مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات
الآلة والأخلاق.. تحديات الذكاء الاصطناعي

“أثر الثورة الرقمية على الصناعة السويسرية يشبه التسونامي”

ماكينات ذكية، يمكن التحكم فيها وإصلاحها عن بعد: هذا ما تتيحه شركة "بوبست"، وهي إحدى شركات كانتون فو، والمتخصصة في تصنيع أجهزة لإنتاج الأغلفة والملصقات. © Keystone / Jean-christophe Bott

تستعد سويسرا للولوج إلى عصر صناعي جديد مع ظهور الموجة الرقمية. لكن حذار، فالغرق ليس مستبعداً، هكذا حذر كزافييه كومتِس في كتابه الذي نشر في الثاني عشر من يونيو 2019. 

إنه عالم اتصالات أصيل، وإنسان متعدد المواهب وصاحب رؤية استشرافية، ومتحدٍ ومتحيز بشدة للابتكار: فالمصطلحات لا تكفي لوصف كزافييه كومتِس. وقد نشر القنصل العلمي السويسري السابق في بوسطن والرئيس السابق لمركز الأبحاث الليبرالي آفينير سويسرابط خارجي في غرب سويسرا (أنظر الإطار المصاحب) مؤخراً كتاب بمشاركة حوالي عشرة مؤلفين آخرين، من بينهم إلمار موك، المشارك في اختراع الساعة السويسرية “سواتش”. ومن شأن هذا الكتاب إبراز رواد الثورة الصناعية الرابعة في سويسرا (الثورة الصناعية الرابعة ـ الروادرابط خارجي). وفيما يلي حوار مع السيد كومتِس المولع بالتقنية.

بمشاركة حوالي عشرة مؤلفين آخرين يُعَرِّف كزافييه كومتِس بعشرين شركة سويسرية، والذين يمثلون رواد الثورة الصناعية الرابعة. swissinfo.ch

 swissinfo.ch: فلنقم بداية بتحديد بعض المصطلحات. ماذا تقصد بـ “االثورة الصناعية الرابعة” على وجه الدقة؟

كزافييه كومتِس: الأمر في غاية البساطة. فالمقصود بها هو تلك الثورة الرقمية، التي تستخدم في الصناعة. فالبيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والطابعات ثلاثية الأبعاد: كل تلك الابتكارات التي ظهرت في العشر سنوات الأخيرة غيَّرت انتاج الماكينات والأشياء والبضائع الاستهلاكية بصورة جوهرية.

وحتى إذا ظلت بعض الأشياء غير متغيرة في نظر العامة، فإن لهذه الثورة الصناعية الرابعة أثر التسونامي على الصناعة السويسرية بأكملها.

إنها بنفس أهمية الثورات الصناعية السابقة، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، ونقصد بهذه الثورات الثلاثة الأولى اختراع ماكينة البخار في القرن الثامن عشر، وآلات التشغيل في نهاية القرن التاسع عشر، وآلات التشغيل المدارة بالحاسوب في القرن العشرين.

swissinfo.ch: هل يمكنك أن تذكر لنا بعض الأمثلة المحددة؟

كزافييه كومتِس: هناك الآلاف من الأمثلة. فشركة “بوبست” المتخصصة في مجال التغليف بكانتون فو على سبيل المثال، لديها القدرة على استشراف صيانة جميع الآلات التي قامت ببيعها على مستوى العالم. حيث يستطيع العميل بفضل الحساسات المدمجة في الماكينة، معرفة الجزء الذي سيتوجب عليه تغييره وفي أي وقت بالضبط. أما الاستشارة فتتم عن بعد، مِما يغير طبيعة العلاقة بين المصنع وعملائه تماماً. وقريباً سوف نتمكن من إصلاح الماكينات عن بعد كلياً. 

كذلك فإن “تعلم الماكينات” يزودنا بنتائج هائلة. إذ أن آلات التشغيل التي أنتجتها شركة فيليمين ماكوديل بكانتون جورا، يمكنها أن تضبط نفسها بنفسها، إذا ما أدركت أن القطع التي أنتجتها بها بعض العيوب. 

swissinfo.ch: من بين “رواد الثورة الصناعية الرابعة” الذين تبرزهم في كتابك، هناك القليل فقط من الشركات الناشئة، وفي المقابل هناك العديد من الشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة وكذلك الشركات الكبرى. لماذا؟

كزافييه كومتِس: بخلاف الرأي السائد، فإن الشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة تتيح المزيد من فرص العمل وبراءات الاختراع أكثر من الشركات الناشئة. وهم يهتمون بعملائهم أكثر ويعرفون كيف يتكيفون مع حاجاتهم بسرعة.

ويمكننا القول حالياً، أن كبرى المعاهد الفدرالية التقنية العليا، والتي انبثقت عنها الكثير من الشركات الناشئة، قد فاتها قطار هذه الثورة الصناعية الرابعة. 

“إن كبرى المعاهد الفدرالية التقنية العليا، والتي انبثقت عنها الكثير من الشركات الناشئة، قد فاتها قطار هذه الثورة الصناعية الرابعة.”  كزافييه كومتِس

لقد اكتسب مهندسو شركة فيليمن ماكوديل، الذين طوروا نظام “تعلم الماكينات” الجديد، علمهم من مدينة ديليمو بكانتون جورا، وهذا من خلال اشتراكهم في الدورات الإلكترونية لجامعة ستانفورد بالولايات المتحدة (MOOC). فالمعهد الفدرالي التقني العالي بمدينة لوزان لا يتيح أي تأهيل في مجال الذكاء الاصطناعي. 

swissinfo.ch: ألست تثير زوبعة مفتعلة حول شعار “الثورة الصناعية الرابعة”، هذا، نظراً لحقيقة أن الكثير من الشركات قد بدأت التحول الرقمي منذ مدة بالفعل؟

كزافييه كومتِس: كثيراً ما أسمع هذه الحجة من الشركات التي ترفض أن تظهر اهتماماً بالتغيّرات الجارية. وهذه الظاهرة ملحوظة بصفة خاصة في عالم صناعة الساعات. لكن هؤلاء الرجعيون يتناسون أننا قبل ظهور أول هاتف آيفون عام 2007 على سبيل المثال، لم يكن في مقدورنا جمع وتحليل بيانات المستخدمين على نطاق واسع، مثلما تقوم به الآن شركة “تاغ هوير” عن طريق “ساعتها الذكية”. فإدراك الشركات لعادات ودوافع عملائها هو الميزة التنافسية الحاسمة في اقتصاد القرن الحادي والعشرين. 

swissinfo.ch: هل تمثل هذه الثورة الصناعية التي تصفها فرصة أو خطورة على الصناعة السويسرية؟

كزافييه كومتِس: كلاهما. فالشركات التي لا تتكيف، سيكون محكوماً عليها بالموت قريباً. أما الأخرى التي تستغل الفرصة المتاحة أمامها، فسيكون أمامها إمكانات كثيرة.

يكافح كزافييه كومتِس بلا كلل من أجل إقناع الناس بمميزات الابتكار التكنولوجي. Keystone / Martial Trezzini

 swissinfo.ch: لكن هذا التحول نحو التشغيل الآلي سوف يؤدي إلى التخلي عن الكثير من العاملين. إنها إذن أخبار جيدة بالنسبة للآلات، لكنها ليست كذلك بالنسبة للبشر…

كزافييه كومتِس: لا، على العكس: سوف نعايش نشأة وظائف جديدة، ستكون أكثر إبداعاً، وأقل خطورة. إذ أن الوظائف ستتزحزح والحدود التقليدية بين الصناعة والخدمات العامة ستختفي. فالكثير من الوظائف سوف تنشأ في مجالات التدريب والمساعدة الشخصية والصحة وغيرها. وسوف يعمل الناس مع بعضهم البعض أكثر، بدلاً من أن يعملوا مع الآلات. إننا نقترب من المدينة الفاضلة بصورة أو بأخرى.

 swissinfo.ch: إنك في غاية التفاؤل. لكن هل تمتلك سويسرا بالفعل الأدوات التي تؤهلها لمنافسة العملاقين الصيني والأمريكي مثلاً؟

 كزافييه كومتِس: إن الأسهل دائماً هو إتقان “الأجهزة”، ثم تطوير “البرامج”، أي امتلاك المعرفة الصناعية، ثم إدماج الخوارزميات والبيانات الضخمة. لكن سويسرا بتقاليدها العريقة في الصناعات الدقيقة تعتبر في مركز متقدم للغاية، مقارنةً بدول أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي فضلت التخصص في “البرامج الحاسوبية”. 

swissinfo.ch: هل أدركت السلطات السويسرية التحديات التي تصفها؟

كزافييه كومتِس: لا، فهناك الكثير من الجهل في عالم السياسة. إذ لا يوجد وزير فدرالي واحد، في إمكانه فهم التغيرات التي تحدث في هذا المجال. ولكتابي مهمة تربوية أيضاً. حيث أسعى إلى توضيح أثر هذه التغيرات على الشركات، وهذا من خلال أمثلة بعينها. وسأقوم بإرسال نسخة من كتابي لكل وزير فدرالي.

كزافييه كومتِس

يعد كزافييه كومتِس، المولود عام 1949، عالماً ودبلوماسياً ومؤسساً لشركات ناشئة ولمراكز أبحاث. فهذا الرجل الذي درس الرياضيات وأعد أطروحة دكتوراه في المعلوماتية بجامعة جنيف، قد أسس في السبعينيات من القرن الماضي ثلاثة شركات ناشئة في جنيف، من بينها دار نشر زويهرابط خارجي

وفي عام 1992 تم تعيينه كرئيس لأمانة الدولة للعلوم والبحث العلمي والثقافة. وفي عام 1995 أُرسل إلى السفارة السويسرية بواشنطن ليمارس عمله بها كممثل دبلوماسي علمي. وفي عام 2000 أصبح أول قنصل علمي سويسري ببوسطن، حيث قام بتطوير مشروع الشبكة السويسرية أو ما يعرف بـSwissnexرابط خارجي  (لإنشاء شبكة اتصال بين سويسرا والعالم في مجالات التعليم والبحث العلمي والابتكار).

أما في عام 2002 فقد عُيِّنَ مديراً لمركز أبحاث “آفينير سويس”، حيث اهتم بصفة أساسية بمسائل الابتكار. وفي عام 2012 كُلِفَ من قِبَل غرفة الصناعة والتجارة بنوشاتيل بتأسيس مركز الابداع السويسريرابط خارجي، والمعنيّ بالثورة الصناعية الجديدة. وبعد ذلك بعامين أسس بالاشتراك مع إلمار روك مركز أبحاث “Watch Thinking”، المهتم بأبحاث صناعة الساعات. وفي عام 2015 تم استكمال مجموعة “Health@Large” بمركز أبحاث جديد يختص بالصحة الرقمية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية