مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحكومة السويسرية تتجه لمزيد من التشدّد تُجاه المصارف

وزير المالية السويسري هانس رودولف -ميرتس يعلن يوم الإربعاء 28 أبريل 2010 عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لضبط القطاع المصرفي.

اتخذت الحكومة السويسرية إجراءات جديدة للحد من ظاهرة المكافآت والأجور المبالغ فيها التي تمنحها المصارف لكبار موظفيها. ويأتي الإعلان عنها في وقت يحتدم فيه الجدل السياسي حول هذه الظاهرة، ويتواصل فيه قلق الرأي العام من انعكاسات الأزمة الإقتصادية العالمية.

ازداد غضب الرأي العام خاصة بعد اكتشافه أن هذه المصارف تواصل منح تلك المكافآت السخية والتي تقدّر بعشرات ملايين الفرنكات في الوقت الذي تلجأ فيه للمال العام للخروج من أزمتها المالية الخانقة. وقد توجه جزء كبير من هذا الغضب إلى اتحاد المصارف السويسرية (يو بي أس)، الذي منحته الحكومة أزيد من 60 مليار فرنك لإنقاذه من الإفلاس.

هذا التبرّم والسّخط تجاوز حدود المشاعر، ليتحوّل إلى مطالبة المساهمين الغاضبين بمحاسبة ومتابعة المسؤولين بإدارة المصارف أمام القضاء، حصل هذا في شهر مارس الماضي خلال انعقاد الجمعية العمومية لمصرف يو بي أس، ومن المنتظر أن يحصل الأمر نفسه عندما يعقد “كريدي سويس”، ثاني أكبر المصارف في البلاد، جمعيته العمومية المرتقبة.

يثير هذا الموضوع جدلا حادا أيضا على الساحة السياسية الداخلية حيث أطلقت بعض الأطراف مبادرة شعبية ضد ما يصفه أصحابها بـ “المكافآت التعسفية”، حيث تم إقرارها في مجلس النواب، وتنتظر عرضها قريبا أمام مجلس الشيوخ.

الإجراءات الثلاث

لم تبق الحكومة السويسرية مكتوفة الأيدي أمام هذا الوضع، فاتخذت جملة من الإجراءات خلال جلستها الأسبوعية يوم الأربعاء 28 أبريل 2010، أعلنت عنها خلال ندوة صحفية نظمها وزيري المالية والخارجية في الحكومة الفدرالية.

هذه الخطة الحكومية تتوجه إلى محاور ثلاث: يتعلق الإجراء الأول بفرض قواعد متشددة على نظام منح الأجور والمكافآت بالنسبة للمؤسسات التي تطلب المساعدة من الدولة. ويجب الإشارة هنا إلى أن المصارف التي لم تطلب تلك المساعدة لا تخضع لهذا الإجراء، وحتى هذه اللحظة، لا توجد أي مؤسسة سويسرية معنية به، بما في ذلك مصرف يو بي أس، الذي لم يعد في حاجة إلى مساعدة الدولة.

في المقابل، يمس الإجراءان الآخران جميع المؤسسات المالية، لأنهما يتعلقان بالملف الضريبي. ومن ذلك عدم النظر مستقبلا إلى المكافآت غير المنتظمة والتي تتحدد قيمتها بحسب الأرباح، كنفقات لليد العاملة، بل كتوزيع للأرباح، وبالتالي خاضعة للضريبة.

ولتسهيل تنفيذ هذا الإجراء، تم حصر هذه القاعدة الجديدة في المكافآت التي تتجاوز مليوني فرنك سويسري. وينص الإجراء الثالث على إعفاء الأسهم من الضريبة عند إشتراءها، وفرضها عليها عند بيعها. ومن المنتظر أن تعرض هذه الحزمة من الإجراءات على اللجان البرلمانية المتخصصة خلال الأشهر المتبقية من هذه السنة.

البحث عن التوازن

تهدف الحكومة من خلال هذه الإجراءات إلى ضرب عصفوريْن بحجر واحد: الإستجابة من جهة لمشاعر الغضب الواسعة تجاه المكافآت المبالغ فيها، وهو ما عبّر عنه وزير المالية (من الحزب الرديكالي الليبرالي المعروف تقليديا بقربه من دوائر المال والأعمال) بالتصريح أمام وسائل الإعلام أن: “منح مليار فرنك إلى عدد قليل من الموظفين يعرّض للخطر التماسك والإندماج الاجتماعي”، لكن الحكومة تعلم أيضا أن نظام المكافآت هذا معتمد أيضا في بلدان أخرى، ولا مجال لحرمان المصارف السويسرية من قدرتها على جذب الكوادر المصرفية عالية الكفاءة.

وتعتقد الحكومة الفدرالية أيضا أنها من خلال هذه الإجراءات تحقق هدفيْن في آن واحد، وهذا ما نص عليه بيان الحكومة بشأن المكافآت حيث جاء فيه: “تسعى الحكومة من خلال هذه الخطة إلى إطلاق إشارة قوية للحد من الأجور المبالغ فيها، لكن من دون المساس بحرية تصرف المؤسسات في إبرامها للعقود، ومن غير الإضرار بقدرتها التنافسية على جذب الكفاءات”.

وهو ما أشارت إليه أيضا ميشلين كالمي – ري التي قالت بوضوح “إن الإجراءات التي اختارتها الحكومة، ولا أتردد في القول، هي إجراءات ضرورية وذكية”.

“المؤسسات التي لا يمكن السماح بإفلاسها”

بالإضافة إلى مسألة المكافآت، دفعت المغامرات الفاشلة التي خاضها مصرف يو بي أس الحكومة السويسرية إلى التفكير في وضع هذه المؤسسات المالية التي بلغت درجة كبيرة من التوسع والأهمية، بحيث إذا ما انهارت، ينهار معها بنيان الإقتصاد الوطني كله.

من هنا دعت الضرورة إلى تقنين هذا الوضع بسرعة، وقامت الحكومة يوم الاربعاء 28 أبريل بالمصادقة على تقرير أوّلي أنجزه خبراء في المجال، يوصي خصوصا بالترفيع في رؤوس أموال هذه المصارف، وبالحفاظ على حد معين من السيولة.

حتى هذه اللحظة، لم تقدم الحكومة الفدرالية على اتخاذ أي قرار بهذا الشأن، لكنها عبّرت عن رغبتها في اتخاذ بعض الخطوات قريبا. وفي هذا السياق، طالبت برن مجموعة الخبراء بتسريع إنجاز تقريرهم النهائي، وحددت يوم 31 اغسطس 2010 موعدا نهائيا لذلك. ومن المنتظر، أن تتقدم الحكومة، وفي ضوء نتائج ذلك التقرير، بمقترحات عملية إلى البرلمان للمصادقة عليها، قبل تحويلها إلى خانة التنفيذ.

التعاون مع الولايات المتحدة

يأتي الإعلان عن هذه الإجراءات في لحظة حرجة. فالحكومة تحتاج إلى إلى دعم كاف لكي يوافق البرلمان على رفع السرية عن بيانات 4450 مودع أموال امريكي في حسابات مصرف يو بي أس متهمين في بلادهم بالتهرب من دفع الضرائب المستحقة عليهم.

هذا الملف يعرض على البرلمان في شهر يونيو المقبل، ومن الواضح أن الإجراءات المعلنة هذا الأسبوع تهدف إلى كسب موافقة أغلبية النواب على تسليم تلك المعطيات وتطبيق الإتفاق مع واشنطن.

هذا الأمر لم تستبعده وزيرة الخارجية نفسها التي ردت على سؤال لأحد الصحافيين مؤكدة أنه “لا توجد علاقة مباشرة بين الملفيْن، لكن هناك علاقة سياسية”. قبل أن تختم بالتحذير من أن رفض البرلمان للإتفاق مع الولايات المتحدة: “سوف تكون له عواقب وخيمة على سويسرا وعلى يو بي إس”.

أوليفيي بوشار – swissinfo.ch

(ترجمه من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

صحيفة “بليك”، (تصدر في زيورخ بالألمانية): “لم تخط الحكومة هذه الخطوة إلا لإرضاء حزب الشعب (يمين شعبوي)، والحزب الاشتراكي، آملة في المقابل أن يصادق البرلمان على الإتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية”. رغم ذلك، فإن “الإجراءات الحكومية خطوة في الإتجاه الصحيح”.

صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ”، (الصادرة بزيورخ بالألمانية): “لقد نجحت الحكومة في النهاية في التعامل مع الضغوط المختلفة، وتمكنت من وضع خطة يجد فيها الجميع مخرجا له”.

صحيفة “بازلر تسايتونغ” (الصادرة في بازل بالألمانية): “بالنسبة للقواعد المنظمة للمكافآت والأجور، من المتوقع أن تخضع لذلك المصارف وشركات التأمين، ولكن لن تفعل ذلك شركات الأدوية والشركات الكبرى الأخرى”.

صحيفة “تاغس أنتسايغر” (الصادرة في زيورخ بالألمانية): “لاشك أن مسعى الحكومة صادق وجاد، لكن بمجرد نسيان الآثار السلبية للأزمة المالية، سوف تنجح قوى الضغط في التأثير على قرار البرلمانيين للعودة إلى الوضع السابق”.

صحيفة “24 ساعة” (الصادرة في لوزان بالفرنسية): “لم تفعل الحكومة الفدرالية الراغبة في الحد من مخاطر المضاربات المالية، وفي احتواء الغضب الشعبي من تصرفات بعض المصارف سوى تبني حزمة من الإجراءات يصدق عليها القول بانها “نمور من ورق”.

صحيفة “لوتون” (الصادرة في جنيف بالفرنسية): “رغم أهمية الإجراءات المعلنة، لم تستطع الحكومة تبديد الشكوك حول استعدادها الحقيقي للتحرك بفعالية”.

صحيفة “لا ليبرتي” (الصادرة في فريبورغ بالفرنسية): “في النهاية مصرف يو بي أس هو من يمتلك أوراق اللعبة، لأنه ليس امام البرلمان اليوم سوى المصادقة على الاتفاق بين سويسرا والولايات المتحدة بشأن تسليم البيانات السرية، إذا كان يريد أن لا تسقط سويسرا من جديد في أزمة مالية وأزمة مؤسساتية”.

صحيفة “برنر تسايتونغ” (الصادرة ببرن بالألمانية): “إذا لم يصادق البرلمان على الإتفاق مع الولايات المتحدة، من الممكن أن يُتابع مصرف يو بي إس قضائيا في الولايات المتحدة، وقد تكون لذلك انعكاسات سلبية على الاقتصاد السويسري في مجمله”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية