مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حضور لافت للعنصر النسائي وصعُود مفاجئ للإسلاميين

مواطنة موريتانية تقترع بمكتب القصر بالعاصمة نواكشوط يوم 23 نوفمبر 2013 في انتخابات قاطعتها بعض أحزاب المعارضة AFP

شكلت الانتخابات البرلمانية والبلدية في موريتانيا مناسبة لعودة السجال الساخن إلى الساحة السياسية التي لم تعرف الهدوء منذ سنوات، فقد شهدت الحلمة الانتخابية تصاعدا لحدة التراشق السياسي، بين أقطاب المشهد الإنتخابي الثلاثة: الحزب الحاكم وأحزاب الأغلبية الداعمة له من جهة، وأحزاب المعارضة المشاركة في الانتخابات، وفي مقدمتها حزب تواصل الإسلامي من جهة أخرى، فضلا عن أحزاب "منسقية المعارضة المقاطعة للإنتخابات" بقيادة حزب تكتل القوى الديمقراطية الذي يتزعمه أحمد ولد داداه.

ففي الوقت الذي كثفت فيه أحزاب الأغلبية ، وأحزاب المعارضة المشاركة في الإنتخابات دعواتها للناخبين لكسب أصواتهم، كانت أحزاب منسقية المعارضة المقاطعة للانتخابات تدفع باتجاه انتخابات فاشلة وبلا ناخبين، ودشنت حملة تحسيس استهدفت تحريض الناخبين على مقاطعة الإنتخابات والبقاء في منازلهم خلال فترة الإقتراع، ومع إعلان نتائج الشوط الأول احتفل كل فريق بما اعتبره نجاح دعوته.

ففي الوقت الذي تقول أحزاب المعارضة المقاطعة إن الناخبين استجابوا لها، فكان المقاطعون للتصويت أكثر من المقبلين عليه، وتشكك في أرقام نسبة المشاركة التي قدمتها اللجنة المستقلة للإنتخابات، تؤكد القوى المشاركة في الإنتخابات بشقيها الموالي والمعارض أن الناخبين أقبلوا على صناديق الاقتراع بكثافة وأن اللجنة المستقلة للإنتخابات سجلت نسبة مشاركة فاقت 75%.

ومن أبرز ما ميز هذه الانتخابات هو إجماع القوى المشاركة فيها من موالاة ومعارضة على انتقاد أداء اللجنة المستقلة للإنتخابات، التي يتهمها الجميع بالتجاوز في حقه، حيث قدمت جميع الأحزاب المشاركة في الانتخابات، بما فيها الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة طعونا إلى المحكمة الدستورية مطالبة بإلغاء بعض النتائج التي تعتبرها مزورة أو شابتها أخطاء قاتلة. ومن جهته، وصف رئيس البرلمان المنتهية ولايته مسعود ولد بلخير لجنة الانتخابات بأنها “عديمة الجدوى ولا طائل من ورائها”.

أظهرت النتائج الأولى للإنتخابات التي أجريت في 23 نوفمبر 2013 تقدم حزب “الإتحاد من أجل الجمهورية” الذي ينتمي اليه الرئيس محمد عبد العزيز على الرغم من عدم تحقيقه الأغلبية المطلقة.

أوضحت لجنة الإنتخابات فوز الحزب بما لا يقل عن 36% من المقاعد البرلمانية، وهو رقم من المرجح أن يرتفع في الجولة الثانية المقرر إجراؤها يوم 21 ديسمبر 2013 والتي ستحسم بقية المقاعد.

من المتوقع أن يضمن حزب تواصل الإسلامي الذي حظرته الحكومة حتى 2007 قيادة المعارضة البرلمانية بحصوله على 8% من المقاعد.

قالت أحزاب المعارضة التي تقاطع الإنتخابات إن نظام التصويت يفتقر الى الشفافية وطالبت بفرز الأصوات من جديد ودعت يوم 2 ديسمبر إلى الغاء الجولة الأولى، لكن الإقبال على التصويت كان مرتفعا وبلغت نسبة المشاركة 75.53% وفقا لعبد الله ولد اسويد أحمد رئيس لجنة الانتخابات.

قال مراقبون من الاتحاد الافريقي تابعوا سير الإنتخابات إن الإقتراع “مثل تقدما كبيرا على طريق تعزيز شفافية النظام الإنتخابي الموريتاني”.

(المصدر: وكالات)

تقدّم مريح للحزب الحاكم

النتائج المعلنة حتى الآن والتي شملت أزيد من نصف البرلمان وحوالي نصف المجالس البلدية كشفت ـ كما كان متوقعا ـ تقدم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بفارق مريح على أقرب منافسيه، حزب تواصل الإسلامي المعارض، وإن كان تقدما جاء دون المتوقع، باعتبار أن المراقبين كانوا ينظرون إلى الحزب الحاكم باعتباره حزب الرئيس والسلطة وبالتالي حزب القوى القبلية والتقليدية المهيمنة، خصوصا في المناطق الداخلية ذات الوعي السياسي الضحل.

فقد شكل فشل الحزب الحاكم في حسم أي من بلديات العاصمة نواكشوط التسع خلال الشوط الأول انتكاسة كبيرة له، كما فقد بعض معاقله التقليدية وبات مهددا في معاقل أخرى من خلال منافسة شرسة في الشوط الثاني. كما فشل في تجاوز عتبة أربعة مقاعد على مستوى اللائحة الوطنية للنساء التي تضم 20 مقعدا، متبوعا بحزب تواصل الإسلامي الذي حصد منها ثلاثة مقاعد، كما حصل الحزب الحاكم في نواكشوط على ثلاثة مقاعد من أصل 18 عشر مقعدا، وهو نفس العدد الذي حصل عليه حزب “تواصل”، أما حصة الحزب الحاكم في اللائحة الوطنية للنساء فكانت أكبر ولو قليلا حيث حصل على خمسة مقاعد من أصل عشرين مقعدا، متبوعا بحزب تواصل الذي حصل على ثلاثة مقاعد.

وقد كشفت النتائج كذلك عن حصول الحزب الحاكم على 52 مقعدا برلمانيا خلال الشوط الأول، وما يزال بحاجة للفوز بأحد عشر مقعدا في الشوط الثاني المقرر تنظيمه يوم 21 ديسمبر الحالي، وذلك لضمان أغلبية مطلقة في البرلمان القادم، في وقت تنتظر فيه 16 دائرة برلمانية الحسم في الشوط الثاني، الأمر الذي يزيد من صعوبة التحدي بالنسبة للحزب الحاكم، حيث يتحتم عليه الفوز في 11 منها، وإلا فستكون المرة الأولى في تاريخ البلاد التي يفقد فيها الحزب الحاكم أغلبيته المطلقة في البرلمان، وسيكون مضطرا للجوء إلى بعض أحزاب الأغلبية الأخرى الصغيرة للتحالف معها لضمان استقرار حكومته.

في الشوط الثاني من الانتخابات يُعول الحزب الحاكم على التحالف مع بعض أحزاب الأغلبية الصغيرة التي خرجت من الشوط الأول، وذلك لمواجهة أحزاب المعارضة التي وقعت اتفاقا قبل الانتخابات على التحالف والدعم المتبادل في الشوط الثاني، وتتهم أحزاب المعارضة النظام باستخدام إمكانيات الدولة لصالح الحزب الحاكم، حيث يجوب عدد من الوزراء المناطق الداخلية للبلاد متعهدين للسكان بإقامة مشاريع تنموية وتعليمية وصحية إذا منحوا أصواتهم لمرشحي الحزب الحاكم، كما تحدثت قيادة حزب تواصل الإسلامي عن نشاط محموم لبعض الجنرالات من قادة الجيش في الدعاية لمرشحي الحزب الحاكم، وتنفير الناس من مرشحي التيار الإسلامي.

“زعامة المعارضة” في يد الإسلاميين

أما مفاجأة الإنتخابات فكانت الصعود غير المنظر لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الإسلامي الذي فاز حتى الآن بـ 12 مقعدا برلمانيا، مضاعفا بذلك عدد نوابه حيث كان قد حصل سنة 2006 على خمسة مقاعد فقط، وينافس حاليا في الشوط الثاني على ثمانية مقاعد وعشرات المجالس البلدية.

النتائج التي كشف عنها حتى الآن تؤكد أن حزب “تواصل” سيفوز بمنصب زعيم المعارضة الديمقراطية، وهو منصب ينص عليه الدستور الموريتاني ويحظى به الحزب المعارض الحاصل على أكبر قدر من النواب في الإنتخابات، وكان يشغله منذ عام 2006 أحمد ولد داده رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية الذي قاطع الإنتخابات هذه المرة.

ويُعرف عن حزب تواصل معارضته القوية لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ودعواته المتكررة لرحيله، وكان من أنشط الأحزاب في منسقية المعارضة قبل أن يقرر تجميد عضويته فيها بعد اتخاذها قرارا بمقاطعة الانتخابات، وهو القرار الذي اعتبره حزب تواصل خطأ وقرر المضي قدما في مقارعة الحزب الحاكم عبر صناديق الاقتراع.

النساء.  حضور في البرلمان وتراجع في البلديات

رغم أن موريتانيا من بين الدول التي وقعت على التزام بالسعي لتحقيق أهداف الألفية قبل 2015، والتي تقضي بوصول نسبة لا تقل عن 33 % من النساء إلى المراكز القيادية والإنتخابية، إلا أن الانتخابات الحالية التي تعتبر الأخيرة بالنسبة للبرلمان والمجالس البلدية قبل 2015، لم تحقق الهدف المنشود منها، وإن كانت حققت النصاب المنصوص عليه بموجب القانون الموريتاني والقاضي بتمثيل النساء بنسبة لا تقل عن 20 % في البرلمان والمجالس البلدية، حيث حصلن على 31 مقعدا في الجمعية الوطنية حتى الآن، من بينها 20 مقعدا عن طريق اللائحة المخصصة للنساء، وخمسة مقاعد عن طريق اللائحة الوطنية المختلطة، وثلاثة مقاعد من بين 18 مقعدا مخصصة لمقاطعات العاصمة نواكشوط، وثلاثة مقاعد عن بعض المدن الداخلية.

وقد توزعت هذه القائمة من النساء بين الأحزاب المشاركة حيث فازت تسع سيدات بمقاعد برلمانية عن طريق لوائح حزب الاتحاد من اجل الجمهورية الحاكم، أي ما يعادل 15،6%، من نواب الحزب المنتخبين حتى الآن، ودخلت خمس سيدات البرلمان عن طريق لوائح حزب تواصل الإسلامي، وهو ما يمثل نسبة 41،6% من المقاعد التي حصل عليها الحزب في الشوط الأول، وثلاث سيدات عن طريق حزب التحالف الشعبي الذي يقوده رئيس البرلمان المنتهية ولايته مسعود ولد بلخير، بينما توزعت بقية مقاعد النساء الفائزات بين الأحزاب الأخرى بمعدل سيدة عن كل حزب.

أما الشوط الثاني المتبقي فلا توجد به سوى سيدتان تنافسان على مقعدين في الجمعية الوطنية، ولو افترضنا فوزهما فإن مجموع النساء في البرلمان الموريتاني سيصل إلى 33 سيدة، وهو ما يمثل نسبة 22%  من مجموع مقاعد الجمعية الوطنية البالغ عددها 147 نائبا.

أما على مستوى المجالس البلدية المحلية، فلم تفز أي سيدة حتى الآن بمنصب عمدة بلدية، وإن كانت ثمان سيدات تخضن حاليا المنافسة في الشوط الثاني كمرشحات لمنصب العمدة، وهو ما يعني أنهن لو فزن جميعا ـ وهو أمر مستبعد ـ فإن نسبة النساء في العمد لن تتجاوز 3% وتبقى قابلة للنقصان بفعل احتمال خسارة بعضهن أو كلهن للمنافسة في الشوط الثاني.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية