مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأردن: سيناريو “الإصلاح المُبرمج” أم انفجار “قنبلة الشارع”؟

بعد مرور 6 أشهر على اندلاع الإحتجاجات الشعبية، لا زال المتظاهرون في الأردن يرفعون شعار "إصلاح النظام" ولم يُطالبوا بعدُ بإسقاط النظام Keystone

بالرغم أنّ أعداد المنضمِّين للإعتصام المفتوح، الذي أعلنت حركات شبابية عن تنظيمه في وسط العاصمة عمان، لم تكن كبيرة جداً، ما أدى إلى "صدمة" لدى مراقبين، إلاّ أنّ اعتداء رجال الأمن على الصحافيين المتواجدين بقسوة خطف الحدث واحتل "الصورة الإعلامية"، وحفظ ماء وجه المعارضة!

ربما لا يبدو العدد المحدود مفاجئاً للمطلعين على الحراك السياسي الشعبي، إذ بالرغم من انتشار هذا الحراك إلى محافظات بعيدة وارتفاع سقف المطالبات والشعارات في الشارع، من الحكومة إلى النظام إلاّ أنّ الحراك الشعبي، من احتجاجات وحركات ومسيرات (تنظمها وتشارك فيها نخبٌ ومجموعاتٌ إضافة إلى القوى السياسية المعروفة)، ما يزال ضمن “الحدود” المضبوطة، إذ أنّ الشارع لم يتحرّك بصورة جماعية وواسعة، كما حدث في دول عربية أخرى.

الهواجس المتبادلة: سلاح السلطة!

مع أنّ الحراك السياسي الأردني انطلق بالتزامن مع بداية الثورات في تونس ومصر، واتخذ طابعاً تصاعدياً، ومع أنّ  القوى السياسية في الأردن متجذرة، والنشاطات السياسية متواصلة ودائمة، إلاّ أنّ موجة التغيير الجذرية لم تصل الأردن.

ثمة أسباب متعددة وراء هذه الحالة، في مقدمتها أنّ استجابة النظام السياسي الأردني كانت أذكى من الدول الأخرى، فقد التقط الملك فوراً التحولات الإقليمية، فشكل لجنة للحوار الوطني ولجنة للتعديلات الدستورية، وألمح إلى انتخابات نيابية مبكّرة، تجري على قانون انتخاب مختلف، وسمحت الحكومة بإنشاء نقابة معلمين وتغيير قانون الإجتماعات العامة، وإجراءات أخرى شبيهة بهدف احتواء المطالب الشعبية بالتغيير.

وبالرغم أنّ السياسات الجديدة قوبلت بالتشكيك من قبل المعارضة السياسية، وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين، واتهام الحكم بمحاولة “شراء الوقت”، وبعدم الجدّية بالإصلاحات السياسية، أو محاولة خفض سقف هذه الإصلاحات إلى مستويات أقل من المطالب الشعبية، إلاّ أنّ هذه السياسات ساعدت الدولة على تسويق نفسها خارجياً، وفي إشغال الرأي العام داخلياً.

ومع أهمية الدور الذي لعبته هذه السياسات في مراوغة الحراك الشعبي، إلاّ أنّ العامل الأكثر أهمية في تحجيم الحراك الشعبي إلى الآن يتمثل بالإنقسام الاجتماعي، وتحديداً بين نصفي المجتمع، الأردنيون من أصل شرق أردني، ومن أصل فلسطيني.

وإذا كان هنالك اليوم “سلم اجتماعي” بين هاتين الشريحيتن، وألفة وعلاقات اجتماعية متقاربة جداً، إلاّ أنّ الهواجس المتبادلة ما تزال موجودة، وتتحكم في “الصورة النمطية” عن الآخر.

هذه “الثنائية الديمغرافية” انعكست على رؤية كلا الشريحتين للإصلاح وأولوياته. فالأردنيون- الفلسطينيون، حيث تحظى جماعة الإخوان بحضور كبير، يمنحون الأولوية لمفهوم “المواطنة” وما ينبثق منها من مشاركة سياسية وحريات عامة، وحقوق إنسان، وإعادة تعريف علاقة المجتمع بمؤسسات الدولة.

على الطرف الآخر، فإنّ الأردنيين (أبناء المحافظات والعشائر) يمنحون الأولوية لمفهوم “العدالة الاجتماعية”، نظراً لشعور المحافظات بالتهميش السياسي والإجتماعي والإقتصادي، وضعف التنمية والبنية التحتية، وغياب الإستثمار وضعف الخدمات، ما أدى إلى انتشار مشاعر الخيبة والإحباط والإحتقان، وفق ما تراه جمانة غنيمات، مديرة تحرير قسم الاقتصاد في صحيفة “الغد” بتصريح خاص لـ swissinfo.ch.

يتم استثمار التناقضات الاجتماعية، في لحظة الأزمات الأمنية أو الصراعات السياسية، من قبل الأجهزة الرسمية بصورة مكثّفة ومباشرة، وهو ما حدث في فض الاعتصام المفتوح (الذي أقامته القوى الشبابية في 25 آذار 2011) عندما تم استخدام وسائل التحشيد والتجييش للناس من المحافظات باتجاه عمان، ما أثار الرعب في قلوب المواطنين من خطورة تلويح “الأجهزة الرسمية” باستخدام هذا السلاح القذر لمواجهة التصعيد المقابل من المعارضة والحراك السياسي.

الشارع لم يتحرّك.. لكنه يتململ!

إذن، ما يزال رهان الحكومة الأردنية على أنّ الشارع لم يتحرّك، وأنّ الحركة الشعبية لم تصل بعد حدود ما وصلت إليه دول أخرى، إلاّ أنّ ما يقلق الحكومة هو أنّ الشارع يتململ، ويظهر انزعاجاً من الأوضاع الحالية ومن الأزمة الاقتصادية، ويحمّل السياسات الرسمية، وتحديداً قضية الفساد المسؤولية الأولى عما وصلت إليه الأمور.

وإذا كانت “الثنائية الديمغرافية” تحول – حالياً – دون توحّد القوى السياسية المختلفة بحركة متشابكة شبكية، كما حدث في دول أخرى، إلاّ أنّ الوضع الإقتصادي – تحديداً- هو الذي يحرّك مجموعات من المحافظات والعشائر في الآونة الأخيرة للمطالبة بقائمة من الإصلاحات السياسية والإقتصادية.

ففي الأشهر الأخيرة، انتقل الثقل الأكبر للحراك الشعبي من العاصمة عمان إلى المحافظات المختلفة، وبدأت تبرز أصوات من هناك تطالب بمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وترفع سقف شعاراتها إلى حدود غير مسبوقة، مع الإبقاء على سقف “إصلاح النظام” وليس “إسقاط النظام”.

أهمية الحراك الشعبي في المحافظات، وبصورة خاصة في الجنوب، الطفيلة والكرك ومعان، أنّه يقع في قلب القاعدة الإجتماعية للنظام، وأنّه يأخذ – عادةً – صيغاً احتجاجية شرسة، إذا وقعت شرارته، كما حدث في العام 1989، عندما اشتعلت انتفاضة في الجنوب، وشهدت مواجهات مع الأمن، وكانت سبباً في عودة الحياة النيابية بعد انقطاع كبير.

أولويات الإصلاح.. أجندات متصارعة

نحن أمام أجندات متضاربة ومتنافسة في مسار الإصلاح السياسي. فالدولة تراهن على ما تسميّه “روزنامة الإصلاح”، بأن تقود هي جملة إصلاحات دستورية وتشريعية، تمهّد الطريق لحل مجلس النواب، وإجراء انتخابات مع بداية العام المقبل، ما يضمن “مخرجات” الإصلاح وتطوره، بدلاً من أن تقود “الأزمة” البلاد إلى الجهة أو السقف الذي لا يريده “المطبخ السياسي”.

في المقابل، فإنّ المعارضة، وتحديداً الإسلامية، تشكّك في “نوايا الدولة” بالقيام بإصلاحات حقيقية، لذلك تحاول من خلال الشارع فرض مشروع الإصلاح السياسي الذي تريد، بإرغام النظام على تقديم “تنازلات” حقيقية وجوهرية، في التعديلات الدستورية، وفي قانون الإنتخاب، وفي ملف الفساد وملفات أخرى.

على الجهة الأخرى، تصعد اليوم قوى الحراك السياسي الجديد، وأغلبها من المحافظات ومن أبناء العشائر الأردنية (مثل المتقاعدين العسكريين، جمعيات المعلمين، عمال المياومة، الحراك الشبابي..)، وهي قوى تحاول أيضاً فرض أجندتها على النظام، بإجباره على إصلاحات جوهرية تطاول “صلاحيات الملك” والدستور، لكنها تركّز بدرجة أكبر على إعادة هيكلة البرنامج الإقتصادي لتحقيق التوازن بين عمان والمحافظات من جهة، وتؤكّد على أنّ أي إصلاح يجب أن يحمي “هوية الدولة” في مواجهة “مخاطر الوطن البديل”، وهو – في المقابل – ما يثير مخاوف قوى ليبرالية وإسلامية في عمان من “أجندة” هذه القوى وميولها تجاه الكتلة السكانية الأخرى.

عمليا، تحاول الدولة ضبط الشارع وتحجيم الحراك الشعبي لتمرير وصفتها الإصلاحية، فيما تعمل القوى المعارضة التقليدية والجديدة على تفجير الشارع لنقل الصراع إلى مستوى آخر، وفرض أجندة إصلاحية أخرى، بسقوف مختلفة.

محدودية الحراك الشعبي إلى الآن بمثابة عامل مطمئن للدولة، إلاّ أن تململ الشارع وتغلغل مشاعر الغضب والإحتقان في المحافظات من الأوضاع الاقتصادية والفساد هو “قنبلة موقوتة” يمكن أن تنفجر في أي لحظة، وتفرض إيقاعاً جديداً وسيناريوهات مختلفة في البلاد.

يلخّص المشهد الحالي، المهندس خالد رمضان، وهو مؤسس التيار القومي الديمقراطي، وعضو لجنة الحوار الوطني بالقول أنّ “الكتلة الكبرى التي تتململ  تخشى من أجندات التغيير المطروحة، فلو كان هنالك طرح عقلاني يأخذ بالحسبان هذه المخاوف المتبادلة فإنّ الشعب غداً سيكون في الشارع”.

وفي معرض شرحه للفقرة السابقة، يقول رمضان بأنّ “المؤسسة الحاكمة تمارس سياسة توظيف هذه الإختلافات الإجتماعية، لتقفز على المطالب العارمة بمحاسبة الفاسدين، ولتقول غداً “عفا الله عمّا مضى”، إلاّ أنّه لا يتوقع نجاح هذه السياسة، فهي لا تدرك حجم الغضب والإحتقان في الشارع عموماً، ليس ضد الحكومة فقط، بل ضد مؤسسات الدولة عموماً، وهو ما يجعل من سيناريو الإنفجار هو المطروح، طالما أنّ السياسة الرسمية ما تزال تمارس لعبة التحشيد ضد المعارضة وتحاول تأليب الشارع عليهم، ولا تحاول أن تنصت للإنذارات والرسائل الغاضبة الآتية من الشارع نفسه.

أدان المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن الأحداث التي رافقت اعتصام يوم الجمعة 15 يوليو 2011 ، معبرا عن قلقه البالغ واستنكاره للإعتداء الذي تعرض له المشاركون في الإعتصام بساحة النخيل وسط العاصمة عمان.

وعبر المركز في بيان أصدره يوم الأحد 17 يوليو عن “إدانته كافة أشكال العنف غير المبرر في مواجهة حق الأفراد في التجمع السلمي وحرية الرأي والتعبير”، داعيا إلى “ضرورة استكمال التحقيق في قيام قوات الأمن بتفريق الإعتصام باستخدام القوة والعنف، وكذلك قيام المشاركين في «مسيرة الموالاة» بالإعتداء على المشاركين في الإعتصام، الأمر الذي يخل بالإلتزام بحماية حق المواطنين في ممارسة حقهم الدستوري في التجمع السلمي وحرية الرأي والتعبير.

واستهجن المركز تعرض بعض رجال الأمن للإعتداء، مشيرا إلى أن “العنف الذي مُورس في ساحة النخيل أساء إلى صورة الأردن في مجال احترام حقوق الإنسان”. وسجل المركز إدانته الشديدة للإعتداء الذي تعرض له الإعلاميون والإعلاميات الذين شاركوا في تغطية هذه الأحداث.

وقال البيان ان الاعتداء على الصحافيين من قبل قوات الامن يشكل ظاهرة خطيرة لم نألفها في المملكة ويتنافى مع دور الحكومة في تعزيز حرية الرأي والتعبير ويشكل اعتداءً صارخاً على حق الاعلاميين في نقل الحقائق للرأي العام بشفافية ويحرمهم من ممارسة واجبهم المهني في تغطية الاعتصامات السلمية.

وأكد المركز على حق المتظاهرين في التجمع السلمي والتعبير عن آرائهم بحرية تامة وحق الاعلاميين في ممارسة دورهم في رصد الاحداث وايصالها للمواطنين باعتبارها حقوقا مكفولة بموجب الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

ودعا المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن الحكومة إلى “سرعة إجراء تحقيق مستقل ومحايد وشفاف ونشر نتائجه للرأي العام بأسرع ما يمكن، ومحاسبة كل من شارك في الإعتداء على المعتصمين والإعلاميين وأفراد الأمن العام”.

(المصدر: نقلا عن موقع المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن بتصرف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية