مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“جحيم الغوطة الشرقية” جزء من “حرب الكل ضد الكل في سوريا”

الصفحات الأولى لعدد من الصحف السويسرية
اهتمت الصحف السويسرية هذا الأسبوع بشكل خاص بالأوضاع الإنسانية في الغوطة الشرقية في ظل تواصل الحصار والقصف الجوي وسقوط المئات من الضحايا المدنيين. swissinfo.ch

"المذبحة تتواصل في الغوطة".. "في الغوطة.. حتى الحيوانات هربت".. "إنها حرب الكل ضد الكل في سوريا".. تحت هذه العناوين أفردت الصحف السويسرية الصادرة بالفرنسية والألمانية هذا الأسبوع مساحات مهمة لنقل الأخبار والصور والشهادات المروعة القادمة من الغوطة الشرقية في ضواحي العاصمة السورية، كما خصصت العديد منها افتتاحيات للتعليق على تفاصيل المجزرة وتداعياتها في ظل صمت ولامبالاة العالم.

في افتتاحية نشرتها صحيفة “لا ليبرتي” في عددها بتاريخ 22 فبراير 2018، كتب باسكال بايريسفيل “في كل مرة، نظن أنا وصلنا إلى القاع، أي إلى قمة الفاجعة. فبعد درعا (2011) وحمص (2012 – 2014) أو حلب (2012 – 2016) من جملة العديد من الحالات الأخرى، يُطيل حصار الغوطة الشرقية قائمة المجازر المُخطط لها في سوريا، لكن في هذه الحالة – وأكثر مما حصل في مناطق أخرى – فإن لم يتبقى أمام السكان المدنيين الواقعين في الفخ من منفذ إلا السماء”.

كاتبُ الإفتتاحية لفت إلى أن “شيئا ما تغيّر خلال الأشهر الأخيرة”، ذلك أن “عملية تفكيك تنظيم داعش التي تُوشك على الإنتهاء منذ نهاية عام 2017 تحرم نظام الأسد من فزّاعة سمحت له أحيانا بتغطية استراتيجيته العقابية تُجاه شعبه”، وأضاف أنه “بوجه هذه الإستراتيجية، كشفت مواقف الإستنكار والنداءات الداعية إلى وقف أعمال القصف مرة أخرى عن عجز الغربيين ونقصان المصداقية لديهم”. أما النتيجة فتمثلت حسب ما يُذكّـر به بايريسفيل في أن “ضربات جوية مثل التي تتعرض لها أحياء بأكملها على مشارف دمشق منذ أربعة أيام استمرت حوالي ستة أشهر في حلب!”.

افتتاحية “لا ليبرتي” أضافت أن “النظام القائم في دمشق يشعر – بعد أن وصل إلى هذه النقطة – بأنه قوي إلى الحد الذي يسمح له باستعراض عضلاته بوجه تركيا الرئيس أردوغان في جيب عفرين الحدودي الكردي، مع ما يحتمله ذلك من مخاطر حصول مواجهة مباشرة تتميز بقدر أكبر من التعقيد حيث يتعلق الأمر بجار مباشر وبتجاوز بعض الداعمين أو التوافقات التقليدية في المنطقة”. بكلمة أخرى، تتجه الأمور حسب باسكال بايريسفيل إلى اندلاع “حرب جديدة داخل الحرب” على غرار ما تشهده سوريا منذ حوالي سبعة أعوام، وذلك “تحت أنظار بقية العالم الممزوجة بالأسى أو المُرتابة أو غير المبالية”.

“لا معنى للكلمات”

صحيفة لوتون بتاريخ 22 فبراير 2018، اعتبرت في افتتاحية كتبها لويس ليما تحت عنوان “في الغوطة، الكلمات الزائدة عن اللزوم” أن “الأهوال التي تنهال في هذه اللحظة على سكان الغوطة الشرقية بمحاذاة دمشق أصبحت غير قابلة للتوصيف، ليس لأن الأطفال وأقاربهم يفقدون فيها أرواحهم ولكن أيضا وبالخصوص بسبب الإستخفاف والإزدراء الذي لا يُصدق المحيط بعملية القتل المبرمج هذه”. فعلى سبيل المثال، فإن “روسيا – التي كان يُفترض حتى الأمس القريب أن تكون “طرفا ضامنا” لما يُشبه وقف إطلاق النار في هذه الجهة التي أعلن أنها “منطقة خفض التصعيد” – تنخرط قواتها اليوم بنشاط في المذبحة بتعلة أن الأمر يتعلق – مرة أخرى – بـ “ملاحقة الإرهابيين” المختبئين وسط حوالي 400 ألف ساكن يقيمون في الغوطة”، أما فرنسا إيمانويل ماكرون، فهي لا زالت تضرب أخماسا بأسداس وتُخمّن بشأن حقيقة سلسلة من الهجمات الكيماوية المرتكبة في الفترة الأخيرة من طرف النظام السوري، منتظرة “ثبوت الأدلة بوضوح” قبل “الضرب”.إلا أن لويس ليما يستدرك قائلا: “إن الدليل الذي كانت تبحث عنه الحكومة السورية وروسيا قد تم العثور عليه فعلا، لكنه مختلف تماما: بإمكان المجزرة أن تستمر ومهما كانت “الخطوط الحمر” التي يتم تجاوزها، فلن يتحرك أحد لمساعدة سكان الغوطة الشرقية”.

وبعد أن ذكر كاتب افتتاحية “لوتون” بأن “القتل البطيئ للغوطة يُمثل تكرارا لما جُرّب في سوريا أكثر من مرة”. ففي أكثر من موقع ومناسبة، تمثل تسلسل الأحداث في “القصف المنهجي للمستشفيات ومراكز العلاج والإستهداف المباشر للسكان المدنيين في أعقاب حصار استمر عدة أعوام أدى إلى تجويعهم بما جعل اليأس المطلق والموت مخرجا وحيدا.. وهو السيناريو الذي أسفر عن سقوط شرق حلب”، إلا أن كل هذا يحصل اليوم “في ظل انتفاء الحاجة إلى أي احتياطات خطابية أو نفي غامض لاستخدام براميل البارود أو أي أسلحة أخرى محظورة، أو بأي تعلات لإجلاء الجرحى.. وكأن كل هذا أصبح أمرا مفروغا منه. فقد حذر سيرغي لافروف، رئيس الدبلوماسية الروسية بوضوح: “إننا سنُعيد القيام بالتجربة التي سمحت بتحرير حلب”. إنها الكلمات الزائدة عن اللزوم”، يختتم لويس ليما.  

في عددها الصادر يوم 22 فبراير أيضا، نقلت صحيفة “24 ساعة” التي تصدر بالفرنسية في لوزان عن الخبير حَسْني عبيدي، مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي والمتوسط (التابع لجامعة جنيف) إجابته عن سؤال يقول: هل دخلنا في المرحلة الأخيرة للحرب؟ اعتبر فيها أن “النظام يريد أن يكون في موقف قوة قبل أن يُفاوض تسوية تبدو قريبة للنزاع”، لكنه أشار إلى أن “تركيا تحاول أيضا في عفرين فرض المنطقة العازلة التي تُطالب بها على طول الحدود (المشتركة مع سوريا)، كما أن الأكراد طلبوا مساعدات من دمشق نظرا لأن حليفهم الأمريكي يُفضل إغماض عينيه لأنه لا يُريد أن يُضطر لقتال أنقرة العضو في الحلف الأطلسي، ولكن أيضا لأن واشنطن حددت منطقة نفوذها في سوريا في المنطقة الشرقية وتحديدا في المثلث الذي يتوسط تركيا والعراق والأردن”، حسب رأيه. 

حسني عبيدي أضاف في تصريحاته للصحيفة أنه “عندما يحين أوان التفاوض، فإن إيران سوف تبدي قدرا أكبر من التعقل إذا ما كانت حريصة على استمرار الإتفاق النووي.. الذي قد ينسحب منه ترامب يوم 12 مايو!”، مع ذلك، تظل اللعبة الجارية في سوريا خطيرة مهددة باندلاع انفجار إقليمي “إذا لم تعد إسرائيل تحتمل وجود قوات إيرانية على حدودها مثلا”، على حد قول مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي والمتوسط. 

“اختلطت الأوراق وأصبح الكل ضد الكل”

في مراسلة خاصة، أكدت صحيفة تاغس أنتسايغر الصادرة بالألمانية في زيورخ أن منطقة الغوطة الشرقية في ريف دمشق أصبحت “جحيما ومقبرة للمدنيين”، وأشارت إلى أن مصيرها لن يختلف عن مدينتي حلب وحمص وفق سياسة “الأرض المحروقة” التي ينتهجها النظام السوري.

في هذا الصدد، نقل أنتون باول كروغر مراسل الصحيفة لشؤون الشرق الأوسط عن شهود عيان قولهم، أنه “لا أحد يجرؤ على مغادرة منزله وأن سيارات الإسعاف هي الوحيدة المتواجدة في الشوارع الآن. وقال عامر المحيباني من الغوطة الشرقية في مقابلة هاتفية إنه لم يشهد أي شيء من هذا القبيل خلال سنوات الحصار الخمس. ووفقا للأمم المتحدة لقي 230 مدنيا حتفهم جراء القتال الأسبوع الماضي في سوريا. وكان الأسبوع الماضي واحدا من أسوإ الأسابيع منذ بداية الحرب الأهلية في مارس 2011.وحسب أرقام الأمم المتحدة فإن حوالي 400 ألف شخص محاصر الآن في منطقة الغوطة الشرقية، التي تطوقها القوات الحكومية.

مراسل الصحيفة السويسرية أفاد أيضا أن “الغوطة واحدة من آخر الجيوب التي ما تزال تسيطر عليها الفصائل المسلحة وتقوم الطائرات الحكومية بقصفها منذ أيام دون توقف وذلك على الرغم من أن الغوطة الشرقية واحدة من أربع “مناطق خفض التصعيد” وافقت روسيا وإيران وتركيا مع الفصائل المسلحة علي إبقائها خارج دائرة القتال وهي مناطق كان من المفترض أن تمهد الطريق لإيجاد حل سياسي للسلام”.

أنتون باول كروغر أضاف أن “هذا التصعيد يأتي بعد فترة من الهدوء النسبي، لكن القتال اشتعل الآن على جبهات عدة في سوريا، حيث اختلطت الأوراق وأصبح الكل ضد الكل. غزت القوات التركية شمال غرب البلاد بعد إعلان الرئيس التركي عزمه القضاء على الميلشيات الكردية في منطقة عفرين. من جهة أخرى، التحقت قوات تابعة للنظام السوري وتضم مستشارين إيرانيين ومقاتلين من حزب الله بالميليشيات الكردية لمساندتها في عفرين ضد الجيش التركي. الوضع أصبح معقدا للغاية، فالأكراد الذي يتلقون الدعم العسكري من نظام الأسد في الشمال الغربي، يُحاربون إلى جانب الأمريكيين في الشمال الشرقي ضد النظام نفسه. وأردوغان يهدد شريك الناتو الولايات المتحدة الأمريكية، فيما تهاجم قوات المرتزقة الروسية والميليشيات الإيرانية قاعدة كردية يتمركز فيها عسكريون أمريكيون”.

حول الأوضاع الإنسانية في الغوطة الشرقية كتب مراسل تاغس أنتسايغر: “يأتي هذا في الوقت، الذي يشعر فيه سكان الغوطة أن العالم تخلى عنهم وهذا ليس بالشعور الجديد عليهم ، ففي أغسطس 2013 تعرضت المنطقة لهجوم كيماوي وكانت كل المؤشرات تدل على أن هذه الأسلحة الكيماوية تعود لترسانة النظام السوري وكانت الولايات المتحدة والغرب على وشك التدخل عسكريا والإطاحة بالأسد بالقوة، أما اليوم فيبدو أن بشار الأسد أصبح بفضل سلاح الجو الروسي والميليشيات الإيرانية أقرب من أي وقت من تحقيق هدفه المعلن منذ البداية ألا وهو “إنهاء الحرب فقط، عندما يرفع الجيش العلم السوري على آخر سنتيمتر من الأراضي السورية”.

وتابع المراسل أن سكان الغوطة الواقعين بين مطرقة جيش الأسد وسندان الجهاديين، تعلموا الإعتماد على النفس بعد تخلي العالم عنهم، حتى أنهم بدأوا في تأسيس مدارس في الأقبية لحماية الأطفال من القصف الحكومي ولتجنبيهم الذهاب إلى المدارس الدينية التابعة للجماعات المتطرفة المسيطرة على الغوطة الشرقية. وأوضح أنتون باول كروغر أن “مصير سكان الغوطة قد لا يختلف عن مصير سكان حمص أو حلب، الذين تمت محاصرتهم من قبل الجيش الحكومي، بعد تدمير البنية التحتية، حيث يتم الآن قصف المخابز والأسواق والعديد من المستشفيات والمرافق الطبية. في الوقت نفسه، تم تدمير الأنفاق لمنع وصول الغذاء، كما حدث العام الماضي خلال حصار الغوطة. كما تم حظر قوافل المساعدات الإنسانية. من جهة أخرى، ارتفعت الأسعار بشكل جنوني خلال الأسابيع القليلة الماضية، حتى أصبح الخبز سلعة رفاهية”. واختتم المراسل قائلا: “من المتوقع أن يستمر القصف حتى الإستسلام”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية