مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأردن.. إلى أيــن؟

يوم 5 أكتوبر 2012، شهدت العاصمة الأردنية تنظيم أكبر مظاهرة للمعارضة رفض للإصلاحات الدستورية المُعلن عنها وذلك منذ بدء احتجاجات الربيع العربي في بداية عام 2011. Keystone

بعد الإستدارة الرسمية عن الإصلاح في الأردن وتجاوز نسبة التسجيل للإنتخابات حاجز الـ 50% بقليل، حسمت النخب الحاكمة موقفها وأعلِـن عن 23 من شهر يناير 2013، موعدا لإجراء الإنتخابات النيابية.

ويسعى الرسميون إلى خلق انطباع، يفيد بأن الأردن نجح في استغلال الربيع العربي، وأجرى إصلاحات “هامة”، وأن الكرة الآن في ملعب الشعب والقِـوى السياسية، للمشاركة في الإنتخابات العامة، حتى يشترك الجميع في صناعة القرار السياسي، ويشكل الإصلاحات الأخرى المطلوبة. 

غير أن هناك رأيا آخرا، يقول بأن الدولة لم تنجح في خلق توافقات وطنية حول الإصلاحات، بدليل مقاطعة قوى سياسية وعشائرية رئيسية للتسجيل، وبدليل رفض أكثر من مليون شخص التسجيل للإنتخابات القادمة، بحجة أن الإصلاحات شكلية وغير مُـجدية، ولن تغيّر في قواعد اللعبة السياسية ولن تمكّن المواطن الأردني من التأثير في عملية صنع القرار. وهذا يطرح السؤال التالي: إلى أين يتّجه الأردن؟

 استعادة الثقة ونزاهة الانتخابات

يجمع المراقبون على أن نقطة التحوّل التي أدت إلى تراجع ثقة المواطن بالسلطة التشريعية، هي الطريقة التي تجري فيها الإنتخابات والتزوير الفاضح الذي تم في السابق، وبالتالي، امتثال المجالس “المُـنتخبة” للتوجيهات الرسمية والأمنية، ولهذا السبب، جاءت التعديلات الدستورية بالهيئة المستقلة للإنتخابات، حتى تضمن أعلى درجات الشفافية والنزاهة ومنع التدخلات الرسمية، التي عادة ما كانت تؤثر في نتيجة الإنتخابات وتضعف من شرعية المجالس، حسب تعبير الدكتور ارحيل غرايبة، أحد أبرز قادة جبهة العمل الإسلامي المعارض.

ويرى عدد من المراقبين والسياسيين، أن الفشل في إجراء انتخابات حرة ونزيهة، من شأنه أن يخلق ظروف الفوضى وتعميق فجوة الثقة. فحتى ينجح الأردن في ضمان تحقيق أدنى درجات التوافق الوطني لمواجهة التحديات الجسيمة القادمة، عليه أن يجسر الفجوة القائمة بين الدولة والمجتمع، وهي فجوة نتجت عن السياسات العامة للحكومات المتعاقِـبة وضعف المجالس التشريعية، وبخاصة المجلس النيابي الأخير، وتراجع هيبة الدولة.

وتُـعد مسألة استعادة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، من أهَـم الأولويات، في ظل استمرار الربيع العربي. ويرى المهندس موسى معايطة، وزير التنمية السياسية الأسبق، أن هناك فرصة لاستعادة هذه الثقة في الإنتخابات النيابية القادمة، حتى في حال أن استمر حزب جبهة العمل الإسلامي بمقاطعة الإنتخابات. وهناك عاملان أساسيان يساعدان في عملية استعادة الثقة، حسبما يقول السيد المعايطة يتلخصان في “إجراء انتخابات نزيهة ووصول نوعية ممتازة من المرشحين إلى البرلمان، حتى يستعيدوا التّوازن المفقود بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية، بصرف النظر عن الطريقة التي تتشكل فيها الحكومة”. 

من جانبه يقول الكاتب والمحلل السياسي الدكتور يوسف ربابعة، أن نزاهة الإنتخابات هي خطوة أولى لاستعادة ثقة المواطن، ولكنها ليست كافية. فهناك حاجة لأن يلاحظ المواطن الأردني بأن البرلمان القادم قوي ومستقِل وقادِر على محاسبة الحكومات وفتح ملفات الفساد، بصرف النظر عن هوية المتّهمين.

 ما بعد الانتخابات؟

في ظل هذه التساؤلات، هل يُـمكن للأردن الرسمي القول بأنه نجح في التغيير؟ اللاّفت، أن الحكومة تسعى إلى إقناع أكبر عدد ممكن من المسجّلين للمشاركة بالإنتخابات، حتى تبعث برسالة واضحة مَـفادها أن الأغلبية الساحقة من الأردنيين على قناعة بتوفّر إرادة سياسية حقيقية، للمُـضي في الإصلاحات، وأن الأردن الرسمي يُـقدّم الإنتخابات، كدليل على “جدية الدولة في الإصلاحات”. 

غير أن هناك من يختلِـف مع هذا المنطِـق، إذ يرى الدكتور يوسف ربابعة، أن هناك سلبية عند الشعب، وبخاصة القسم الذي سجّل للإنتخابات تحت الضغط الرسمي. فهؤلاء لن يشاركوا في الإدلاء بأصواتهم، لأنهم غير مقتنِـعين بالقُـدرة على التغيير. وبهذا المعنى يرى الدكتور ربابعة، أن الإنتخابات بحدّ ذاتها، ستكون مشكلة، لأنها قد لا تفضي إلى برلمان يعبِّـر عن إرادة الشعب، وقد يكون نسخة عن برلمانات ضعيفة سابقة، وهذا ما سيُـقوّي من حجّة المعارضة، ويخلق شروط عدم الإستقرار السياسي، لأن الشعب سيُـطالب بحل المجلس القادم وإسقاط الحكومات المتولدة عنه.

وفي هذا السياق، يقول الدكتور ارجيل الغرايبة، أحد أبرز قادة جبهة العمل الإسلامي: “إن الأصل أن تكون الإنتخابات قائمة على التوافق، والذهاب إلى انتخابات من دون توافق، لن يساعد الأردن على تخطّي مربّع الأزمة، التي ما زال يُـعاني منها. فالمجلس القادم سيُعاني من بعض الاشكالات، التي كانت سببا للمطالبة بحلّ المجالس السابقة”. 

في الوقت نفسه، لا يرى الدكتور الغرايبة أن هناك تغييرا منهجِيا في الحكم، حتى مع إنشاء الهيئة المستقلة والمحكمة الدستورية، اللتين لم تشارك بهما المعارضة ولا مؤسسات المجتمع المدني، وبقيتا مقصورتين على موظفي الحكومة والرسميين. 

الوزير الاسبق موسى معايطة لا يتفق مع هذا التحليل على منطقيته، بل يرى أن “الطريقة التي ستجري بها الإنتخابات ستساعد كثيرا في إيجاد مجلس قوي يُحاسب الحكومات، ما يعني أن المعارضة ستُعاني من عُـزلة وضُعف في الشارع”، على حد قوله.

عمان (رويترز) – دعا الملك عبدالله الثاني عاهل الأردن المعارضة الإسلامية في البلاد يوم الثلاثاء 24 أكتوبر 2012 إلى إنهاء مقاطعتهم للانتخابات البرلمانية القادمة، التي قال إنها ستؤذن بحقبة جديدة من الإصلاحات السياسية.

وقال العاهل الأردني في كلمة أمام حشد كبير من شخصيات من المعارضة والعشائر في الديوان الملكي إن المعارضة يمكن أن يكون لها دور أكبر في إدارة شؤون البلاد بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقرر أن تجرى في 23 يناير القادم. وقال الملك عبد الله أمام حشد ضم عدة آلاف من شتى أطياف القوى السياسية “رسالتي لكم ولكل الأحزاب والقوى السياسية إذا أردتم تغيير الأردن للأفضل فهناك فرصة من خلال الانتخابات القادمة ومن خلال البرلمان القادم”. وتابع قائلا أمام ضيوف من بينهم زعماء من جبهة العمل الإسلامي الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين وهي المعارضة الأكثر تأثيرا في الأردن “الطريق مفتوح أمام الجميع بما فيهم المعارضة ليكونوا في البرلمان القادم”.

وحل الملك عبد الله البرلمان هذا الشهر في منتصف مدته البالغة عامين وعين حكومة جديدة لتشرف على ما يأمل أن يكون انتخابات حرة ونزيهة. وتقاطع جبهة العمل الإسلامي الانتخابات قائلة إن نظام التصويت لا يعمل في صالحها بتقييد مكاسبها الانتخابية من خلال منح مقاعد أقل لتمثيل الدوائر الانتخابية في المدن المكتظة بالسكان والتي تحظى فيها بتأييد قوي. وقال العاهل الأردني “من يريد إصلاحات إضافية أو تطوير قانون الانتخاب فليعمل من تحت قبة البرلمان القادم ومن خلال صناديق الاقتراع التي تجسد إرادة الشعب”.

وقاد الإسلاميون والمعارضة العشائرية احتجاجات سلمية طيلة ما يقرب من عامين بالهام من موجة الانتفاضات العربية داعين لإصلاح الحكومة وتقليص صلاحيات الملك. وتعمل المؤسسة الملكية الهاشمية كضامن للاستقرار بين العشائر المتصارعة التي تطلب الحماية وتحقيق التوازن بين مواطني البلاد من أصل فلسطيني وبين الأردنيين. ولا يطالب سوى قليل من الناس بالإطاحة بالنظام الملكي.

ويتهم مسؤولون الإسلاميين الذين تشجعوا بالنجاح الانتخابي الذي حققه شركاؤهم الأيديولوجيون في مصر وتونس، بالسعي لاحتكار السلطة وتقويض القاعدة العشائرية التي هي بمثابة العمود الفقري للنظام الملكي. وحذر العاهل الأردني المعارضة من استغلال سخط الأردنيين العاديين في دولة تعتمد على المساعدات وتواجه تحديات اقتصادية لم يسبق لها مثيل ودينا خارجيا متزايدا. وقال الملك عبد الله “نحن نؤمن بحق المعارضة في أن تكون شريكا أصيلا وفاعلا في العملية السياسية بعيدا عن الانتهازية والشعارات الزائفة واستغلال الظروف الاقتصادية الصعبة وعواطف الناس”. لكنه قال في تحذير ضمني للإسلاميين “لا يجوز لأي فئة أن تدعي احتكار الحقيقة أو تمثيل كل الشعب”.

وخلافا لبلدان مثل مصر التي كانت تحظر الأحزاب الإسلامية وسوريا التي لا يزال الإسلاميون فيها مضطهدين يسمح الأردن للتيار الرئيسي للإسلاميين بالعمل منذ عقود لمواجهة الأيديولوجية اليسارية. وفي لفتة تصالحية أصدر العاهل الأردني عفوا عن 20 من نشطاء المعارضة العشارية اتهموا بالعيب في الذات الملكية في احتجاجات نظمت مؤخرا.

ورد العاهل الأردني لأول مرة علانية على أقلية من المحتجين العشائريين دعوا إلى الإطاحة به وقال في رد على من يطالبون بإسقاط النظام إن النظام في الأردن “هو الدولة بكل مؤسساتها ودوائرها تحت مظلة الدستور”. وقال إن مقومات الحكم بالنسبة للهاشميين لم تلوثها حملات القمع الدامية للمعارضة مثلما فعل حكام آخرون في المنطقة. وقال “لم يكن الحكم بالنسبة لنا أيضا وفي أي يوم من الأيام قائما على احتكار السلطة ولا على القوة وأدواتها وإنما على رعاية مؤسسات الدولة التي تدار من قبل أبناء هذا الشعب بكل فئاته وفق أحكام الدستور”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 24 أكتوبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية