مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الدعارة “غير” القانونية… مشكلة في تيتشينو!

في موفى عام 2001 بلغ عدد المرخص لهم بالعمل في مجال الدعارة في كانتون التيشينو خمس مائة وسبعين شخصا Keystone

منذ الفاتح من يناير الجاري تم تقنين صناعة الدعارة في كانتون تيتشينو. رغم ذلك، فإن القانون الجديد لا يقدم الوسائل اللازمة لمواجهة الدعارة "غير" القانونية..

“على كل شخص يمارس الدعارة أو ينوي مزاولته أن يسجل نفسه في مركز شرطة البلدية”. هكذا نصت المادة الخامسة من القانون الجديد. ومنذ بدء العمل به، أي منذ بداية العام الجاري، لم ُتقدم سوى امرأتان على تسجيل أسماءهما في مركز الشرطة. هناك، قام المختصون بتسليمهما قائمة بأسماء الأطباء وعناوينهم. حيث يحق لهن الحصول على الرعاية والرقابة الطبية مجانا.

لم يكن مدعاة للعجب أن جنسيتهما كانت سويسرية. فلو أن أجنبية حذت حذوهما لتم ترحيلها فورا من سويسرا. إذ أن السؤال الأول الذي سيطرح عليها: هل لديك تصريح بالعمل في الدعارة؟ وفي الغالب فإن إجابة معظم الأجنبيات العاملات في هذا القطاع ستأتي بالنفي. هذا رغم أن عددهن يتجاوز الست مائة امرأة في كانتون التيتشينو. فالكثيرات منهن يدخل البلاد تحت تسميات مختلفة.

الراقصات في النوادي الليلية، على سبيل المثال، يعملن في سويسرا بتصريح خاص، لكنه لا يشمل “نشاط الدعارة الجانبي”. وأخريات يدخلن البلاد بتأشيرة دخول سياحية توفرها لهن وكالات مشبوهة، وتسمح لهن بالبقاء لمدة ثلاثة أشهر. وخلال هذه الفترة تسعى تلك النساء، أو من “يمتلكهن” إلى جني أكبر قدر من المال.

الدعارة غير القانونية لا تخضع للرقابة .. وأصلها في إيطاليا

كم تجني المرأة العاملة في الدعارة “غير القانونية” شهريا؟ نحو ثلاثين آلف فرنك سويسري حسب تقديرات الشرطة. أما جنسيات الأجنبيات العاملات في هذا القطاع فهي تشمل البرازيلية والشرق أوروبية والتايلاندية والبوروندية. هن يعملن خصوصا في الحانات والفنادق. لكن منذ بدأت قوات الشرطة في تضييق الخناق عليهن، انتقلن إلى العمل في شقق خاصة. ولعل مصائب قوم عند قوم فوائد. فقد ارتفعت أسعار بعض الشقق الخاصة بصورة خيالية. على سبيل المثال، يمكن لشقة صغيرة من غرفة واحدة أن تدر على صاحبها مبلغ ألفين فرنك شهريا.

كان على الشرطة أن تسارع إلى التحرك لا سيما مع تنامي الغضب الشعبي من تزايد ظاهرة الدعارة غير القانونية. وتزايدها كان له ما يبرره. فطوابير الزبائن المتهافتة على كانتون التيتشينو لا تأتي من سويسرا.. بل من إيطاليا. ذلك أن المعايير المزدوجة التي تمارسها روما أدت إلى إباحة تجارة الجسد في الشوارع ومنعها في الحانات والفنادق خوفا من الكنيسة. وهو ما أدى إلى انتقال الباحثين عن المتعة المحرمة من الإيطاليين إلى الشقق المريحة في سويسرا.

ويبدو أن هذه المشكلة بدأت تخرج عن نطاق السيطرة بالنسبة لسكان هذا الكانتون الجنوبي. فحيث توجد الدعارة توجد الجريمة والمخدرات. هذا عدا عن التلوث البيئي من إزعاج ومخلفات ضارة ناتجة عن زيادة عدد السيارات الوافدة على المنطقة. ثم طفح الكيل في بداية عام ألفين بعد مقتل برازيلية وهي تمارس الدعارة في فندق يمتلكه سياسي معروف في التيشينو.

وهنا بدأت الشرطة في التحرك والضرب بيد من حديد. فقد عمدت إلى إغلاق ثلاثة وعشرين مركز دعارة محلية، وتصفية الشقق الخاصة، هذا عدا عن القبض على خمسة وثمانين شخصا.
ومنذ ذلك الحين أنخفض عدد العاملات في “صناعة الجسد” إلى النصف. رغم ذلك، عادت بعض المراكز القديمة إلى العمل من جديد بعد فترة وجيزة.

قانون ضد الاستغلال

القانون السويسري لا يحرم الدعارة.. بل هو يبيحها، ويتعامل معها من منطلق مبدأ “حرية العمل”. غير أن القانون المعدل الجديد المعمول به في كانتون التيتشينو يوفر الأدوات (وهي في الأساس غرامات مالية) الكفيلة بمنع استغلال هذه التجارة حتى لو كانت قانونية. كما أنه سن أيضا قواعد جديدة بالنسبة لتأجير الشقق. إذ أصبح لزاما على مالكي الشقق الإبلاغ عن أي عملية تأجير تتم لفترة قصيرة ولشخصين لا يمتا لبعضهما البعض بصلة.

رغم ذلك، فإن هناك بعض الثغرات في القانون. فهو يتيح المجال للسيطرة على هذه الظاهرة في الأماكن العامة… لا الخاصة. وهذا يعني أن البلديات تظل مكبلة الأيدي تجاه تجارة الجسد إذا ما مورست في الأماكن الخاصة: “إذا أرادت أي بلدية أن تؤمن منطقة خالية تماما من تجارة الدعارة فإن عليها أن تضع ذلك بصورة محددة في تخطيطها لمناطقها السكنية”، مثلما يشرح جويدو كورتي المستشار القانوني للحكومة التيتشينية.

لكن نجاعة هذا الأجراء مشكوك فيها. فالمدينة الوحيدة التي تمكنت من تنفيذ هذا الأجراء كانت زيوريخ .. وبعد مجادلات قانونية طويلة الأمد. ربما لذلك لا يظهر ممثلي البلديات في كانتون التيتشينو تحمسا كبيرا تجاه هذه الإمكانية.

حتى بدون قانون.. فالمقاومة ممكنة

على صعيد آخر، قدمت بلدية باراديسو مثلاً يحتذى به لغيرها من البلديات. فبدون قانون خاص تمكنت، وهي التي كانت في السابق بؤرة للدعارة، من تضييق الخناق على هذه الصناعة والعاملين فيها. كيف ذلك؟

كل ما فعلته هو أنها منعت مرور السيارات في أراضيها أثناء فترة المساء والليل. كما أنها نجحت في إغلاق أحد أكبر مراكز الدعارة لديها “كاسا جيوليلا”، عندما تمكنت من استصدار حكم قضائي يقضي بعدم قانونية المركز باعتبار أن عمله لم يتم تضمينه في الخطط السكنية الأولية التي وضعتها البلدية.

هل يعني ذلك أن هناك إمكانية للقضاء على أقدم حرفة في تاريخ البشرية، قانونية كانت أو غير قانونية؟ رئيس الحكومة التيتشينية لويجي بيدرازيني لا يعتقد ذلك. فهو يقول:”لا يمكن القضاء على الدعارة. كل ما يمكننا فعله هو أن نحاصرها ونوجهها في اتجاهات محددة”.

سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية