مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مُباحثات “جنيف” اليمنية بين مرجعيات مُتضاربة وأهداف غير جليّة

مؤيدون مسلحون للحوثيين يرفعون شعارات معادية للسعودية خلال مظاهرة نظمت يوم 14 يونيو 2015 في العاصمة اليمنية صنعاء احتجاجا على عمليات "عاصفة الحزم" التي تستهدف مواقع الحوثيين وحلفائهم من أتباع الرئيس السابق علي عبد الله صالح. Keystone

في جنيف، افتتح بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة محادثات سياسية بشأن اليمن يوم الاثنين بالدعوة إلى هدنة إنسانية لمدة أسبوعين على الأقل بمناسبة بدء شهر رمضان كما دعا إلى وقف إطلاق النار بين الفصائل المحلية وانسحاب الجماعات المسلحة من المدن. وأشار إلى أن "بقاء اليمن اليوم على المحك. في الوقت الذي تتشاحن فيه الأطراف المختلفة.. يحترق اليمن". وتابع أن الحوثيين لم يصلوا إلى المحادثات بعد ولكنه يتوقع حضورهم في وقت لاحق من اليوم.

وكانت مصادر دبلوماسية وأممية أفادت في وقت سابق أن وفد المتمردين اليمنيين لم يصل بعدُ إلى جنيف وذلك بسبب تأخير في الرحلة. وتابعت المصادر نفسها أن الطائرة التابعة للأمم المتحدة وعلى متنها خمسة ممثلين عن المتمردين بينهم حوثيان شيعة وعضوان في حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح وزعيم حزب الحق الشيعي المعارض حسن زيد، غادرت صنعاء مساء الاحد 14 يونيو واضطرت للتوقف مطولا في جيبوتي. ويضم وفد المتمردين أيضا مندوبيْن يُفترض أن يصلا من سلطنة عُمان.

ومن المقرر أن تبدا المحادثات (بشكل غير مباشر في مرحلة أولى) بين ممثلي حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المقيم في المنفى في السعودية والمتمردين يوم الاثنين بحضور الامين العام للامم المتحدة بان كي مون، وهي تهدف – كما هو مُعلن عنه – إلى “وقف الحرب الدائرة في البلاد والعودة إلى مسار العملية السياسية المتعثرة” منذ اجتياح مليشيات الحوثي للعاصمة صنعاء.

وفي حين يتطلع غالبية اليمنيين إلى أن يؤدي لقاء جنيف إلى وضع حداً لمعاناتهم جراء المعارك المُستعرة وهجمات التحالف الذي تقوده السعودية وإنقاذهم من الأوضاع الإنسانية المتردية،إلا أن الاطراف الداخلية والخارجية لها حسابات تبدو أبعد من مجرد إنهاء الحرب ومعالجة الأوضاع الإنسانية المنهارة التي يرفعها الفرقاء المؤثرون في الداخل والخارج، ما سيؤثر بالتأكيد على سير المباحثات وعلى نتائجها.

الطائرات السعودية تقصف صنعاء قبل محادثات سلام

صنعاء (رويترز) – قال شاهد من رويترز إن طائرات التحالف الذي تقوده السعودية قصفت العاصمة اليمنية صنعاء أثناء ليل الاحد 14 يونيو بينما تستعد الفصائل المتحاربة في اليمن لحضور محادثات من المقرر أن تبدأ يوم الاثنين 15 يونيو في جنيف.

وأحدثت الغارات الجوية انفجارات كبيرة قبل الفجر وقصفت مواقع إلى الجنوب والغرب من المدينة. وتستهدف الحملة التي تقودها السعودية منذ نحو 12 أسبوعا المقاتلين الحوثيين وقوات الجيش الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.

وتهدف المحادثات التي يرعاها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى التوصل لحل سياسي لانهاء القتال الذي أسفر عن مقتل الآلاف في اليمن لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت الفصائل المتحاربة ستلتقي وجها لوجه خلال المحادثات.

وسيلتقي كل طرف في البداية في محادثات منفصلة مع مسؤولين من الأمم المتحدة سيحاولون تقريب وجهات النظر فيما بينهم بهدف جمعهم في نهاية الأمر على طاولة واحدة.

ولا توجد مؤشرات تذكر حتى الآن على استعداد الحوثيين المدعومين من ايران وصالح أو الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي يقيم في الرياض لتقديم تنازلات بعد أن وصل القتال إلى طريق مسدود منذ أن بدأت الغارات السعودية في 26 مارس 2015.

وبينما تساند الدول الغربية إلى حد كبير حملة الرياض الجوية كوسيلة لدفع الحوثيين للجلوس على مائدة التفاوض فقد بدأت في الآونة الأخيرة الضغط على المملكة لقبول المفاوضات والسماح بهدنة انسانية جديدة لادخال المساعدات.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 15 يونيو 2015)

“اختراق” قد يُطلق حركية جديدة

فعلى المستوى الداخلي، بقدر ما تتسارع الخطى لجمع الأطراف اليمنية على طاولة واحدة تبرز تعقيدات وصعوبات ستلقي بالتأكيد بثقلها على سير المباحثات بدأت تظهر من التصريحات النارية المتبادلة بين الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته المعترف بها دولياً من جهة، وبين من يوصفون بالإنقلابيين الحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح من جهة أخرى.

فالهدف من محطة جنيف، يتمثل – كما عبّر عن ذلك الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مبعوث الأمين العام إلى اليمن – في “إنهاء الصراع” الجاري في البلاد. فقد صرّح أن “مفاوضات جنيف هي اختراق إذا حصل فمن الممكن أن يُوصل إلى ديناميكية جديدة لإنهاء الصراع في اليمن”، غير أن البعض يخشى من أن تتحول إلى محطة لتأجيج الصراع وإدخال البلد في مزيد من الإحتراب والقتال، كما يبدو من خلال التصريحات النارية المتبادلة بين الأطراف المُعوّل عليها بوقف نزيف ودمار هذا البلد الأشد في فقراً في المنطقة.

فقبل أيام من الذهاب إلى جنيف، أكد الرئيس عبد ربه هادي ونائبه رئيس الحكومة خالد محفوظ بحاح الذين تُسمّيهم قرارات الأمم المتحدة بـ “السلطة الشرعية” في أكثر من مناسبة أن الإجتماع لن يكون سوى “لقاء تشاوري حول تنفيذ قرارات مجلس الأمن” وفي مقدمتها القرار رقم 2216رابط خارجي (الصادر في 14 أبريل 2015) الذي دعا مليشيات الحوثي للإنسحاب من المدن اليمنية التي سيطرت عليها بقوة السلاح، وتسليم الأسلحة التي استولت عليها، وإطلاق المحتجزين وفي مقدمتهم وزير الدفاع محمود الصبحي وبقية المعتقلين لدى مليشيات الحوثي منذ أكثر من شهرين وفق ما ورد في القرار المشار إليه.

في مقابل ذلك، يُصرّ الحوثيون على أن مباحثات جنيف “غير مشروطة”، ويقولون إن الرئيس عبدربه هادي وحكومته سقطت شرعيتهم باستدعاء ما يسمونه بـ “العدوان السعودي” على البلاد في إشارة منهم إلى التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية .

على ضوء هذا التباين يبدو أن الأطراف اليمنية المعنيّة بوقف الحرب والتوصل إلى حل سياسي على طرفي نقيض من أهداف “جنيف” المُعلنة من قبل الأمم المتحدة، وإذا ما أخذ ذلك التباين في سياق الإستقطاب الإقليمي والدولي تحضر الخشية من أن تتتحول مباحثات جنيف إلى محطة تُوسّع المشكلة اليمنية وتزيدها تعقيداً بدلاً من أن تكون خلاصا لها وفق ما يسود مختلف الأوساط ، لاسيما إذا ما أصر كل طرف على التمسك بموقفه وشروطه.

في هذه الحالة، ستخرج المشكلة القائمة في اليمن من الحسابات اليمنية الداخلية إلى حسابات الأطراف الخارجية الإقليمية والدولية التي تريد تسوية ملفات الصراعات الكبرى في المنطقة ومعالجة مشاكلها الداخلية عبر تبادل لعبة كسر العظم فوق الملعب اليمني، وتسديدها في مرمى الفريق الأضعف من أجل تسجيل نقاط مؤهلة أمام الخصم الأقوى.

علامات استفهام حول “جنيف”

لا مفر هنا من التذكير بأن فكرة مؤتمر “جنيف” جاءت بعد أشهر من إطلاق “عاصفة الحزم” ومن قبل نفس اللاعبين الذين أيّدوها صراحة أو ضمنا، وهم تحديدا: الأمم المتحدة والولايات المتحدة والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بالتشاور مع الأطراف الإقليمية (دول مجلس التعاون الخليجي ،وإيران) وفرضت على جميع القوى السياسية اليمنية بما فيها تلك التي أبدت رفضها في البداية لفكرة المؤتمر (أي السلطة المعترف بها دولياً والقوى السياسية المؤيدة لها) والتي رأت فيه مُحاولة للإلتفاف على قرارات مجلس الأمن وجرها إلى مساومات جديدة مع الإنقلابيين خارج قرارات مجلس الأمن المؤيدة للمبادرة الخليجية، وآليتها التنفيذية ومُخرجات الحوار الوطني، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الغاية المرجوة من مباحثات جنيف، لاسيما في ضوء التباين بين من يدعو إلى أن يكون من أجل التشاور بشأن تنفيذ قرارات المجلس وبين من يدعو إلى أن يكون منطلقا جديدا لحل سياسي على أساس الأمر الواقع الذي فرضه تمدد مليشيات الحوثي والجيش الموالي للرئيس “المخلوع” علي عبدالله صالح في أغلب مناطق البلاد.

مع استمرار هيمنة الخلافات العميقة بين أطراف القضية اليمنية وتمسك كل طرف بوجهة نظره حتى اللحظات الأخيرة من موعد انعقاد جنيف، يسود اعتقاد لدى العديد من المراقبين أن أطراف الصراع اليمني سيذهبون إلى طاولة مؤتمر “جنيف” ربما ليس لوضع حد للحلول العسكرية والخروج بحل سياسي متوافق عليه، وإنما لتمديد أمد الصراع بغية تحقيق اهداف أبعد من مجرد حل المشكلة اليمنية الداخلية لها علاقة بحسم القضايا الساخنة في المنطقة كالملف النووي الإيراني، وما يرتبط به من ضغوط على موسكو بخنقها اقتصادياً بواسطة خفض اسعار النفط في السوق الدولية ودفعها لتليين مواقفها حول ما يجري في المنطقة عن طريق مراجعة سياسة اغراق السوق العالمي بالنفط التي تنتهجها المملكة العربية السعودية ودول الخليج وقد يكون ذلك هدفا غير معلن من جر المشكلة اليمنية إلى جنيف وهو التهيئة لتسويات بعيدة عن جوهر الإشكال اليمني وعلى علاقة بحسابات إقليمية ودولية لها أسبقية لدى اللاعبين الدوليين الوازنين على الحل السياسي بين اليمنيين الذي يبدو بعيد المنال في ظل التباين الحاصل بين الفرقاء المعنيين.

ومما يؤكد هذه الفرضية هو أن التعاطي الدولي مع الإشكالية اليمنية، لاسيما في مجلس الأمن غلب عليه في كل المحطات توافق الأطراف الدولية الوازنة في المحفل الأممي، كما أن جميع القرارات التي صدرت عن المجلس بهذا الخصوص (منذ توليه الإشراف على التسوية السياسية في اليمن ابتداء من موفى عام 2011 بمقتضى المبادرة الخليجية) كانت قرارات توافقية داعمة للمبادرة الخليجية وما تلاها من خطوات الحوار الوطني ومُخرجاته وصدرت جميعها بالإجماع ابتداء من القرار رقم 2041 الذي وضع اليمن تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة مرورا بقرارات العقوبات ضد الأطراف المُعرقلة للتسوية السياسية، وانتهاء بالقرار رقم 2216 الذي انطوى على “تأييد لاستخدام القوة” ضد الأطراف المُعرقلة لمسار العملية السياسية.

“المصالح لا العقائد”..

ومن الواضح أن التوافق الذي طبع مواقف تلك الأطراف هو نفسه الذي يقود اليوم أطراف الصراع في اليمن إلى جنيف، وبالتالي فهو الذي بمقدوره أن يقرر النتائج المرجوة من المباحثات بين الأطراف السياسية المعنية لأن ذلك التوافق هو الذي أفضى إلى صدور تلك القرارات، ما لم يكن الخلاف بين اليمنيين ذريعة لمواصلة الضغوط المتبادلة بين الأطراف الإقليمية والدولية الوازنة من خلال الملعب اليمني.

الواضح أن لقاء جنيف بين الأطراف اليمنية لا يمكن أن يأتي لوجه اليمن واليمنيين ومُبرّأ من الضغط على إيران وعلى حليفتها موسكو، بل يبدو مرتبطا ارتباطاً وثيقاً بما تسعى إليه الدول الإقليمية والقوى الدولية من درء الخطر الأكبر للمفاعل النووي الإيراني على المنطقة والعالم وهو خطر يفوق مخاطر استمرار الحرب في اليمن وبين اليمنيين وفق حسابات المصلحة للاعبين الكبار، خاصة مع ما تمثله اليمن بالنسبة لإيران من رهان عبر عنه كبار القادة الإيرانيين في طهران غير مرة عندما رددوا بأن “العاصمة اليمنية صنعاء هي رابع عاصمة عربية تسقط في أيديهم”، كذلك تأتي ورقة أسعار النفط ضمن أدوات الضغوط المتبادلة التي بلغت ذروتها بـ “عاصفة الحزم “ التي حظيت فور انطلاقتها بمباركة القوى الوازنة في المحفل الأممي.

خلاصة القول، يبدو أن الأولويات في جنيف لن تكون أولويات يمنية، وإلا لما تم جمعُ الأطراف إلى الجلوس حول طاولة ليسوا متفقين أصلاً على المرجعيات التي تحكمها، ويلفها الضبابية والغموض مع أنها مرجعيات صادرة عن المنظومة الدولية (مجلس الأمن الدولي والأمانة العامة للأمم المتحدة)، هذا ما لم يتدارك اليمنيون أنفسهم أين (وكيف) يضعون أنفسهم وسط عالم متشابك ومعقّد تحكمه المصالح لا العقائد.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية