مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأدب العربي بأقلام بنات شهرزاد

يعتقد بعض المفكرين الأوروبيين أن المرأة العربية محاصرة اليوم بين تقاليد الماضي والواقع المعاصر وأحلام الحرية (مصدر الصورة:Alexandra Boulat/VII )

إختارت مجلة (دو) المعنية بالشأن الثقافي، الأدب العربي النسائي موضوعها الأساسي في عددها الصادر عن شهر مارس، حاولت فيه تقديم عدد من كاتبات بعض الدول العربية، مع التركيز على سيرتهن الذاتية ومختارات من أعمالهن.

ويعكس هذا العدد، مدى اهتمام الحقل الثقافي السويسري والغربي عموما بالأدب والثقافات العربية، لكن السؤال يبقى دائما كيف تتم ترجمة هذا الاهتمام ومن يحدد القيمة الأدبية والفنية لهذا العمل أو ذاك؟

اختارت المجلة عنوان (بنات شهرزاد) للحديث عن الكاتبات العربيات، ورغم ذلك فإن الأمثلة المقدمة استثنت المنطقة المغاربية وجنوب المنطقة العربية من اليمن والسودان والصومال، دون توضيح الأسباب، لكنها رأت في الكاتبات المختارات أنهن يمثلن التيار الجديد في “الأدب النسائي العربي”.

فمن الأردن اختارت المجلة سميحة خريس، وقالت أنها “تنتمي إلى الجيل الذي بدأ في تطوير الرواية العربية الحديثة، ونقلها من أسلوب الأشعار والقصائد الطويلة إلى القصص والروايات”، وركزت المجلة على ما وصفته بالارتفاع المتزايد في عدد الأعمال الأدبية المنشورة، ففي الفترة ما بين عامي 1950و1967 لم يتم نشر سوى 22 قصة في الأردن، بينما ارتفع هذا العدد إلى 333 في الفترة ما بين عامي 1967 و 1995، حسب المجلة.

ورأت المجلة أن قصص سميحة خريس تدور حول التغيرات الاجتماعية التي تشهدها الأردن بشكل عام، مثل تطور الحياة في العاصمة عمان، أو في مدينة اربد حيث شبت، مثل روايتها التي تحكي فيها مسيرة اسرة أردنية منذ منتصف الثلاثينيات في القرن الماضي إلى أوائل الثمانينيات، كما أشارت المجلة إلى أسلوبها الأدبي المتنوع.

ومن سلطنة عمان، التي تقول المجلة أنها أرض المتناقضات، تقترح المجلة الكاتبة بشرى خلفان، التي وصفت عملها الأدبي بأنه لم يكن أمرا سهلا أن يتقبله المجتمع، وتعتقد المجلة أن هذا هو سبب تأخير صدور مجموعتها القصصية الأولى بعد عشر سنوات من الكتابة، رغم أن عملها الرسمي ليس له علاقة بالأدب بل في تنقية المجاري المائيةن حسب المجلة.

ثم تنتقل بنا المجلة إلى لبنان وتختار الشاعرة عناية جابر، التي وصفتها بـ”الظاهرة الأدبية المنتشرة في لبنان، لأنها تمثل تيار الواقع”، وترى المجلة أنها مثلها كغيرها من اللبنانيات هجرت القرية بحثا عن حريتها في المدينة، والخروج عن تقاليد المجتمعات الريفية، على عكس طبيعة الأسرة اللبنانية التي إن ابتعدت وهاجرت فلها موطئ قدم في قريتها التي شبت فيها سواء في جبال الجنوب أو سهول الشمال، وما يميز عناية جابر عن غيرها، حسب المجلة هو أنها تنحدر من أب مسلم وأم مسيحية، لتجمع في تركيبتها الشخصية بين القرية والمدينة، وبين دينين مختلفين، وغلى جانب علمها الصحفي، فهي انتشرت خارج لبنان كمطربة.

خوف من سطوة الرجال

وفي فلسطين تقول المجلة أنه إلى جانب أدب المعاناة، فهناك أيضا الأدب الساخر الذي ينتقد الأوضاع السائدة هناك بلغة تهكمية، لم تختر إحدى كاتبات المخيمات أو مناطق المعاناة بل وقع بصرها على سعاد عميري (من عرب 48) لتكون مثالا على الأدب الفلسطيني، لأنها “تنحدر من إحدى القرى التي تحتفظ ببعض السمات الفلسطينية في قلب إسرائيل”، حسب المجلة.

وقد فضلت سعاد عميري أن تختار بنفسها النص الذي نشرته المجلة من أعمالها، وقامت بترجمته إلى الإنكليزية، ربما حرصا منها على وصول المعنى والمضمون، دون الدخول في التفاصيل اللغوية التي قد تبعد الفكرة عند ترجمتها، ونفس الحال كان مع كتابات رشا الأمير من لبنان التي بعثت بمشاركتها باللغة الفرنسية.

وتقول كريستين زيبك في افتتاحية العدد “إن الفرق بين التركيبة اللغوية العربية عن اللغات الأوروبية كبير، فبينما نميل نحن (في الغرب) إلى الجمل القصيرة، تميل الجملة العربية إلى استخدام الرموز والصور الجمالية، فاللغة العربية هي لعب بالكلمات تبعث منها الموسيقى إلى أذن المستمع، وتعرف اللغة العربية العديد من المصطلحات والتعابير والكلمات التي قد نحتاج إلى جملة كاملة لترجمتها إلى لغات أخرى، لهذا فهناك صعوبة في الترجمة إلى اللغات الأوروبية”.

ومن الكويت تطل ليلى العثمان، التي نقلت عنها المجلة “خوف الرجال من ضياع السلطة من بين أيديهم من خلال النساء، سواء على الجانب السياسي أو في الحياة الخاصة”، ورغم اعتراف المجلة بأن أعمالها الأدبية منشورة منذ عام 1965، إلا أنها تصر على أن الرجال يتحكمون في مسار الحياة العامة في الكويت في جميع المجالات، وحتى عندما حصلت المرأة على حق التصويت والانتخاب، فقد رأت المجلة أن المؤسسة الدينية عرقلت هذه المسيرة بشكل أو بآخر.

ثم تنتقل المجلة إلى سوريا وتحديدا في اللاذقية لتنقل أفكار هالا محمد الشاعرة وكاتبة القصص القصيرة، ورأت المجلة أنها تمكنت عبر الشعر الخروج إلى الحرية، وعبرت من خلال الصور الجمالية وعبارات حول الألوان والأصوات عما يجيش بداخلها، وتقول إن الخوف ملازم لها ولخصتها في آخر أعمالها الشعرية.

ومن العراق رأت لطفية الدليمي أن الرجل عربيا كان أو عراقيا، ينظر بعين إلى الماضي والأخرى إلى المستقبل، فلا يرى الواقع، واستعرضت المجلة مسيرة الكاتبة العراقية وتفاعلها مع الحركة الثقافية العراقية عبر قرابة 4 عقود، قد عبرت من خلال أعمالها عن أهمية مشاركة المرأة في جميع مناحي الحياة بما في ذلك اتخاذ القرار مشاركة مع الرجل، لتكتمل صورة المجتمع.

” نبحث عن المتحررات داخل ثقافتهن”

وتقول كريستين سيبك المسؤولة عن تحرير وإعداد هذا الملف في حوار مع سويس انفو “لقد حرصت على استضافة الأديبات اللائي يرتبطن بشكل وثيق بثقافتهن، وليست المهاجرات، ومن المؤكد أن بعض الشخصيات الواردة في العدد لهن خبرات وتجارب اكتسبنها من الغرب، لكنهن عدن مرة أخرى إلى أوطانهن لأسباب مختلفة، كما تعرفت على بعض الكاتبات من خلال أعمالهن الأدبية المنشورة باللغة الألمانية، وبعضهن تم ترشيحهم من خلال المتخصصين الغربيين في الأدب العربي”.

وتؤكد سيبك على أن الهدف من هذا العدد هو “تقديم طيف للحركة النسائية الأدبية في العالم العربي، وليس التركيز على تيار واحد”، وتعتقد أن الأمثلة المعروضة قدمت تيارت مختلفة، “سيما وأن جميع الكاتبات ينتمين إلى خلفيات ثقافية وحضارية واجتماعية مختلفة، تتطبعت أيضا بالواقع السياسي في كل بلد”.

وقالت إن اختيار الأديبات والشاعرات في العدد جاء ليعكس أدب المرأة العربية الحديث وادب الشابات ، وحرصت المجلة على أن تكون أعمار الأديبات الائي وقع عليهن الإختيار في نفس الشريحة العمرية لقراء المجلة، حسب قولها.

وتعتقد أن السبب في عدم وجود حركة ترجمة كافية للأدب العربي إلى الألمانية يعود إلى عدة عوامل من بينها اختلاف اللغة العربية في تركيبها وفلسفتها عن اللغات الأوروبية، فضلا على أن عملية الترجمة تخضع لظروف العرض والطلب، وتعتقد أن دائرة المهتمين بالأدب العربي ليست كبيرة بالشكل الكافي، ولذا ربما يكون هذا هو سبب أن الأعمال المترجمة تكون محدودة.

أما المرأة العصرية حسب رأيها فهي “تلك التي تحررت من التصورات الإجتماعية المحيطة بها، وتستطيع أن تحدد حياتها بنفسها، دون أن تفقد عناصرها الأنثوية أو دينها”، وتشير إلى تجربة التعاون مع مصورتين صحفيتين ذهبتا إلى بيروت وعمان، لإثراء العدد بالعديد من الصور، حيث اكدت راندا ميرزا هذه التوجهات في الصور الفوتوغرافية التي التقطتها لصديقاتها في بيروت، و”هن اعترفن بأنهن مستقلات عن اسرهن ومتحررات، وتعملن في الحقل الفني، وقد قامت رندا كعربية بإعطاء صورة من داخل الواقع، في حين أن الكسندرا بولا نقلت صورة المرأة العربية في الأماكن العامة والمفتوحة، ونقلت صورة عن الحياة اليومية العادية، لتحكي كل صورة قصتها مما يظهر فيها”.

وعلى الرغم أن افتتاحية العدد ذكرت أن الرجال يهيمنون على الحقل الأدبي العربي، إلا أن شتيفان فايدنر المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، أكد في مقال له في نهاية العدد، ان عدد الكاتبات العربيات منذ القدم وحتى اليوم أكبر من عدد نظيراتهن في الغرب، وتقول سيبك “إن القارى الغربي تترسخ لديه صورة هيمنة الرجال على المشهد الأدبي العربي لأنه لا يجد سوى أعمالهم مترجمة باللغات الأوروبية الهامة”.

سويس انفو – تامر أبوالعينين

هي مطبوعة أدبية سويسرية تصدر شهريا باللغة الألمانية، وتتوجه إلى النخبة المثقفة المهتمة بجميع أنواع الفنون من مختلف أنحاء العالم، وتنشر من حين إلى آخر موضوعات وملفات عن العالمين العربي والإسلامي.

كان أشهر هذه الملفات العدد الصادر في عام 1994 عن شهر يوليو حول الإسلام، والذي بيعت جميع نسخه وأعيدت طباعته مرتين حتى الآن، لتعدد الآراء الواردة فيه وسماحها لجميع التيارات الفكرية العربية والأوروبية بالتعبير عن رؤيتها للإسلام.

كما أصدرت عددا خاصا عن المملكة العربية السعودية في عدد شهر ديسمبر لعام 2002، وتناولت علاقة الإسلام بالإرهاب في عدد شهر مايو لعام 2003، وكان لها عدد عن الحضارة المصرية القديمة في شهر مارس 2004.

صدر العدد الأول منها في عام 1941، وساهمت في التعريف بالحركة الثقافية في سويسرا من الأدب والمسرح والشعر والموسيقى والرسم والتصوير، وترصد تأثير المتغيرات السياسية والإجتماعية على الحركة الثقافية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية