مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الناخبون يرفضون تحديد سقف لأجور كبار الموظفين

معسكر الرافضين خرج منتصرا ثلاث مرات على التوالي في استفتاء الأحد 24 نوفمبر 2013 Keystone

رفض الناخبون السويسريون القضايا الثلاث المعروضة عليهم في استفتاء يوم الاحد 24 نوفمبر 2013 والمتعلقة بوضع سقف للفوارق في أجور الموظفين، والتخفيضات الجبائية لصالح الآباء والأمهات الذين يتكفلون برعاية أبنائهم في بيوتهم، والترفيع في قيمة رسوم استخدام الطرقات السيارة.

وكان معهد gfs.bern لسبر الآراء الذي يقوم بدراساته بتكليف من هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (المؤسسة الأم لـ swissinfo.ch) قد اشار منذ توقعاته الأولى إلى أن الناخبين سيرفضون الموضوعات الثلاث المعروضة على انظارهم بنسب متفاوتة.

نسف وليس مجرد رفض

النتائج  التي أسفر عنها الإقتراع يوم الأحد 24 نوفمبر 2013  كانت أكثر حسما وأوضح اتجاها. ولم يكتف الناخبون بمجرد رفض ما عرض عليهم، بل انهم نسفوا تلك المقترحات من الأساس. فالمقترح الداعي إلى الترفيع في رسوم استخدام الطرقات السيارة من 40 فرنك إلى 100 فرنك في السنة رفضته جميع الكانتونات، وعارضه 60.5% من الناخبين.

كذلك أجمعت الكانتونات السويسرية على رفض مبادرة “12:1 – من أجل أجور عادلة”. والتي يدعو أصحابها إلى أن لا يتجاوز ما يكسبه صاحب أعلى أجر في أي شركة أو مؤسسة في الشهر الواحد ما يكسبه صاحب أدنى أجر في السنة الواحدة في نفس المؤسسة. وهذا المقترح قد رفضه الناخبون بأغلبية كبيرة بلغت 65.3%.

الأمر نفسه تكرر أيضا وإن كان بأقلّ حدة في ما يتعلّق بالمبادرة الداعية إلى منح تخفيضات جبائية إلى الآباء والامهات الذين يتكفلون برعاية أبنائهم في البيت مماثلة لتلك التي تحصل عليها الأسر التي توكل رعاية أبنائها خلال النهار إلى مؤسسات الحضانة أو أطراف أخرى. وقد صوّت ضد المقترح 58.5% من الناخبين، ولم تقبل بها سوى ثلاث كانتونات من جملة 26 كانتونا.

الأجور، جبهة الصراع الجديدة

خلال الحملة الإنتخابية، تركّز الجدل السياسي الأهم حول المبادرة الشعبية التي أطلقها قسم الشبيبة بالحزب الإشتراكي والتي تحمل عنوان “12:1- من أجل أجور عادلة”، ويبدو أن نتائج يوم الاحد بشأن هذه المبادرة لم تكن مفاجئة لمعسكر المؤيدين، إذ كانت إستطلاعات الرأي الأخيرة، تتوقع أن تفوز هذه المبادرة بتأييد نحو ثلث الناخبين، وذلك في وقت عبّر فيه أزيد من نصف المستطلعة آرائهم أنهم من المعارضين لها.

لكن حزب الخضر السويسري يرى أن نتيجة الأحد تشير إلى أن فئة كبيرة من المواطنين يرون أن الأجور المرتفعة جدا التي تمنح إلى عدد من كبار الموظفين ليست منطقية ولا مبرر لها. ويقول الخضر انهم منذ الآن سيركزون جهودهم من اجل العمل على تحسين مستويات الأجور الضعيفة والدنيا، والتي هي دون 3500 فرنك في الشهر. نفس الصدى نجده كذلك لدى الإشتراكيين، والذين يرون أن الشبيبة الإشتراكية قد نجحت في لفت الأنظار وفي إثارة نقاش ضروري ومهم، وفرضته على الأجندة السياسية على المستوى الوطني.

في المقابل، سادت لدى أحزاب اليمين حالة من الرضى بعد رفض هذه المبادرة. فهي كانت ترى في هذا المقترح خطرا على الوضع الإقتصادي في البلاد. ووعدت جميع الأحزاب البرجوازية بالبقاء مستعدة ومتيقظة لمعارضة أي دعوة لتدخل الحكومة في القطاع الخاص.

وهذا هو موقف الحزب اللبرالي الرديكالي على سبيل المثال، والذي أصدر اليوم بيانا جاء فيه: “في المستقبل سيكون من الواجب محاربة كل محاولات اليسار للنيل من النموذج السويسري الناجح، مثل مبادرة أجور الحد الأدنى”.

وكان المعارضون يخشون أن يؤدي إقرار هذه المبادرة ، إلى ترحيل الشركات لأعمالها إلى بلدان اخرى، مما يؤدي إلى فقدان مواطن شغل وارتفاع معدلات البطالة، والزيادة في نسبة الضرائب ونفقات صناديق الإعانات الإجتماعية. في المقابل، يقول المؤيدون لها أنهم يرمون من وراء ذلك إلى كبح الاجور المجحفة لكبار المسؤولين التنفيذيين، وللمساهمة في تحقيق العدالة الإجتماعية.

ووفقا لدراسة أنجزها مركز الأبحاث حول الظرف الإقتصادي (KOF) التابع للمعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ  1.5% من المؤسسات الإقتصادية السويسرية معنية بما تنص عليه هذه المبادرة، ويحصل حوالي 4400 شخص في سويسرا على أجور تتجاوز 12 مرة أضعاف ما يحصل عليه الموظّف الأقل أجرا في المؤسسات التي يعملون فيها.

الموضوعات الثلاث التي طرحت للتصويت يوم الاحد 24 نوفمبر2013 نجحت في تعبئة الناخبين وبكثافة. إذ شارك حوالي 53.6% من السويسريين في الإقتراع على المستوى الوطني. ويجب ان نعود لعام 2010 من اجل العثور على معدل مشاركة يتجاوز 50%.
 

في العادة، الإستفتاءات بشأن العلاقة مع الإتحاد الاوروبي او غيرها من القضايا التي يثيرها حزب الشعب (يمين متشدد) كالهجرة واللجوء، تنجح في تحقيق نسب مشاركة كبيرة.

هذا ما حصل مثلا بالنسبة للإقتراع حول مبادرة حزب الشعب المتعلقة بطرد المجرمين الاجانب (53%) في 28 نوفمبر 2010، أو بالنسبة لإستفتاء حظر المآذن (57.6%) في 29 نوفمبر 2009، لكن كل ذلك يبقى أدنى من نسبة 78.7% من المشاركة التي سُجّلت في ديسمبر 1992 في استفتاء بشأن الإندماج في السوق الأوروبية المشتركة.

لا للرسوم المجحفة

كذلك عبّر المعارضون  للزيادة في قيمة الرسوم الخاصة بإستخدام الطرقات السيارة من 40 فرنك سويسري إلى 100 فرنك خلال العام، عن رضاهم لما أسفر عنه اقتراع اليوم الأحد، ورأوا في النتيجة المعلنة أن “الشعب قد عبّر بوضوح عن كونه لا يريد رسوما مجحفة، ويريد تمويلا عادلا لقطاع النقل”.

هذا الرضى نجده أيضا لدى قوى الضغط المتمثلة في نواد محبي السيارات في سويسرا والذين سبق أن ناشدوا الناخبين بالتصويت ب “لا” على هذا المقترح، وهم اليوم “يرحبون برفض الشعب للترفيع في رسوم استخدام الطرقات السيارة”. ويرون في هذه النتيجة دليلا على أن الشعب “يريد المزيد من الشفافية في استخدام الأموال المتحصل عليها من خلال الضرائب ورسوم أخرى”. هذه النتيجة وجدت الترحاب أيضا لدى المدافعين عن البيئة وإن كان لأسباب أخرى غير التي سبق ذكرها.

 وكان مقترح الترفيع في هذه الرسوم الذي تقدمت به الحكومة ووافق عليه البرلمان الفدرالي، جاء في علاقة بقرار الحكومة الفدرالية إستعادة سيطرتها على 376 كلم من الطرقات الكانتونية. ولكن هذا التغيير تم الطعن فيه عن طريق استفتاء، وهو ما ادى إلى دعوة الناخبين للفصل في هذا الموضوع.   

غير أن المعارضين قالوا منذ البداية أن ترفيع قيمة هذه الرسوم بنسبة 150% بمثابة “الفضيحة” أو “عملية الإحتيال”. ووفقا لما يقولونه، “لن يحل هذا الإجراء مشكلة الإزدحام على الطرقات”، فضلا على أن هذه الزيادة ستكون لها “عواقب مالية ضخمة” بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

لا تخفيضات ضريبية للأسر

الموضوع الثالث الذي عرض على أنظار الناخبين السويسريين يوم 24 نوفمبر 2013 ، والذي أثار أيضا الكثير من الجدل خلال الحملة الانتخابية هو نموذج الأسرة في سويسرا. وقد لقي كما سبقت الإشارة الرفض من غالبية كبيرة من الناخبين.

ويعتقد مؤيدو هذه المبادرة انه حان الوقت لوضع حد لهذا التمييز ضد الاسر التي تتكفل هي نفسها برعاية الأبناء. في المقابل يري المعترضون في هذه المبادرة انتصارا إلى “نموذج أسرة تنتمي إلى قرون غابرة، حيث تمكث المرأة في البيت، في حين يتكفل الرجل بالإنفاق على الأسرة”.

أما انصار حزب الشعب، فيردون بالقول أن المعارضين “يشجعون نموذجا بعينه للأسرة توكل فيه رعاية الأبناء إلى مؤسسات خارج الأسرة”. وقد أعلنت الدوائر الإقتصادية في البلاد كذلك معارضتها لهذه المبادرة، ورات أنها خطوة تعرض المساعي الهادفة إلى إيجاد توافق بين الحياة الأسرية والعمل في الخارج، وأن القبول بها يؤدي إلى تراجع كبير في الإيرادات الضريبية بالنسبة للدوائر الحكومية.

 أزيد من خمسة مليون مواطن سويسري توجد أسماؤهم في السجلات الإنتخابية، من بينهم 150.000 مواطن يعيشون في الخارج.

ويمكن للمغتربين مثلهم مثل مواطنيهم في الداخل التصويت عن بعد.

 بالإضافة إلى ذلك، تخوض يوم 24 نوفمبر 2013 ومرة أخرى العديد من الكانتونات السويسرية تجربة التصويت الإلكتروني، وهذه الكانتونات هي: غراوبوندن، أوغاو، بازل- المدينة، سانت – غالن، شفهاوزن، سولوتورن، تورغوفي، فريبورغ، جنيف ونيوشاتيل.

ولا يسمح بالتصويت الإلكتروني بالنسبة للسويسريين المقيمين في الخارج، وحتى الآن إلا للسويسريين المقيمين في بلدان الإتحاد الأوروبي، وإمارة ليختنشتاين، وشمال قبرص، والفاتيكان وموناكو، وسان- مارينو، فضلا عن البلدان 45 الموقعة عن اتفاقية فاسينار. ومن المنتظر أن يرفع هذا التحديد في فاتح يناير 2014.

(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية