مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

صرخة من أجل البيئة ومشاركة عربية محدودة

ممثلة ومغنية شهيرة وسط كوكبة من الناس في زيورخ
بمرور الأعوام، تحول مهرجان زيورخ السينمائي إلى تظاهرة فنية مهمة تستقطب نجوم الفن السابع الدوليين وتحظى بمتابعة واسعة من طرف الجمهور. في الصورة: الممثلة والمغنية الأمريكية زيندايا لدى وصولها يوم 4 أكتوبر 2019 للمشاركة في فعاليات الدورة الخامسة عشر للمهرجان. Keystone / Ennio Leanza

في وقتٍ تصاعدت فيه النشاطات البيئية حول العالم، اُفتتحت في السادس والعشرين من سبتمبر الفائت فعاليات الدورة الخامسة عشرة لمهرجان زيورخ السينمائيرابط خارجي بفيلم للمخرج «نيكولاوس هِلبَر» عن الناشط البيئي السويسري «برونو مانْسَر» الذي فُقد عام 2000 في أدغال القسم الماليزي من جزيرة بورنيو ولم يُعثر على آثاره حتى الآن.

الفيلم الذي يحمل عنوان «برونو مانسر؛ صوت الغابة المطيرةرابط خارجي»، جاء عرضه بعد حوالي شهر من الحرائق التي شهدتها غابات الأمازون، وقبل يومين من التظاهرات الضخمة التي شهدتها العاصمة برن، وفي وقت متقارب مع الإضرابات الطلابية التي عمت معظم دول العالم من أجل المناخ.

الرئيس السويسري أولي ماورر الذي شارك في حفل افتتاح المهرجان إلى جانب نجوم سينمائية وفنية من مختلف أنحاء العالم، حضر العرض الأول للفيلم ووصف «مانسر» بأنه «واحد من أوائل الرواد في الشأن البيئي»، بينما قالت عنه عُمدة مدينة زيورخ كورينا ماوخ بأنه «بطل حقيقي لعصرنا في أزمة المناخ»، أما مدير المهرجان المشارك «كارل شبوري» فقد وصف الفيلم بأنه النسخة السويسرية من «القيامة الآن»، في حين قالت مصادر المهرجان بأنه واحد من أكبر النتاجات السينمائية السويسرية في الأعوام الأخيرة.

وضع الموسيقى التصويرية للفيلم حامل جوائز الـ«أوسكار»، الملحن اللبناني غابرييل يارَد، وقام ببطولته الممثل السويسري الشاب «سْـﭭين شيلْكَر» وبلغت ميزانيته ستة ملايين فرنك سويسري. 

عمل سينمائي “شامل وراهنٌ تمامًا”

وفي مختصر عن مضمون الفلم وضعته إدارة المهرجان جاء أن «مانسر «يذهب إلى أدغال جزيرة بورنيو في العام 1984، في رحلة بحثٍ عن تجربةٍ ما، بعيداً عن استهتار وطيش الحضارة الحديثة، فيجد ما يصبو إليه عندما يلتقي بقبيلة «بينان» من السكان الأصليين، وهو اللقاء الذي غيّره إلى الأبد، فعاش في انسجام تام مع الطبيعة وتعلم من أفراد القبيلة أكثر بكثير مما يتطلبه استمرار العيش في الغابات الاستوائية المطيرة. لكن مستقبل أهل تلك الغابات كان في أفقٍ قاتم حيث تزحف عليهم حفارات شركات الخشب وتقترب منهم مناشيرها الآلية. هنا قرر مانسر أن يقود كفاح القبيلة ضد جماعات الضغط العاملة لمصلحة الشركات».

ويضيف المختصر: «بالاستناد إلى القصة الحقيقية لهذا الناشط البيئي يروي المخرج السويسري «نيكولاوس هِلبَر» في هذه الدراما التي صُوّرت في الجزيرة ذاتها وباشتراك عدد كبير من السكان الأصليين، عن جهدٍ لا يكل ولا يمل لناشط مندفع غامر بكل شيء من أجل هذه القضية.»

في العام 1990 عاد مانسر إلى سويسرا مبعَداً من السلطات الماليزية فقام بنشاطاتٍ عديدة للفت نظر العالم إلى قضية الغابات وحياة سكانها الأصليين؛ منها إضرابه عن الطعام مدة ستين يومًا أمام مقر الحكومة الفدرالية في العاصمة برن وقفزه بالمظلة من فوق بناية الأمم المتحدة في جنيف ولقاؤه في نيويورك بالأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بطرس غالي ثم بنائب الرئيس الأمريكي في حينه آل غور وحملة الملصقات التي وزعها خلال قمة السبعة في ميونخ ومطالبته بوقف استيراد الخشب المنتج من غابات الجزيرة؛ لكنه عاد في العام 2000  إلى الغابات رغم قرار المنع الماليزي، ففُقدت آثاره.

جدير بالذكر أن مخرج الفيلم حصد في الختام «جائزة الفيلم العلمي» المقدّمة من جمعية «عين على العلم» السويسرية، حيث جاء في تعليل منح الجائزة: «إنه فيلم شامل وراهنٌ تمامًا حول الحفاظ على الغابات والتنوع البيئي واحترام حقوق الإنسان».

المشاركات العربية

شاركت في المهرجان أربعة أفلام عربية؛ اثنان روائيان من السعودية والمغرب وآخران وثائقيان من السودان وسوريا.

«المرشحة المثالية»؛ كان عنوان فيلم المخرجة السعودية هيفاء المنصور الذي يروي قصة طبيبة يدفعها اليأس من تعبيد الشارع المؤدي للمستوصف الذي تعمل فيه نحو الترشح إلى الانتخابات البلدية، فتشكل بذلك مفاجأةً لعائلتها ولرئيس البلدية الذي يتولى المنصب منذ سنواتٍ طويلة. ويستعرض الفلم من خلال الحملة الانتخابية التي تقوم بها الطبيبة المعوقات التي تعترض طريق المرأة ونمط التفكير في المجتمع الذكوري وطبيعة التغييرات التي شهدتها المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة على هذا الصعيد، والطموحات السياسية لدى المرأة السعودية.

محتويات خارجية

صُوِّر الفيلم بالكامل في العاصمة السعودية الرياض وقام بأدواره ممثلون سعوديّون لكنه من إنتاج شركة Razor Film في برلين، وقد سبق له أن شارك في مهرجانات البندقية وتورنتو ولندن قبل أن يحط الرحال في زيورخ. 

«آدم»رابط خارجي؛ هو الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرجة المغربية مريم توزاني بعد بضعة أفلام قصيرة ووثائقية، وقد جاءت مشاركته في مهرجان زيورخ بعد أن عُرض الصيف الماضي لأول مرة في مهرجان كان السينمائي. يطرح «آدم» قضايا العازبات والإنجاب دون زواج في المغرب وموقع الأمومة فيها وما تخلفه من مشاعر مضطربة، مترددة وحائرة، وذلك من خلال العلاقة التي تنشأ بين العزباء عبلة التي تبيع المعجنات البيتية من شباك بيتها لإعالة بنتها الفتاة وردة، وبين سامية الحامل بدون زواج، والتي تظهر يومًا أمام الشباك وتعرض خدماتها مقابل إيوائها لليلة واحدة، فتتحول الليلة إلى عدة ليالٍ وتنشأ العلاقة التي تُعرض من خلالها قضايا الأمومة حتى تُنجب سامية وليدها وتسمّيه «آدم» ثم تقرر الاحتفاظ به بعد أن كانت مترددة في ذلك.

«الحديث عن الأشجار»رابط خارجي؛ كان مشاركة المخرج السوداني صُهيب قَسَم الباري، وهو وثائقي طويل، يدور حول أربعة مخرجين مسنّين ينتمون إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، درسوا السينما في القاهرة وموسكو وبرلين وأنشأوا بعد عودتهم إلى السودان مؤسسة مستقلة غير حكومية لصناعة الأفلام، لكن الإنقلاب العسكري الذي جاء بالإسلاميين بقيادة عمر البشير في العام 1989 كان بمثابة بداية النهاية لعهد السينما الذهبي في السودان، إذ أن الانقلابيين سيطروا على مُجملِ الحياة الثقافية في السودان وأغلقوا دور السينما فيه. يستعرض الأربعة في الفيلم تاريخهم السينمائي الحافل وترافقهم الكاميرا إلى أرشيفهم الخاص وصالتهم المتحركة التي أنشأوها في حافلةٍ صغيرة صدئة وقدّموا من خلالها أفلامًا في مدنٍ سودانية بعيدة عن العاصمة. كان الفيلم قد شارك في مهرجان برلين السينمائي وحصل على جائزتين؛ الأولى «غلاس هوتا» للأفلام الوثائقية، والثانية جائزة «جمهور البانوراما».

«إلى سما»؛ وثائقي طويل تبلغ مدة عرضه تسعين دقيقة هي خلاصة مادة فلمية من 300 ساعة صورتها في حلب «الطالبة الجامعية» وعد الخطيب منذ بدء الاحتجاجات الجماهيرية التي انطلقت هناك ضد نظام الأسد في العام 2011 مروراً باندلاع النزاع المسلح مع القوات الحكومية وسيطرة المعارضة المسلحة على أجزاء من المدينة وصولاً إلى الحصار المطبق على الأحياء الشرقية الذي تمكنت منه قوات النظام وحلفائه نهاية صيف 2016 بعد التدخل الروسي، والذي انتهى بعد بضعة أشهر باتفاقٍ على خروج المسلحين والمدنيين إلى مناطق غير خاضعة لسيطرة النظام.

وعد الخطيب التي كانت في بداية الانتفاضة الشعبية تدرس الاقتصاد في جامعة حلب، وضعت نفسها في خدمة الجهد الإعلامي للانتفاضة باستخدام الهاتف النقال للتصوير، وعندما تحولت المظاهرات والاحتجاجات السلمية إلى مواجهات مسلحة مع النظام أصرت على البقاء في حلب فطورت أدواتها الإعلامية وحصلت على كاميرا لتوثق بها ما أمكن من الشهادات وحولتها بعد المغادرة القسرية لمدينتها إلى فيلم وثائقي أخرجته بمساعدة المخرج البريطاني « إدوارد وتس» فحاز حتى الآن على إحدى وعشرين جائزة من مهرجاناتٍ في أنحاء مختلفة من العالم بينها مهرجان «كان» السينمائي، لكنه لم يحظَ بأي جائزة في مهرجان زيورخ.

في ظروف الحرب نشأت علاقة حب بينها وبين زميلها في التظاهرات الطبيب حمزة الخطيب الذي أصر هو الآخر على البقاء وإدارة مستشفى لمعالجة الجرحى، فتزوجا وأنجبا طفلةً سمياها «سما»:

«سما، إعملت هيدا الفلم من شانك، بديّاكِ تفهمي شو يللي كنا نئاتل من شانو» «سما أنا بعرف إنك بتفهمي شو عمبيصير، بِقْدر شوف هالشي بعيونك» 

هذه هي أهم الرسائل التي تخاطب فيها وعد الأم بنتها في التعليق الذي وضعته بصوتها للفيلم تعبيراً عن المشاعر المختلفة التي كانت تعيشها تحت وطأة الموت الذي يترصدها والآخرين من كل جانب، وهي تبعث بذلك رسائلها إلى العالم مشفوعةً بمشاهدَ حية ومؤلمة من سنوات الحرب وفترة الحصار.

ثم تسأل وعد بنتها: «سما، راح تسامحيني؟»، وذلك بسبب خيارات البقاء والحب والزواج والإنجاب في الحرب؛ لكن الجواب يبقى معلقًا بابتسامة «سما» وهي تسمع صوت أمها الذي يطغى ربما في أذنيها على أصوات القصف وهدير الطائرات.

جرى العرض الأول بحضور المخرجة التي تحدثت بعده إلى الحاضرين بمشاركة ممثلة عن منظمة العفو الدولية فشكرتهم على بقائهم حتى النهاية على الرغم من المشاهد المروّعة وعلى الرغم من أن بعضهم حضره وقوفًا لنفاد البطاقات. وقالت: “كنا نتوقع كل شيء، أن نفقد أحداً منا أو حتى أن نُقتل جميعًا، ولكننا لم نتصور أبداً بأننا سنُجبر على مغادرة مدينتنا بتلك الطريقة”. وعبّرت عن رجائها بأن “يساهم الجميع في التنبيه إلى أن القتل مازال مستمراً في سوريا وأن يفعل كل واحد شيئًا ولو صغيراً، لأن الأشياء الصغيرة تتحول بالتراكم إلى شيءٍ كبير”. 

swissinfo.ch إلتقت على هامش المهرجان بالمخرجة السويسرية-العراقية عايدة شْلَيبفَر الحسني، المديرة المشاركة لمهرجان الفيلم العربي في زرابط خارجييورخرابط خارجي ورئيسة الجمعية الحاملة لنفس الإسم وسألتها عن انطباعاتها، فقالت: «يختلف مهرجان زيورخ في دورته هذه عن الأعوام السابقة من حيث اختيار الأفلام، لذلك جاءت المشاركة العربية أكبر من سابقاتها، وقد حصل ذلك قبلاً في مهرجان لوكارنو السويسري أيضًا، وربما يعود ذلك في قسمٍ منه إلى تغيير المدراء الفنيين لمهرجانَي زيورخ ولوكارنو، لكنه يشير في كل الأحوال إلى أن السينما العربية تتقدم دائمًا لاحتلال مواقعَ أكبر». وعبرت الحسني عن تمنياتها بتعاون مستقبلي بين مهرجان زيورخ السينمائي ومهرجان الأفلام العربية الذي يُعقد كل سنتين في مدينة زيورخ، وذلك بما يخدم تعزيز حضور السينما العربية هنا وإيصالها إلى الجمهور السويسري.

اختُتم المهرجان مساء الأحد، السادس من أكتوبر الجاري بتوزيع الجوائز بدار الأوبرا في مدينة زيورخ بعد أن استمر عشرة أيام عُرض فيها أكثر من 170 عمل سينمائي وأقيمت فيها العديد من الورش وعُقدت خلالها ندوات لنجوم سينمائية عالمية مثل دونالد ساذرلاند وخافيير باردم وجولي دلبي وأوليفر ستون ورونالد أَيمَّرِش.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية