مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأردن: الليبرالية الوطنية عنوان المرحلة الجديدة

هل تحمل شمس العام الجـديد المزيد من التغييرات للمملكة الهاشمية؟ في الصورة سيدتان تأخذان قسطا من الراحة في قعلة عمان يوم 15 أكتوبر 2009 بعدما شاركتا في تظاهرة رياضية بالدراجات جمعت 300 سيدة من 30 بلدا وجالت منطقة الشرق الأوسط لتشجيع السلام وتمكين النساء في المنطقة. Reuters

شهِـدت الأردن خلال الأيام الأخيرة تغييرات واسعة شملت حلّ البرلمان (بعد مرور عامين فقط على الانتخابات النيابية السابقة) واستِـقالة الحكومة وتغييرات في المواقع العليا، التي من المتوقّـع أن تستمِـر خلال الأيام القريبة المقبلة.

المعلومات الواردة من مطبخ القرار تشي بأن ما يحدُث هو جزء من عملية المراجعة الواسِـعة التي يقوم بها العاهل الأردني، بعد مرور عشر سنوات على تولِّـيه الحكم، وبعد تقييم واسع ونقدي لتلك المرحلة وما تخلّـلها من تطوّرات سياسية وبرامج اقتصادية.

تلك القراءة تغلغلت في كتاب التكليف الملكي للحكومة الجديدة إذ اتّـسم، على غير العادة، بروح نقدية تُـجاه العديد من السياسات والممارسات الحكومية السابقة وتحديد وجْـهة الحكومة في المرحلة المقبلة وأولوياتها.

نقد المرحلة السابقة وترتيب البيت الداخلي

حلّ البرلمان كان مفتاحاً رئيسياً للتخلّـص من ذيول المرحلة السابقة، ولقي القرار الملكي ترحيباً كبيراً من أوساط شعبية ونُـخبوية واسعة، ذلك أن البرلمان المنحلّ كان موضِـع نقد إعلامي وسياسي شرِس، إذ جاء بانتخابات شهِـدت انتهاكات واسعة، تحدّث عنها المركز الوطني لحقوق الإنسان، وقد شملت تدخلات كبيرة من الحكومة، لإفشال المعارضة وإنجاح نواب موالين لها ومؤيِّـدين لسياساتها.

مشكلة البرلمان السابق، أنه جاء في سِـياق مرحلة كسْـر عظم بين مراكز القرار، وبقي عِـبءً على الدولة والنظام السياسي عندما قام الملك بتغييرات سابقة، شمِـلت المواقع العليا بالدولة التي دخلت في الصراع والتنافُـس، وأعاد ترتيب البيت الداخلي من خلال حشر مهمّـة المخابرات العامة بالبُـعد الأمني وعدم التدخل في الشأن السياسي، في مقابل اقتصار عمل الدِّيوان الملكي على القضايا التي تخُـص الملك شخصياً، بعد مرحلة شهِـدت توغلا كبيراً لتلك المؤسسات على دوْر الحكومة والمؤسسات الدستورية.

في كتاب التكليف الملكي للحكومة الجديدة أولويات واضحة وملامح التوجّـه الحكومي الجديد وبوْصلة السياسات الرسمية، وقد طلب الملك بوضوح من رئيس الحكومة الجديد إجراء الانتخابات النيابية قبل الربع الأخير من السنة المقبلة، وهو بذلك يقطع الطريق أمام الإشاعات التي تحدّثت عن تأجيل الانتخابات النيابية لمدّة عاميْـن كاملين.

الليبرالية الوطنية.. سياسياً واقتصادياً

الملمح الرئيس لطبيعة التغييرات التي شمِـلت الحكومة وجزء من المناصب الرسمية ومواقع رئيسية في مؤسسات رسمية، أنّ هنالك ردّ اعتبار لِـما يُـسمّـى بالاتجاه الوطني الليبرالي، في مقابل المدرسة الليبرالية الاقتصادية التي قادت المساريْـن، السياسي والاقتصادي، خلال السنوات الأخيرة وأدخلت المشهد السياسي في صِـدامات وصراعات داخلية، أضرّت كثيراً بالعلاقة بين الدولة والمجتمع.

الوِجهة الليبرالية الوطنية قد لا تبدو بوضوح على شخصية رئيس الوزراء، سمير الرفاعي، وهو ابن وحفيد رئيس وزراء سابقيْـن، وعائلة معروفة بعراقة علاقتها بالدولة، وإن لم يُـعرف له انخراط سابق في العمل السياسي، باستثناء تولِّـيه موقع وزير البلاط في الديوان الملكي سابقاً.

الفريق الاقتصادي بقيادة نائب رئيس الوزراء، رجائي المعشر (اقتصادي- سياسي أردني عريق، مالك صحيفة العرب اليوم اليسارية المعارضة)، والدكتور محمد أبو حمور، ومعهم معن نسور، مستشار الرئيس، ذو الخلفية الاقتصادية، جميعهم ينتمون إلى مدرسة اقتصادية لها ملاحظاتها المعروفة ضدّ البرنامج الاقتصادي الحالي الذي يتبع الوصفات الدولية ويقود الاقتصاد بروح مخاصِـمة للقطاع العام وأقرب إلى منطِـق الشركات، بلا مراعاة للعوامل الاجتماعية والاقتصادية، خاصة ما يتعلق بالطبقة الوسطى.

الفريق الجديد جاء انعكاساً لمطالب اتِّـجاه واسع في الرأي العام الأردني، له ملاحظات نقدية واسعة على البرنامج الاقتصادي الذي شهِـد خلطاً بين “البزنس” والسياسة، ما سمح المجال لمداخل واسعة من الفساد وشبكة حماية سياسية لشركات خاصة، بالإضافة لتحجيم دور الحكومة وصلاحياتها مقابل تدخلات خلفية وبينية، ونفوذ وقرارات كانت تصمّـم جميعها من خلال النّـخبة الاقتصادية الليبرالية السابقة، التي كانت تُـهيْـمن على مطبخ القرار الاقتصادي في الظل.

بالرغم من ذلك، فإن مهمّـة الفريق الاقتصادي، الذي يحظى بقبول شعبي ومِـصداقية ومشهود له بالبُـعد عن الفساد والمصالح الشخصية، لا تبدو سهلة، بل هي في غاية الصعوبة ومضطر للقيام بقرارات غير شعبية، مع ضعف القُـدرة على المناورة.

فعلى صعيد الموازنة العامة، هنالك عجْـز يصل إلى مليار ونصف المليار دينار أردني، مع وصول الدَّيْـن إلى درجة حرِجة تصل إلى 59% من الناتج الإجمالي، أي بفارق 1% من مستوى الخطر العالمي المعروف، وهو ما يذكِّـر الحكومة باحتجاجات اجتماعية سابقة حدثت عندما بلغ عجْـز الموازنة والدَّيْـن، مستويات مماثلة خلال مراحل سابقة.

يؤيِّـد القراءة السابقة، د. إبراهيم سيف، الخبير الاقتصادي الأردني بتصريح خاص لـ swissinfo.ch، إذ يرى أن أهمّ ما يميِّـز الفريق الاقتصادي الحالي، وجود انسجام ووِحدة مرجعِـية له، تتمثل في رأس الفريق ونائب رئيس الوزراء رجائي المعشر، وهو من أصحاب رأس المال الوطني ومن دُعاة الليبرالية الوطنية وتوزيع منافع التنمية الاقتصادية ومُـراعاة الطبقة الوسطى، بخلاف المرحلة السابقة، التي شهدت صراعاً وتعدّداً في المرجعيات الاقتصادية وتضارُباً بين الرُّؤى.

الإصلاح السياسي والضغوط الخارجية

الملمح البارز الآخر في الفريق الحكومي، يتمثل ببقاء وزيريْ الداخلية والتنمية السياسية، وهُـما شخصيتان لم تكونا ترُوقان لسِـفارات غربية ولا لنُـخب سياسية، رأت فيهما فريقاً محافِـظاً يرفض دعاوى “المحاصصة السياسية”، التي تُـنادي بها أوساط غربية وتحظى بتأييد نُـخبة من الإعلاميين والسياسيين، الذين يطالبون بتغيير قانون الانتخاب في البرلمان وتركيبة المواقع العليا في الدولة، لمصلحة “الأردنيين من أصل فلسطيني”.

الفريق السياسي ستُـعهد له مسؤولية إعداد قانون انتخاب جديد وإجراء انتخابات للامركزية (تشمل مجالس محلية لمحافظات المملكة)، وكذلك الانتخابات النيابية في العام المقبل.

الحملة الإعلامية والسياسية التي تعرّض لها الفريق السياسي، تنسب إليه مواقِـف محافظة تُـجاه مشروع الإصلاح السياسي وقانون الانتخاب، وتحديداً رفضه أي تغيير هيكلي في مجلس النواب، يمنح الأفضلية للأردنيين من أصول فلسطينية.

مؤيدو المطبخ السياسي الحالي، يؤكِّـدون أن وجوده بمثابة رسالة سياسية واضحة من أعلى مستوى، على رفض صاحب القرار أي ضغوط أو تدخلات خارجية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وملف التوطين في الأردن، قبل حسْـم قضايا الحل النهائي في المفاوضات مع إسرائيل.

يفك الاشتباك بين في تضارُب المواقف من الحكومة، المحلل السياسي المعروف، فهد الخيطان بتصريح خاص لـ swissinfo.ch، بالقول أن “هذه الحكومة تتّـسم بالليبرالية الوطنية في الجانب الاقتصادي، إذ تأتي لتصحيح المسار وإصلاح الخلل الذي خلَّـفته السياسات النيوليبرالية الاقتصادية السابقة، وذلك بردِّ الاعتبار للقضية الاجتماعية”.

إلا أنّ الملمح الأبرز في الجانب السياسي، يتمثل بالطابع المحافِـظ، إذ من الواضح أن الحكومة الحالية لن تحدث أي قفزات حقيقية في برنامج الإصلاح، لكنها ستضمن على الأقل إجراء انتخابات نيابية نزيهة، لا تشهد تزويراً وتلاعباً كبيراً، كما حصل في الانتخابات السابقة التي شوّهت صورة الأردن.

عمان – محمد أبو رمان – swissinfo.ch

عمان (رويترز) – قال التلفزيون الاردني يوم الاثنين 23 نوفمبر 2009، إن العاهل الاردني الملك عبد الله حل مجلس النواب ودعا الى اجراء انتخابات نيابية مبكرة.

واصدر الملك عبد الله مرسوما ملكيا يأمر بحل مجلس النواب المؤلف من 110 نواب غالبيتهم العظمى من رجال القبائل الموالين للحكومة.

ونسبت وكالة الانباء الاردنية (بترا) الى مرسوم ملكي القول “نحن عبدالله الثاني ابن الحسين ملك المملكة الاردنية الهاشمية.. نأمر بما هو آت.. يحل مجلس النواب اعتبارا من يوم الثلاثاء .. 24 نوفمبر سنة 2009”.

وأتم البرلمان الاردني نصف مدته المؤلفة من أربعة أعوام بعد الانتخابات التي جرت في نوفمبر 2007 في ظل قانون انتخابي مثير للجدل قلل تمثيل المدن الرئيسية لمصلحة المناطق الريفية والبدوية. ولم تعلن أي أسباب لهذه الخطوة المفاجئة.

وكان بعض الاشخاص في الدوائر السياسية قد تكهنوا بأن القصر الملكي يبحث تلك الخطوة منذ عدة أشهر بعد أن فقد مجلس النواب مصداقيته خلال عام قال معارضون انه كان يفتقر الى الكفاءة في التعامل مع التشريع.

وطبقا للدستور تتركز معظم السلطات في يد الملك الذي يعين الحكومات ويصادق على القوانين.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 23 نوفمبر 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية