مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحوار أو اللعب بالنار

فرضت الصعوبات التي يواجهها الرئيس الفلسطيني عليه أولويات غير العمل على إنجاح الحوار الوطني مع حركة حماس Keystone

في الوقت الذي تتواصل فيه في إسرائيل حملة انتخابات زعماء الأحزاب السياسية التي ستخوض الانتخابات التشريعية المقبلة، تزداد أوضاع السلطة الفلسطينية سوءا.

فالحوار الذي جرى بين السلطة وحركة حماس في القاهرة بوساطة مصرية، لم يسفر عن النتائج المرجوة من الجانبين.

ثمة وجه آخر للحوار الفلسطيني المنعقد بين حركتي فتح وحماس تحت يافطة الوحدة الوطنية وترتيب البيت الفلسطيني، إنه وجه ذو سمات غليظة تتنافس على تشكيل ملامحه عوامل من القوة والرغبة في السيطرة، وتحقيق مكاسب لأطراف محلية وإقليمية ودولية.

وإذا كان البيان الختامي لجولة الحوار الأخيرة في القاهرة يحمل مختلف الإشارات حول انشغال الطرفين بهموم الوحدة الوطنية، والتأكيد على الحق في المقاومة، فان تطورات السياسة الفلسطينية الداخلية التي أفرزتها أحداث العامين الأخيرين من الانتفاضة، حملت معها إلى مائدة اللقاء هذه المرة وصفات لها مذاق من نوع مختلف تماما.

وفي توقيت هذا اللقاء والاستعدادات والجهود التي بذلت لعقده، لاسيما هوية الأطراف الخارجية المشاركة بكل فاعلية ورغبة قوية فيه من العرب والأوروبيين، ما يشير إلى تشكيل توجهات جديدة ولغة أخرى ومقاصد ابعد من تلك التي حكمت نسيج السياسة الفلسطينية المحلية حتى بدء عميلة حصار القيادة الفلسطينية المتواصل في مدينة رام الله بالضفة الغربية.

وبين رام الله، حيث أقرت تشكيلة وفد فتح، والقاهرة محطة انتظار قيادة حماس ومكان الاجتماع، تجمعت عوامل مختلفة ومقاصد ورغبات متناقضة تركزت بالأساس حول مسألة من يملك قوة اتخاذ القرار وتطبيقه في الشارع الفلسطيني، وبالتالي، من يستطيع إملاء شروطه على طاولة المفاوضات؟

لم تكن هذه المرة الأولى للقاء من هذا النوع بين القوتين الأكبر على الساحة الفلسطينية، لكنها الأولى التي تحمل فيها حماس المعارضة، مفاتيح لقوة جديدة، وتأتى فيها فتح مثقلة بتبعات قرار غير موحد تماما وضغوطات داخلية وخارجية غير مسبوقة.

غزة وبيروت أولا

قبل القاهرة، كانت هناك محطة غزة، حيث شهد الطرفان مؤخرا مناورة اختبار قوة وجولات حوار لم تختلف مواضيعها كثيرا عن أجندة لقاء القاهرة. في غزة، دارت مواجهة ومفاوضات إثر اغتيال مسؤول وحدة مكافحة الشغب في الشرطة على يد أفراد من حماس.

قادت فتح المواجهة ضد الاغتيال وطلبت من حماس تسليم القتلة. والحركة الإسلامية بدورها حبذت الدخول في اختبار قوة اجتازته بنجاح عندما رفضت تسليم العناصر المتورطين تحت شعار أن العملية كانت عملية ثأر.

لم تنته مناورة غزة، ولم تعد السلطة وفتح تطالبان بتسليم القتلة “الفارين”، وجلسات الحوار التي دارت بين الطرفين لم تسفر عن نتائج ملموسة، لكنها شكلت مناسبة لحماس لاستعراض نمط جديد من الحوار، حوار تبدلت فيه جهة الاستماع من تقديم مطالب إلى الاستماع لمطالب، أصبحت حماس الآن في دور من يلبي.

محطة غزة لم تكن الوحيدة التي ساهمت في تأكيد مكان جلوس حماس الجديد على الطاولة، كان هناك أيضا حوار بيروت الذي أعد له المسؤول الأمني الأوروبي اليستر كوك، عندما التقى مسؤول حماس في لبنان أسامة أبو حمدان أواخر الصيف الماضي.

لم يرشح الكثير عن اللقاء، لكن ما نُشر كان كفيلا بان يدفع الرئيس الفلسطيني المحاصر في رام الله إلى “التخريب” على لقاء بيروت، حيث وفق ما أكدت مصادر في الرئاسة الفلسطينية، أن كوك حمل رسالة أوروبية أمريكية لحماس مفادها: أوقفوا العمليات الانتحارية مقابل أن نرفع “اسمكم من لائحة الإرهاب والقيود على تنقل أموالكم ورجالكم”.

بادر عرفات على الفور إلى إرسال موفده الخاص، محمد رشيد إلى القاهرة ليبدأ على الفور، بمساعدة مصرية وسعودية، سلسلة لقاءات مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس الذي انتقل مؤخرا للإقامة في القاهرة.

هذه المرة أيضا، لم يرشح الكثير عن لقاءات رشيد ومشعل، لكن هدفها، واستنادا إلى مسؤولين، هو تخريب اللقاءات المباشرة بين حماس والأطراف الخارجية لاسيما الأوروبيين. أقنع عرفات مشعل أن يشكل وفدا عالي المستوى من حماس وينتظر ليوافيه بوفده الرفيع في القاهرة.

من يبادر؟

في تلك الأثناء، كان ثمة اتجاهان يتبلوران داخل حركة فتح والقيادة الفلسطينية لتحديد كيفية التواصل مع حماس وإرادة لحوار معها، عرفات الذي لا يعتقد أن حماس ستقدم له أي مكاسب، وهو محاصر في مقره برام الله، يرى أنه من غير المعقول منح الحركة المعارضة “هدايا مجانية”.

أما الرأي الآخر، والذي حمله محمود عباس (أبو مازن)، فإنه يرى بضرورة “تمتين البيت الداخلي”، وبالتالي، مواصلة الحوار مع الحركة الإسلامية، وبحث ضرورة وقفها للعمليات الانتحارية ومناقشة إمكانية مشاركتها في الانتخابات واستيعابها في المؤسسات الفلسطينية الرسمية.

حماس التي حققت إنجازات جماهيرية وميدانية، وتطرح نفسها بديلا عن الحركة الوطنية، تعلم أيضا أن مطاردتها عالميا قد بدأت بعد 11 سبتمبر، وأن الأمور يمكن أن تسوء أكثر، لو أنها لم تبدل وتغير.

لا تريد الحركة الإسلامية أيضا، أن تقدم هدايا لما تعتقد إنها “قيادة فلسطينية منهارة”، وتفضل أن تعقد صفقات مع جهات أخرى، عربية مصرية وسعودية وأجنبية ممثلة بالأوروبيين. وبالتالي، فهي تذهب إلى هذا الحوار زاهية، ولكن أيضا محتارة ومترددة.

الذهاب إلى القاهرة انتهى بتشكيل وفد من فتح غير عالي المستوى كما وعد عرفات. ظل وفد حماس بقيادة مشعل، ينتظر أسبوعا لوصول الوفد الرفيع بقيادة أبو مازن. لكن الزعيم الفلسطيني شكل وفدا أقل مستوى وظل لقاء القاهرة محصورا في أجندة الوحدة الوطنية، ولم يتمكن من ولوج دائرة اللهب.

هشام عبد الله – رام الله

عاد موسم الحوار الوطني بين حركتي حماس وفتح الفلسطينيتين، بوساطة مصرية، دون أن يفرز الحوار النتائج المرجوة على الأقل فيما يتعلق بالتلاحم الوطني الفلسطيني. ويبدو أن هذا الحوار تحول إلى اختبار لميزان القوى للطرفين في انتظار اتضاح الصورة أكثر إسرائيليا وفلسطينيا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية