مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السلطات الإنتقالية في ليبيا تواجه تحديات أمنية بالغة الصعوبة

أحد الثوار الليبيين داخل مخزن للأسلحة كان تابعا للقوات الموالية للنظام السابق في ليبيا في أحد المصانع الواقعة جنوبي العاصمة طرابلس. Reuters

مخازن كبيرة للأسلحة من دون حراسة، ومليشيات مسلّحة، ومناطق حضرية ملوّثة بالذخائر والألغام، هذه هي ملامح الوضع الأمني الصعب الذي يواجهه قادة ليبيا في هذه المرحلة الإنتقالية الدقيقة.

وتقول سويسرا إنه بإمكانها الإسهام في دعم الجهود المبذولة لإصلاح قوات الأمن، ونزع سلاح السكان المدنيين، وإزالة الألغام في ليبيا خلال هذه المرحلة التي تشهد فيها البلاد عملية انتقال نحو الديمقراطية.

فبعد اعتقال الزعيم الليبي السابق، معمّر القذافي، ثم قتله، في 20 أكتوبر 2011، اتجهت ليبيا نحو نظام ديمقراطي. ومن المقرر أن ينتخب الشعب الليبي بحلول شهر يونيو المقبل، جمعية وطنية للإشراف على صياغة دستور جديد للبلاد، تليها انتخابات برلمانية ورئاسية.

وفي الأسبوع الماضي، انتخب المجلس الوطني الإنتقالي رئيس وزراء جديد في شخص الدكتور عبد الرحيم الكيب، سوف يختار بدوره أعضاء حكومته التي ستقود المرحلة الإنتقالية. لكن الأوضاع الأمنية لا تزال مصدر قلق شديد. وفي خطاب متلفز بُثّ أخيرا، شدد الكيب على الحاجة الملحة إلى الإسراع في تشكيل أجهزة أمنية جديدة، مضيفا بأن “انتشار الأسلحة بهذه الطريقة العشوائية يثير لدينا مخاوف حقيقية”.

كذلك عبّر مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي عن انزعاج شديد تجاه مصير ترسانة الأسلحة الضخمة التي راكمتها ليبيا في ظل نظام معمّر القذافي، ومنها حوالي 20000  صاروخ محمولة على الكتف.

وأبلغ إيان مارتن، مبعوث الأمم المتحدة الأسمى إلى ليبيا مجلس الامن، أنه على الرغم من تدمير الآلاف من الآليات والأسلحة خلال عمليات حلف شمال الأطلسي في ليبيا، يزداد قلق الأمم المتحدة بشأن “النهب والإنتشار المحتمل “لقطع السلاح، وغيرها من الذخائر والألغام التي زرعت حديثا، وكذلك غياب التأمين والسيطرة على مواقع المواد الكيميائية والنووية في ليبيا”.

من جهته، أعرب جورج فاراغو، المتحدث بإسم وزارة الخارجية السويسرية في تصريح إلى swissinfo.ch عن اعتقاده بأن “الإنتشار الواسع للسلاح هي واحدة من أكبر المشاكل في الفترة التي تلي مباشرة توقف الصراع في أي بلد”.

خبرة خاصة ومتميّزة

سويسرا أعربت عن استعدادها للمساعدة في إعادة بناء وإعمار ليبيا في أعقاب الحرب الأهلية المدمّرة التي استمرت ثماني أشهر، وتقول إنها على استعداد للمشاركة في بعثة خاصة للأمم المتحدة لهذا الغرض. وفي مقابلة أجرتها معها أخيرا صحيفة “دي تسونتاغ”، الناطقة بالألمانية، أشارت ميشلين كالمي – ري، وزيرة الخارجية السويسرية إلى أن “مراكز الأبحاث الأمنية العاملة في جنيف قادرة على توفير الخبرة اللازمة لهذا الغرض”.  

وفعلا عرض مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة DCAF، الذي يتلقى نصف تمويله من الحكومة السويسرية ، بشكل رسمي الشهر الماضي على ليبيا مساعدتها في إصلاح القطاع الامني، ووضع الأطر القانونية المناسبة لذلك. وأوضح أرنولد لوثهولد، المدير المساعد للمركز ورئيس برنامجه لشمال إفريقيا والشرق الأوسط أن “الأمر لا يزال مبكرا، ولكن يوجد اهتمام بضرورة بدء حوار بهذا الشأن”.

وقال لوتهولد، “إن مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة يمكن أن يعتمد على حصيلة تجاربه السابقة في أوروبا الشرقية، والأراضي الفلسطينية المحتلة، ولبنان والمغرب وتونس في توجيه النصح والمشورة للمسؤولين الليبيين حول قضايا مهمة مثل كيفية السيطرة على المجموعات المسلحة لضمان احترام حقوق الإنسان”. لكنه استدرك للتأكيد على أن المهمّة ستكون هائلة وثقيلة: “في أوروبا الشرقية، حيث كانت إدارة هذا الأمر أيسر، استغرقت عملية الإنتقال 20 عاما. أما في ليبيا، فعلينا الإبتداء من درجة الصفر، وبالتالي سوف يستغرق هذا العمر 20 إلى 30 سنة”، على حد قوله.

إزالة الألغام

بدأت سويسرا بالفعل تمويل برنامجيْن لإزالة الألغام في ليبيا، فقد منحت دائرة الأمم المتحدة لنزع الألغام 160.000 فرنك سويسري، وتقوم هذه الدائرة بتنسيق جميع أنشطة نزع الألغام في البلاد. كما منحت سويسرا أيضا 90.000 فرنك للمؤسسة السويسرية لنزع الألغام، التي يوجد مقرها بجنيف. ومنذ أبريل 2011، يقوم نحو 100 موظف تابعين لهذه المؤسسة بإزالة مخلفات الحرب غير المتفجّرة في مناطق الملوثة، وذلك كجزء من المجهود الدولي المبذول لهذا الغرض.

وأوضح ألكسندر غريفيث، رئيس عمليات هذه المجموعة بأن “الوضع الناجم عن الألغام الأرضية في الحرب الأهلية في ليبيا ليس معروفا بالشكل الكامل، لكننا لا نتوقّع أن تكون ذات أهمية كبرى، أو أن تكون المناطق الملوثة واسعة بشكل كبير لأن خطوط المعركة كانت منسابة ومفتوحة ، ومدة الصراع كانت قصيرة نسبيا”.

وأضاف غريفيث: “أغلب الألغام الجديدة أستخدمت عبر المدفعية، وقد تناثرت الذخائر العنقودية في مناطق مفتوحة، لذلك من السهل التعامل معها”. لكن توجد أيضا كما يقول: “حقول الألغام القديمة” التي يعود تاريخها إلى الحرب العالمية الثانية، وهذه الألغام تغطي مساحات شاسعة على طول الحدود الليبية مع مصر وتونس وتشاد.

مخازن كبيرة دون حراسة

على صعيد آخر، تختلف مشكلة المستودعات الكبرى للذخيرة، جذريا عن القضايا المذكورة سابقا إذ هي تدخل في إطار جهود محاربة الإرهاب على المستوى الدولي، وضمان الأمن والإستقرار في داخل ليبيا.

 

وكانت مستودعات الأسلحة التي كانت بحوزة نظام القذافي تعرضت على مدى الشهور الثمانية الماضية إما إلى هجمات حلف شمال الأطلسي، أو طالتها عمليات تخريب من طرف الموالين للنظام السابق حتى لا تسقط بأيدي ثوار 17 فبراير. كذلك قام نظام القذافي ببناء مخازن خاصة للأسلحة في الصحراء لتموين معركته الأخيرة ضد الثوار. وقد صدرت تقارير إعلامية تؤكد وجود هذه المخازن التي تفتقد حاليا إلى أي حراسة. وسبق أن صرح ألكسندر غريفيث أن “ليبيا ليست اليمن أو افغانستان، حيث يوجد سلاح وذخيرة لدى الجميع، لكنها يمكن تصبح كذلك”، أما مصدر القلق الحقيقي فهو أن تقع تلك الأسلحة في الأيادي الخطأ.

ويشير رئيس العمليات في المؤسسة السويسرية لنزع الألغام إلى أن “الأموال اللازمة لتأمين هذه الأسلحة متوفّرة حاليا، لكن لم يتم التعاقد بشأنها، وبالتالي لم تصرف هذه المخصصات إلى حد الآن، وهناك مصاعب متزايدة تبدو أثناء التفاوض على تأمين هذه المستودعات مع السلطات الليبية، إذ أن الكثير من المجموعات المسلحة وقادة الألوية لا يعترفون بسلطات المجلس الوطني الإنتقالي”.

وفيما يؤكد غريفيث على أن “جهود الإتصالات الدبلوماسية تتم على مستوى السفارات، لكن يتوجب على باذلي تلك الجهود التشمير على سواعدهم، والنزول إلى الميدان لبناء علاقات مع القيادات الوسطى والصغرى، فهم وحدهم القادرون على السماح بالوصول إلى تلك المواقع من عدمه”.

استطاع معمر القذافي تكديس ترسانة كبيرة من الأسلحة المتنوعة  خلال 42 عاما التي قضاها في السلطة ، مستفيدا من احتياطيات ليبيا الهائلة من النفط.
 
وفقا لأندرو فاينشتاين، مؤلف كتاب “عالم الظل : من داخل تجارة الأسلحة العالمية” منذ عام 1970 وحتى 2009 ، ورغم وجود حظر سلاح  على المدى الطويل من الامم المتحدة على ليبيا في الفترة ما بين 1992 و 2003، أنفقت ليبيا 30 مليار دولار على الأسلحة. وكان مصدر معظمها من الاتحاد السوفياتي، ومؤخرا روسيا وروسيا البيضاء، ولكن كذلك كان هناك موردين غربيين من فرنسا وألمانيا.
 
وقد أعرب مجلس الأمن عن قلقه إزاء مصير هذا المخزون الضخم من الأسلحة. وقد دعت ليبيا وجيرانها للحد من انتشار الأسلحة المنهوبة غير أنها تشعر بالقلق من أن تقع في أيدي القاعدة وجماعات متشددة اخرى. وقد تم تدمير العديد من الأسلحة في عمليات حلف شمال الاطلسي الاخيرة لكن مسؤولين يقولون انه ليس من الواضح كم من الاسلحة لا يزال في التداول.
 
وقالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في الاسبوع الماضي ان السلطات الليبية قد أبلغت أنها عثرت على مخابئ لأسلحة كيميائية خلف المخابئ التي اعلن عنها معمر القذافي في وقت سابق. كما تم أيضا العثور على  7000 قطعة من اليورانيوم الخام، كما يقول المسؤولون.

تساعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تتخذ من جنيف مقرا لها في الجهود الرامية إلى إزالة الذخائر غير المنفجرة في ليبيا.
 
منذ مارس 2011، قامت اللجنة الدولية بإزالة حوالي 1400 رأس حربي وذخائر وقنابل يدوية وقذائف هاون في مدينة بنغازي، وأجدابيا، ومصراتة، والبريقة، ورأس لانوف وجبال نفوسه.

في الوقت الحاضر، تركز اللجنة أنشطتها على مدينتي سرت وبني وليد، حيث توجد أعلى نسبة من تلك الأجسام، وذات الأثر السلبي والخطير على صحة الإنسان وسلامته.

(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية