مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الاستثمارات الأخلاقية بين النوايا والحسابات

Emanuel Ammon/AURA

تشهد ظاهرة صناديق الاستثمار البيئية أو الأخلاقية المزيد من التوسيع والانتشار، في ظل تزايد الانشغالات، ذات الطابع البيئي أو الاجتماعي في شتى أنحاء العالم.

هذا التيار يحظى بالقبول من طرف البنوك، التي تجني أرباحا لا بأس بها ومن طرف الحرفاء، الذين يحصلون على مردود جيد لاستثماراتهم، لكن الفوائد الحقيقية للبيئة تظل غير معلومة.

يوما بعد يوم، يتم الإعلان عن تأسيس صناديق أو محفظات استثمارية جديدة بعناوين جذابة من قبيل “استثمار أخضر” أو “استثمار مستديم” أو “استثمار مسؤول اجتماعيا” على صفحات بأكملها في اليوميات السويسرية.

وعلى الرغم من أن قطاع الاستثمارات “المستديمة أخلاقيا” لا يمثل أكثر من 2% من الحجم الإجمالي للسوق المالية السويسرية، إلا أنه يمر بمرحلة “انفجار” حقيقية.

ففيما تضاعفت أهميته على مدى السنوات الخمس الأخيرة، تشير التقديرات الأولية، إلى استمرار نموه بمعدلات لولبية منذ بداية عام 2007.

ويوضح إيفو كنوبفل، مدير وكالة الاستشارات حول الاستثمارات المستديمة « OnValues » لسويس انفو أنه “في الماضي، كانت الأسواق لا تُـلقي بالا لهذا الصِّـنف، وفي الفترة الأخيرة، تبيّـن لها أن إمكانياته هائلة”، ويضيف الخبير المالي “بعد أن أصبحت القضايا المناخية تتردد على جميع الأفواه، فهِـمت البنوك أن هذه المسائل (تبيع) بشكل جيد وتجتذب العديد من الحرفاء”.

ويؤكّـد كنوبفل أن الظاهرة أمر واقعي تماما. فالحاجة إلى الاستثمار في منشآت جديدة أكثر نجاعة وأقل تلويثا للبيئة، ضخمة جدا، يضاف إلى ذلك أن العديد من الشركات قد طورت فعلا تكنولوجيات جديدة مثيرة للاهتمام، وهو الأمر الذي أبهر الأسواق.

مقاييس الحد الأدنى

من جهة أخرى، يبدو أن خيار الاستثمار “الأخضر” مُـثير للاهتمام من وجهة النظر المالية أيضا، ففي السنوات الأخيرة، كانت الأرباح الناجمة عن هذا الصِّنف من الصناديق، أرفع من متوسط الأرباح المسجلة في السوق المالية.

وقد تطورت الأمور إلى الحد، الذي أصبح فيه البعض يُـبدي مخاوف من ظهور فقَّـاعة مضاربية جديدة في هذا القطاع، مبررا ذلك بأن الأسواق المالية، التي تجاهلت الاستثمارات المستديمة لفترة طويلة، قد تبالغ هذه المرة في الاتجاه المعاكس.

بشكل عام، يتركّـب هذا الصنف من الصناديق الاستثمارية من أسهم أو سندات لشركات تم اختيارها، بناءً على الاهتمام الذين توليه لمقاييس بيئية أو اجتماعية أو ذات علاقة بالطاقة، لذلك، يتم – مبدئيا – استبعاد الشركات التي لا تراعي المقاييس الدنيا المتعلـقة بالاستدامة (أو التي تنشُـط في قطاعات تُـعتبر مرفوضة (أو محرمة)، مثل الاتجار في الأسلحة).

ويكشف كنوبفل أن “العديد من المتصرفين، يختارون إدماج أفضل الشركات في كل قطاع، فيما يتعلق باحترام البيئة والأوجه الاجتماعية أو التصرف الرشيد”.

ومن أجل تنويع المخاطر، يُـمكن للمتصرفين أن يُـدمجوا في الصندوق أو المحفظة الاستثمارية، بعض الشركات التي تنشط في مجالات لا تحترم البيئة تماما، فعلى سبيل المثال، يُـمكن إدراج شركات نفطية أو منجمية لها اهتمام خاص بالبيئة في أحد الصناديق المعنية بالطاقة.

ويقول كنوبفل “بما أن كل شيء شفاف، لا أرى في ذلك أمرا مسيئا. فهذه الطريقة مفيدة فعلا للتشجيع على القيام بتحسينات في جميع القطاعات”.

أدوات موثوق فيها؟

المنظمات غير الحكومية لا تشاطر هذا التفاؤل، حيث ترى كريستين إيبرلاين من منظمة إعلان برن، أنه لا مفر من الاعتراف بأن التوجه الجديد نحو الاستثمارات المستديمة يمثل “خُـطوة في الاتجاه الصحيح”.

في المقابل، تعتبر الناشطة في المنظمة غير الحكومية أن “المقاييس غير الدقيقة، التي تـعتمد لتشكيل هذه الصناديق، تمثل مشكلة. ففي الواقع، تظل الأدوات المالية الأخلاقية حقيقة، قليلة جدا”. وتذهب كريستين إيبرلاين إلى أن الموضوع برمّـته لا يزيد عن “أداة ناجعة للتسويق للبنوك واختيارا سهلا لكسب الأموال مع توهُّـم فعل الخير”.

فعلى سبيل المثال، يتم الترويج لبعض هذه الصناديق على اعتبار أنها أدوات لدعم تكنولوجيا الطاقة الشمسية، ولكن يتّـضح بعد ذلك أنها تشتمل على أسهم عدد كبير من الشركات الناشطة في مجالات تكنولوجية تقليدية جدا، وتتساءل الناشطة في منظمة إعلان برن بشيء من التوجّـس: “في حالات من هذا القبيل، ما هو حجم الأموال التي توضع فعلا على ذمة الطاقات البديلة”؟

تلوين بالأخضر

السيد أولريخ تيليمان، نائب مدير معهد الأخلاقيات الاقتصادية بجامعة سانت غالن، يعبّـر عن رأي آخر يمزج بين التأييد والتعاطف ويقول “إجمالا، هذا تطور إيجابي، لأنه يؤدي إلى إحداث ديناميكية تتّـسم بطابع أخلاقي، معززة بمستثمرين مسؤولين”.

في المقابل، يمكن أن تؤدي الإجراءات المعمول بها حاليا إلى أن تتمكن شركات عادية جدا معروفة بأنشطتها التقليدية (وصفها الأستاذ تيليمان بأنها ليست فاقدة تماما للمسؤولية، كما أن أنشطتها ليست مستديمة بشكل خاص)، من “تأمين” دخولها إلى الصناديق الخضراء والأخلاقية، بفضل تبرعات بسيطة أو من خلال تطبيق الحد الأدنى من المقاييس الأخلاقية.

هذه المعطيات تدفع نائب مدير معهد الأخلاقيات الاقتصادية بجامعة سانت غالن إلى القول بأن “هذه الأدوات المالية، لا تصل بالضرورة، إلى الشركات الأكثر تحملا للمسؤولية فيما يتعلق بالتنمية المستديمة. فهذه الشركات تواجه صعوبات كبيرة (في أن تُـدرج ضمن هذه الصناديق)، ولا يتم اختيارها عادة، إلا من طرف البنوك البديلة”.

سويس انفو – مارزيو بيشا

(ترجمه من الإيطالية وعالجه كمال الضيف)

ظهرت الاستثمارات الأخلاقية نتيجة لدوافع دينية في العشرينات من القرن الماضي في البلدان الأنكلوسكسونية، حيث تمثل اليوم حوالي 10% من السوق المالية، أما في سويسرا، فلا تزيد نسبتها عن 2%.

في الولايات المتحدة، يتّـسم تعريف هذه الصناديق بالكثير من العمومية والتوسع، حيث يُـوصف الصندوق الذي يستبعد صناعة التبغ من أسهمه، بأنه “أخلاقي”.

في سويسرا، يُـشترط على الصندوق الذي يرفع هذه اللافتة، إظهار قدر من الالتزام تُـجاه التنمية المستديمة.

في موفى عام 2006، بلغ الحجم الإجمالي للسوق السويسرية للمنتجات المالية المستديمة (صناديق استثمار ومحفظات مالية ومنتجات مهيكلة)، 17،9 مليار فرنك بزيادة تُـقدر بـ 69% عن العام السابق.

طِـبقا لإحصائيات رابطة الصناديق السويسرية، لم تزد نسبة الارتفاع المسجلة في الفترة نفسها في سوق الصناديق السويسرية، عن 10،5%.

في الوقت الحاضر، يوفِّـر السوق الأوروبي للصناديق المالية، حوالي 500 منتوجا مستديما مخصصة لقطاعات الطاقة والمناخ ولمكافحة الفساد ولحقوق الإنسان وللتصرف في المياه ولمكافحة الفقر وللأنظمة البيئية.

قبل 20 عاما من الآن، لم تكن هذه النوعية من الأدوات الاستثمارية المالية موجودة أصلا.

في منتصف يوليو، أطلق مصرف كريدي سويس صندوق استثمار جديد، يستند إلى القيم المسيحية.

يتوزع الصندوق على 30% من الأسهم و5% من العملات و65% من السندات ويستبعد جميع الشركات العاملة في قطاعات التسلح والدعارة والمراهنة وعدة أنشطة أخرى يُـمكن أن تؤدي إلى تعارض بين الربح والأخلاق.

في أوروبا، لا زالت “الاستثمارات المسيحية” في بداياتها، في حين وفّـرت المؤسسات المالية الكبرى منذ عدة سنوات، منتوجات مالية محددة، تراعي تعاليم الشريعة الإسلامية لحرفائها المسلمين.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية