مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قنطرة انتِـقال إلى الدولة أمْ لمُـرور قِـوى الهيْـمنة؟

ممثلون عن أحزاب يمنية مختلفة يحضرون أشغال مؤتمر الحوار الوطني في العاصمة صنعاء يوم 20 مارس 2013. Keystone

ينظر اليمنيون إلى مؤتمر الحِوار الوطني، الذي مضى على انطلاقته ما يقارب الأسبوعين، بقدر كبير من التفاؤل وينتظرون منه أن يكون آخر محطّـة في طريق استعادة الدولة وتطبيع الأوضاع.

غير أن التفاؤل الشعبي ليس بالقدْر ذاته لدى النُّـخب السياسية، التي لا تُـخفي مخاوفها من وجود أطراف تسعى لعرْقلة الحِوار وإفشاله، وِفق ما عبَّـر عنه كثيرون، وآخرهم الدكتور ياسين سعيد نعما، نائب رئيس المؤتمر وأمين عام الحزب الاشتراكي.

تبايُـنات حول فرص نجاح المؤتمر

وتتوالى جلسات مؤتمر الحِوار الوطني تِباعاً، منذ انطِلاق انعقاده في 18 مارس 2013 في العاصمة صنعاء، وسط تبايُـنات حول تقييم فُـرص نجاحاته بإمكانية إعادة بناء الدولة المفكَّـكة وإخراج اليَـمنْ إلى برِّ الأمان.

ومنذ انطلاق فعاليات المؤتمر، تواصل توزيع المشاركين البالِغ عددهم 565 مشاركا، يمثلون أطرافاً سياسية واجتماعية، بما فيها الشباب والمرأة، قسموا إلى تِسع مجموعات ستنكبّ خلال فترة أقَـل من ستة أشهر على  مناقشة القضية الجنوبية، وقضية صعْـدة، والمصالحة الوطنية، والعدالة الانتقالية، وبناء الدولة، ومجموعة الحُكم الرشيد، ومجموعة أسُـس بناء الجيش والأمن والحقوق والحريات، وصياغة الدستور، والخروج بتوافُـق حوْل تلك القضايا، وِفق ما نصّ عليه نظام المؤتمر وضوابطه.

وتبدو تلك المحاوِر للمُراقبين شاملة للإشكاليات التي عانت وتُعاني منها اليمن، وُضِعت من قِبل خبراء دوليين في النزاعات، إلا أنها تبقى محكومة بأطراف ومكوِّنات المؤتمر، التي تغلب عليها القِوى المُهيْمنة والمُتصارعة، والتي ما تزال تتحكّم بمصادر النفوذ وتُسيْطر على أدوات الصِّراع في البلاد، ما يُهدِّد فشَل المؤتمر في أيّ لحظة، في الوقت الذي تبقى الفُـرصة الأخيرة والخِيار الذي ليس له إلا أن ينجح، كما عبَّر عن ذلك عبدربه هادي، الرئيس اليمني الانتقالي خلال افتتاحِه أشغال المؤتمر.

مخاوف السياسي الجنوبي

لكن، على الرغم من الإصْرار على نجاعة المؤتمر الذي يُلامس حاجات الشارِع اليمني إلى استعادة الاستقرار والطُّـمأنينة والسِّلم، إلا أن ثمَّـة شكوكٌ في القَـبول بنتائجه للحضور القوي للقِـوى ذاتها التي كانت وراء الكثير من متاعِب البلاد، وهو ما عبَّـر عنه الدكتور سعد الدين بن طالب، وزير الصناعة والتجارة صراحة قائلا: “مَن يتحكَّم بخيوط اللُّعبة السياسية هي الحلقة ذاتها المُسيْطرة على الثروة والقوّة التي تشكلت بعد الحرب على الجنوب في 1994، والتي جعلت من الجنوب أرضاً للنّهب والغنيمة”، على حدِّ تعبيره، مشدِّداً على أنه: “كان  يجب أن تُـعاد هيْـكلة الجيش والأمن، قبل بدْءِ هذا الحِوار، وأن يُـنزَع السِّلاح والمال من أيْـدي هذه القوة الغاشِمة”.

ويرى المراقبون أن المخاوف المُعبَّـر عنها من قِبل السياسي الجنوبي تُجاه فاعلية واستِمرار تلك القوى، وهو المعروف باعتِداله، تحضر بقوّة لدى أطراف أخرى تضمّهم قاعة اجتماعات المؤتمر وخارجها. فالحوثيون يتوجَّسون خوفا من بقاء القائد العسكري، اللِّواء علي محسن علي، مُمسكاً بجزء من قوات الجيش ومن تحالفه مع خصْمهم اللّدود، حزب الإصلاح، ومع بعض الزّعماء القبليين، كأولاد الشيخ الأحمر، وأيضاً بين حلفاء الأحمر، أحزاب اللقاء المشترك، وكل هؤلاء ما زالوا متوجِّسين من بقاء صالح على رأس حِزبه، المؤتمر الشعبي العام وحلفائه، الذي يُشارك في الحوار.

ومن خارج قاعة المؤتمر، ما زالت العديد من الأصوات ترتفع مُنتقِدة إقصاءها من المؤتمر، الدكتور عبد الواسع الحميدي، أستاذ القانون والنُّظم السياسية صرح في حديثه لـ  swissinfo.ch: “إن تشكيلة المؤتمر لم تُـراع  تمثيلا معبِّرا عن قِوى التغيير الحقيقية في البلاد واحتياجات بناء الدولة والمُستقبل، أكثر من تعبيرها عن أطراف ومراكز قِوى معروفة سلفا، وهذا أمر طبيعي في الحقل السياسي، الواعي بمُتطلَّبات المستقبل وبناء الدولة (…) وتشكيلة رئاسة المؤتمر ظلّت محصورة في ذات القِوى والأطراف، ولا نعتقد أن ذلك أتى بمحْض الصُّـدفة، أكثر من كونه مُرتبطا بالنتائج المُتوخَّـاة من المؤتمر، ولا نُعمِّـم فيما يخُص رئاسة المؤتمر، إذ توجد شخصيات لها من الرّؤية ما يُـقلِّـل من المخاوف”.

بين التفاؤل والتشاؤم

ويستدرك الحميدي مضيفاً: “مع أنني مُتفائل جدا بالطروحات المتنوِّعة في مؤتمر الحوار والسَّقف المرتفع  للحرية في طرحها، لكن شخصيا أخشى أن يكون طموح اليمنيين كبيرا من هذا المؤتمر، لكي يُصابوا بالإحْباط مرة أخرى، عند النتائج وعند التنفيذ.

مقابل الحذر الشديد، الذي يُـبديه الكثير من المختصِّين، يبدو الشارع اليمني، ربّما تحت تأثير الرّغبة الجامحة   للخلاص من حالة التوتر الذي أنهكه، غيْر ميال إلى هذا الطِّرح، مكتفِياً بالتأكيد على أن المؤتمر ليس بمَقدوره أن يستوعِب كل الأطراف في الساحة اليمنية، وهو الموقف ذاته الذي يُبديه المُـتحمِّسون لمُواصلة استِكمال خُطوات وإجراءات المرحلة الانتقالية، غيْر أن مُختلف الأطراف تتوقَّـف ملِـياً، كلما استعرضت ثِقل مراكز النفوذ التقليدية المُهيمنة والمُسيطرة منذ عقود، التي تتبوَّأ واجهة المؤتمر وتخشى من أن تُحوِّل الحوار إلى صفقات تنحرِف به عن أهدافه المرجوة.

خشية انحراف الحوار أو فشله

الكاتب والناشط السياسي المستقِل سامي غالب في تعليقه على ذلك قال لـ swissinfo.ch: “من الواضح حتى اللحظة، أن القِوى المُهيمنة ومراكز القِوى، استطاعت استدراج المُطالبين بالتغيير، مثل شباب الثورة والقِوى  التي كانت على هامش النظام السياسي إلى مؤتمر الحوار عبْـر أطُـر وآليات ونُـظم وهيئات، تُصادِر أي إمكانية لتأثير تلك الأطراف وتقلِّص من فُـرص تحقيق اختراقٍ لهذا المؤتمر، في صالح تمرير وفرْض رُؤى دُعاة التغيير. ويبدو أن هذه القوى، حسب غالب الأطراف قد توافقت على عدم التهيِئة، لخلق مناخ إيجابي لصالح حوار وطني”، مشيراً إلى أن هناك ما يُشبِه الإجماع على تجاهُـل ما كانت اللجنة الفنية قد اقترحته، وهو النقاط الـ 20 التي كانت تصُبّ في صالح خلْق بِيئة لحِوار وطني حقيقي، وما نراه أشبه بـ “هايد بارك” يمني.

وتُـخلص الأغلبية إلى أنه: “خلال الأسبوعين الماضييْن، انحسرت التوقّعات بتغييرٍ جوهري، علاوة على أن القرار الأول والأخير بِيَـد شخص واحد، وهو رئيس الجمهورية”، مشيراً إلى أن الغرض من ذلك، تطمين القوى الضعيفة، إلا أن الرئيس في نهاية الأمر، محكوم في حركته بالتحالُفات المُهيْمنة، والنتيجة على الأرجُح، هي الخروج بصفقات لصالح تعزيز مراكِز النفوذ والهيمنة.

والمُهيْمنون الذين يُثيرون الخِشية من الانحِراف بالحوار أو الفشل، هم المُتحكِّمون بمصادر القوة والنفوذ العسكري والعشائري والقبَـلي، كقطبيْ الصراع – صالح وحلفائه – وآل الأحمر وحلفائهم، حراك الحوثيين، إذ يُـنظَـر إليهم، إما أنهم دخلوا الحوار من أجْل الحفاظ على حِصصهم في النفوذ والقوّة غير المشروعة، أو بأن ينفرِدوا في تسوِيات فيما هُـم لا يمثِّـلون كل المكوِّنات المُطالبة بتغيير فِعلي يقطع مع كل معوِّقات الماضي  وسلبياته. 

أعلن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي يوم السبت 30 مارس 2013 في صنعاء، أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لتجنّب “حرب أهلية” في اليمن. وقال الرئيس اليمني أمام ممثلي الأحزاب السياسية الكبرى والمجتمع المدني، المجتمعين في إطار مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي افتتح في 18 مارس الماضي إن “الحوار هو الوسيلة الوحيدة التي ستجنِّب شعبنا الدخول في حرب أهلية وصراع مسلّح”. وأضاف أن “هناك من لا يريد الحوار، وهناك مَن يعمل ضدّه وهناك من يحاول خلْق المشكلات والعوائق تُجاه استمراره”.

وكان يلمح إلى الانفصاليين في جنوب البلاد، حيث قتِل مدني بالرصاص يوم السبت في عدن، عندما تدخلت قوات الأمن لإعادة فتح طريق قطعه ناشطون. وينظم الانفصاليون منذ 21  فبراير صباح كل أربعاء وسبت “عِصْيانا مدنيا” في عَـدن، احتجاجا على مقتل عدد منهم في مواجهات مع قوات الأمن. ويقود هؤلاء، التيار الأكثر تشددا في الحراك الجنوبي بزعامة نائب الرئيس اليمني السابق المقيم في المنفى علي سالم البيض.

ويقاطع أنصاره مؤتمر الحوار الوطني المكلّف بوضع دستور جديد والتحضير لانتخابات فبراير 2014 بعد فترة انتقالية من عامين بعد رحيل الرئيس علي عبدالله صالح عن الحكم.

من جهته، قال المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء راجح بادي “إن أجهزة الأمن تمكّنت من كشْف خلِية كانت تخطِّط لعمليات إرهابية في أمانة العاصمة ومحافظات تعِز وعَـدن وحضرَموت والحُديدة (…)”، مشيرا إلى أن “هذه الخلية قامت بتجهيز سيارات مفخخة خارج العاصمة وحاولت إدخالها إلى الأمانة للقيام بأعمال إرهابية، بهدف إفشال مؤتمر الحوار الوطني”. وأضاف “لكن الأجهزة الأمنية كشفت هذا المخطط وأحبطته ولا تزال تتعقّب هذه الخلية لإلقاء القبض على عناصرها”.

وأوضح أن “الاجهزة الأمنية ستواصل كشف وفضح مِثل هذه الأعمال الإجرامية والإرهابية وغيرها من الأعمال والتصرّفات، الساعية إلى إرباك مؤتمر الحوار الوطني”.

وينعقد الحوار برئاسة هادي وبرعاية الأمم المتحدة، الممثلة بمبعوثها الخاص جمال بن عمر، ومجلس التعاون الخليجي، الذي حضر أمينه العام عبداللطيف الزياني، وإنما في ظل مقاطعة من غالبية مكوِّنات الحراك الجنوبي المطالب بالعودة إلى دولة الجنوب التي كانت مستقلّة حتى عام 1990.

وتمت الدعوة الى الحوار بموجب اتفاق انتقال السلطة الذي أسفر عن تخلي الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن السلطة في نوفمبر 2011. وبات اليمن بسبب ذلك البلد العربي الوحيد الذي أسفرت فيه احتجاجات شعبية عن انتقال منظم للسلطة.

وتتألف هيئة الحوار من 565 مقعدا تتمثل فيها سائر الاطراف اليمنية.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. بتاريخ 30 مارس 2013)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية