مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ما بعد إقرار الدستور المُعدّل في مصر.. رؤيتان متباينتان!

رئيس الهيئة العليا للإنتخابات القاضي نبيل صليب (وسط الصورة) يستعد يوم 18 يناير 2014في القاهرة للإعلان عن نتائج الإستفتاء على الدستور المدعوم من طرف الجيش المصري. Keystone

أثار الإعلان عن النتائج الرسمية للإستفتاء على الدستور المعدل في مصر ردود فعل متباينة تراوحت بين الترحيب والإشادة من طرف المؤيدين للسلطة التي جاءت للحكم في أعقاب إطاحة القوات المسلحة بأول رئيس منتخب للبلاد وبين استنكار المعارضين والفئات الشبابية وأغلب الجهات الحقوقية في الخارج. في الأثناء، لا يُبدي المُمسكون بمقاليد الحكم أي اهتمام بالإنتقادات والتحذيرات بل يستعدون للإعلان قريبا عن المواعيد الإنتخابية المقبلة.

مساء السبت 18 يناير 2014، أعلنت اللجنة العليا للإنتخابات أن عدد المشاركين في الإستفتاء على الدستور بلغ 20.5 مليون ناخب من إجمالي 53 مليونا و423 ألفا و485 يحِق لهم التصويت، حضر منهم 20 مليونا و366 ألفا و930 صوتا، بنسبة مشاركة بلغت 38.6%، وقد بلغت الأصوات الصحيحة 20 مليونا و136 ألفا و677 ناخبا، وبلغ إجمالي مَن قالوا “نعم” على الدستور، 19 مليونا و985 ألفا و389، بنسبة 98.1%، مقابل 381 ألفا و341 ناخبا قالوا “لا” للدستور بنسبة 1.9%.

يأتي هذا في الوقت الذي نشر فيه “المرصد العربي للحقوق والحريات” على موقعة عبر شبكة الإنترنت، تقريرا بنِسب المشاركة في استفتاء مصر 2014 في المحافظات المصرية، بناءً على محاضر الحضور في اللجان وتوثيق الحقوقيين والمراقبين المحليين والدوليين، والتي وصلت كمتوسط نسبي إلى 11.03%، كنِسبة مشاركة عامة في المحافظات، مشيرا إلى أن نسبة المشاركة في استفتاء 2012 في عهد الرئيس المخلوع محمد مرسي وصلت إلى 32.9% كمتوسّط عام.

من جهة أخرى، أظهرت دراسة تقديرية أعدها “المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام (تكامل مصر)” حول مستوى المشاركة في التصويت، أنّ متوسط المعدّل العام للتصويت في الإستفتاء بلغ 9.7%، من إجمالي المقيدين بالقوائم الإنتخابية والذي يقارب 53 مليونا. وبيّنت الدراسة أن لجان الوافدين (المتواجدين في محافظات أخرى يوم إجراء الإقتراع) مثّلت 27% من إجمالي المشاركة في الاستفتاء، مقابل 73% فقط في لجان المقيمين.

وأشار مركز (تكامل مصر) إلى أن هذه الدراسة تمّت باستخدام المُعايَنة الطبَقِية العَشوائية، الممثلة للمقيدين بالجداول الإنتخابية، على عيِّنة قدرها 1167 مقرا انتخابيا يومي 14 و15 يناير 2014، وتمّ استخراج النتائج باستخدام نماذج المحاكة الإحصائية بمستوى ثقة بلغ 95%.

swissinfo.ch

“للكبار فقط!”

في رده على سؤال swissinfo.ch حول أهَم ملاحظاته على عملية التصويت والنتائج الرسمية المُعلنة للإستفتاء على الدستور، أجاب الكاتب الصحفي د. محمد الباز، المدرِّس بكلية الإعلام بجامعة القاهرة: “أبرز الملاحظات أن التصويت لم يجْر تحت القمْع أو القهْر، كما تدّعي بعضُ الصحف الغربية. فلو كانوا مقموعين، لصوّتوا في صمت، فلا أحد يرقص وهو مقموع، ولا امرأة تُزغرد وهي مقهورة”، معتبرا أن “نعم” هذه المرّة ذهبت لأصحابها.. فالذين شاركوا، نزلوا من أجل “نعم”، أما الذين يرفضون الدستور، فلم يشاركوا من الأساس في الإستفتاء.

في الوقت نفسه، أشار الباز، مؤلف كتابيْ: “صائد الأفاعي.. المفاتيح السبعة لشخصية السيسي” و”المشير والفريق” إلى أن من أهم الملاحظات أيضا “غياب الشباب عن الإستفتاء (الذي وصفه الشباب على صفحات التواصل الاجتماعي بأنه استفتاء للكِبار فقط)، وذلك لأنه يشعُر أن الدولة الآن لم تعُد له، فقد استردّها العواجيز في كل مكان، ويبدو أنهم قرروا أن يتركوها ولو مؤقتا، حتى يفكِّروا في صيغة جديدة لاستردادها مرّة أخرى. الإخوان هُم الخاسرون على طول الخط. فالقاطرة تسير إلى الأمام، وفي الغالب يمكن أن يعود الإخوان لطلب التفاوض، وأتوقع أن يحدث هذا قريبا”.

من جانبه، أوضح سليم عزوز، الكاتب والمحلل السياسي أن “الأصل في الإستفتاء أن يخضع إلى اللجنة العليا للانتخابات، والتي يجب أن تكون مستقلّة وليست تابعة للسلطة التنفيذية، لكن الملاحظ، أن السلطة التنفيذية كانت حاضرة بقوّة خلال الإستفتاء، تتحدّث عن إجراءات العملية وعن المؤشرات والنتائج الأولية وعن أمور انتخابية، هي في الأساس من صميم اختصاص اللّجنة العليا”، مشيرا إلى أن من أبرز الملاحظات “تجريم الدعاية بـ (لا) للدستور، ناهيك عن أن المقاطعة مجرمة بالأساس، حيث تم إلقاء القبْض على عدد من الذين دعوا للتصويت بـ (لا) أو كتبوا في أوراق الإستفتاء كلمات سلبية ضدّ الإنقلاب، كما تمّ القبض كذلك على عدد من أعضاء حزب مصر القوية”. 

نتائج مُبَالغٌ فيها!!

وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، قال عزوز، رئيس التحرير السابق لجريدة “الأحرار” وأحد أبرز المعارضين لِما حدث في 3 يوليو والذين يعتبرونه انقلابا عسكريا على الشرعية: “لم نعرف التقليد الخاص بالإنتخابات هذه المرة والخاص بفترة الصمت، فحتى اللحظات الأولى لبدء التصويت، كانت الدعاية على قدم وساق للتصويت بـ “نعم” أمام اللجان وبكل وسائل الدعاية؛ بالمناداة على المارة أو بالرقص أو عبر مكبرات الصوت الخاصة بالمساجد وغيرها… أيضا ظهر الجيش كسلطة دعاية لا كسلطة حماية من خلال احتفائه بالمصوِّتين بـ “نعم”.

وأضاف عزوز: “ثم إن العدد المعلن للمشاركين في الإستفتاء، مبالغ فيه جدا. ففي الإستفتاء على دستور 2012، وعلى الرغم من أن الحشد كان من الجانبين (الإسلاميين/ الليبراليين)، فإن عدد المصوِّتين تجاوز الـ 16 مليونا بقليل، فكيف يتجاوز الحضور هذه المرة الـ 19 مليونا، رغم أن الحشد من اتّجاه واحد (غير الإسلاميين) فقط؟!”، مشيرا إلى أن “الحديث عن أن الصناديق باتت الليلة الأولى في حِراسة الجيش لا القُضاة المشرفين، مع عدم وجود المندوبين، الذين يشكّلون رقابة مهمّة، لا يجعلنا نطمئِن إلى سلامة النتائج المعلنة”.

السيناريو المتوقّع

بعد إقرار الدستور، يرى الباز أن السيناريو المُحتمَل سيكون حسب التسلسل الآتي: “الإنتخابات الرئاسية ستجرى أولاً، وهم يعملون الآن لترتيب ذلك، فمن المهم أن يكون هناك رئيس قبل تشكيل البرلمان، فالناس على دين ملوكهم، ولابد أن يكون أعضاء البرلمان متوافقين مع مَن سيأتي. بعدها، يقوم الرئيس بإصدار قانون الانتخابات البرلمانية، وعندما يتشكّل البرلمان، ستكون خارطة الطريق قد اكتملت… هذا على المستوى الطبيعي لسير الأحداث. فلم تعُد الجماعة قادِرة على إيقاف المركَب. لكن على المستوى الشعبي، فربما تأتي الرياحُ بما لا يشتهي السّفنُ، ويحدث ما يعطل كل شيء، فلا أحد يعرف الآن ما الذى يخبِّئه الشباب”..

في سياق معاكس تماما، يقول عزوز: “لن يُمثل إقرار الدستور سوى فرحة مؤقّتة. فالثورة المستمرة في الشوارع، ستُزيل هذا الأثر سريعا. فإقرار الدستور لن يمنح الإنقلابيّين شرعية كما يتوهَّمون، لأنهم سيُوَاجَهون بمعارضة مستمِرة. ثم إن هناك أزمة حالية واجهت الإخوان من قبْل، هي الخاصة بأولئك الذين صوّتوا بحثًا عن الإستقرار، وقد قيل لهم أن الإستقرار سيأتي بالموافقة على الدستور، هؤلاء سيكونون خصما حقيقيا من الفريق المؤيِّد للإنقلاب، عندما يطالِبون بتحقيق ما وُعِدوا به من استِقرار وتحسين مستوى المعيشة”.

swissinfo.ch

المعارضة.. ماذا بإمكانها أن تفعل؟

وحول ردود الفعل المُحتملة من القوى المعارضة خلال الأيام والأسابيع، بل والشهور المقبلة، قال الباز: “إذا كنت تقصد بالمعارضة الأحزاب المدنية الموجودة، فهي ليست معارضة الآن، وإنما هي تبحث عن اقتسام نصيبها من التَّركة السياسية، وسيتم ذلك بالتفاهُم والتراضي. أما المعارضة المتمثلة في الإخوان وحلفائهم، فليس أمامهم إلا التنازُل الشديد، وإلا فآلة القتْل لن تتوقّف بين الطرفيْن”.

في المقابل، يرى عزوز أن “(التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الإنقلاب)، ليس أكثر من عنوان، إنما التفاصيل هي بِيَد الثوار الميدانيِّين، ومهما يحدث، فإنه بإمكان القِوى الموالية للشرعية أن تستمِر في الشوارع، تعلن رفضها للإنقلاب وتعمل على إسقاطه، ومن هنا، سيتعمق الإنهيار الإقتصادي، لاسيما وأن الدول التي تقدِّم مساعدات للإنقلاب ستتوقّف عن ذلك، وقد أظهرت نيتها”، حسب قوله.

رئيس التحرير السابق لجريدة “الأحرار” أضاف أيضا أنه قد تمّ الإعلان بشكل أو بآخر أنه “على مصر أن تحل مشاكلها الإقتصادية بنفسها، وهذا لن يتأتى في ظلّ استمرار الثورة، لاسيما وأنه لا يُوجد لدى الإنقلابيين برنامج لحلّ الأزمة الإقتصادية الطاحِنة والخروج من حالة الإنهيار الإقتصادي، وهذا من شأنه أن يضم شرائح أخرى للثورة. فالتحالف يعمل الآن على ضم الثورييّن والعودة إلى روح ثورة 25 يناير 2011، ولا تنسى أن إصرار السّيسي على الترشح للرئاسة، هو أكثر أهمية لديْه من عملية تدوير الإنقِلاب وترشيح غيره”، حسب رأيه.

سُبُل الخروج من المأزق

في ظل هذه الأوضاع، ما هي الوصفة المُقترحة  للخروج بمصر من المأزق الرّاهن والبدء في مرحلة الإستقرار والبناء؟ هنا، يرى الباز ببساطة أن “مصر لا تحتاج إلى وصفة للخروج من المأزق الراهن. فمصر تحتاج إلى يد الله لتنقذها.. تحتاج إلى معجزة، لأنه لا أحد يريد أن يعمل من أجل مصر بإخلاص، فالجميع يفكر في صالحه ومصالحه فقط”.

سألتُه: “ولا حتى السلطة الحاكمة الآن؟”، فأجاب: “السلطة الحاكمة الآن موجودة بفعل القدَر، بفعل الأمر الواقع، بفعل الضرورة التي اقتضت إبعاد الإخوان، وهي الآن تمثل طرفا في النزاع، وهي في ورطة. فالمفروض أن تسلم السلطة لطرف ثالث، بعيدٍ عن النزاع، لكنَّها في ذات الوقت، لا تستطيع، لأنها تعرف أن خروجها من السلطة، يمكن أن يعنى تصفيتها”..

من ناحيته، يقول سليم عزوز: “هُم الآن يقولون إن السيسي لا علاقة له بإدارة الدولة وأن الأمر في يد رئيس الوزراء (حازم الببلاوي) والرئيس المؤقت (عدلي منصور).. بعد ذلك، سيقف الناس على حقيقة أن الفشل مرتبِط بالسيسي، الذي يُدافع عن رقبته، وهو يرى أن أيّ تنازل منه سيقلب مُعادلته، ولهذا فليس لديه رؤية للتقارُب مع الآخر… ناهيك عن أن أيّ قبول للجلوس معه من قِبل القوى الموالية للشرعية، سيُفقدها شعبيتها في الشارع الرافض للإنقلاب والمتجاوز للإخوان والتيار الإسلامي كله، ولا يمكنهما التفاوض بعيدا عنه”.

لذلك فإن الحل، حسب رأيه “لن يكون إلا باستمرار الثورة، حتى إسقاط الإنقلاب وعودة الجيش إلى ثكناته لأداء دوره الأساسي المنُوط به، وهو حماية الحدود والبعد عن مشهد الصِّراع السياسي، وبدون هذا، فلا استقرار ولا نهاية للأزمة”.

يوم السبت 18 يناير 2014، دعا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مصر إلى تطبيق الحقوق والحريات التي يتضمنها الدستور الجديد. وقال كيري في بيان أصدره بعد الإعلان عن النتائج الرسمية: “في الوقت الذي تمر فيه مصر بعملية انتقال (سياسي) فإن الولايات المتحدة تدعو الحكومة المصرية المؤقتة إلى أن تطبق بالكامل الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور الجديد للشعب المصري والتقدم باتجاه المصالحة”.

وأكد كيري أن “الديمقراطية هي أكثر من استفتاء واحد أو انتخابات واحدة. إنها مسألة مساواة في الحقوق والحماية بموجب القانون لكل المصريين أيا كان جنسهم أو دينهم أو انتمائهم الإثني أو السياسي”، وأضاف أن “ما سيأتي لاحقا (بعد الإستفتاء) هو ما سينحت الإطار السياسي والإقتصادي والإجتماعي لمصر لأجيال”.

من بروكسل

يوم الأحد 19 يناير 2014، اعتبرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون أن “الأكثرية الواسعة” التي أيدت الدستور الجديد في مصر تؤكد الدعم الشعبي للعملية الديموقراطية في هذا البلد.

وقالت اشتون في تصريح نشره مكتبها الإعلامي ان “الإتحاد الأوروبي ليس قادرا على إجراء تقييم مُعمّق للطريقة التي أجري فيها الإستفتاء أو التحقق من المزاعم عن حصول تجاوزات، لكن ذلك يبدو أنه لم يكن له أي أثر جوهري على النتيجة”.

وأضافت “أخذتُ علما بنسبة المشاركة التي يمكن ان تكون نتيجة لأحداث يتعيّن على السلطات أن تأخذها في الإعتبار لمتابعة العملية” الديموقراطية في البلاد. وخلصت إلى القول “إنني أخذت علما أيضا بأن أكثرية كبيرة من الأصوات جاءت مؤيدة، ما يمثل موافقة واضحة على مشروع الدستور”.

(المصدر: وكالات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية