مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

البحث عن تشكيل جبهة للمعارضة في تونس

البيان المشترك الصادر عن محمد مواعدة(الصورة) وراشد الغنوشي، هل سيفتح الباب بوجه جبهة للمعارضة في تونس؟ swissinfo.ch

يبدو ان الساحة السياسية في تونس، وعلى الرغم من بعض الظواهر السلبية، تتجه الى فرز من نوع جديد قد يتمخض عن ميلاد جبهة تضم بعض التيارات والشخصيات المعارضة او جلها.

تميزت الاسابيع القليلة الماضية بتجاذب اعلامي وسياسي بين السلطات التونسية وعدد من فعاليات المجتمع المدني ومنظماته. وعلى الرغم من ان هذا الوضع لا يمس حاليا الا شخصيات محددة، تحولت بمرور الوقت الى رموز اعلامية وحقوقية معروفة في الخارج، الا انه يعطي صورة غير دقيقة عن حقيقة الواقع التونسي.

ففي الوقت الذي تتركز فيه الانظار على بعض الحالات الخاصة مثل وضع الدكتور منصف المرزوقي، الذي منع مؤخرا من السفر للالتحاق بعائلته والعمل في الجامعة الفرنسية، او الاعتداءات التي تعرضت لها السيدة خديجة الشريف، المسؤولة في الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات، من طرف مجهولين امام قصر العدالة في العاصمة التونسية، تشير بعض المؤشرات الى ان الساحة السياسية تشهد بالتوازي مخاضا عسيرا بعد سنوات من الجمود.

ففي الوقت الذي تنشر فيه وسائل اعلامية عربية وغربية تقارير عديدة عن الملاحقات والتضييقات، التي يتعرض لها نشطاء حقوق الانسان ومعارضون من تيارات مختلفة، لا تعترف بهم الحكومة، يتواصل النقاش والجدل داخل بعض الاوساط السياسية حول افضل السبل للخروج من المأزق الذي تردت فيه العلاقة بين الحكم وفعاليات المجتمع المدني.

فمنذ اندلاع ازمة الصحفي توفيق بن بريك في شهر ابريل نيسان الماضي، سلطت وسائل اعلام اجنبية الاضواء على تفاصيل الوضع التونسي. وتحولت ابسط القضايا المرتبطة بحقوق الانسان والحريات في هذا البلد المغاربي، الى مادة تتناول مجمل الحالة التونسية، التي اضحت تتميز “بمعقولية اقتصادية وبلا معقولية سياسية”، على حد تعبير مراقب عربي بارز.

وعلى الرغم من اقدام السلطات التونسية خلال العام المنقضي على اتخاذ جملة من الاجراءات الايجابية، مثل اعادة جوازات السفر لعدد من المعارضين او ذويهم، والافراج عن عدد من المحكوم عليهم، الا ان الحظر المفروض على نشاط عدد من المنظمات والحركات السياسية غير المعترف بها ظل قائما، بل تعداه في بعض الاحيان الى احزاب ومنظمات شرعية مثل التجمع الاشتراكي التقدمي، الذي تعرض لحظر صحيفته “الموقف” اكثر من مرة او الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، التي دخلت في دوامة قضائية منذ عقد مؤتمرها الخامس في نهاية شهر اكتوبر الماضي.

السلطات التونسية تعتقد انها مستهدفة ظلما من طرف من تصفهم بمحترفي حقوق الانسان، لذا، تبدي حساسية شديدة من كل الاتهامات التي توجه لها. فيوم الجمعة الماضي رفضت بشدة، الانتقادات التي تضمنها تقرير شديد اللهجة، صدر عن منظمة العفو الدولية في لندن. وقال بيان صادر عن السفارة التونسية في العاصمة البريطانية، “ان تونس بلد متمسك تمسكا شديدا بقيم حقوق الانسان في معناها الواسع، وان التأكيد على تصعيد المضايقات والاعتداءات على المدافعين عن حقوق الانسان في تونس، ليس من شانه الا ان يصدم ويثير استياء كل مراقب موضوعي يعرف الوضع السائد في تونس”، حسب ما جاء في بيان السفارة.

لكن الجديد اليوم، تمثل في صدور بيان مشترك بين حركة الديموقراطيين الاشتراكيين (جناح محمد مواعدة) وحركة النهضة المحظورة، يدعو كل القوى الفاعلة في البلاد الى تاسيس جبهة ديموقراطية. وجاء البيان، الذي وقعه كل من محمد مواعدة وراشد الغنوشي، في عشر فقرات، اشتملت على توصيف للاوضاع السائدة في البلاد وتعداد للمشاكل السياسية القائمة واجمالا لمطالب المعارضة التونسية بمختلف توجهاتها الفكرية والسياسية.

البيان جدد الدعوة الى اقرار عفو تشريعي عام واطلاق سراح جميع المساجين السياسيين وايقاف المحاكمات السياسية وعودة المغتربين. ودعا الى تنظيم حوار شامل تشارك فيه جميع القوى الوطنية الفاعلة من اجل “اعداد بديل ديموقراطي تعددي حقيقي” والتمهيد لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية تعددية اقصاها عام الفين واربعة.

ويبدو ان دعوة زعيمي حركة الديموقراطيين الاشتراكيين والنهضة، وعلى الرغم من محاولتها طمأنة جميع الاطراف المعارضة، سواء الشرعية منها او غير المعترف بها، الا انها لم تلق لحد الان الاستجابة المرتقبة.

اذ لم تلتحق بها الاطراف المعارضة التي كان من المفترض ان تتقبلها بدون اعتراضات جوهرية، بل ان شخصيات بارزة في صفوف المعارضة والنشطاء على الساحة السياسية سحبت توقيعاتها على البيان بعد ان وافقت عليها في وقت سابق، مثلما صرح لسويس اينفو السيد رشيد خشانة، عضو المكتب التنفيذي للتجمع الاشتراكي التقدمي.

اخيرا، قد ترى الاطراف السياسية في تونس، ان البيان المشترك لحركتي النهضة والديموقراطيين الاشتراكيين (جناح محمد مواعدة)، استباق متسرع لميلاد الجبهة الوطنية الديموقراطية، التي بدأ التفكير فيها منذ عدة اشهر، لكن هذا لا يمنع من ان هذه الخطوة قد تساعد على انضاج حوار سياسي معقول بين مكونات الساحة التونسية، يبدو ان الحاجة تشتد اليه اكثر من أي وقت مضى.


سويس اينفو مع الوكالات

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية