مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الجزائر تكرم أصدقاءها السويسريين

السفير الجزائري (الثاني من اليمين) رفقة الشخصيات السويسرية التي تم تكريمها لما قدمته أثناء الثورة التحريرية (برن - 25 فبراير 2005) swissinfo.ch

أقامت سفارة الجمهورية الجزائرية في سويسرا حفل تكريم في برن على شرف عدد من السويسريين الذين قدموا دعما بشكل أو بآخر إلى الجزائر إبان ثورة التحرير.

الحفل كان فرصة للتنويه بما قدمته شخصيات سياسية سويسرية في مفاوضات إيفيان، ومناسبة لتكريم مواطنين عاديين ساعدوا جزائريين فروا من فرنسا المجاورة.

في مذكرات أوليفي لونغ، الشخصية السويسرية التي لعبت أكبر دور في مفاوضات إيفيان، وردت جملة تلفظ بها كريم بلقاسم، رئيس الوفد الجزائري عند نهاية المفاوضات، متوجها بالكلام إلى مضيفيه السويسريين: “إن سويسرا ستبقى في المكانة الأولى من تاريخ الجزائر المستقلة”.

وحتى ولو تطلب الأمر انقضاء خمسة وأربعين عاما على تلك اللحظة التاريخية، فإن الجزائر تعترف اليوم بالدور الذي قامت به هذه الشخصيات السويسرية، وتثمن بإحيائها لحفل التكريم الذي شهدته العاصمة الفدرالية يوم 25 فبراير الماضي هذا الدعم القيم الذي قدمته سويسرا للثورة الجزائرية على مستوى الرسميين والمؤسسات أو من طرف المواطنين السويسريين العاديين.

انحناء أمام “سفير السلام”

في هذه المناسبة، ذكٌر السيد كمال حوحو، سفير الجزائر المعتمد لدى الكنفدرالية السويسرية بأن “الجزائر التي تحيي ذكرى مرور خمسين عاما على اندلاع ثورة التحرير، تنتهز الفرصة للتعبير لأصدقائها السويسريين عن الاعتراف بالجميل لما قدمته سويسرا حكومة وشعبا للجزائر في كفاحها من أجل الحرية والكرامة”.

وفي كلمته أمام الحضور الذي ضم ممثلين عن الكنفدرالية ومنظمات المجتمع المدني وبعض البلدان الشقيقة والصديقة، لخص السفير الجزائري مضمون التظاهرة في جملة بسيطة حيث قال إنها “التعبير من صميم القلب عن الشكر والاعتراف بالجميل والامتنان”.

الاعتراف للحكومة السويسرية “لما قدمته من ترحيب وضيافة ودعم وتشجيع للمفاوضين الجزائريين طوال مفاوضات إيفيان التي استغرقت أكثر من 18 شهرا”، والانحناء بوقار تكريما لشخصية أوليفي لونغ تلك الشخصية السويسرية التي لعبت دورا أساسيا في إنجاح الجانب السري والعلني من مفاوضات إيفيان.

وفي حضور أرملته، قال عنه السفير الجزائري: “إن خصاله الشخصية الخارقة للعادة سمحت بتنوير وتوجيه ودعم المفاوضين الذين وضعوا في سويسرا كامل الثقة من أجل أداء هذه المهمة على أحسن وجه”، ولم يتردد السيد حوحو في وصفه بـ “سفير السلام”.

كما عبرت الجزائر عن امتنانها لبلدية بيلفو “Bellevue” التي احتضنت الوفد الجزائري طوال فترة مفاوضات إيفيان في فيلا Bois d’Avault غير بعيد عن مدينة جنيف.

مغامرة مشتركة

السفير بول فيفا الذي تحدث باسم وزارة الخارجية السويسرية، ذكٌر بـ “المغامرة المشتركة” التي خاضها الطرفان الجزائري والسويسري كل على حدة وفي مراحل مختلفة.

فهناك “السويسريون الذين ساهموا بشكل فردي في المغامرة الاستعمارية الفرنسية في بداية القرن الثامن عشر واستقروا في الجزائر كمزارعين وتجار وعمال وفاق عددهم الثلاثة آلاف سويسري”.

وفي فترة الكفاح من أجل القضاء على الاستعمار في شتى أنحاء العالم، “وجدت سويسرا نفسها في مرحلة أولية، وبصورة لا إرادية، مقحمة في الصراع الجزائري”، عندما اختار قادة الثورة الجزائرية العاصمة الفدرالية برن في العام 1954 لتنظيم الإجتماع الحاسم الذي اتّـخـذ فيه قرار بداية الثورة المسلحة، وذلك على هامش مناسبة تنظيم كأس العالم لكرة القدم في ملعب “فانكدورف” القريب من برن متخطين بذلك يقظة أجهزة المخابرات السويسرية والفرنسية معا.

وعندما اندلعت الثورة الجزائرية، وبحكم القرب الجغرافي مع فرنسا، واستقرار عدد من الطلبة الجزائريين في المدن السويسرية الناطقة بالفرنسية، ووجود حدود مشتركة غير محكمة الإغلاق ، قال السفير بول فيفا: “تجند عدد من السويسريين لدعم الجزائريين بدوافع نبيلة مختلفة، ونحن ممنونون لكونهم يكرمون اليوم من قبل الجمهورية الجزائرية”.

ولكن التزام سويسرا أثناء الثورة الجزائرية اتخذ، حسب السفير بول فيفا “أشكالا رسمية أيضا من خلال مؤسسات مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أو المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي كان يديرها سويسريون من أمثال أوغيست ليندت وفيليكس شنيدر”. وهو ما سمح بتقديم الدعم والإغاثة لحوالي 260 ألف جزائري لجؤوا إلى الحدود التونسية والمغربية.

أما آخر التزام رسمي لسويسرا إبان الثورة الجزائرية، فقد أتى، حسب أقوال السفير بول فيفا، “بناءا على رغبة الطرفين الفرنسي والجزائري من أجل أن تتوسط سويسرا بحكم مساعيها الحميدة في المفاوضات”. وهي المفاوضات التي استغرقت زهاء العامين وانتهت في مارس من عام 1962 بإبرام معاهدة إيفيان ثم استقلال الجزائر.

شارل هنري فافرو أو “ذاكرة العلاقات السويسرية الجزائرية”

من بين الشخصيات السويسرية التي تم تكريمها من قبل الدولة الجزائرية، شارل هنري فافرو إلى جانب كل من ماري مادلين برومان، ديدار فوزي روسانو، نيلس اندرسن، وجون مايرا.

وللتذكير كان جون مايرا يشغل منصب رئيس مجلس بلدية أيفيردان Yverdon، وقد ألقي عليه القبض حاملا أعدادا من جريدة “المجاهد”، لسان حال جبهة التحرير الجزائرية، وحوكم بسنة سجن من قبل فرنسا.

كان أول احتكاك لشارل هنري فافرو بالجزائر في عام 1952، حينما كان يشتغل كصحفي براديو لوزان وجريدة “غازيت دو لوزان”. وقد سمحت له علاقاته المتكررة بالقادة الجزائريين وبالمسؤولين الفرنسيين بالتوسط في تنظيم أول لقاء فرنسي جزائري غير رسمي في مدينة جنيف في شهر فبراير 1961 بين سعد دحلب عن الجانب الجزائري وكلود شايي عن الجانب الفرنسي.

ولم يحتفظ شارل هنري فافرو فقط بما دونه كصحفي في مقالاته وأرشيف صوره بل برصيد زاخر من المواقف والأسرار والمبادلات التي تجعل منه بحق “ذاكرة العلاقات السويسرية الجزائرية”.

وقد أبى شارل هنري فافرو إلا أن يستعرض جانبا من هذه الذاكرة بهذه المناسبة من خلال عرض صور لمراحل هامة من الثورة الجزائرية ومن مفاوضات إيفيان التي تابعها خطوة بخطوة كصحفي تربطه علاقات وثيقة بالطرفين. وقد كان هذا العرض من أهم فقرات الحفل المؤثرة والمعبرة عن عمق هذا الارتباط بين الثورة الجزائرية وسويسرا.

وإذا كان شارل هنري فافرو “مدينا للجزائريين بكونهم ساعدوه على تكوين حس وضمير سياسي”، فإن الجزائر بتكريمها له اليوم، تعترف له بالدور الذي لعبه في عقد أول لقاء غير رسمي فرنسي جزائري فوق الأراضي السويسرية، كما تعترف له بالأدوار التي قام بها فيما بعد بتأسيسه جمعية الحفاظ على التراث الجزائري، وأخيرا رئاسة جمعية الصداقة السويسرية الجزائرية.

نيلس اندرسن اختار العصيان المدني

انخرط نيلس اندرسن (السويدي الجنسية وصاحب دار للنشر في لوزان) مع زوجته المدرسة بإحدى القرى على الحدود السويسرية الفرنسية، في شبكة الدعم للثورة الجزائرية، وبالأخص للمقاومين الجزائريين الذين يكتب لهم الاحتماء فوق التراب السويسري.

وقد أشرك جميع المشاركين في الحفل بذكرياته عن تلك الفترة وتحدث وبالأخص عن تلك الأحداث التي قال إنها “تجسد بحق إيمان المحارب بالتضحية حتى أخر رمق” في ثورة لم يتردد في وصفها بأنها واحدة “من أكبر ثورات التحرير في القرن العشرين”.

فعلى سبيل المثال، يتذكر نيلس اندرسن، “أسيرين جزائرين فرا من سجن لابوميت في مرسيليا ووصلا عبر شبكات الدعم إلى التراب السويسري”. كما يتذكر بالخصوص لقاءه بمحمد بوديار، الثوري المولع بكتابة السيناريوهات المسرحية الذي احتضنه بعد أن فر من سجن فرنسي، ويستحضر بالخصوص أن “هذا الرجل المولع بالحياة”، لم يمهله القدر التمتع بالجزائر المستقلة حيث “تعرض لاعتداء بسيارة ملغومة في قلب باريس دون أن يتم الكشف عن مرتكبي العملية”.

وقد أبى نيلس اندرسن إلا أن ينوه بدور بعض المثقفين الفرنسيين الذين ساهموا في توضيح الواقع الجزائري للرأي العام الفرنسي ولبقية العالم، ومن ضمنهم هو شخصيا، من أمثال كلود بودي من فرانس أوبسيرفاتور الذي كتب “شرطتنا النازية في الجزائر” أو فرانسوا مورياك الذي تلاه بعد اسبوع من ذلك على صفحات مجلة لاكسبريس لنشر رائعته ” La Question” والتي تحولت فيما بعد الى عنوان لكتاب كلود أليغ.

فكمثقف وناشر، ساهم نيلس أندرسن في نشر العديد من الكتب التي تم حظر توزيعها في فرنسا “إما لأنها تدين ممارسة التعذيب في الجزائر أو لأنها تدين نظاما استعماريا تحول الى قامع للحريات ليس فقط في الجزائر بل في فرنسا أيضا”.

وقد نوه نيلس أندرسن بمساهمة العديد من المواطنين السويسريين الذين ساعدوا في جمع الأدوية لحساب جمعية الهلال الأحمر الجزائري أو في تمرير الأسرى الفارين من فرنسا وإيصالهم الى تونس أو ألمانيا أو لاستقبال المجندين الفرنسيين الرافضين لتأدية الخدمة العسكرية في الجزائر.

وفي هذا الصدد يتذكر أندرسن بالخصوص “توقيع العديد من الشخصيات الأدبية السويسرية على لائحة لدعم المضربين عن الطعام في السجون، من أمثال ماكس فريش، وفريدريش دورنمات، وإيرنست أنسرمي وكارل بارت وماكس بيل”.

لقد كان حفل التكريم الذي شهدته العاصمة الفدرالية يوم 25 فبراير 2005 مناسبة مهمة لاستعادة الماضي ولاكتشاف حقائق مؤلمة ومؤثرة. ومن بين هذه الحقائق أنه تم طرد نيلس أندرسن من سويسرا بسبب دعمه للثورة الجزائرية مما أدى إلى فقدانه لكل شيء.

ومن هنا ندرك جيدا عمق الخلاصات التي ضمنها نيلس أندرسن كلمته حيث قال: “إن ما يستخلص من “تجديد الذاكرة” اليوم، بمناسبة مرور خمسين عاما على بداية الثورة الجزائرية هو أن الاستعمار جريمة بمفهوم القانون الدولي، وأن قمع الحريات محظور بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأن التعذيب وجرائم الحرب تمنعها مبادئ القانون الإنساني الدولي الذي تعتبر سويسرا راعية له”.

لذلك فإن الدفاع عن هذه المبادئ “يستوجب العصيان المدني في أي زمان ومكان” مثلما يقول أندرسن مضيفا، “لقد اخترنا العصيان المدني مما سمح لنا بخوض هذه التجربة الى جانب إخواننا الجزائريين”.

محمد شريف – سويس إنفو – برن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية