادة ما بين 5 و7 بالمائة، ويتوقّع أن يحصل على نسب معتبرة في المناطق الجنوبية المحاذية للحدود مع السنغال، وفي بعض أحياء العاصمة نواكشوط.

حوارٌ بعد الإنتخابات؟

ورغم أن موعد الانتخابات تحدّد سلَفا والمرشحين للسابق الرئاسي ختموا قائمتهم، إلا أن بعض المراقبين ما يزال الأمل يحدوهم في إمكانية حلحلة الوضع عبر محاولات استئناف الحوار من جديد، وإن كانت المؤشرات توحي بأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز مُصِر على تنظيم الإنتخابات الرئاسية في موعدها، على أن يسعى بعدها لفتح صفحة جديدة من الحوار مع المعارضة، قد يكون ساعتها أكثر استعدادا لتقديم مستوى من التنازلات لا تسمح الظروف الحالية بتقديمها، وفي مقدمة تلك التنازلات المحتملة ـ ربما ـ يأتي حل البرلمان والمجالس البلدية التي انتخبت قبل أشهر وقاطعتها أحزاب منسقية المعارضة الديمقراطية.

نواكشوط (رويترز) – لن يواجه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز – وهو حليف رئيسي للغرب في الحرب على القاعدة في غرب إفريقيا – منافسة قوية في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 21 يونيو 2014، إذ يقتصر السباق الذي أضعفته المقاطعة على ستة متنافسين.

ومع إغلاق باب الترشح في ساعة متأخرة من يوم 8 مايو 2014، يبرز فقط سياسيان مخضرمان من بين الساعين لإزاحة ولد عبد العزيز، مما يجعل الرئيس الحالي الأوفر حظا في الانتخابات.

وقتل مسلحون يشتبه بأنهم أعضاء في تنظيم القاعدة أربعة سياح فرنسيين في موريتانيا عام 2008 وأعلن التنظيم الجهاد ضد موريتانيا في ذلك العام بعد استيلاء ولد عبد العزير على السلطة في انقلاب عسكري. وفاز عبد العزيز في الانتخابات التي أجريت عام 2009 .

وأرسل ولد عبد العزيز وحدات من الجيش الذي يعد واحدا من أكثر الجيوش كفاءة في غرب إفريقيا، لشن هجمات عسكرية ضد قواعد الإسلاميين في مالي المجاورة في عامي 2010 و2011 .لكنه واجه انتقادات شديدة في الداخل. وتعتزم معظم أحزاب المعارضة مقاطعة الانتخابات القادمة، قائلة إنها تفتقر إلى المصداقية والشفافية.

وأحد المنافسين الأقوياء لولد عبد العزيز في الانتخابات، زعيم حزب الوئام المعارض بيجل ولد حميد، وهو وزير سابق وإبراهيما صار، الذي خاض الانتخابات الرئاسية في عام 2009 والذي يقود حزب التحالف من أجل العدالة والديمقراطية/حركة التجديد.

وتنافس عشرة مرشحين في انتخابات الرئاسة في عام 2009 وبلغ عدد مرشحي الرئاسة 19 مرشحا في انتخابات عام 2007 .ومن الوجوه السياسية الجديدة التي تخوض انتخابات الرئاسة، بيرام ولد اعبيد رئيس مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية المناهضة للرقّ والمحامي أحمد سالم ولد بوحبيني، ومريم بنت مولاي إدريس الأمينة العامة سابقا لوزارة الاتصال، وهي ثاني امرأة تخوض انتخابات الرئاسة في تاريخ موريتانيا.

والمنافس الأخير، هو علوة ولد بوعماتو، وهو من أقارب الرئيس والشقيق الأصغر لمحمد ولد بوعماتو وهو رجل أعمال يتمتع بنفوذ قوي وكان من الداعمين الرئيسيين لولد عبد العزيز، قبل أن يختلف معه منذ عدة سنوات.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 8 مايو 2014)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية