مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الخلافة والبقاء في المملكة العربية السعودية

السؤال الحاسم اليوم: هل تتاح الفرصة للجيل الثاني من آل سعود للتنافس على ولاية العهد في المستقبل؟ Keystone

عندما حدد الملك فهد عام 1993 آلية للخلافة في النظام الأساسي للمملكة، كادت تلك الخطوة أن تثير أزمة عائلية داخل الحلقة الضيقة من آل سعود.

انزعاج بعض أبناء الملك عبد العزيز بن سعود من تلك المادة كان له ما يبرره، حيث أنها لم تفعل أكثر من “إضافة عامل توتر جديد” إلى وضعٍ متأزم غير واضح الملامح من الأساس..

لعل الانزعاج الذي أشارت إليه بعض التقارير الإعلامية آنذاك لم يكن مرده البند القائل: “يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء”.

بل إن مبعثه الحقيقي كان البند الذي تلاه في المادة الخامسة من النظام الأساسي، والذي نص على أن “يختار الملك ولي العهد، ويعفيه بأمر ملكي”، وهو البند الذي نسف ببساطة تقليداًَ متوارثاً التزمت به عائلة آل سعود منذ تولي الملك فيصل بن عبد العزيز الحكم عام 1964.

عودة إلى التاريخ الحديث

منذ بدء مشروع تأسيس المملكة عام 1902، تمكن الملك عبد العزيز من ضمان ولاية العهد ضمن نسله المباشر من الأبناء، وقد فعل ذلك من خلال خطوات مدروسة، أستطاع من خلالها القضاء على (أو تحييد، أو تطويع، أو ببساطة قتل) من مثل خطراً من أفراد العائلات المنافسة في نجد (آل رشيد على سبيل المثال)، أو الأجنحة المنافسة من داخل عائلة آل سعود (آل كبير مثلاً).

بعد رحيل الملك عبد العزيز عام 1953، تولى ابنه الأكبر سعود الحكم، الذي نصّب بدوره أخاه فيصل ولياً للعهد، لكنه لم يفعل ذلك عن رغبة فعلية، بل كان – حسب المعطيات المتوفرة – مضطراً لذلك. فالأمير فيصل، الذي تولى وزارة الخارجية خلال فترة حكم أبيه ونيابة الملك في إقليم الحجاز، كان يتمتع بدعم كبير داخل أوساط العائلة والمؤسسة الدينية.

ولأن الملك سعود بدأ في تعيين بعض أبناءه (كان لديه 53 منهم) في مواقع حكومية محورية (منها وزارة الدفاع، رئيس الحرس الوطني، رئيس الحرس الملكي، حاكم الرياض، وحاكم مكة)، واتضح أنه فشل في إدارة شئون البلاد الداخلية (المالية منها على الأخص)، والخارجية (في علاقته بمصر الناصرية ثم في تعامله مع الحرب الأهلية في اليمن الشمالي)، فقد أنقلب عليه أشقاؤه وتمت تنحيته نهائياً من الحكم عام 1964.

دعامتان أساسيتان للخلافة

تولى الملك فيصل إذن مقاليد السلطة من خلال انقلاب عائلي، وكان هو الذي وضع قاعدتين أساسيتين، ظلتا تحكمان آلية الخلافة في العائلة السعودية على مدى العقود الأربعة الماضية.

تتصل القاعدة الأولى بمبدأ انتقال الخلافة بين الأخوة من أبناء الملك عبد العزيز. كان الملك فيصل مقتنعاً على ما يبدو أن هذا المبدأ سيحمي العائلة من الخلاف الداخلي، وفي كل الأحوال فإنه تمكن من خلاله من مكافأة أخوته الذين ساندوه خلال مرحلة صراعه مع الملك سعود.

أما القاعدة الثانية فتتصل بإجراء يعتبر مؤشراً على هوية الشخص التالي في ولاية العهد. فإذا كان الملك يتولى منصب رئاسة الوزراء، وولي العهد يتولى نيابة رئاسة الوزراء، فإن النائب الثاني لرئيس الوزراء هو عادة الشخص التالي في ولاية العهد.

التزمت جميع الأطراف في العائلة بهاتين القاعدتين واحترمتهما، رغم الخلافات التي نشبت بين أفرادها بين الحين والأخر، ورغم بعض المحاولات الفاشلة التي جرت لتغيير شخصية النائب الثاني لرئيس الوزراء خلال فترة حكم الملك خالد.

الباب مفتوح على مصراعيه

لكن البند الخامس من النظام الأساسي للمملكة جاء لينسف القاعدتين من جذورهما: فهو يفتح المجال أمام أبناء الأبناء، أي الجيل الثاني من أحفاد الملك عبد العزيز للدخول إلى حلبة التنافس على الحكم؛ كما أنه منح الملك الحق في تسمية ولي العهد وتنحيته، ولعل هذا هو الأهم.

في المقابل، فإن المخاوف التي أثارها البند عند الإعلان عنه في عام 1993 لم تتجسد. فالملك فهد لم ينحي ولي العهد عبد الله ( رغم أنه حاول جاهدا تنحية الأخير خلال فترة حكم الملك خالد من موقعه كنائب ثان لرئيس مجلس الوزراء، ساعياً إلى إحلال أخيه الأمير سلطان وزير الدفاع والطيران بدلا منه في هذا الموقع).

ولعل المرض الذي ألم به منذ عام 1995 لم يسعفه، وفي المقابل، رسخ تولى الأمير عبد الله شؤون الحكم عملياً، بسبب عدم قدرة الملك فهد على الحكم، من موقعه في مواجهة الخلافات التي نشبت بين أجنحة العائلة من الصقور على مدى العقد الماضي.

“أعراض المكتب السياسي السوفياتي”

تدهور صحة الملك فهد في الآونة الأخيرة، ودخوله المستشفى، أعاد من جديد وبقوة مسألة الخلافة إلى السطح. ولم يعد السؤال اليوم: “هل سيتولى الأمير عبد الله الحكم؟ أو هل ستتم تسمية الأمير سلطان ولياً للعهد؟”، بل: كيف يمكن تفادي ما يتعارف عليه بأسم “أعراض المكتب السياسي السوفياتي” – أي تولى قادة كبار في السن الحكم ولفترات قصيرة متتالية – وهي الظاهرة التي ساهمت إلى حد كبير في انهيار كيان الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينات.

الأمير عبد الله يبلغ من العمر 82 عاماً، والأمير سلطان 81، والأمير نايف وزير الداخلية 72، وهي كلها أعمار لا تبشر بالتجديد حتى لو سعى ولي العهد عبد الله إلى تطبيق رؤيته الإصلاحية عند توليه الحكم في حال وفاة الملك فهد، خاصة وأن وتيرتها الإصلاحات تظل بطيئة.

الجيل الثاني .. هل يدخل الحلبة؟

هناك أمر واحد يحسب دائماً للعائلة المالكة السعودية، ويدخل جوهراً في إطار سياسات البقاء التي تحكمها: في أوقات الأزمات تنسى العائلة خلافاتها، وتلتحم لمواجهة الخطر المحدق بها. فعلت ذلك عندما أطل الخطر الناصري برأسه من خلال اليمن المجاور، ثم في مواجهة خطر زحف قوات الرئيس صدام على المملكة في عام 1990، وأخيراً عندما وجه “التطرف الأصولي” سهامه إلى صدر النظام السعودي نفسه.

هنا يحق التساؤل عما إذا كانت العائلة تدرك بالفعل مدى الخطورة الكامنة في “أعراض المكتب السياسي السوفياتي” على وجودها ومستقبلها، خاصة وأن التحام العائلة في أوقات الأزمات وإن كان يتيح لها البقاء في الحكم، إلا أنه يعكس برأي البعض مسألة جوهرية تتمثل في “عدم مقدرتها على معالجة المشاكل الملحة التي تواجهها البلاد”.

إن تفادى تلك الأعراض يعني بالضرورة تجاوز الجيل الأول من أبناء الملك عبد العزيز بعد تولي الأمير عبد الله الحكم، وفتح المجال للجيل الثاني من أحفاد الملك عبد العزيز للدخول بدورهم إلى الحلبة، وهو أمر يصعب الإقبال عليه طوعاً من قبل الجيل الأول، خاصة وأن بعضهم تحول من خلال مواقعه الحكومية إلى هياكل ديناصورية راسخة في كيان الدولة، يتعذر تجاوزها أو الالتفاف عليها.

يرى البعض أنه من الممكن ترك المسألة ببساطة للزمن، خاصة وأن أبناء الملك عبد العزيز بشر أيضاً، والمنية ستوافيهم إن آجلا أو عاجلاً، لكن ترك الأمور هكذا قد يفتح المجال من جديد للنزاعات بين الأجنحة، كما أن المملكة ليست في حاجة إلى المزيد من عوامل عدم الاستقرار. فالتاريخ يقول (لمن يوليه قليلا من الإنتباه) إن سقوط المملكة السعودية الثانية في القرن التاسع عشر إنما حدث بعد أن بدأ الأخوة في التنازع والتناحر علناً حول السلطة.

إلهام مانع – سويس انفو

إذا تم احتساب كل فروع آل سعود المنحدرة من نسب مؤسس العائلة محمد بن سعود، فإن عددها الإجمالي (من الذكور) يزيد على نحو 20 ألف شخص.
أهم فرع هو المنحدر من نسب فيصل بن تركي، جد الملك عبد العزيز، الذي قُدر عدد الذكور منه في التسعينات بـ 4000 شخص، يحملون لقب أمير.
ينحدر من نسل الملك عبد العزيز نحو 300 أمير، منهم 100 يمثلون الحلقة المؤثرة في تسيير شؤون المملكة.

بعض الأسماء المرشحة للحكم من الأمراء:
من الجيل الأول: سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض.
من الجيل الثاني: سعود الفيصل وزير الخارجية؛ خالد بن فيصل أمير منطقة عسير؛ خالد بن سلطان مساعد وزير الدفاع والطيران؛ محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية؛ متعب بن عبد الله نائب رئيس الحرس الوطني؛ بندر بن سلطان سفير المملكة في واشنطن.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية