مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الرئيس بوش فوق عش الدبابير!

يؤكد بعض المراقبين أن الولايات المتحدة لا تملك في الوقت الحالي سياسة محددة تجاه الشرق الأوسط وأن مواقفها هي محصلة للصراع بين تيارين في إدارة الرئيس بوش Keystone

تقف الولايات المتحدة منذ انفجار الأزمة الأخيرة في الشرق الأوسط متهمةً، عربيا وأوروبيا، بسبب ما يوصفُ انحيازا أمريكيا لا محدود مع إسرائيل. لكن بعض المراقبين يعتقدون أن مواقف الإدارة الأمريكية الأخيرة لا تعكس سياسة محددة وواضحة تجاه الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بقدر ما تنبئ عن تجاذب متنافر بين قواها.

عندما أطلق الرئيس الأمريكي تصريحه الشهير:”أن شارون رجل سلام” أثار ردود فعل عربية رسمية وشعبية غاضبة وغير مصدقة. كان أخر تعبير عنها قول وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل أثناء تواجده في قمة كروفورد أنه لا يعتقد أن شارون نفسه مقتنع بذلك.

اعتبر الكثيرون ذلك التصريح إثباتا جديدا على “التحيز الأمريكي الأعمى” لسياسات حكومة أرييل شارون. ورد عليها كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات بالقول :”إن وصف شارون بأنه رجل سلام، مكافأة لإرهاب الدولة وجرائم الحرب التي ارتكبها”.

لكن تلك العبارة إن دلت على شئ فإنما تدل على قناعة عبر عنها العديد من المحللين: أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه نزاع الشرق الأوسط في مأزق، وأن هذا المأزق يعود أساسا إلى انقسام الإدارة الأمريكية تجاهها وأن المشكلة الأساسية تكمن في عدم مقدرة الرئيس جورج بوش الابن على حسم الخلاف الدائر بين أعضاء إدارته.

بين الصقور والحمائم!

“إذا أردنا أن نعطي درجة تقييم للموقف الأمريكي تجاه أزمة الشرق الأوسط فلن تزيد عن -C أي أقل من المتوسط” يقول الدكتور جمال عبد الجواد رئيس وحدة العلاقات الدولية في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية. فهو يعتقد أن الإدارة الأمريكية لديها الكثير من الإمكانيات، لكنها تتردد في استخدامها كثيرا، وكلما ترددت أكثر كلما أزداد الموقف سوءا في المنطقة، وكلما تفاقم التهديد لمصالحها القومية.

لا يأتي تردد الإدارة الأمريكية من فراغ، بل هو نتاج صراع القوى داخل الادارة. يقول الدكتور جمال عبد الجواد:”الكثير مما يبدو من تردد وتناقض في السياسة الأمريكية، وخاصة خلال الشهر الأخير بعد الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية، يمكن إرجاعه إلى الصراع بين تيارين متنافرين في الإدارة الأمريكية”.

يقصد الخبير العربي بالتيارين المتنافرين قطبي الصقور والحمائم. يتمثل معسكر الصقور اليميني المتشدد والمحافظ في وزارة الدفاع الأمريكية وعلى رأسها الوزير دونالد رامسفيلد ونائبه بول ولفوفيتز ويدعمهم إلى حد بعيد نائب الرئيس ديك تشيني.

يرى هذا التيار أن قضية الشرق الأوسط ليست بالأهمية التي تبدو عليها، و لا يوافق على القول بوجود تهديد مهم للمصالح الأمريكية في المنطقة بسبب تطوراتها، وهو منحاز لإسرائيل. يرى أن قضية الأمن، وبالذات الأمن الإسرائيلي، هي الأكثر أهمية. ويعتبر أن استخدام إسرائيل للقوة المسلحة فعال في تحقيق هدف الأمن، وأن حربها حربٌ ضد الإرهاب، تماما كالحرب التي تقوم بها الولايات المتحدة في أفغانستان وأماكن أخرى من العالم.

على الضفة الأخرى، يقف معسكر الحمائم الذي يتجسد في وزارة الخارجية وعلى رأسها الوزير كولن باول ومعه وكالة الاستخبارات الأمريكية السي أي إيه. يعتقد هذا المعسكر جازما أن استمرار واشنطن في سياسة التجاهل والإهمال للأزمة، يعرض المصالح الأمريكية في المنطقة إلى خطر كبير وأنه لابد من تدخل أمريكي يأخذ في الاعتبار المصالح الفلسطينية. وأن الفشل في فعل ذلك سيكون له انعكاسات خطيرة على العلاقات العربية الأمريكية و على حرب واشنطن ضد الإرهاب.

بين القوة.. والأمن!

ليس جديدا ما يثار اليوم عن عملية الشد والجذب بين تياري الصقور والحمائم في الإدارة الأمريكية. فقد كان التنافر بينهما واضحا منذ اليوم الأول لاختيار الرئيس بوش لأعضاء إدارته. لكنه ازداد تفاقما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية. ثم اصبح مكشوفا ومادة تتناولها الصحف الأمريكية بالتحليل والتدقيق منذ إعادة إسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية.

كماأن موقف وزارة الخارجية المعتدل لا يخرج كثيرا عن مواقف سابقاتها في الحكومات الأمريكية الماضية، فهو موقف تقليدي يتعامل مع قضية النزاع العربي – الإسرائيلي من منطلق سياسي لا أمني.

ماهو جديد في الصورة هو موقف وكالة الاستخبارات الأمريكية المعتدل، ودخول وزارة الدفاع طرفا في معادلةِ وضع السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. فقد لفتت صحيفة النيويورك تايمز إلى أن “الدعم الوحيد الذي تتلقاه وزارة الخارجية في سعيها إلى تبني سياسة قوية تأخذ في الاعتبار إنشغالات الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على حد سواء كان منبعه وكالة الاستخبارات الأمريكية”.

يعود ذلك إلى العلاقات القوية التي شكلتها الوكالة مع الجانبين خلال العقد الماضي في دعم التعاون الأمني بينهما. وأصبحت بذلك على إطلاع واسع على طبيعة الخارطة السياسة الإسرائيلية والفلسطينية… ومدى تعقيدها.

أما الطرف الثاني في المعادلة، أي مساهمة وزارة الدفاع، فقد برز واضحا مع حصول البنتاغون على مقعد في النقاشات التنسيقية بين أجهزة الإدارة حول تشكيل سياسة الشرق الأوسط، وهذه سابقة، لكن مبررها، في رأي الدكتور عبد الجواد يعود أساسا إلى ما أسماه ب “انحياز الرئيس الأمريكي بوش بشكل عام إلى القوة المسلحة ولأجهزة وزارة الدفاع كأحد الأدوات الرئيسية في صنع السياسة الخارجية الأمريكية”.

تعزز هذا الانحياز بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، والتي أدت بالإدارة الراهنة إلى التعامل مع كافة القضايا في العالم من منظور أمني. ولذلك تحول نزاع الشرق الأوسط إلى قضية “أمنية” لا “سياسية”. ولهذا تنامى الاتجاه إلى إشراك البنتاغون في حسابات وتخطيط السياسة الأمريكية في المنطقة.

لكن المشكلة الحقيقية في هذا الأتجاه أنه أدى بصورة واضحة إلى مضاعفة انحياز الولايات المتحدة تجاه إسرائيل. ففي الإدارات الأمريكية السابقة كانت مواقف البيت الأبيض ووزارة الخارجية تحد من جموح الكونجرس، وهو المعروف بمواقفه المؤيدة لإسرائيل. أما اليوم فإن تأييد العديد من أعضاء الكونجرس، من الجمهوريين والديمقراطيين معا، لسياسات رئيس الوزراء أرييل شارون يجد صدى قويا في معسكر الصقور. ولا يقف المأزق عند هذا الحد.

الكرة في ملعب الرئيس؟

إذ أن هناك عنصرا هاما هو المحك في كل ما يتردد عن تذبذب السياسة الأمريكية تجاه أزمة الشرق الأوسط:الرئيس جورج بوش نفسه. فهو الصوت الغائب في المعادلة. فمن المعروف أن الإدارات الأمريكية السابقة عايشت هي الأخرى انقسامات قوية بين صفوف أعضاءها. حدث ذلك على سبيل المثال في إدارتي الرئيسين روزفلت وأيزنهاور. لكنهما، أي الرئيسين، كانا قادرين على حسم تلك الخلافات واتخاذ قرار موحد.

أما الرئيس بوش فهو لا يتمتع بهذه الخاصية… في الوقت الحالي على الأقل. ُيرجع الدكتور جمال عبدالجواد هذا الأمر إلى “انعدام” خبرته بالسياسة الخارجية وفهم العالم. صحيح أنه أُضطر إلى التعامل مع العالم الخارجي إثر زلزال الحادي عشر من سبتمبر، لكن اهتمامه يقتصر على مدى تأثيره على الأمن الأمريكي. وتضافر هذين العاملين أدى إلى اعتماده “بدرجة تكاد تكون كاملة على ما يأتي له به المساعدون المنتمون إلى إدارات مختلفة”.

وكانت المحصلة.. سياسة مراوحة وتأرجح تطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية في يوم، وتصفه ب”رجل سلام” في اليوم التالي.

إلهام مانع

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية