مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اجتماع دوري… غير عادي!

إنتهز وزير الخارجية السويسري إجتماعه بالسفراء كي يعبر عن إستيائه ! Keystone

أعتاد وزير الخارجية السويسري اللقاء سنويا بأعضاء السلك الدبلوماسي من السفراء الممثلين للكونفدرالية في الخارج.

لكن لقاء هذا العام رغم كونه دوري لم يكن عاديا. فقد أنتهزه السيد جوزيف دايس فرصة كي يوجه لهم رسالة واضحة تكاد تكون تحذيرية!

لولا أن فضيحتين فاحت رائحتهما إلى الصحافة السويسرية، لكان اجتماع الأمس عاديا.. لا يسترعى الاهتمام. لكن لأن الأمر لم يكن “عاديا” هذه المرة، تابعت وكالات الأنباء اجتماع وزير الخارجية السويسري جوزيف دايس السنوي مع السفراء الممثلين للكونفدرالية في الخارج بعيون الترقب.

ولم يخب توقعهم. فقد بدا كما لو أن السيد دايس أراد من الاجتماع أن يكون “درساً من النصائح يُلقنه” لسفرائه عن طبيعة العمل الدبلوماسي والسلوكيات المرافقة له. وهو على كل حال يظل محقاً في موقفه الصارم ذاك، كما لن يلومه لائم على اختياره لنوعية الخطاب الذي ألقاه عليهم.

فضيحتان .. من نوع مختلف!

فسويسرا المحافظة الكتومة كادت أن تخرج عن طورها من فرط الدهشة، عندما اندلعت فضحيتا السفيرين توماس بورير(السفير السابق في ألمانيا) وبيتر فريدريش (السفير السابق في لوكسمبورغ) في ظرف أشهر قليلة من العام الجاري.

الأول، وهو السفير الذائع الصيت بورير والمعروف بحبه للظهور والشهرة، لفقت له صحيفة أسبوعية صفراء فضيحة جنسية كاذبة. وكانت النتيجة أنه رفض الانصياع “علناً” لأوامر رئيسه دايس الذي طالبه بالقدوم إلى بيرن “للتباحث”. ثم زاد الطين بله بأن قدم استقالته ( بصورة مفرقعة أيضا) غاضبا محتجا.

أما الثاني، فقضيته أخطر بمراحل شاسعة. فالسفير السابق في لوكسمبورغ فريدريش حُبس على ذمة التحقيق في قضية غسيل أموال، حيث كشفت التحقيقات أنه قام في النصف الثاني من العام الماضي بتحويل ما يعادل 750 آلف دولار أمريكي إلى حسابه الخاص، ومنه َحولَ مقادير من هذا المبلغ إلى حسابات شخصياتٍ معروفة بضلوعها في تجارة المخدرات.

إرشادات… قوية!

لا غرابة إذن، أن تتخلل خطاب السيد دايس الافتتاحي عبارات ما كان يخطر على بال البعض أن ينطق بها. لكنها الضرورة.

أستهل السيد دايس خطابه بأن ناشد السفراء بتمثيل “مصالح سويسرا في الخارج، لا مصالحهم الشخصية”. وهذا يعني، كما قال “تحملهم لمسؤولية خاصة لا يمكنهم التملص منها”، ذلك أن التمثيل الدبلوماسي لا يتم من خلال “إمساك السفير بكأس الشمبانيا”، بل من خلال عمل دؤوب شاق يصب في صالح سويسرا وصورتها في الخارج.

إذا لم تكن تلك الكلمات واضحة بما فيه الكفاية، فإن ما تلاها لم يترك مجالاً للشك، حيث أعرب السيد دايس عن خيبته قائلا: “في الشهور والأسابيع الماضية تصّدر بعض السفراء عناوين الصحف بصورة لا تمثل الكادر الدبلوماسي كما أتصوره”.

ووجه تحذيرا مباشرا إلى أولئك الدبلوماسيين الذين تحدثوا إلى وسائل الأعلام في الآونة الأخيرة “دون الإفصاح عن هويتهم” قائلا:” على الدبلوماسي، الذي لا يستطيع تحمل مسؤولية تصريحاته، أن يصمت!”

لكن السيد دايس لا يبدو مكتفيا بتوجيه تلك الإرشادات شفاهيا فقط. فقد أعرب عن قلقه العميق من قضية السفير فريدريش وتداعياتها، وأوضح أنه أصدر توجيهاته لمراجعةِ الأنظمة واللوائح التي تسمح للسفراء بالحصول على تمويل من مصادر جانبية.

تقليص لحجم التمثيل في الخارج!

لم يقتصر اجتماع السيد دايس بالسفراء على هذا الجانب فقط. حيث أتخذ وزير الخارجية اللقاء فرصة للتصريح بأن هناك نقاشٌا جاريا لبحث إمكانية “إقفال عددٍ من السفارات أو تحويلها إلى قنصليات”.

لم يأت النقاش من فراغ. فهو نابع من توصيات تقرير لجنة برلمانية، لم ينشر بعد، دعت في مجملها إلى تقليص حجم التمثيل الدبلوماسي السويسري في الخارج، وإلغاء السفارات الصغيرة، وتركيز الموارد المتاحة في السفارات الأكثر أهمية.

كما أوصى التقرير بأنه في حالة البلدان ذات الثقل، يمكن استبدال السفارات المتواجدة هناك بمكاتب تنسيق تابعة للوكالة السويسرية للتنمية والتعاون. بررت اللجنة مقترحاتها بأسباب عديدة. بعضها مالي يهدف إلى ترشيد الأنفاق، وبعضها الأخر يتعلق بالتطورات في مجال تقنية المعلومات والاتصالات، والتي سُتمكن، على حد قناعة اللجنة، من تقليص حجم التواجد الدبلوماسي.

في المقابل، فإن هناك توصية واحدة أوردها التقرير لن تثير بالتأكيد إعجاب الكثيرين من السفراء الحاضرين في الاجتماع المتواصل طيلة هذا الاسبوع. فقد أقترح التقرير عدم احتفاظ السفراء بلقبهم الدبلوماسي عند عودتهم إلى برن، وأستثنى من هذه القاعدة أولئك الذين سيتولون مهاما تمثيلية مع العالم الخارجي في الوزارة.

أما الهدف من ذلك الاقتراح فهو مالي بحت. إذ أن الأجراء سيتبعه تخفيض في رواتبهم ومخصصاتهم. توصية كفيلة بتخفيف بعض التبعات المالية عن كاهل وزارة الخارجية وإزعاج السفراء الذين جاء لقاءهم السنوي مع وزير خارجيتهم على غير ما إعتادوه.

إلهام مانع

تحظى سويسرا بتمثيل دبلوماسي لها في 170 دولة
تبلغ قيمة التكاليف التي توفرها وزارة الخارجية لتمثيلها الخارجي نحو 578 مليون فرنك سويسري
نتيجة لارتفاع نسبة تلك التكاليف أوصت لجنة برلمانية بتخفيض عدد السفارات في الخارج واستبدالها بمكاتب تنسيق تابعة للوكالة السويسرية للتنمية والتعاون
تم في السنوات العشر الأخيرة أقفال 5 سفارات و3 قنصليات عامة و11 قنصلية وتحويل بعضها إلى قنصليات فخرية

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية