مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحـركية جديدة .. والخيوط أمريكية

قام رئيس لجنة العلاقات الخارجية رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي ريشار لوغار (يسار) بدور هام في إطلاق سراح آخر أسرى الحرب المغاربة لدى جبهة البوليزاريو في مخيمات تندوف swissinfo.ch

أثار قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تعيين مدير ديوانه الجنرال العربي بلخير سفيرا للجزائر بالرباط الكثير من التساؤلات والتكهنات.

وفيما رأى البعض أن القرار يحمل في طياته رسالة ايجابية تجاه المغرب، اعتبر آخرون أن الدبلوماسية الأمريكية ليست بعيدة عما يعتمل هذه الأيام في المنطقة المغاربية عموما.

بغض النظر عن دوافع داخلية أعيد اليها قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتعيين مدير ديوانه الجنرال العربي بلخير سفيرا للجزائر بالرباط، فإن القرار يحمل في طياته رسالة إيجابية تجاه المغرب ورغبة في نقل هذه العلاقات من الجمود والتجمد حول ملف النزاع الصحراوي الى حركية يحتاجها البلدان وتدفعهما اليها ازمات اقتصادية تستفحل وتهدد استقرار كل منهما.

وإذا كانت صحف الرباط قد استقبلت تعيين العربي بلخير على رأس الممثلية الجزائرية بما لا يليق باستقبال سفير، فإن سرعة تبليغ الرباط الرسمية موافقتها على التعيين، قد يكون اعتذارا ضمنيا وادراكا من الرباط بأهمية وجود شخصية جزائرية بمكانة بلخير سفيرا لديها.

ويطلق في الجزائر على الجنرال العربي بلخير لقب صانع الرؤساء، لدوره الفاعل سنة 1979 في اختيار الشاذلي بن جديد رئيسا للبلاد خلفا لهواري بومدين، وللدور الذي لعبه في بداية عام 1992 في احضار محمد بوضياف من الرباط لترؤس المجلس الاعلى للدولة بعد توقيف المسلسل الانتخابي وإقالة بن جديد، ولدوره ايضا في اقناع كبار ضباط الجيش في دعم عبد العزيز بوتفليقة خلفا للرئيس ليامين زروال.

وباستثناء فترة قصيرة (يقول البعض إنها كانت حاسمة)، كان العربي بلخير يساهم في صناعة القرار الجزائري من وراء الستار، لكن هذه المساهمة ازدادت بعد دخول الرئيس بوتفليقة قصر المرادية 1999 على يد العربي بلخير الذي كان قد أبعده عنه سنة 1979.

واذا كان منصبه الرسمي في عهد بوتفليقة هو مدير ديوان رئيس الجمهورية، فإنه قد أنجز مهاما عديدة – كان الرئيس بوتفليقة بأمس الحاجة اليها – مثل تجسير اي هوة بين الرئيس وضباط الجيش وفتح قنوات اتصال مع التيارات الاصولية وتدبير العلاقة مع الاحزاب السياسية في البلاد.

تفعيل الحلم؟؟

على صعيد آخر، قد يكون ما تحدثت عنه بعض الصحف الجزائرية (من وجود خلافات بين الفاعلين في محيط الرئيس بوتفليقة واستفحالها بين العربي بلخير وشقيق الرئيس)، هو الدافع وراء قرار إبعاد بلخير من قصر المرادية والبحث له عن موقع خارج الجزائر، لكنه بالتأكيد ليس الدافع وراء تعيينه سفيرا بالمغرب، الذي تحتاج العلاقات معه، خاصة في هذه المرحلة، الى سفير لا يكون قريبا من صانع القرار السياسي الجزائري فحسب بل يكون مساهما في صناعة هذا القرار أيضا، حتى تكون لديه القدرة على الاتصال المباشر بكافة المؤثرين، سلبا او ايجابا، في تطور العلاقات المغربية الجزائرية.

تعين العربي بلخير سفيرا بالرباط، يشير – حسب المعطيات المتوفرة – الى توجه جديد لدى كل من المغرب والجزائر للتعاطي مع الملفات العالقة بينهما، يتسم بإدراك لتاريخ العلاقات بينهما وتفاصيلها، ومعوقاتها ومساربها، لذلك فإن العربي بلخير، بحكم موقعه في الجزائر وعلاقاته مع الرباط، يعتبر أحد صناع هذه المعوقات والمسارب، فهو ليس شاهدا على على ما جرى منذ 1988، بل هو أحد ابرز صانعيه، سواء عندما كان وزيرا للداخلية إبان انتخابات ديسمبر 1991 أو مديرا لديوان رئيس الجمهورية بعد ذلك.

ورغم ما يبرز على السطح من توتر سياسي بين البلدين وحملات اعلامية متبادلة، فإن العلاقات بينهما كثيرا ما كانت تخفي تحت هذا السطح اتصالات لجديد ايجابي ستعرفه لاحقا، وان كان هذا الايجابي لا يدوم او ينقلب، لسوء التصرف او جراء سوء الفهم، الى سلبي يؤخر وضع القطار على سكة الوئام والتعاون بينهما. وخلال السنوات الماضية كانت تعد زيارات لكبار المسؤولين وتنجم عنها خطوات تقارب، في ظل هجمات مكثفة بينهما تبعد اي تحليل لامكانية أي لقاء.

إضافة إلى ذلك، يستدعي الوضع الاقتصادي والاجتماعي في كل من المغرب والجزائر من المسؤولين في البلدين تفعيل حلم قديم يضيء ويخبو، هو حلم مغرب عربي متحد ومتكامل، وللتذكير فقد كان هذا الوضع حافزا رئيسيا لما عرفته علاقات البلدين ومن ثم المنطقة المغاربية من انفتاح وتعاون في الفترة الفاصلة بين عامي 1988 و1992.

فالارتفاع الجنوني لاسعار النفط يشكل حاليا عبئا حقيقيا على الميزانية المغربية ويرفع فاتورتها من مليار دولار الى ثلاثة مليارات دولار سنويا. في المقابل، لا زالت مشاريع التنمية الجزائرية متعثرة لان اقتصادها يعتمد استيرادا وتصديرا على أسواق بعيدة إضافة إلى أنها تعيش في ما يشبه العزلة الإقليمية.

أمريكا تدخل على الخط

ومما يساعد على امكانية التفاؤل بوجود جديد ايجابي قادم بين البلدين، الدخول المباشر للولايات المتحدة الامريكية على خط العلاقات لاول مرة منذ منتصف التسعينات رغم تراجعها فيما بعد اثر انشغالها في نزاعات دولية واعتقادها ان الامم المتحدة سوف تتكفل بمتابعة ما أنجزته دبلوماسيتها.

أما المدخل الطبيعي للولايات المتحدة على ملف العلاقات بين الرباط والجزائر، فقد كان نزاع الصحراء الغربية، العامل المباشر المعلن لتعثر هذه العلاقات منذ عام 1975.

في منتصف التسعينات تحركت الدبلوماسية الامريكية لفائدة حل مؤقت يمزج الخطوط العريضة لاتفاقية اوسلو بين اسرائيل والفلسطينيين واتفاقية دايتون لتسوية الحرب في يوغسلافيا، ونجحت في اقناع الاطراف المعنية بالنزاع بالتفكير بهذه الافكار وانتقلت بعد ذلك الى مشروع اتفاقية إيزنستات الرامية إلى إنشاء منطقة تبادل حر بين الولايات المتحدة ودول المغرب العربي. لكن ما عرفته المنطقة من تغييرات وما شهده العالم من تحولات وما اتبعته ادارة الرئيس جورج بوش من سياسات، جعل قضايا منطقة المغرب العربي تتراجع كثيرا في قائمة الاولويات الامريكية.

في الاسابيع الماضية، وامام تدهور مكانة واشنطن في العالم بعد غرقها في الوحل العراقي وزيادة حالة العداء ضدها في العالم العربي، وجدت واشنطن من “إشارة جزائرية” (عبر رسالة بعث بها محمد عبد العزيز زعيم جبهة البوليزاريو تتضمن رغبة في ان تلعب واشنطن دورا محوريا بعملية اطلاق سراح اخر دفعة من الجنود المغاربة الاسرى لدى الجبهة)، فرصة ثمينة لتحسين صورتها نسبيا والعودة الى منطقة المغرب العربي بعد أن عجزت باريس جاك شيراك ومدريد ثباتيرو من ضبط المنطقة على ايقاع التعاون والوئام.

لم تكن واشنطن بجاحة لجهد كبير لتسلم الاسرى المغاربة في تندوف من جبهة البوليزاريو وتسليمهم في أغادير الى السلطات المغربية، كل ما كانت تحتاجه شخصية اعتبارية، تمثلت في رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس وطائرتين لنقل الاسرى، لكنها كانت تحتاج الى قرار في الرباط والجزائر يفيد بأن مرجعية نزاع الصحراء الغربية ستكون واشنطن بدلا من باريس ومدريد وإن كانت تقبل بغطاء أممي من نيويورك.

واذا ما تم وضع نزاع الصحراء بين قوسين، وهو ما سيسعى اليه العربي بلخير في مهمته الجديدة سفيرا في الرباط، فإن بقية ملفات العلاقات المغربية الجزائرية يمكن التعاطي الايجابي معها.

وواشنطن التي تدعم قرارات الامم المتحدة وتعتقد بأن النزاع قائم بين المغرب وجبهة البوليزاريو، تدرك ايضا اهمية الدور الجزائري في هذا النزاع وفي تسويته سوف تحاول خلال المرحلة القادمة رعاية إحياء المفاوضات المباشرة بين طرفي النزاع ودفع الرباط والجزائر باتجاه فتح ملف العلاقات الثنائية بينهما.

وإذا ما نجحت في ذلك فسوف تضمن الولايات المتحدة نفوذا في المنطقة هي بأمس الحاجة اليه لتحسين صورتها، لانه نفوذ يعتمد على رضى ورغبة الاطراف وليس نفوذا ابتزازيا أو قهريا.

محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية