مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اجتماع جنيف.. اختبار متبادل للنوايا في الملف النووي الإيراني

Keystone

تعقِـد القِـوى الستّ الكبرى المكلّـفة بإجراء مباحثات حول الملف النووي الإيراني، اجتماعا مع طهران يوم الخميس 1 أكتوبر في جنيف. وتُـعتبر هذه المحادثات اختبارا شديد الأهمية، في أعقاب الكشف عن منشأة ثانية لتخصيب اليورانيوم في إيران. حديث مع الخبير السويسري برونو بيلّـو، الذي عمِـل مسؤولا سابقا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

بعد أن تقلّـد منصب المدير العام المساعد للوكالة، التي يوجد مقرها في العاصمة النمساوية فيينا من عام 1993 إلى 1999، يواصِـل برونو بيلّـو متابعة مِـلف الإنتشار النووي في العالم عن كثب. ومنذ فترة وجيزة، أطلق هذا الفيزيائي مدوِّنة إلكترونية خاصة به على موقع Huffington Post الأمريكي، ذي التوجّـه الليبرالي (القريب من اليسار الأمريكي) والمؤثِّـر عادة في أوساط النُّـخبة.

swissinfo.ch: يوجد النظام الإيراني، الذي يواجِـه موجة احتجاجات منذ انتخابات الصيف الماضي في موقِـع ضُـعف. هل هي فرصة لمحادثات جنيف أم عقبة بوجهها؟

برونو بيللّـو: في الواقع، من العسير جدا القول ما إذا كان في موقف قوة أو ضعف، لأنه يوجد إجماع عريض حول الملف النووي يشمَـل جميع الكتل (أو الفصائل) الإيرانية. وفي كل الحالات، سيتمسّـك الإيرانيون بموقف صلب، أي أنهم سيرفضون الدخول في نقاش حول وقف تخصيب اليورانيوم في إيران، مثلما يُـردِّدون منذ سنوات.

في الأيام الأخيرة، قامت إيران بتصعيد المساومات (اعتراف بموقع ثانٍ للتخصيب وإطلاق لصواريخ بعيدة المدى)، هل يتعلق الأمر ببساطة بتكتيك تفاوضي؟

برونو بيللّـو: سواء تعلق الأمر بإطلاق صواريخ أو بإلقاء خُـطب استفزازية من طرف الرئيس أحمدي نجاد، يقوم الإيرانيون بتصعيد الموقف لإظهار أنهم أسياد في بلادهم وأنه بإمكانهم تهديد جيرانهم، عسكريا.

على العكس من ذلك، فإن اكتشاف موقع ثانٍ للتخصيب، لم يأتِ ثمرة لتصريح تِـلقائي من جانب الإيرانيين، ويبدو أن الروس حذّروا طهران من أن أجهزة الاستخبارات الغربية كانت تستعد للكشف عن وجود هذا الموقع، لذلك، استبقت إيران الموقف بالإعلان عن وجوده ولإظهار أنها توجد في وضعية قانونية.

هذه التطورات، هل عززت جبهة البلدان الستّ المتفاوضة بوجه إيران؟

برونو بيللّـو: إن منع إيران من الحصول على السلاح النووي، هدف يتّـسم بجدية كبيرة، لكن الطريقة التي تُـخاض بها المفاوضات، غير سليمة تماما. فلدينا خمسُ بلدان تحوز على السلاح النووي، وهناك ألمانيا التي لا تتوفر عليه. إضافة إلى ذلك، ليس لدى اثنين من المشاركين (الصين وروسيا) أي نية في تطبيق عقوبات جدية على إيران.

برأيي، تشارك روسيا في هذه المفاوضات لمنع حصول اتفاق بين إيران والبلدان الغربية، نظرا للرهانات المحيطة بـ (اتفاق مُـرتقب) حول الغاز الإيراني، وهو اتفاق سيسمح (في حال التوصل إليه) لأوروبا بتقليل اعتمادها على الغاز الروسي، إضافة إلى ذلك، يعاني الاتحاد الأوروبي من انقسام عميق بخصوص إيران.

فهناك بلدان مثل إيطاليا لها مبادلات تجارية مكثّـفة مع إيران ولا تريد، تبعا لذلك، فرض عقوبات، وهناك بلدان مثل فرنسا، تدافع عن تشديد العقوبات. إن جبهة بمثل هذا التفرّق، لا يُـفترض أن تثير مخاوف كبيرة لدى الإيرانيين.

في نهاية المطاف، ما هو التغيير الذي أحدثته اليد الممدودة من طرف أوباما إلى إيران؟

برونو بيلّـو: في الأيام الأخيرة، اعتمد الرئيس الأمريكي نبرة صارمة جدا في توافق تام مع الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني، وذلك من أجل إبلاغ رسالة، مفادها أن إيران ستجد نفسها وظهرها مسنود إلى الحائط في جنيف، وهذا ما لا يُـمكن وصفه فعلا بيد ممدودة.

لقد سبق أن وعد باراك أوباما بإجراء مفاوضات دون شروط مُـسبقة، وهو ما يعني للإيرانيين عدم المطالبة بوقف فوري بتخصيب اليورانيوم. وفي واقع الأمر، فإن الرهان الحقيقي لهذا الإجتماع في جنيف، يتمثل في معرفة ما إذا كان سيُـتبع بلقاء آخر أم لا. وإذا ما تمّـت برمجة لقاء من هذا القبيل يوم الخميس هذا، فسيمثل ذلك نجاحا.

ما هو الرهان الحقيقي لعملية ليِّ الذراع الجارية حاليا مع إيران؟ هل يتعلق الأمر بالتصدّي للإنتشار النووي أو بكبح جماح دور القوة الإقليمية لإيران؟

برونو بيلّـو: من المحتمل جدا أن يكون الأمران معا، رغم أن مسألة الإنتشار النووي هي المطروحة على الواجهة، حيث يتعلّـق الأمر فعلا بالحيلولة دون حصول بلد جديد على السلاح النووي.

لقد اكتسبت إيران التكنولوجيات الضرورية لبرنامج نووي عسكري، وستتمكّـن في المستقبل من الوصول إلى القُـدرة الافتراضية لصُـنع السلاح النووي، لذلك، يتعيّـن وقفها، لكن يبقى السؤال حول معرفة الكيفية.

فالمتشددون يريدون تحطيم قدرات إيران، كي لا تصل إلى تحقيق هذا الهدف، أما الآخرون فيرون أنه، من أجل منع إيران من التحوّل إلى قوة نووية، يجب التفاوض مع القبول ببعض الحلول الوسط مع مراقبة الجزء الأساسي من منشآتها النووية، لمنع عسكرتها. هذا الخيار الثاني سيسمح لإيران بإنقاذ ماء الوجه مع تمكينها في الوقت نفسه من تطوير قدراتها النووية غير العسكرية بشكل محدود.

على المدى القصير، على أقل تقدير، من الواضح أن هذه المسألة النووية، هي التي تحظى بالأولوية، بل سبق لباراك أوباما أن صرّح بأنه يقبل أن تُـصبح إيران لاعبا إقليميا مهمّـا، إذا ما تخلّـت عن امتلاك السلاح النووي.

خيار توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، هل ما زال مطروحا على الطاولة؟

برونو بيلّـو: إنه التهديد المُـهيمِـن (او السيف المسلط) على جميع هذا الملف، إذ أن بعض الأوساط القريبة من الجمهوريين في الولايات المتحدة، مثلما هو الحال بالنسبة لإسرائيل، على قناعة بأن الخيار البسيط والجذري، يتمثل في قصف المنشآت الإيرانية، لكن هذا يُـمثِّـل خيارا غير معقول، من الناحية العملية، لأن الإيرانيين قد وزّعوا، حسبما يبدو، منشآتهم على كافة أنحاء البلاد.

وبالفعل، أصبح من المستحيل تدمير القدرة النووية الإيرانية، بل إن روبرت غيتس، وزير الدفاع الأمريكي صرّح مؤخرا بأن حملة قصف لن تؤدي إلا إلى تأخير البرنامج الإيراني لبضع سنوات.

إضافة إلى ذلك، فإن هجوما عسكريا سيسرّع بدفع إيران نحو برنامج نووي عسكري، وإذا ما لم يحدُث انفتاح يقترن بأساس أكثر عقلانية للمفاوضات، فإننا سنتّـجه نحو عقوبات أكثر تشددا، لكن البلدان المتفاوضة، لا زالت بعيدة عن اتخاذ موقف موحّـد حول هذه المسألة.

أجرى الحوار في جنيف فريديريك بورنان – swissinfo.ch

(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)

طلب الاتحاد الأوروبي وإيران رسميا من سويسرا، احتضان المحادثات بين طهران ومجموعة 3 + 3 في جنيف يوم 1 أكتوبر 2009. وكان آخر لقاء من هذا الصِّـنف، التأم في جنيف يوم 19 يوليو 2008 قد نُـظِّـم أيضا من طرف سويسرا.

يُـدير خافيير سولانا، مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي المفاوضات، مصحوبا بالمدراء السياسيين لمجموعة 3 + 3، أي (الصين وروسيا والولايات المتحدة) و(فرنسا وبريطانيا وألمانيا).

يلتقي المسؤولون صبيحة يوم الخميس، غرة أكتوبر، مع المفاوض الإيراني سعيد جليلي، في فيلا قريبة من جنيف، وتأمل مجموعة 3 + 3 الحصول على ضمانات بخصوص البرنامج النووي الإيراني، الذي تشتبِـه في اقترانه بأهداف عسكرية، وهو ما تنفيه طهران.

هذه المسألة أصبحت حاسمة بعد الكشف يوم الجمعة 25 سبتمبر الماضي عن وجود موقع ثانٍ لتخصيب اليورانيوم الإيراني مخفيا تحت جبل قرب مدينة قُـم (وسط إيران)، لم تقُـم طهران بالإبلاغ عن تشييده إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا يوم 21 سبتمبر الماضي.

أقدمت جمهورية إيران الإسلامية يوم الاثنين 28 سبتمبر على إطلاق صواريخ بعيدة المدى، قادرة على ضرب إسرائيل، ما أدّى إلى رفع درجة التوتّـر قبل اجتماع جنيف.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية