مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الانتخابات السويسرية بعيون عربية

Keystone

لم تترك الحملة الانتخابية الجارية حاليا في سويسرا أحدا محايدا أو لامباليا. وبقدر ما تثير قضاياها من اهتمام، بقدر ما تثير أساليبها من المخاوف مما ستتركه على النسيج الاجتماعي من آثار قد يتطلّـب محوها زمنا طويلا.

في محاولة للوقوف على نظرة الجالية العربية لمجريات الحملة الانتخابية وللأطراف المشاركة فيها وللخيارات الانتخابية المتاحة، استطلعت سويس انفو رأي عدد من الفعاليات العربية بسويسرا.

تعلق السؤال البديهي الأول بالحملة الانتخابية والطابع الاستثنائي الذي تميّـزت به. وقد كان هناك إجماع على أن الانتخابات في سويسرا تعتبر مِـثالا يُـحتذى به، خاصة بالنسبة للدول العربية التي لم تجِـد طريقها بعدُ للديمقراطية، حيث اعتبر آلان بيطار، مدير مكتبة الزيتونة بجنيف، “الخلافات السياسية أمرا طبيعيا والصراع الديمقراطي ظاهرة محمودة”، إلا أنه يأسف “لأن حزب الشعب أدار حملته الانتخابية هذه المرة بأساليب غير مشروعة وغير ديمقراطية، وذلك من خلال تقديم صور منمطة عن الأجانب”.

أما الدكتور منذر الكيلاني، رئيس قسم الانتروبولوجيا وعلم الاجتماع بجامعة لوزان، فيرى “أن الحملة الانتخابية يبدو مُـهيمن عليها حزب واحد، وهو الذي يرسم نسقها ويحدد لونها، وأما بقية الأحزاب، وباستثناء الحزب الاشتراكي، تبدو فاقدة لزمام المبادرة وفي خلفية المشهد”، لكن الجديد، الذي لفت نظره هذه المرة فهو “سعي حزب حكومي، مُـمثلا في الحكومة الفدرالية، إلى الخروج عن سياسة التوافق المعهودة”.

ويعبّر كذلك أنور الغربي، مهندس إعلاميات وناشط في الجمعيات المدنية بجنيف عن صدمته للأساليب الدعائية المُستخدمة في الحملة الانتخابية، ويقول: “هذه الحملة مثّـلت لي صَدمة بكُـل ما في الكلمة من معنى، وهي تُـناقض ما عُـرف عن سويسرا من انفتاح وتسامح مع الأقليات، وما أكّـد عليه دستورها من احترام للإنسان وكرامته، وكان هذا مَـنبع تميُّـزها دائما”، وقد أثّـر عن الأستاذ الراحل محمود بوزوزو، قوله “إن سويسرا جميلة بأهلها”.

ولا تختلف القراءات أيضا، في تحديد الأسباب التي آلت بالخطاب السياسي إلى هذا المآل. فالخلفية سياسية بامتياز، ويشرح الدكتور هشام ميرزا، ممثل المسلمين بالمجلس السويسري للأديان ورئيس فدرالية المنظمات الإسلامية بسويسرا هذا المسلك باعتباره “محاولة أخيرة من حزب الشعب (يمين متشدد) للخروج من المستنقع الذي وجد نفسه فيه، خاصة وأن تجربة الجبهة الوطنية الفرنسية بزعامة لوبين، وحزب هايدر بالنمسا ماثلتان أمامه، لقد تراجع الحزبان وفقدا شعبيتهما بعد دورتين انتخابيتين فقط”، ويكمن السبب في أن هذا الصنف من الهيئات السياسية “أطروحاتها قائمة على شعارات شعبوية لا تقدم حلولا واقعية للتحدّيات المطروحة، وسرعان ما يكتشف الناخب الطابع الديماغوجي خلف ستار الإثارة، وما تركيز هذا الحزب أخيرا على استثمار القيمة الكاريزمية لزعيمه، إلا دليلا واضحا على ذلك”.

مخاوف حقيقية

القاسم المشترك الثاني لمن استُـطلِـع رأيهم، هو وعيَـهم الحاد بالآثار السلبية للإستراتيجية التي اعتمدتها بعض الأحزاب في هذه الانتخابات، والمتمثلة في نشر قِـيم الكراهية وأساليب العُـنف اللّـفظي والرمزي، وهو أسلوب نجح في استدراج الجميع إلى حلبة المزايدة بإثارة مشاعر الخوف والوقوع في التطرف.

فالحزب الاشتراكي، المتزعِّـم للحملة المُـناوئة لليمين، اضطر في النهاية إلى اعتماد لوحات إشهارية مثيرة للجدل، كاستعارته لتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر للدعوة إلى حظر تشييد المزيد من محطات إنتاج الطاقة النووية، ظنًّـا منه أنه الأسلوب الوحيد للحِـفاظ على شعبيته.

هذا الانحراف حذّرت منه ومن انعكاساته ميشلين كالمي – ري، رئيسة الكنفدرالية ووزيرة الخارجية بقولها: “ما يجري حاليا في بلادنا مخالف لصورة سويسرا ولم يعد متطابِـقا للصورة التي ندافع عنها في العالم”، وذهبت إلى أبعد من ذلك بقولها “إن الحملات التي يشنّـها حزب الشعب على الأجانب، تشكِّـل خطرا على أمن السويسريين المقيمين في الخارج”.

أما داخليا، فالمتجوِّل اليوم في أزقة وشوارع المدن السويسرية يُـلاحظ كيف اقتحم العُـنف حلبة الممارسة السياسية، ولجوء الأطراف المختلفة إلى ممارسات غيرِ مألوفة من قبل في المشهد السياسي السويسري، إذ لا تكاد تسلم أي لافتة إشهارية لليمين أو لليسار من التّـمزيق والتشويه، وبلغ الأمر حدّ التلاسن في شوارع جنيف، وتلقي رئيسة إحدى اللجان البرلمانية تهديدات بالقتل.

ومن المخاطر الكُـبرى لهذه الحملة أيضا، يقول الدكتور إسماعيل أمين، أستاذ الفلسفة والدراسات الشرقية بجامعة زيورخ: “عزل الأجانب ووضع العراقيل أمام اندماجهم وجعلهم باستمرار نُـصب أعين أي حملة تشويهية”، ويعبّر عن خيبته قائلا: “فبرغم الجهود الجبارة التي بذلتها من أجل الاندماج، وبرغم الطابع المسالم للجالية المسلمة في سويسرا، حيث لا وجود في صفوفها للراديكاليين، رغم كل ذلك، تواجَـه بالريبة والتشكيك”.

توظيف الدِّين

إحدى النقاط الأخرى المثيرة للجدل، هي حشر الدِّين في العملية السياسية، وهي ظاهرة اعتبرها أنور الغربي “عملية غير منتجة وتعبّر عن قِـصر نظر وعن سوء تقدير للعواقب”، وهذه العملية لا تخرج، حسب الدكتور هشام ميرزا، عن “التوظيف الانتهازي للدِّين لتحقيق أغراض سياسية، تتمثل في شَـغل أكثر ما يمكن من المقاعد تحت قبّـة البرلمان”.

ويعتبر ممثل المسلمين بمجلس الأديان السويسري، أن هذا الأمر مخالف للقانون السويسري وللقانون الدولي، لكنه يسجِّـل بارتياح بداية انتفاضة أغلب الهيئات السياسية ووعيها بخطورة ظاهرة الإسلاموفوبيا، مذكِّـرا بالموقف الشجاع الذي عبـّر عنه الحزب الديمقراطي المسيحي نهاية الأسبوع الماضي والرافض لما شاب الحملة الانتخابية من انحِـراف وتشويه، وكذلك النداء الذي تتداوله بعض المواقع الإلكترونية، والذي وقعه خلال أسبوع واحد أكثر من عشرة آلاف مواطن، يدعون فيه إلى “إيقاف هذه الحملة الجنونية وإلى العودة إلى السياسة بطرح القضايا المجتمعية الحقيقية”، فضلا عن الرفض القاطع من كل الفاعلين السياسيين لأحداث العنف الأخيرة التي جدت يوم 6 أكتوبر في برن.

والجهة الوحيدة التي اختارت استراتيجيا “لا عين رأت، ولا أذن سمعت”، هو المجلس السويسري للأديان، إذ لم يصدر أي بيان ولم يشجب تلك التجاوزات، “لقد ناقشنا في المجلس التدخل العلني، وقررنا بالإجماع عدم المبادرة بذلك حتى لا يبدو الأمر خلطا بين الدين والسياسة، ونحن مقتنعون بأن تلك المبادرات (مبادرة حظر المآذن مثلا) لن يكتب لها النجاح لأنه لا يوجد لها أي أساس في القانون السويسري ولا في القانون الدولي”، يقول ممثل الديانة الإسلامية بالمجلس .

لكن ألا يحجب هذا الصمت، يرد أحدهم، “رغبة بعض الطوائف الدينية في غض الطرف ما دامت الحملة تصب في مصلحتها، فخطاب حزب الشعب يذكّر المواطنين بأصولهم المسيحية، ويدق ناقوس الخطر محذّرا مما يعتبره غزوا إسلاميا، وتهديدا للحضارة المسيحية”.

الخيارات الانتخابية

على خلاف الاتفاق في توصيف الوضع والتنديد بالانحرافات هنا وهناك، اختلفت الإجابة عن الجهة التي ستحظى بالثقة يوم 21 أكتوبر الجاري. فهناك من يفضِّـل اختيار المرشحين الداعمين للعلاقات العربية السويسرية وأحزاب اليسار لمواقفها من القضايا الإنسانية العادلة ودفاعها عن مصالح الأقليات والفئات الاجتماعية الضعيفة، ولما وجده فيها من احترام للكفاءات من دون تمييز.

وهناك عدد آخر ممن استطلعت آراؤهم، عبّر عن مساندته للأحزاب الليبرالية لاحترامها للحريات وحقوق الأقليات، ومواقفها المبدئية الداعية إلى احترام الحريات الفردية والجماعية، وإن كانت داعمة لقوى رأس المال، غير مبالية بالفئات المتضررة من حرية السوق والمبادرة الخاصة.

هذا الموقف غير المتجانس، قد لا يسمح في المدى المنظور بظهور كتلة انتخابية عربية مؤثرة قادرة على ضمان الحدّ الأدنى من مصالحها، وفي انتظار حصول ذلك، يبدو الإنتقال إلى مرحلة الترشح ضمن قوائم حزبية أو بشكل مستقل، أمرا سابقا لأوانه.

وكمرحلة انتقالية، “قد يكون من المفيد الانخراط في المعترك السياسي من دون تمييز بين يمين ويسار، وذلك لأجل خدمة قضية الاندماج، على كل الجبهات، من دون خلق عداوات من هنا أو من هناك”، يقول أحدهم.

وإجمالا، يغلب لدى الجميع التوجه البراغماتي، فالأحزاب الكبرى تحظى بالدعم مقارنة بالأحزاب الصغرى، والموقف من القضايا الدولية والقضايا الإنسانية، يسبق موضوع الخدمات الاجتماعية والقضايا الداخلية.

عبد الحفيظ العبدلي – لوزان

تتوزع الـ 200 مقعدا المشكّـلة لمجلس النواب السويسري بين الكانتونات، بحسب التوزيع السكاني، ويُـعتبر كل كانتون دائرة انتخابية، وكل دائرة لها الحق في مقعد برلماني واحد على الأقل، ويتم اختيار أعضاء مجلس النواب حسب النظام النسبي.

وعلى خلاف النظام الانتخابي الألماني، لا يضع النظام السويسري مُـسبقا نصابا لحيازة مقعد معيّـن في البرلمان.

وفي مجلس الشيوخ (يسمى أيضا غرفة الكانتونات)، كل كانتون له الحق في ممثلين (ممثل واحد بالنسبة لنصف كانتونات)، وفي هذه الحالة أيضا، كل كانتون يمثل دائرة انتخابية، ويتم اختيار ممثلي الكانتونات بحسب نظام الكانتون، مع الإشارة إلى أن كل الكانتونات السويسرية، (باستثناء الجورا)، تعتمد نظام الأغلبية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية