مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأردنيون والوافدون العراقيون.. بين اعتبارات إنسانية وكلفة ثقيلة

يوم 19 أغسطس 2007، التحق عشرات الآلاف من الأطفال العراقيين بالمدارس العمومية في الأردن Keystone

انتهى اجتماع الدول المضيفة للاجئين العراقيين في عمّان، أواخر تموز- يوليو المنصرم، وسط خلاف كبير حول مدى صحة أرقام التعويضات التي تطلبها الدول المضيفة بصورة خاصة الأردن وسورية.

هذا الأمر شكّل خيبة أمل للحكومة الأردنية التي كانت تعوّل على هذا المؤتمر وعلى دعم المجتمع الدولي في تقديم مساعدات كبيرة تصل إلى مليار دولار، تقدّر عمان أنّها تمثل الكلفة الحقيقية لاستضافة أعداد كبيرة من الوافدين العراقيين، بخاصة بعد حرب العراق الأخيرة.

من المتوقع أن تقدم مؤسسة “فافو” (النرويجية) قريباً قراءةً دقيقة لأعداد العراقيين في الأردن تتضمن تفصيلات عن أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية، ما يساعد في تحديد طبيعة “المجتمع العراقي” في الأردن بصورة أكثر وضوحاً.

في انتظار ذلك، ثمة جدال واسع وكبير حول دور العراقيين في حركة الاقتصاد الأردني منذ احتلال العراق عام 2003، فبينما يسود انطباع شعبي عام أنّ الوافدين العراقيين الجدد (لا يذكر دور ملموس وفعّال للموجة الأولى من الوافدين عام 1991 في الحركة الاقتصادية المرتبطة بالاستثمار وبيع وشراء العقارات) قد ساهموا في ارتفاع نسبة التضخم وغلاء العقارات السكنية وكلفة المعيشة بسبب زيادة الطلب على السلع المختلفة، مما أدى إلى انعكاسات سلبية على مستوى حياة المواطنين.

في المقابل فإنّ الوافدين العراقيين يرون أنهم قد أنعشوا السوق الأردني وزادوا معدل النمو الاقتصادي وخلقوا حراكاً اقتصادياً استفاد منه الأردن وأنّ الأردن قد أفاد كثيراً من استقرار “مجتمع أعمال” عراقي فيه وجد أنّ الأردن أكثر أمناً واستقراراً لمباشرة أعماله وإدارة استثماراته في المنطقة.

المفارقة الملفتة أنّ الدراسات الاقتصادية تستبعد أي دور إيجابي أو سلبي معتبر للوافدين العراقيين في الأردن، فقد وصلت دراسة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، بإشراف عدد من الباحثين المتخصصين، إلى أنّ “تدفق اللاجئين العراقيين إلى الأردن منذ العام 2003 لم يؤد دوراً كبيراً في التسبب بالتضخم، كذلك لم يساهم العراقيون بدور كبير في إحداث النمو الاقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية”.

الدراسة كانت مفاجئة، وبرأي المراقبين مناقضة لحديث الحكومة الأردنية عن الكلفة الكبيرة التي تتحملها نتجية الهجرة العراقية الجديدة، حيث أوضح د. إبراهيم سيف، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، وأحد أبرز المشرفين على الدراسة، لسويس انفو، أهم مخرجات الدراسة ونتائجها بالقول: “أنّ ربط التضخم الحاصل أو في المقابل النمو الاقتصادي بالوافدين العراقيين غير صحيح”.

ويشير سيف إلى أنّ الدراسة حلّلت أسباب التضخم الحالي فوجدت أنّ العوامل الرئيسة فيه ترتبط بارتفاع سعر الوقود العالمي (والأردن مستورد صافي له) وبأسعار الفائدة وسعر صرف الدينار (المرتبط بالدولار) والذي انخفض مقابل العملات الأخرى، بالتحديد اليورو، حيث أن نسبة 30% من مستوردات الأردن من أوروبا. أمّا بخصوص أسعار العقار، فيوضح سيف أنّ شراء العراقيين من الأراضي لعام 2006 كان أقل من 2%! مقارنة بما يقال أنهم وراء ارتفاع نسبة العقارات، في المقابل فإن الإقبال الحقيقي على شراء الأراضي كان من الأردنيين المقيمين والذين يعملون في الخارج.

المفاجأة التي يذكرها سيف أنّ العراقيين ليسوا من ضمن الجنسيات الأولى المشاركة في سوق عمان المالي مقارنة بالأردنيين وبجنسيات خليجية.

الأزمة الحقيقية: الضغط على البنية التحتية

في تصريحات لسويس أنفو، يقول مسؤول مباشر، في وزارة الخارجية الأردنية عن ملف الوافدين العراقيين: ” إنّ أهم مخرجات المؤتمر إعلان الأردن عن موافقته تدريس الطلاب العراقيين في المدارس الأردنية، حتى أولئك الذين لا يحصلون على إقامة شرعية”. لكن المسؤول يشير إلى عدم وجود رقم محدد للطلاب بين من يرى أنهم عشرون ألفاً ومن يقدّرهم بأربعين ألف.

ويقول المسؤول “إنّ الضغط الحقيقي أو الكلفة الكبيرة المترتبة على إقامة العراقيين ترتبط بالضغط على البنية التحتية”، ويجري الحديث في هذا السياق عن ثلاثة قطاعات رئيسة وهي: التعليم والصحة والماء. فعلى صعيد التعليم تقدر كلفة الطالب الواحد في المدارس الحكومية بألف ومائة دولار، أمّا في الصحة فيستفيد العراقيون من المستشفيات الحكومية ومن دعم أسعار الأدوية، مثل المواطنين الأردنيين. ويرى المسؤول الحكومي أنّ الخطورة الحقيقية تقع في مجال المياه، إذ يعاني الأردن من مشكلة كبيرة وشح شديد، ووجود هذا العدد الكبير من العراقيين يستنزف الموارد الطبيعية ويشكل عبئاً إضافياً استراتيجياً على الدولة يرتبط بالأمن الوطني بصورة وثيقة، هذا بالإضافة إلى الضغط على شبكة الكهرباء والاكتظاظ الحاصل في العاصمة (حيث يتركز العراقيون) ما يدفع إلى ضرورة تجديد وتطوير البنية التحتية.

يؤيد إبراهيم سيف، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، ما ذهب إليه المسؤول، ويرى أنّ المسؤول عن معاناة العراقيين والأردنيين هو من قام بالحرب الأخيرة، ولم يستطع بعد ذلك حفظ الأمن في بغداد، ما أدى إلى موجة الهجرة الكبيرة الحالية، والضغط على دول الجوار.

الكلفة غير المباشرة: الأمن والشعور الاجتماعي

أحد أخطر أبعاد الجوار العراقي الذي يتحدث عنه المسؤولون الأردنيون هو الجانب الأمني، فمنذ عام 2004 أصبح العراق مركزاً إقليمياً للقاعدة والجماعات الأصولية الأخرى، التي ينظر لها الأردن كمصدر تهديد مباشر وكبير على أمنه الوطني.

وبالإضافة إلى القادمين من العراق، من جنسيات عربية عديدة، يمرون عبر الأردن، وينظرون له كأحد الأهداف الاستراتيجية في الصراع مع الولايات المتحدة الأميركية، فإنّ وجود مئات الآلاف من العراقيين الوافدين، ممن لا تملك الأجهزة الأمنية الأردنية قاعدة بيانات حولهم، هو بحد ذاته مصدر تهديد وإرباك، بخاصة أنّ المتورطين في تفجيرات فنادق عمان في شهر تشرين الثاني 2005 هم عراقيون مرتبطون بتنظيم القاعدة، ما يزيد من عبء المسؤولية الأمنية ومطالبها الكبيرة، وهو جانب آخر من الكلفة الاستراتيجية للوافدين العراقيين في الأردن.

يقول المحلل السياسي سميح المعايطة: ” هنالك ما هو أخطر من الحديث عن الجانب الاقتصادي والأمني، ألا وهو الجانب الاجتماعي وشعور الطبقة العريضة من المواطنين أنّ الوجود العراقي يزيد من معاناتهم، بينما الطبقة الغنية لا تشعر بذلك”. فالمواطن الفقير، وفقاً للمعايطة، يرى أنّ الحكومة الأردنية تتبنى تقليل نسب النمو، بينما الوجود العراقي الحالي يصل إلى نسبة تتجاوز 10% من السكان، وهؤلاء يزاحمون الفقراء في المدارس الحكومية والصحة والخدمات الأساسية، ما أدى إلى شعور المواطنين الأردنيين بـ”عدم الإنصاف” على حد تعبير المعايطة.

أخيرا، يكشف المسؤول في وزارة الخارجية أنّ الحكومة الأردنية لم تتلق، إلى الآن، أي دعم من المجتمع الدولي مقابل استضافة العراقيين، والاتفاقية الوحيدة التي لا تزال قيد البحث تصل قيمتها إلى عشرة ملايين دينار فقط!!

محمد أبو رمان – عمان

عمان, الأردن, 21 آب/ أغسطس (المفوضية) – اشادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين يوم الأثنين بقرار الحكومة الأردنية بالسماح لعشرات الآلاف من الأطفال العراقيين بالالتحاق بالمدارس المحلية. وصرح وزير التعليم الأردنى بأنه من المنتظر أن يتم تسجيل 50 ألف طالب عراقى على الأقل فى المدارس فى كل أنحاء البلاد.

وقد بدأت السنة الدراسية يوم الأحد وسيكون لدى العراقيين حتى 15 أيلول/ سبتمبر للالتحاق بالمدارس. وسيدرس الأطفال العراقيون نفس المناهج التى يدرسها الطلاب الأردنيون وستتوافر لهم فرص الاستفادة من نفس المرافق المدرسية. وحسب ما تقتضيه الحاجة, سيشمل البرنامج التعليم الإبتدائى والثانوى والتدريب المهنى بالإضافة إلى التعليم غير الرسمي, عندما يكون ذلك أمرا قابلا للتطبيق.

ومن الجدير بالذكر أن الأردن تستضيف ما يقدر بنحو 750 ألف لاجئ عراقي. فر أغلبهم بسبب أعمال العنف المستمرة فى وطنهم منذ عام 2003 ويعتقد أن نصفهم من الأطفال, الذين لم يكن فى مقدورهم الحصول على فرص التعليم فى الأردن ما لم يكن آباءهم يحملون تصاريح إقامة أو يدفعون الرسوم الدراسية.

وقد صرح بيتر يانسين, القائم بأعمال ممثل المفوضية فى الأردن قائلا: “إن تلك البادرة الشجاعة من جانب الحكومة الأردنية ينبغى دعمها بشدة من المجتمع الدولي. وهى جديرة بأن تحظى باعتراف واسع. حيث ستساعد العديد من العراقيين على أن يكون هناك معنى لذلك الوضع الصعب للغاية, وفى بعض الأحيان, الميئوس منه”.

وقد تعهدت المفوضية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بتوفير المساعدة الفنية والدعم المالى لمساعدة الحكومة الأردنية على توسيع وتقوية قطاعى التعليم العام والخاص. حيث أعرب بعض الأشخاص عن خشيتهم من أن تؤدى موجة جديدة من التلاميذ إلى تحميل النظام التعليمى بأعباء لا يطيقها.

وقد أصدرت الوكالتان الشريكتان نداء مشتركا الشهر الماضى بمبلغ 129 مليون دولار لدعم الحكومات المضيفة من قبيل الأردن، وسوريا، ومصر، ولبنان لتوفير التعليم لـ 155 ألف طفل عراقى خلال العام الدراسى 2007 – 2008. حيث فر ما يربو على مليونى عراقى للبلدان المجاورة – أساسا الأردن وسوريا. ونحو 500 ألف منهم هم فى سن المدرسة ولا تتوافر لمعظمهم حاليا سوى فرص محدودة للحصول على التعليم أو لا تتوافر لهم فرص مطلقا.

وستركز المساعدات المقدمة من المفوضية لقطاع التعليم بالأردن على التوسع فى البنية الأساسية التعليمية, وإعادة إدماج الأطفال الذين تركوا المدرسة من خلال تعبئة المجتمع المحلى – لا سيما بالنسبة للفتيات والبالغين – وتقديم الدعم للأسر الفقيرة والمستضعفة

(المصدر: بيان صادر عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين يوم 21 أغسطس 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية