مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إلى أين تسير الأوضاع في الجزائر .. وقضايا عربية أخرى

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة
في هذه الصورة المأخوذة عن التلفزيون الرسمي الجزائري (نقلا عن قناة النهار الخاصة)، يبدو الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة جالسا على كرسي متحرك، لدى قيامه بتقديم نص استقالته إلى رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، خلال اجتماع عُقد يوم 2 أبريل 2019. Keystone / Entv

أفردت الصحف السويسرية الصادرة خلال الأسبوع المنقضي مساحة كبيرة لتطوّرات الاحداث في الجزائر خاصة بعد إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تخليه عن الترشّح لعهدة خامسة، لكن هذه الصحف تطرقت أيضا إلى الأوضاع في كل من المملكة العربية السعودية والسودان، وأيضا قضية السويسريين الذين سافروا للمشاركة في القتال في مناطق نزاعات في سوريا والعراق.

أسرار السلطة والمال في الجزائر

واصلت الصحف السويسرية متابعتها للتطورات المتسارعة في الجزائر. صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” الصادرة في مدينة زيورخ خصصت العديد من صفحاتها لتغطية الأوضاع في الجزائر بالتحليلات ومقالات الرأي.

ففي مقال بتاريخ 11 مارس تحت عنوان “استقالة بوتفليقة لا تكفي لإخماد نار الغضب في الشارع الجزائري”،  كتب الصحفي فابيان اوريش “تراجع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن الترشح لعهدة خامسة لن يرُضي المحتجين المتعطشين للمزيد من الإصلاحات، فالرئيس الجزائري هو الحلقة الأضعف في دائرة العصابة الممسكة بمقاليد الحكم في البلاد”.

ورأى الكاتب أن النظام قدم بوتفليقة قربانا للشارع الجزائري لتهدئة الاحتجاجات، لكن تغيير الواجهة فقط يشير إلى عدم جدية النظام في القيام بإصلاحات جذرية، لأن “التغيير يعني نهاية الطبقة الحاكمة والمستفيدة من نهب كنوز البلاد”. وحذر الكاتب بالقول” هذه الطبقة لن تستسلم بسهولة، ما يعني أن الهدوء لن يعود إلى الجزائر في القريب العاجل”.

 من يحكم الجزائر؟

صحة الرئيس الجزائري المعتلة وعجزه عن ممارسة أبسط مهامه الرئاسية كانت محور اهتمام الصحف عموما، فإذا كان بوتفليقة لا يحكم، فمن يسير البلاد؟ هذا السؤال حاولت صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ الإجابة عنه وذلك في مقال صادر بتاريخ 12 مارس 2019.

 الصحيفة أكدت أن عهد بوتفليقة لا ينتهي بمجرد غيابه عن مشهد السلطة، لأن البلاد لا يحكمها بوتفليقة بل ثلاث قوى تتحكم في مقادير البلاد وتتقاسم الثروات بينها. هذه القوى “هي الطبقة السياسية والجيش وطبقة رجال الأعمال. مجموعات المصالح هذه استطاعت بناء التحالفات وحماية بعضها وخلق توازنات تضمن للجميع بقاء النظام والحفاظ على مصالحها لعقود”. 

وأشارت الصحيفة إلى أن “الطبقة السياسية تهيمن عليها عائلة الرئيس، خاصة شقيقه سعيد البالغ من العمر 61 عاما والذي أصبح يمثل بوتفليقه في المناسبات الرسمية ويستقبل العسكريين وكبار المسؤولين ورجال الأعمال. كما أن هناك التقاء وتقاطع في المصالح بين الطبقة الساسية وطبقة رجال الأعمال وأكبر دليل على ذلك علاقة سعيد بوتفليقة القوية برجل الأعمال على حداد، الذي يمثل قمة الطبقة الرأسمالية الثرية”. 

 وفوق كل هذا وذاك يتربع الجيش على عرش السلطة، فهو العمود الفقري للبلاد منذ استقلال الجزائر في عام 1962، حيث رشح الجيش بوتفليقة للرئاسة في عام 1999 وساعده على الفوز في الانتخابات. 

 ومنذ ذلك الحين لم يتخل الجيش عن لعب دور بارز في الساحة السياسية وقطاع الاقتصاد. ورغم انحسار نفوذه قليلا خلال رئاسة بوتفليقة، إلا أنه يبقى أفضل قوة منظمة في البلاد. ويمثل الجيش رئيس الأركان أحمد قايد صلاح، أكثر الجنرالات ولاءً لبوتفليقة والذي أزاح الكثير من جنرالات الجيش عن السلطة، وأشهرهم مدير المخابرات السابق محمد الأمين مدين، المعروف أيضًا باسم توفيق بعدما شكك في قدرة بوتفليقة على الحكم.” 

انسحاب بوتفليقة.. هل هي حركة مخاتلة من الجيش؟

 الحدث الجزائري واصل شغل مساحة مهمة من صفحات الصحف السويسرية الناطقة بالفرنسية، فقد خصص الركن الدولي من صحيفة “لوتون” في عددها ليوم الأربعاء 13 مارس صفحة كاملة لإجراء حوار مع فرانسوا بورغا، الخبير الفرنسي في شؤون العالم العربي، والباحث الكبير بالمركز الوطني الفرنسي للبحوث، والذي برأيه “من الصعب القول أن انسحاب بوتفليقة من السباق في الانتخابات الرئاسية الجزائرية يمثّل فعلا تراجعا ل”السيستم المتحكّم في دواليب السلطة”، أم هي مجرّد حركة مخاتلة من مؤسسة الجيش” للبقاء في السلطة”.

 الصحيفة أجرت حوار مطوّلا مع بورغا، ومن أبرز ما جاء فيه:

ردّا عن سؤال، إذا ما كان تخلي بوتفليقة عن العهدة الخامسة، سيضعف تعبئة الشارع الجزائري،  يقول بورغا: “الأوضاع الآن بصدد الخروج من مرحلة كانت فيها الاحتجاجات موضع اتفاق وتفهّم من جميع الأطراف السياسية الجزائرية. ولكن مع انسحاب بوتفليقة يدخل الوضع في الجزائر مرحلة أقلّ توافقا لأن الجهود خلالها سوف تنصبّ على تجديد النظام السياسي بصفة كاملة، وليس فقط على آخر واجهة له. وهذه المرحلة إذا ما نجحت، سوف تكون أقّل توافقا إلى حدّ أبعد بكثير من الأولى، لأنها ستشمل عملية إعادة توزيع لموارد النظام المنتهي، أو الثروات التي أجبر النظام القديم على التخلي عنها. لاحقا، سوف ندخل في مرحلة أخرى سوف تتعدد فيها وتختلف انتظارات مكوّنات المجتمع الجزائري”.

وقال تعليقا عمّا صرّح به قائد الجيش الجزائري الجنرال أحمد قايد صالح الأسبوع الماضي من أن “الجيش والشعب الجزائري يشتركان في نفس المبادئ”، قال بورغا: “ما نثق فيه هو أن قوله هذا محاولة منه للتشبّث بتلابيب السلطة بكل الطرق، أما القول بأن هناك اتفاق على المبادئ بين الجيش والشعب، فلا أثق في ما قال، لأن انتظارات الشعب الجزائري مخالفة تماما لما عهدناه عن النظام القائم في الجزائري، والذي يعد قائد الجيش أحد أبرز رموزه”. ثم يضيف الخبير الدولي: “كذلك الجيش الجزائري ليس وحدة صماء، بل نجد داخله العديد من مراكز القوي، وكل واحد منها له مصالحه قد تتفق وقد تكون مصدر منافسه مع الآخرين، فضلا عن جهاز الاستخبارات”.

وإجابة عن سؤال توجهت إله به الصحيفة السويسرية، حول ما المنتظر أن يفعله المتمسّكون بالنظام السائد حاليا في الجزائري، قال بورغا: “لقد وصل هؤلاء إلى مرحلة متقدمة جدا من تعارض مصالحهم، لا يمكن تصوّرها إلى درجة الإبقاء على إطار داخله “كرسي متحرّك”. وما لا نعرفه اليوم، هو طبيعة رد الفعل التي ستصدر عن هذا الحيوان، أو بالأحرى القول عن هذا الوحش الذي أصيب اصابات بليغة، لكنه مازال يحتفظ بالكثير من القوة العسكرية ومن القدرة على القمع. فهل سيتجرأ هذا النظام على استعمال هذه الموارد؟ ام أنه سيتعقّل وسيختار طريق أخرى لم يهتد إليها منذ عقود؟”. 

“صمت سويسرا للحفاظ على مصالحها”

نشرت صحيفة “24 ساعة” الناطقة بالفرنسية والصادرة بلوزان، يوم الثلاثاء 12 مارس مقال رأي بشأن امتناع سويسرا عن إدانة المملكة العربية السعودية بسبب حصيلتها في مجال انتهاكات حقوق الانسان. 

ومنحت الصحيفة هذه المساحة لمانون شيك، رئيسة فرع منظمة العفو الدولية بسويسرا. في المقال توقفت شيك عند امتناع سويسرا عن توقيع الإعلان المشترك الذي وقع عليه 36 بلدا بما في ذلك أغلب أعضاء الاتحاد الأوروبي والذي يدين انتهاكات المملكة العربية السعودية في مجال حقوق الإنسان. ورفضت المدافعة عن حقوق الإنسان كل التبريرات التي ساقتها وزارة الخارجية السويسرية لهذا الموقف الذي اعتبرته “مثير للسخرية”K مثل القول بأن سويسرا لا ترى مبررا لإمضاء الإعلان المشترك لأن “وزير خارجيتها أشار إلى قضية الصحفي المغتال خاشقجي في خطاب سابق”، بينما رأت رئيس فرع منظمة العفو الدولية أن الموقف السويسري يتوافق وما عبّر عنه رئيس سويسرا أولي ماورر خلال الدورة الأخيرة للمنتدى الاقتصادي العالم بدافوس، حيث صرّح بأنه “تمت تسوية قضية خاشقجي، وأنه تم تطبيع العلاقات بين سويسرا والمملكة العربية السعودية”. 

وتذهب شيك المدافعة السويسرية الشرسة عن حقوق الانسان، بأن الموقف السويسري هو لبنة أخرى على طريق التطبيع مع “نظام ينتهك الحقوق الأساسية لمواطنيه، ويفرض قيودا مشددة على حرية الرأي”، لتخلص شيك إلى أن شيئا ما تغيّر في توجهات الدبلوماسية السويسرية “فصمت سويسرا أمام تدهور أوضاع حقوق الإنسان في الملكة العربية السعودية يأتي في سياق تغليب المصالح الاقتصادية على الحقوق الأساسية”. وهو برايها ما سيؤدي إلى “فقدان سويسرا للموثوقية، وإلى إضعاف مؤسسات مثل مجلس حقوق الإنسان الذي تتدعي سويسرا الدفاع عنه”. 

“الحكومة السويسرية تتنصّل من مسؤولياتها”

انتقدت صحيفة تاغيس انتسايغر قرار الحكومة السويسرية منع السويسريين المقاتلين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية من العودة إلى البلاد والإصرار على محاكمتهم داخل الأراضي السورية. 

وقال الصحفي كورت بلدا في مقال له بالصحيفة الصادرة بتاريخ 9 مارس 2019 ” تحاول الحكومة ترحيل المجرمين والإسلاميين ـ الذين يشكلون تهديدا للبلاد ولا يحملون الجنسية السويسريةـ إلى بلدانهم الأصلية. كما حدث مع الشيخ الإثيوبي في مسجد النور في مدينة فينتر تور، بعد تبنيه خطاب الكراهية ودعوته إلى قتل المسلمين. لكن عندما يتعلق الأمر بإعادة بعض المجرمين السويسريين الخطرين في سوريا، تستبعد الحكومة الفدرالية مسألة الترحيل. بهذا النهج تتبع الحكومة سياسة المعايير المزدوجة”. 

 وأضاف الصحفي المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية “قرارات الحكومة يجب أن تقوم على الحقائق وليس على أضغاث الأحلام”. وانتقد الكاتب الخطة البديلة لوزيرة العدل السويسرية كارين كيلر- سوتر والمتمثلة في “الانتظار والتمني”، موضحا أن الوزيرة دعت إلى محاكمة الجهاديين السويسريين الذين تقطعت بهم السبل في سوريا وفق المعايير الدولية، وإلى قولها “في حال فشل هذه المحاولة، فإنها ستراقب الوضع وتأمل في عدم عودة الجهاديين غير المعترف بهم إلى أوروبا”. وتساءل الكاتب عن كيفية ضمان المعايير الدولية في سوريا.

بلدا ختم مقال الرأي بالقول “رغم ذلك تبقى هناك أخبار سارة، حيث أعربت الحكومة السويسرية عن إمكانية إعادة الأطفال السويسريين من سوريا. من بين هؤلاء فتاتان تم اختطافهما من والدتهما في سن الرابعة والعاشرة. الحكومة اقترحت أيضا مراجعة كل حالة على حدة وبشكل دقيق للغاية. وهذه البيروقراطية في صراع مع الوقت، فقد لا يمكن إعادة الأطفال إلى سويسرا بعد الانسحاب المقرر لغالبية الجنود الأمريكيين من شمال شرق سوريا، وماذا لو حدث شيء للأطفال المخطوفين، هل ستتحمل الحكومة السويسرية مسؤولية ذلك؟”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية