مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأمازيغية في المغرب.. لغة رسمية

بعد أن تضمّن الدستور الجديد دسترة اللغة الأمازيغية واعتبارها لغة رسمية، أصبح المغرب الدولة العربية الأولى التي تذهب باتِّـجاه إقرار التعددية اللغوية بشكل نهائي وواضح. Null

بعد عشريات من الإنكار والتردد، اعتمدت الدولة المغربية مقاربة جديدة للأمازيغية، وفي يوليو 2011، أقر الناخبون دسترة اللغة الأمازيغية واعتبارها لغة رسمية، ليكون المغرب الدولة العربية الأولى التي تذهب باتِّـجاه إقرار التعددية اللغوية بشكل رسمي.

للتذكير، ظهرت مسألة التعدُّدية اللغوية بالمغرب مع الظهير البربري عام 1930، الذي وإن حمل في طيّاته بُـعدا سياسيا للمقيم العام الفرنسي لتقسيم المغاربة، عربا وبربرا، إلا أنه أثار مصير الأمازيغية وموقعها بالحياة الثقافية المغربية، وبالتالي، مكانتها كمكوِّن من مكوِّنات الهوية في بلاد تتنوّع فيها الألسن وتتعدّد.

وبالعودة إلى مجريات التاريخ الحديث، أدى هدف الاستعمار الفرنسي من الظهير البربري، إلى تمسك الوطنيين المغاربة باللغة العربية واعتبار حمايتها والدِّفاع عنها، أحد رموز المقاومة من أجل الحصول على الاستقلال، الدفاع عن السيادة المغربية وتبني موقفا مناهضا للأمازيغية ودُعاتها وتحميلهم أوصافا تمس وطنيتهم.

التعاطي مع الأمازيغية بخفة وسخرية

لم يكن الموقف من الأمازيغية، موقف أحزاب وتيارات سياسية، بل كان موقف الدولة، التي لم تلحظ في وثائقها الرسمية أية لغة، باستثناء العربية. وخاضت حربها ضد دُعاة الأمازيغية بالتجاهل أو الصّمت أو الحصار، وأحيانا التمييع. وحين ينشط هؤلاء الدُّعاة، تكون الدولة حاضرة بآلتها التي لا ترحم.

والإقرار بالأمازيغية، لغة وثقافة بالنسبة لناشطي الأمازيغية، هو إقرار بتعدُّدية اللغة بالمغرب، لأنها الأكثر انتشارا بعد اللغة العربية، وليست لغة مُستورَدة أو أتى بها طرف خارجي مُستعمر، يرى في بسط لغته بسطا لنفوذه وهيمنته الثقافية والاقتصادية.

كانت الدولة المغربية تتعاطى مع دعوات الأمازيغية، التي ظهرت في مرحلة ما بعد الاستقلال، بخفّة وسُـخرية، لأن أصحاب هذه الدّعوات (مؤسسو حزب الحركة الشعبية، وتحديدا المحجوبي أحرضان)، كانوا جزءا من أدوات السلطة لتقليص نفوذ حزب الاستقلال، وفيما بعد مواجهة القوى الديمقراطية واليسارية، وكان أحرضان يرفع لواء الأمازيغية لمواجهة حزب الاستقلال المتّهم بالعروبية.

   

وشهدت بدايات التسعينات، نُـمو حركة ثقافية أمازيغية، بعيدا عن الدّعاة التقليديين، بل ومناهضين   لهم ويتهمونهم بالمتاجرة بالأمازيغية لتحقيق مكاسب سياسية، كانت هذه الحركة آتية من رحِـم الأحزاب والتيارات اليسارية، ولعلهم تأثروا بالربيع الأمازيغي الجزائري، ولم تنتظر السلطة امتدادهم، فلاحقتهم وأدخلت العديدين منهم السجن، وسجّل العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني في خطاب له في البرلمان، أن اللغة العربية من المقدّسات التي لا يسمح بمسّها.

الدولة المغربية ذات التعددية اللغوية

ودخل المغرب الألفية الثالثة مع العاهل المغربي الملك محمد السادس، في رُؤية ومقاربة جديدة للأمازيغية، ليصل في دستور يوليو 2011، الذي جاء في سياق الربيع العربي، إلى دسترة اللغة الأمازيغية واعتبارها لغة رسمية، تتويجا لحِـراك عرفته خلال العقد الماضي، ليكون المغرب الدولة العربية الأولى التي تذهب باتِّـجاه إقرار التعددية اللغوية، اذا ما استثنينا عراق ما قبل الاحتلال الأمريكي 2003، الذي دبر المسألة الكردية، سياسيا، بحكمٍ ذاتي للمناطق الكردية، ولُـغويا، بالاعتراف باللغة الكردية كلُـغة وطنية.

ويقول الناشط الأمازيغي أحمد عصيد، وهو عضو بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وأيضا رئيسا ومؤسسا للمرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، إن المعطى الأهم في العقد المغربي الأخير، كان خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 17 أكتوبر 2001 في بلدة أجدير، والذي أطلِـق عليه “خطاب أجدير” والذي حمل أول اعتراف رسمي باللغة الأمازيغية، وقال فيه إن الأمازيغية مسؤولية سياسية من كل المغاربة”.

ويضيف عصيد أن هذا الاعتراف، وإن كان المكسب الأهم في تاريخ الاعتراف الرسمي بالتعدد اللغوي والهوياتي بالمغرب، بعد 45 سنة من الاستقلال، إلا أنه افتقد إلى إقراره دستوريا، يضمن للأمازيغية هذا المكسب، حتى دستور يوليو 2011، الذي نصّ على اعتبار الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مُـشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء”.

عدم دسترة الأمازيغية.. مؤامرة “مخزنية”

عدم دسترة الأمازيغية، لا يعني عدم تحقيقها مكاسب خلال العقد الماضي. فبعد خطاب أجدير، أعلن في عام 2002 عن إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي تباينت آراء الناشطين الأمازيغ تُـجاهه. ويقول أحمد عصيد، إن النشطين الراديكاليين المشبعين بالأفكار اليسارية، رأوا أن إنشاء معهدٍ قبْـل دسترة الأمازيغية، مؤامرة “مخزنية”. فيما رأى التيار، الذي يصفه بالإصلاحي، أن المعهد يمكن أن يُـهيَّـأ لترسيم الأمازيغية ودَسْـترتها.

وتوالت القرارات والمبادرات نحو الترسيم أو الدسترة. ففي سنة 2003، تقرّر إدراج الأمازيغية في مناهج التعليم بحرف “التيفيناغ”. وفي سنة 2006، تقرر دخولها في الإعلام الرسمي وإنشاء قناة الأمازيغية التلفزيونية سنة 2010 وتبعها قرار جواز الاستِـعانة بمترجمين للأمازيغية بالمحاكم.

ويقول أحمد عصيد في لقاء مع  swissinfo.ch، إن هذه القرارات وغيرها عرفَـت تعثُّـرا ولم تنجح في رفع “الحجَـر” عن الأمازيغية. فإذا كان مقرّرا تعميمها في التعليم، فإنها لم تنجح منذ 2003 إلا بنسبة 14% وأبدى المسؤولون المحليون عن التعليم، عدم التِـزامهم بما تقرر، ومثله قرار الاستعانة بمترجمين، واستمر منع إطلاق أسماء أمازيغية على المواليد وتسجيلها في الحالة المدنية، وسبَّـب ذلك، بالنسبة لعصيد، أن خطاب أجدير كان اعترافا سياسيا في ظل دستور لا يعترف بالأمازيغية ودون توفير الضوابط القانونية لإنزاله وتجسيده.

من مطلب نُـخبوي إلى شعبي

ولا يفصل أحمد عصيد الوصول بالأمازيغية إلى الدسترة عن الانتفاضات الشعبية، وخاصة حركة 20 فبراير، ليتحوّل مطلب الدَّسترة من مطلب نُخبة ونشطين إلى مطلب شعبي، في وقت نجح فيه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في إعداد اللغة للترسيم، حيث أصبحت لها معاجم متخصّصة وقواعد صرْف ونحْـو ومنهجيِـة دقيقة للتعليم وتوحيد اللغة بحرف “تيفيناغ” مُـمَـعير وموحّد بقواعد، ليبدّد الخطاب السائد أن اللغة الأمازيغية مجرد لهجة، وليست لغة.

اللهجة التفاؤلية التي يتحدّث بها الباحث والناشط أحمد عصيد، ليست محل إجماع لدى المغاربة أو حتى لدى المدافعين عن الأمازيغية. ويرى هؤلاء أن التسرع بدسترة الامازيغية لغة رسمية، شبيه بالتسرّع بتهيِـئة لغة أمازيغية رابعة (ممعيرة) في المغرب إلى جانب اللغات الأمازيغية الثلاث، وفرضها على المغاربة والأمازيغ، وأن النشطين الأمازيغ، بدل الاتِّجاه إلى تقعيد وتهيئة اللغات الثلاثة باعتبارها اللغات الأم، انسجاما مع المواثيق الدولية والعمل على إدماجها في التعليم، وهذا بالطبع يحتاج إلى جهود علمية جبّارة وموارد بشرية ومالية مهمّة، وإلى عقود من الزمن، حيث سيحتاج الأمر إلى جيل أو جيلين، مما لا تستطيع معه النّخبة الأمازيغية الانتظار، وترك  أجيال المستقبل لتجنِي ثِـمار هذا العمل، لأنها تريد أن تستفيد من ذلك العمل لنفسها أولا، ما دامت هي المؤسسة لبدايته، وهذا ما ستكون له نتائج وخيمة مستقبلا.

رسمية دستوريا ووطنية واقعيا

ويرى هؤلاء أن هناك نقْـصا كبيرا في توفر الشروط الذاتية والموضوعية، التي تؤهِّـل الأمازيغية المُـمعيرة لدسترتها لغة رسمية وتقصير كبير في توفيرها، سواء من طرف الدولة أو من طرف المؤسسات المعنِـية بذلك، إذ سيقف المسؤولون عاجزين عن إنجاز أو القيام بأي شيء من المُـقتضيات الفعلية في الواقع، لعملية ترسيمها، المتمثلة في استعمال الأمازيغية في الأنشطة  الرسمية (الخطابات – الاجتماعات – المراسلات – الوثائق)، والمؤسسات العمومية (التعليم – الإدارة – الإعلام – الاقتصاد ..)، مما ستترتّب عن نفس الوضعية المُـزرية، التي تعيشها اللغة العربية المُـدسترة في الدرجة الأولى منذ عام 1962، حيث لا يوازي وضعها الدستوري والقانوني، وضعها الواقعي في الإدارة والإعلام والتعليم والاقتصاد، الذي تحتلّ فيه اللغة الفرنسية، التي لا وضعية دستورية لها، موقع اللغة الأولى. وستكون النتيجة المنطِـقية والواقعية، هي اللغة الأمازيغية، رسمية في الوثيقة الدستورية ووطنية في الواقع.

ويقول أحمد عصيد لـ swissinfo.ch، إن التحرك في المرحلة الحالية، يقوم على أساس صدور القانون التنظيمي لإنزال اللغة الأمازيغية كلغة رسمية في كل مجال الحياة العامة. وأوضح “نحن نعمل مع حلفائنا بالحكومة، وهم حزب التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية وتيار داخل العدالة والتنمية، يمثله سعد الدين العثماني، وزير الخارجية والحبيب الشوباني، وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، ولحسن الجداودي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، كما نعمل مع أحزاب المعارضة.

إرباك في التدبير

وفي سياق متصل، يحدِّد عصيد المجالات التي سيتناولها القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وكيفية إدراجها في جميع القطاعات، وهي قطاع التعليم في كافة مستوياته والمُـعتمد على الإلزامية والتعميم والتوحيد وحرف “تيفيناغ” وقطاع الإعلام والاتصال، بإقرار انتاج بنسبة 30% باللغة الأمازيغية في القنوات التلفزيونية الرسمية (أسوة بالقناة الأمازيغية التي تنتج 30% باللغة العربية) وإعادة البرمجة، لتحظى الأمازيغية بحظها، في وقت الذروة وفي قطاع الفضاء العمومي، أي الكتابة بالأمازيغية على وجهات المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية والعلامات الطُّـرُقية وتصحيح الأسماء الأمازيغية للأماكن. وفي قطاع القضاء، بإدراجها لغة وثقافة في العدالة، بتكوين قُـضاة ومحامين وموظفين بالمحاكم. وفي قطاع الصحة والإدارة العمومية.

ويُـقِـر عصيد، أن هناك إرباكا سائدا في تدبير التعدّد اللغوي بالمغرب، وأن الخطوة الأولى لتبديد هذا الإرباك، يكون في تحديد وظائف اللغة العربية واللغة الأمازيغية والعلاقة بينهما، وتدبير مسألة اللهجة المحلية المغربية (الدارجة)، التي يعتبرها إبنة اللغتيْـن.

وبانتظار القانون التنظيمي لتنزيل الدستور المغربي فيما يتعلق باللغة الأمازيغية ومعها القانون المنظّم للَّهجات المحلية أو المناطقية، يبقى السؤال المغربي المطروح إن كان سهلا التحفيز على التكامل بين هذه المكوِّنات لتغني الهوية والشخصية الثقافية المغربية، أم أن إقرارها سيؤدّي إلى متاهات، تدفع جميعها ثمنا باهِظا لصالح اللغة الفرنسية.

“.. المملكة المغربية دولة إسلامية، ذات سيادة كاملة، متشبِّـثة بوِحدتها الوطنية والتُّـرابية، وبصيانة تلاحم مقوِّمات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعِبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميّز بتبوُّؤ الدِّين الإسلامي، مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبُّث الشعب المغربي بقِـيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء”.

الفصل الخامس

“تظل العربية، اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها. تعد الأمازيغية أيضا، لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مُـشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء. يحدِّد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكّن من القيام مُستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية.

تعمل الدولة على صِيانة الحسّانية، باعتبارها جزءا لا يتجزّأ من الهوية الثقافية المغربية الموحَّدة، وعلى حماية اللَّهجات والتعبيرات الثقافية المُستعملة في المغرب، وتسهَـر على إنسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلّم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، باعتبارها وسائل للتواصل والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرِفة، والانفتاح على مختلف الثقافات وعلى حضارة العصر.

يُحدث مجلس وطني للُّغات والثقافة المغربية، مهمَّته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا. ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات. ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبَته وكيفيات سيره.”

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية