مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأردن وحماس: استدارات ‘تكتيكية’ داخل المربعات ‘الإستراتيجية’

هل يُساهم وصول سفينتين تقلان مجموعة من نشطاء سلام من قبرص إلى مدينة غزة يوم 23 أغسطس 2008 في تخفيف الحصار المفروض على حكومة هنية المقالة وحركة حماس عموما؟ Keystone

عندما وقف إسماعيل هنية، رئيس الوزراء للحكومة المقالة في غزة على منبر المسجد يوم الجمعة 15 أغسطس 2008، كان يشعر بأنّ ثمة شقوقا بدأت تنخر في الحصار المضروب على حكومته في قطاع غزة.

ولم يتردّد هنية بالمسارعة في تلك الخطبة إلى تبشير جماهير حماس بوجود حوار جدّي مع الأردن منذ أسابيع وأنّ نتائجه تبدو جيدة، في إشارة إلى أنّ ‘حكومة غزة’ في طريقها لتكريس الاعتراف الإقليمي بها، وأن الرِّهان على انهيارها بدأ يتهاوى.

قد يكون حديث هنية وما أخذ يتسرّب من هنا وهناك حول الحوارات التي بدأت منذ أسابيع بين مدير المخابرات الأردنية محمد الذهبي وبين قادة من حماس، قد فاجأ شريحة واسعة من الرأي العام ومن المراقبين والسياسيين الغربيين والعرب، لكن هذا الحوار لم يفاجئ سياسيين وإعلاميين في عمّان بدؤوا يشتمّـون رائحة مراجعات كبيرة تتِـم في دوائر صُـنع القرار لمُـجمل السياسات الخارجية والداخلية.

مرحلة ‘القطيعة’ في سياق المتغيرات الإقليمية

مَـن يريد أن يقرأ أبعاد الاستدارة السياسية الأردنية نحو حركة حماس، فإنّ المنظور المناسب لذلك هي طبيعة إدراك صانع القرار للمصلحة الحيوية الأردنية. فمقاطعة حماس وإخراج قادتها من الأردن أواخر عام 1999، كانا بمثابة رسالة واضحة من الملك الجديد عبدالله الثاني، بأنّه لا يرغب بأي دور في القضية الفلسطينية وأنّه يعترف بالسلطة التي نجمت عن اتفاقيات أوسلو ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.

خلال سنوات حُـكم الملك عبدالله الثاني، تبلورت قناعة إستراتيجية بأنّ ‘المصلحة الحيوية الأردنية تكمُـن في إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة قابلة للحياة’، هذه القناعة هي التي حكمت الموقف الأردني من حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وتشكيلها للحكومة، إذ أنّ الحركة لا تزال تعلِـن رفضها للقرارات الدولية، ما يعني ضرب فِـكرة إقامة الدولة الفلسطينية في الصميم وتراجع الجهود الأردنية والعربية، التي تسعى دوماً للتأكيد على وجود ‘شريك إستراتيجي فلسطيني’ في عملية التسوية، على النقيض مما تروجه الدِّعاية الإسرائيلية.

يُـضاف إلى العوامل السابقة، ارتفاع منسوب هاجس القلق الأردني وباقي الدول العربية من ‘البديل الإسلامي’، وقد بدأ التحالف الأمني اليميني في دوائر صُـنع القرار في عمّان يحذِّر من انفتاح شهيّـة جماعة الإخوان للسلطة بعد انتصار حماس، ما قد يدفع بالحركة إلى محاولة ‘تغيير قواعد اللعبة الداخلية’، وقد انعكست هذه القراءة الرسمية على العلاقة مع الحركة الإسلامية وأدّت إلى توتُّـر شديد، حتى على المستوى الداخلي.

في المقابل، فإنّ حركة حماس وجدت ضالَّـتها في حِـلف ‘الممانعة الإيراني’، وبدأت بالاتجاه سريعاً نحو طهران، طلباً للدعم الاستراتيجي والمالي والفني، ما جذّر الفجوة بينها وبين أغلب الدول العربية، باستثناء دمشق.

مراجعات رسمية للسياسات الداخلية والخارجية

الرِّهانات الإستراتيجية والحسابات الإقليمية لكلٍّ من الأردن وحماس، بدأت بالتغير خلال الشهور الأخيرة. فعلى الرغم من شعور حماس ومعسكر الممانعة بانتصارات تكتيكية في المرحلة الحالية، نتيجة تراجع التأثير الأمريكي، إلاّ أنّ انفتاح المفاوضات السرية السورية – الإسرائيلية عبر قناة أنقرة، بالتّـزامن مع عملية مقتل عِـماد مغنية في دمشق، كل ذلك يثير قلق حماس من المرحلة القادمة ويدفع بها إلى البحث عن خيارات سياسية جديدة، أكثر ضماناً وأقل تلاعباً بالحركة.

أمّا أردنياً، فقد بدأت تعلُـو أصوات عديدة داخل الدوائر الرسمية والسياسية والإعلامية في عمان، تطالب بإعادة النظر في العديد من السياسات، بخاصة بعد زوال سراب ‘ملتقى أنابوليس’، وتبين أنّ كافة وعود الإدارة الأمريكية بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.

تزامنت دعوات مراجعة السياسات الخارجية والداخلية مع تدهوُر الحالة الداخلية الفلسطينية، واشتداد الصراع بين حماس وفتح وفشل كل محاولات الإصلاح بينهما. الأردن هو المتضرّر الرئيسي والأكبر من الصراع الفلسطيني، إذ سيقلل من فرص التسوية من ناحية ويعزز التيارات واللوبيات، التي تدعو إلى ‘الحلول الإقليمية’. وبالضرورة، فإنّ الأردن هي الدولة الأولى المرشّـحة لحمل عِـبء الضفة الغربية.

على الجهة المقابلة، فإنّ حماس أثبتت أنّها رقم صعب في المعادلة الفلسطينية، وأفشلت جميع الرهانات على إسقاطها، بل إنّ القراءة الأردنية بدأت تفكِّـر في الوضع بالضفة الغربية في ظل ضعف الرئيس عباس والأزمة الخانقة، التي تعاني منها فتح واحتمالات انهيار السلطة وحدوث حالة من الفراغ السياسي والأمني في الضفة الغربية، ما يهدِّد الأمن الوطني الأردني بامتياز.

هذه المتغيِّـرات والوقائع الجديدة على الأرض، دفعت بصانع القرار الأردني إلى التفكير في توسيع نِـطاق الحركة السياسية والدبلوماسية داخل المربع الإستراتيجي التاريخي للدّور الأردني.

فالانفتاح على حماس لا يحمِـل أي دلالة أو معنى بتحولات إستراتيجية بالسياسة الأردنية، بقدر ما أنه مناورة سياسية في سياق الأهداف والمصالح الأردنية المعروفة.

يقول مسؤول أردني، معلِّـلاً الانفتاح على حماس: ‘إنه خطوة طبيعية لحلّ العديد من المشكلات الأمنية العالقة بين الطرفين، ولاختبار مدى القدرة على التعامل مع الحركة التي أصبحت واقعاً لابد من التعامل معه’.

ويستغرب المسؤول الأردني من الضجّة المثارة حول الحوار مع حركة حماس بالقول: ‘العديد من الدول تتحاور مع حماس وتعقد الصَّـفقات معها، حتى إسرائيل عقدت اتفاقَ هدنةٍ غير مباشر، الأوروبيون يحاورون حماس من تحت الطاولة، الألمان يتوسطون بين حزب الله والإسرائيليين، لماذا لا تُـثار الأسئلة إلا على الأردن’؟!

من جهته، يضع جواد الحمد، مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات، الانفتاح على حماس والحركة الإسلامية في سياق المرحلة التكتيكية ويصفه بـأنه ‘تحول مصلحيً لا يتصف بصفة الإستراتيجية’.

ويلخِّـص سامي الزبيدي، المحلل السياسي في صحيفة الرأي الأردنية في تصريح خاص لسويس أنفو، ما يريده الأردن من حماس بثلاث نقاط رئيسة: الأولى، تحديد صيغة العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين بالأردن، وذلك ببناء حدود واضحة بين التنظيمين، وعدم السماح لحماس بممارسة أي دور تنظيمي أو حركي في الداخل الأردني.

الثانية، تحديد موقف حركة حماس من ‘قرار فك الارتباط’ (بين الأردن والضفة الغربية عام 1988) أو بالأحرى اختبار موقفها من أي ضغوط لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن.

والثالثة، الأردن معنيٌّ بفتح القنوات مع حركة حماس، للمساهمة بدور فاعل في المصالحة الوطنية الفلسطينية، التي تمثل صمام أمان لمنع استمرار التّـدهور الداخلي الفلسطيني، وتلاشي الأمل بقيام دولة مستقلة على حدود عام الـ67.

‘لا أكثر من تطبيع بارد في العلاقات’!

توجد أطراف محلية وإقليمية ودولية متعدّدة، لا تُـبدي ارتياحاً للحوار الأردني مع حركة حماس. فالدبلوماسيون الأمريكيون والغربيون في الأردن يتساءلون عن ‘السرّ’ في الانفتاح الأردني المفاجئ على حماس وجماعة الإخوان بصورة معاكسة تماماً للأزمة المتنامية بين الطرفين، أمّا حركة فتح فإنّ مصادر مقرّبة منها تخشى أن يكون هذا الانفتاح على حماس مقدّمة لإعادة النظر في العلاقة مع فتح من ناحية، وتثبيتا لقوة حماس وصعودها من ناحية أخرى.

مسؤولون أردنيون يقلِّـلون من هذه المخاوف، ويؤكِّـدون أن هذه الحوارات لا تغيِّـر الموقف الأردني من الولايات المتحدة أو من حركة فتح، ويصف السياسي والكاتب البارز، بسام حدادين، رؤية مسؤول أردني رفيع لمخرجات هذا الحوار، أنّها لا تتجاوز ‘التطبيع البارد بين الطرفين’.

يتّـفق مع ذلك فهد الخيطان، الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة العرب اليوم، إذ يرى – في تصريح لسويس انفو – ‘أنّ المخرجات المتوقعة من الحوار، لا تتعدّى إقامة علاقات عادية مع الحركة أسوة بالفصائل والقوى الفلسطينية الأخرى’، لكن الخيطان في المقابل، لا يستبعِـد أن تتطور هذه العلاقة باتجاهات إستراتيجية تَـبعاً لتطور الحال في الضفة الغربية، والتي تمثل خطّـاَ أحمر في الأمن الوطني الأردني.

لا ينطبق على الحوار المكثّـف والمتتالي بين الأردن وحماس المثل القائل: ‘تسمع جعجعة ولا ترى طحناً’، فهنالك بالضرورة طحن ومنتج وصفحة جديدة في العلاقة بين الطرفين، كما أكد مسؤول أردني، لكن هذه العلاقة لن تُـعيد الفترة الذهبية (أي ما قبل عام 1999). فقد جرت مياه كثيرة بعد ذلك، لكنها بالتأكيد سوف تحُـدّ من إهدار المصالح والثقة المتبادلة، وستعمل على ‘إدارة الاختلاف’ السياسي والأيديولوجي القائم والكبير، على الأقل خلال المدى المنظور القريب.

محمد أبو رمان – عمّـان

نيقوسيا (رويترز) – وصل زورقان يحملان ناشطين يسعون لاختراق حصار بحري تفرضه اسرائيل على قطاع غزة، الى شاطيء الجيب الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الاسلامية “حماس”. وأبحر 44 ناشطا من 17 دولة ينتمون لحركة “غزة الحرة” في زورقين خشبيين من قبرص يوم الجمعة 22 أغسطس، ولدى وصولهم كان في استقبالهم الاف الفلسطينيين الذين اصطفوا لتحيتهم على امتداد الشاطيء.

وقال فيتوريو اريوني، وهو ناشط سلام ايطالي بعد ان رست السفينة على الشاطيء، “اليوم هو يوم خاص ونأمل في ان يكون البداية. لقد فتحنا الطريق ونأمل في ان يكون هناك مزيد من المسافرين”.

وسحبت اسرائيل القوات والمستوطنين من غزة في عام 2005، لكنها شددت الامن على الاراضي منذ ان سيطرت حركة حماس قبل عام على غزة. وقال ارييه ميكيل، المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية، إن البحرية الاسرائلية التي تحرس الخط الساحلي لغزة سمحت للزورقين بدخول غزة “من اجل تجنب استفزاز يحظى بتغطية كبيرة في عرض البحر”.

وقال ميكيل “ولاننا نعلم مَـن هم الذين على متن الزورقين وما الذي يحمله الزورقان … فإننا سنسمح لهما بأن يرسوا على الشاطيء”، مضيفا انه لم يجر أي اتصال بين البحرية والناشطين في البحر.

وكانت عدة زوارق تحمل افرادا من غزة يلوحون بالاعلام في استقبال الناشطين قبالة الشاطيء، ورافقوهم في المرحلة الاخيرة من الرحلة البحرية التي بلغت مسافتها 240 ميلا بحريا. وقال سامي أبو زهري، المتحدث باسم حماس وهو يتابع اقتراب الزورقين من الشاطيء، إن وصول الزورقين بعد هذه المغامرة، يمثل انفراجة كبيرة في جدار الحصار الاسرائيلي المفروض على غزة. ووصف رامي عبو، وهو متحدث باسم لجنة مكافحة الحصار الفلسطينية وهي منظمة لها علاقات بحماس، وصول الزورقين بأنه انتصار لارادة الشعب الفلسطيني.

ومن بين الذين يشاركون في هذه الرحلة التي تهدف الى تسليط الضوء على سوء الاحوال المعيشية للفلسطينيين لورين بوث أخت زوجة توني بلير مبعوث رباعي الوساطة الدولية للسلام بالشرق الاوسط وراهبة أمريكية عمرها 81 عاما. وقال توم نيلسون (64 عاما)، وهو محام من بورتلاند بولاية اوريغون إن “الرحلة كانت طويلة وشاقة وانهم واجهوا بحارا هائجة عند مغادرة قبرص. واصيب كثير من الناس بدوار، لكن الرحلة تستحق العناء”. وهؤلاء الناشطون هم أول اجانب يعبرون الحصار البحري وجلبوا معهم شحنة رمزية من اجهزة مساعدة لمن يعانون من ضعف السمع. ورغم الحصار، تسمح اسرائيل بدخول سلع انسانية ومعدات طبية الى قطاع غزة.

وقال احمد عميرة (35 عاما)، الذي يعيش في مدينة غزة، ان الرحلة ستمثل بداية النهاية للحصار، فقط اذا سمحت منظمات اخرى ودول صديقة لمواطنيها بالابحار نحو غزة.

ودعا اسماعيل هنية، القيادي بحماس، المجتمع الدولي والدول العربية الى بذل مزيد من الجهود لمساعدة الشعب الفلسطيني في غزة. وقال مسؤولون من حماس إن 13 زورقا نزلت الى البحر من غزة في وقت سابق يوم السبت 23 أغسطس بهدف تحية الناشطين، اجبرت على العودة بواسطة سفينة تابعة للبحرية الاسرائيلية أطلقت نيرانا في الهواء. وقالت متحدثة باسم الجيش الاسرائيلي، انه لم تطلق أي سفينة تابعة للبحرية النار في المنطقة.

واتفقت اسرائيل وحماس على تهدئة في يونيو الماضي، تطالب الطرفين بوقف أعمال العنف عبر الحدود، كما تطالب اسرائيل بتخفيف الحصار على قطاع غزة. والتهدئة سارية بدرجة كبيرة، رغم استمرار نشطاء من غزة في إطلاق صواريخ على اسرائيل، التي تغلق بشكل متكرر حدودها مع القطاع الساحلي.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 23 أغسطس 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية