مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الشراكة المصرية الأوروبية.. التحديات والمخاوف

تؤكد أحدث التقارير الإقتصادية أن الإتحاد الأوروبي لا يزال أكبر شريك تجاري لمصر swissinfo.ch

تعول الحكومة المصرية على الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وتراهن على أن الإتفاق الجديد سيأخذ بيد الاقتصاد المحلي، ويساعد منتجاته على اقتحام أسواق الإتحاد.

إلا أن خبراء يتخوفون من التأثيرات السلبية للاتفاقية التي بدأ تنفيذ شقها التجاري من الجانب المصري بقرار جمهوري صدر في شهر يناير 2004.

يتفق الخبيران الاقتصاديان المصريان، الدكتور فرج عبد الفتاح أستاذ الاقتصاد ونائب مدير مركز البحوث الإفريقية بجامعة القاهرة، والمحلل الاقتصادي ممدوح الولي نائب رئيس القسم الاقتصادي بمؤسسة الأهرام، على أن أهم مخاوف المصريين من اتفاق الشراكة ترجع إلى “تفوق المستثمر الأوربي وخاصة في مجالات التكنولوجيا والاستشارات والأجهزة والمعدات، و فقدان مصر للميزة النسبية بالاتفاقية وهي الملف الزراعي خاصة بعد انضمام دول أوربا الشرقية(المتفوقة زراعيا) في غرة مايو 2004، حيث كان أمام مصر فرصة التصدير لأوربا وفقاً لنظرية اختلاف المواسم” .

ويشير الولي إلى أن “مصر ستخسر 40 % من الحصيلة الجمركية السنوية والتي تقدر بـ 9 مليار جنيه مصري( 1.1 مليار دولار)، بسبب رفع الجمارك عن صادرات أوربا، التي تمثل الشريك التجاري الأول” للبلاد، غير أنه يرى “إمكانية تعويض مصر لهذا الفاقد من خلال حاصل الضرائب الأخرى مثل الضرائب على المبيعات، ضريبة الشركات، غيرها من الرسوم المقررة على المنشآت”.

كما يتخوف عبد الفتاح من “تضرر بعض المنتجات المصرية من الإغراق الأوربي للسوق بمثيلاتها”، وإن كان يرى أن “الحل يكمن في تحديد هذه المنتجات والاتفاق مع الشريك الأوربي على التعويضات المناسبة لها، مثلما فعلت أوربا في شراكتها مع المغرب”.

من جهته يحذر الولي من احتمال انصراف المستثمر الأوربي عن إقامة منشآته الصناعية بمصر، وهو ما سيعني ضياع فرصة تشغيل المزيد من اليد العاملة إلا أنه يذهب أبعد من ذلك فيقول: “وربما يغلق مستثمرون أوربيون آخرون مصانعهم ومشروعاتهم الإنتاجية المقامة في مصر بعد انتهاء الإعفاء الضريبي”. غير أن الدكتور عبد الفتاح يختلف مع هذا الرأي ويقدر أن “هناك عوامل غير الإعفاءات تكون محل نظر المستثمر منها حجم السوق، والمناخ العام للاستثمار، وتحقيق الربح”.

على صعيد آخر، يثير عبد الفتاح مسالة الاعفاءت والتخفيضات الجمركية ويشير إلى أن “المشكلة تكمن في ان المنتجات المصرية ستدخل أوربا بتخفيض جمركي وليس بإعفاء كامل”، غير أنه يستدرك قائلاً: “على الصناعة الوطنية أن تبذل قصارى جهدها لاستكمال تحديثها لتتمكن من الاستمرار والحصول على إعفاءات جمركية حسبما اشترط الشريك الأوربي ونصت الاتفاقية”.

كما يثير عبد الفتاح موضوع قواعد المنشأ إذ من المعروف أن هناك 13 دولة فقط من دول الاتحاد الـ 15 قد صادقت برلماناتها على الاتفاقية فيما رفضت اليونان والنمسا التصديق عليها، ويتساءل: ” كيف سنعرف أن المنتج الوارد لأسواقنا لم ينتج في النمسا أو اليونان طالما أن اسم بلد المنشأ لن يكتب على المنتج وإنما سيُكتفى بعلامة الاتحاد الأوربي؟!” مثلما هو الحال لكل البضائع المصنعة في دول الإتحاد.

بيروقراطية ومعوقات

الأمانة العلمية لم تمنع الخبيرين المصريين من الإقرار بوجود بعض السلبيات الإدارية والمعوقات الروتينية والإجرائية التي وقفت حجر عثرة أمام نمو الاستثمار في مصر، وهو ما حد من قدرة البلد – خلال العقدين الأخيرين- على اجتذاب رؤوس الأموال العربية الشاردة فضلاً عن جذب رؤوس الأموال الأوربية، إلا أنهما، وبنفس الأمانة، يعترفان بأن هناك عدداً من القرارات العليا والخطوات التنفيذية التي بدأت تلوح في الأفق المصري، لتزيل “هذه الغيوم التي منعت القطر من السماء”.

فقد اتفق الخبيران على أن هناك جملة من العوائق التي يجب على مصر أن تتخلص منها لكي تجني الثمار المرجوة من اتفاقية الشراكة التي أبرمتها مع الاتحاد الأوربي مثل “عدم وجود قواعد واضحة ومحددة لتعريفات السلع”، مشيرين إلى أن هذا يرجع إلى”منح مصر مزايا نسبية لبعض الدول التي تبرم معها اتفاقات خاصة وبشكل محدد في أوقات الأزمات ونقص السلع الأساسية”.

وفي معرض تعداده لهذه العوائق أشار الولي إلى “بطء إجراءات التخليص الجمركي مقارنة بأماكن مثل دبي والمغرب، وذلك بسبب كثرة الإجراءات الروتينية وتعدد جهات الفحص”، إضافة إلى “تغير سعر الصرف مما يترتب عليه ارتفاع تكلفة المشروع ومن ثم ارتفاع تكلفة المنتج وبالتالي قلة الربح”، وكذلك “عقم اللوائح والتعقيدات الإدارية”، مشيرا إلى أن هناك دراسة كندية انتهت إلى أن “إقامة أي مشروع صغير بمصر أمر يحتاج لعام كامل !!”.

ويتعجب الولي من “البطء الشديد في تحديث الصناعة المصرية”، متسائلا عن سبب ذلك في الوقت الذي رصد فيه الاتحاد الأوربي معونة فنية لتحديث الصناعة المصرية قدرها 260 مليون يورو، بينما “لم تسحب الحكومة المصرية منها حتى الآن سوى 5 مليون يورو”؟!.

أما الدكتور عبد الفتاح فيذكر من هذه المعوقات: “عدم وجود قواعد تحدد مدة بقاء الشحنات بمخازن الموانئ وترك بعض المستوردين لموادهم المستوردة بمخازن الميناء نظراً لانخفاض تكلفة تخزينها بالنسبة للمخازن الخارجية”، ويضيف أيضاً ما يُلاحظ من “تعدد الرسوم التي يتم فرضها داخل الميناء وتعدد الجهات التي تفرضها”.

وفي نفس السياق، أشار الخبير إلى ظاهرة “ارتفاع تكاليف رفع الشحنة من الميناء، وارتفاع تكاليف الشحن والتفريغ بسبب تهالك أوناش شركات الشحن، وعدم وجود أسطول مصري قادر على نقل كل البضائع القادمة مما يدفعها لاستئجار سفن تجارية لنقل البضائع”، مؤكدا في الأخير على ضرورة “فتح الباب أمام القطاع الخاص ليساهم في حل المشكلة”.

إيجابيات وآفـاق

من جهة أخرى، أشاد الخبراء بالخطوات الإيجابية التي نفذتها مصر لتسهيل إجراءات التخليص الجمركي والقضاء على الروتين وتعقيدات البيروقراطية، التي مثلت لفترة طويلة أهم معوقات الاستثمار فيها.

فأثنى الولي على صدور قانون التصدير في شهر يونيو 2002، “الذي قرر تشكيل لجنة للفحص بهدف توحيد جهات الفحص للقضاء على تعددها، وأيضاً صدور قرار باختصار جهات الترخيص من 80 جهة إلى 26 فقط وهو ما يعني اختصار واختزال كثير من الخطوات التي كانت ترهق المستثمر ومن ثم تنفره”.

كما أشاد الولي بالخطوة المتمثلة في “إنشاء مجمع لتراخيص الاستثمار بهدف استخراج الترخيص في مكان واحد فقط وهو ما يوفر على المستثمر الوقت والجهد والمال، وكذلك الإفراج الجمركي المسبق والذي تقرر بعد إنشاء المركز الضريبي النموذجي بالقاهرة، بهدف تخليص الشحنات وهي في عرض البحر، شريطة التأكد من سمعة المستورد ونظافة سيرته”، غير أنه أشار إلى أن هذا الإفراج الذي بدأ تنفيذه بمينائي الإسكندرية والعين السخنة، “لا يطبق سوى على 60 مستورد” فحسب.

يشار إلى أن التعاون الاقتصادي المصري الأوربي ليس وليد اتفاق الشراكة المبرم في عام 2001، وإنما تمتد جذوره لعام 1977 حينما وقع اتفاق التعاون المالي والاقتصادي، غير أن الظرف العالمي اقتضى توسيع الاتفاق ليشمل جوانب متعددة.

ويغطي اتفاق الشراكة الذي بدأ تنفيذ الشق التجاري منه بقرار جمهوري من جانب مصر في شهر يناير الماضي، جوانب سياسية وثقافية واجتماعية إضافة للاقتصادي، كما يتيح دخول الصادرات المصرية المستوفاة للمعايير القياسية لأسواق أوربا بتخفيض جمركي، وهو أمر يقتضي تجويد المنتج المصري ليكون قادرا على المنافسة.

تجدر الإشارة إلى أن مصر لا تتحرك في المجال الإقتصادي بمفردها وإنما في نطاق جماعي نظرا لعضويتها في تكتل “الكوميسا”، وفي “الاتحاد الأفريقي”، وهو ما من شأنه أن يدفعها إلى إعادة تعيد ترتيب الأوضاع والتسريع بعمليات التكامل الإفريقي لكي تكتسب المنتجات المصرية قواعد المنشأ في ظل هذه التجمعات.

ويؤكد عدد من الخبراء أن التكتل الخاص بمنطقة التجارة الحرة العربية والسوق العربية المشتركة للشرق الأفريقي تمثل مجالات إضافية تزيد من جاذبية مصر للاستثمار الأجنبي المباشر على اعتبار أن سوقها مرشحة لأن تكون منفذا مهما للأسواق الأفريقية والعربية المجاورة.

همام سرحان – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية