مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الشارع العراقي ونتائج الانتخابات الأمريكية

عراقيون يتابعون عبر الفضائيات في إحدى مقاهي بغداد مناظرة تلفزيونية بين جورج بوش ومنافسه جون كيري (تاريخ الصورة: 9 أكتوبر 2004) Keystone

كيف ينظر الشارع العراقي لنتائج الانتخابات الأمريكية، وما هو موقف العراقيين من فوز الرئيس الأمريكي جورج بوش بولاية رئاسية ثانية؟ وما مدى تأثير ذلك على القضية العراقية التي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم؟

أسئلة عديدة لا أجوبة شافية عنها، لكن ذلك لا يمنع من تسليط الأضواء على مواقف العراقيين من ذلك وعرض بعض توقعاتهم إزاء حدث كهذا.

مثله مثل 22 رئيسا سابقا للولايات المتحدة، نجح جورج بوش الابن بالاحتفاظ بمنصب الرئيس لأربع سنوات أخرى، وبات على مدى السنوات المقبلة المتحكم الأول بمصائر شعوب الأرض، وفي مقدمتها شعب العراق.

بدءا، يعتقد كثيرون هنا في العراق أن العدو الأول لجورج بوش، وهو أسامة بن لادن، كان الصوت الأكثر ترجيحا من بين كل الناخبين الآخرين. فدخول بن لادن على مسار الانتخابات قبل أيام من موعد 2 نوفمبر، حسم تردد الكثير من الأمريكيين لصالح بوش، وذلك بتذكير الأمريكيين بأن “الإرهاب” ما يزال شبحا ماثلا أمامهم بشحمه ولحمه، مما يقتضي مزيدا من السياسات المتشددة حياله، وهي السياسات التي يبدو أن بوش أقنع معظم الأمريكيين بأنه لا يُـجيد سواها.

وإذا ما حللنا خطاب النصر لجورج بوش، نجد أنه خطاب احتفالي موجز يشكر فيه من انتخبوه، ويحث فيه من لم يُـصوتوا لصالحه على دعم سياساته.

وتحت شعوره العارم بما يمكن وصفه بـ “غطرسة القوة”، سعى بوش إلى تأكيد نجاح سياساته السابقة معتبرا فوزه بمثابة استفتاء شعبي على تلك السياسات، داخليا وخارجيا، متناسيا أن 48% من الناخبين صوتوا بالضد من ذلك النهج الذي جعل الولايات المتحدة الدولة الأقل شعبية، وجعل الفرد الأمريكي الأكثر عُـرضة للتهديد في العالم.

ولأن العراق هو الميدان الضروري الأول لإعلان انتصار الرئيس بوش، كان لزاما على مخططي الحرب في واشنطن استهلال الفترة الرئاسية الثانية بعملية عسكرية واسعة النطاق لاقتحام الفلوجة، معقل المقاومة العراقية ومصدر التهديد الأول للمشروع الأمريكي في المنطقة.

“انتصار الحرية في العراق”!

وبالتأكيد، فإنه يتحتّـم على إدارة الرئيس بوش سحق جميع أشكال المقاومة العسكرية في العراق ولو أدى ذلك إلى قتل آلاف المدنيين، واستباحة المدن، وانتهاك مفردات القانون الإنساني الدولي من أجل ما يوصف في واشنطن، (وهنا لدى حكومة علاوي في بغداد) بـ “انتصار الحرية في العراق”.

ويمكن القول بدون مبالغة أن جزءا مهما من الشارع العراقي يشعر بقلق عميق من التجديد لبوش. فهو ببساطة ذاق الأمرَّين في المرحلة الأولى، ويستعد للمزيد في الثانية، حيث تلقى عديد العراقيين بمزيج من الإحباط والألم وتوقّـع الأسوأ، نبأ فوزه بولاية رئاسية ثانية.

ويسود العراقيين يقين شبه كلّـي أن مستقبل بلادهم وأمن أهلها سيبقى في السنوات الأربع القادمة رهنا بيد إدارة يمينية متطرفة تسعى لاستكمال تنفيذ برنامجها بشقّـيه، المعلن والخفي، في العراق والشرق الأوسط.

وربما كان كثيرون يتمنّـون فوز جون كيري في الانتخابات الرئاسية انطلاقا من رغبتهم بسقوط منهج بوش الجمهوري العدواني، والتماسا لمنهج آخر اقل تعنُّـتا، وربما أكثر ميلا للحوار، وليس حبا بمنهج كيري الديمقراطي.

ومن الحتمي أن صورة ما جرى في العراق خلال الأشهر الماضية ستبقى ماثلة أمام العراقيين لسنوات طويلة، إذ كيف يمكن، على سبيل المثال، التغافل عن مشاهد القتل والتدمير والتعذيب والتهجير، وقد طغت على كل خارطة العراق، وكيف يمكن التعامي عن الصورة المأساوية التي تنتظر العراق ومستقبله لسنوات طويلة؟

اهتمام عراقي بنتائج الانتخابات

ويمكن القول أن اهتمام العراقيين بنتائج الانتخابات الأمريكية فاق اهتمام الشعب الأمريكي نفسه. ففي الوقت الذي يبحث الأمريكيون عن رئيس وإدارة يقدمون لهم الأفضل، يبحث العراقيون عن من يمنع عنهم الموت والدمار، ومن المؤكّـد أن هناك فرقا كبيرا بين الحالتين.

غير أن هناك من العراقيين من يرى أن بقاء الإدارة الجمهورية أفضل للعراقيين من مجيء إدارة ديمقراطية تبدأ معهم المشوار من بدايته بأخطائه وجرائمه وقتله المجاني، الذي طال أكثر من مائة ألف عراقي، بحسب آخر الإعلانات الأمريكية.

ويبدو أن المؤمنين بهذه القناعة، ينطلقون من اعتقادهم بأن من بدأ المأساة ينهيها، وأن بوش عازم على إتمام مخططه في المرحلة المقبلة، مما يعني بالفعل تحقيق قدر من الاستقرار والرفاهية للشعب العراقي!

ويؤكد آخرون على أن السياسات الأمريكية نابعة من مؤسسات وليس من أشخاص، مما يعني آن ذهاب إدارة جمهورية ومجيء أخرى ديمقراطية لن يحل المشكلة العراقية المتفاقمة أبدا.

فالموضوع ببساطة شديدة يتم التعامل معه انطلاقا مما يُـنظَـر إليه هناك على أنه مصلحة أمريكية عُـليا تقررها جماعات الضغط وقوى النفوذ المسيطرة ومراكز البحوث والدراسات، وليس من خلال أمزجة شخصية وقناعات فردية.

بين مؤيد ومعارض

قد يجوز النظر إلى الموضوع من زاوية جغرافية أو طائفية. فالشارع العراقي السني متخوّف بالكامل من التجديد لبوش ولا يتردد في مقارنته بهولاكو الذي قتل عشرات الألوف من العراقيين إبّـان احتلاله بغداد عام 1258 مدفوعا بـ “عُـقد عائلية وشخصية، وبرغبة جامحة للسيطرة على المنطقة وثرواتها، وضمانا لأمن إسرائيل” حسب رأي البعض، فيما ينقسم الشارع الشيعي على نفسه بين مؤيد ومعارض ومتحفظ.

وإذا كان المعارضون لفوز بوش من أبناء الطائفة الشيعية يشتركون في مخاوفهم مع إخوانهم السنة انطلاقا من دوافع واعتبارات وطنية، فإن المؤيدين ينطلقون في موقفهم من حقيقة أن “بوش تمكّـن من الاطاحة بنظام حكم الرئيس صدام حسين، وأتاح لهم للمرة الأولى التحكّـم بمصير العراق” حسب رأيهم.

أما ما تبقى من حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أسقط نظام حكمه الرئيس بوش فقد اعتبر في بيان له أن “الأغلبية في الشعب الأمريكي فوَّضت الرئيس بوش وإدارته اليمينية المتطرفة الاستمرار في منهج قتل الشعب العراقي وتدمير البلاد ومقوماتها بالكامل”.

“الـدرس الـواضـح”

من جهته يعتقد موفق الربيعي السياسي العراقي أن فوز بوش بالرئاسة الثانية نبأ سار للعراقيين، ويقول “إن للرئيس بوش التزام تجاه العراق، فقد أطاح بصدام وحرر البلاد، وهو يرغب بالتأكيد في رؤية نهاية سعيدة وناجحة لبرنامجه”، مشيرا إلى أن “لدى الرئيس بوش تصوره الكلي ورؤيته الشاملة للأوضاع في العراق”.

وفيما اعتبر الربيعي فوز بوش بالرئاسة لمرة ثانية “نبأ سارا للعراقيين”، رأى فيه “خبرا سيئا للإرهابيين”، مذكّـرا بتقسيم العالم إلى مجموعتين، “خيّـرة وشريرة”، معربا في الوقت نفسه عن عميق تقديره لأركان الإدارة الأمريكية الحاليين، مشيرا إلى الخبرة العالية التي يتمتعون بها بشأن العراق، قائلا: “ان للإدارة الحالية الخبرة المناسبة والأشخاص المناسبين في المواقع المناسبة”!

ويبدو أن الربيعي وبقية المبتهجين لبقاء بوش يتناسون عن عمد كل الأخطاء والجرائم والانتهاكات الوحشية التي ارتُـكبت منذ مارس 2003 كما يغفلون حقيقة بسيطة مفادها أنه لا يمكن للعراقيين أن يصدّقوا ادعاءات الحرية والتحرير، في الوقت الذي تواصل الطائرات الأمريكية قصف منازلهم ومعالم حضارتهم.

ويمكن القول أن قناعة بدأت تسود في صفوف معظم العراقيين مفادها أن الرئيس بوش الذي بدأ حربه في العراق لن يتراجع عن تنفيذ سياساته وتحقيق برنامجه في هذا البلد حتى لو تم ذلك على أشلاء العراقيين وأنقاض منازلهم ومدارسهم ومؤسساتهم.

فالمهم أولا وأخيرا “تحقّـق حرية العراقيين”، و”انتصار الديمقراطية”، و”إنجاز الانتخابات”، مهما كان الثمن خصوصا وأن ما حدث ويحدث في الفلوجة مثال حي، حيث سيكون للعراقيين كلهم في هذه المدينة “الدرس الواضح” على حد قول وزير الخارجية هوشيار زيباري، كما أن المسؤولين في حكومة علاوي المؤقتة يبشرون العراقيين بأن تجربة الفلوجة سيتم استنساخها على مدن عراقية أخرى.

مصطفى كامل – بغداد

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية