مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العالم يزداد اهتماما بالشرق الأوسط

تظاهرة احتجاجية لمجموعة من اليابانيين أمام مقر إقامة رئيس الحكومة في طوكيو على قرار عدم سحب القوات اليابانية من العراق (تاريخ الصورة: 12 أبريل 2004) Keystone Archive

هناك تعبير شهير فى دراسات الأمن يشير إلى أنه "إذا لم تَهتم بالإستراتيجية، فإن الإستراتيجية تهتم بك".

ويبدو أن الأمور قد وصلت إلى ذلك بالنسبة لجميع البلدان التي تتشكل المنطقة المعروفة تقليديا باسم “الشرق الأوسط”..

أصبح الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط يحتل أهمية قصوى فى دول لم تكن ترغب فى أن توليها أهمية خاصة، ولم يعد من الممكن تجاهلها بالنسبة لأطراف لم تكن تتصور أن هناك ضرورة ملحة للاهتمام بها، والدافع فى الحالتين واحد، وهو أن هناك مصالح أساسية لدول العالم تتأثر بأوضاع تلك المنطقة.

كما توجد مخاوف (معلنة ومكتومة) من أن يهتم الشرق الأوسط بدوره بتلك الدول، والنتيجة أن هناك اهتماما متزايدا بشؤون ذلك الإقليم من جانب الجميع، ومن لا يفعل ذلك يشعر أنه لن يكون بمأمن من “شئ ما”.

إقليم صامد

إن الخطوط الفاصلة هنا دقيقة إلى حد ما. فقد كانت منطقة الشرق الأوسط دائما هامة للغاية، خاصة بالنسبة للقوى الكبرى فى العالم، بفعل عوامل معروفة تشير إليها كل الكتب الدراسية، أبرزها: احتياطيها الضخم من النفط، وتحكمها فى خطوط ملاحية دولية رئيسية مؤثرة على حركة البترول والتجارة والسفن الحربية، وتأثيرات الصراع العربى- الإسرائيلي، والمشكلات المزمنة فى الخليج، على مصالح الأطراف الدولية بها، وقربها الجغرافى من أوروبا.

وبالتالى كانت تأثيرات ما يدور داخلها تتجاوز حدودها عادة إلى مناطق ممتدة خارجها، وتصل أحيانا إلى نمط حياة المواطنين العاديين، بفعل أسعار النفط على الأقل.

لكن القضية هى أنه كانت هناك ظواهر محددة ذات طبيعة خاصة تتصل بتلك الأهمية، منها أنها لم تتناقص فى أية مرحلة، على غرار ماحدث بالنسبة لأقاليم مختلفة، كانت تمثل قلب الأرض أو مسرح العالم.

ولقد ساد تصور منذ منتصف الثمانينات حتى بداية التسعينات بأن نهاية الحرب الباردة قد قلصت من الأهمية الإستراتيجية لتلك المنطقة، وأن النفط قد أصبح سلعة عادية. لكن الأمور سارت فى الاتجاه العكسى تماما منذ عام 1990، واتضح للعيان أن أهمية الإقليم تتعاظم فى واقع الأمر بأكثر مما كانت عليه من قبل.

لقد بدا أن مركز الثقل الدولى قد تحول من “غرب أوروبا” إلى الشرق الأوسط، على نحو أدى إلى تدخلات واسعة من جانب الولايات المتحدة فى تفاعلات الإقليم، كما وضح بالنسبة لحرب الكويت عام 1991، وعملية التسوية السلمية للصراع العربى – الإسرائيلي، والتعامل مع مشكلتى انتشار الأسلحة النووية، وما سمى بـ”الدول المارقة” خلال التسعينيات، ثم قضية الإرهاب وتغيير النظم السياسية فى مرحلة مابعد 11 سبتمبر 2001، على الرغم من أن إدارة الرئيس بوش لم تكن راغبة فى “التورط” بمشاكل الإقليم – كما فعلت إدارة كلينتون – عندما وصلت إلى البيت الأبيض في يناير 2001 وقبل أن تقوم بإرسال 150 ألف جندى لخوض حرب أخرى فى المنطقة.

دائرة المهتمين تتوسع

وتتمثل الظاهرة الحالية، المتعلقة بمسألة الشرق الأوسط، فى اتساع دائرة المهتمين بها بشكل غير مسبوق، لتصل إلى أطراف لا توجد لها مصالح كبرى فى المنطقة، أو كانت اهتماماتها بها تقليدية تماما تتركز على المجتمع والثقافة والتاريخ بعيدا عن السياسة، أو كانت تعول عادة على السياسة الأمريكية فى تحقيق مصالحها.

فقد كانت هناك منذ منتصف التسعينات أسئلة متكررة حول الأسباب التى تجعل الدول الإسكندينافية، على سبيل المثال، تهتم بالشرق الأوسط، إذ كانت لقاءات هامة تتعلق بتسوية الصراع العربى الإسرائيلى تتم فى أوسلو وفى كوبنهاجن، وأسفر بعضها عن نتائج هامة.

وقد استمر اهتمام تلك الدول فى المرحلة التالية بنفس التركيز، وفقا لنفس الأجندة الدولية التى تركز على قضايا كالإرهاب الدينى أو الأسلحة النووية أو الإصلاح السياسى، مع طرح إشكاليات شديدة التخصص، وربما الحساسية فى هذا الإطار، على نحو يشير إلى اهتمام حقيقى وليس مجرد “دبلوماسية عامة”، على الرغم من أن أحدا لم يجب على السؤال الأصلى الخاص بالمصالح، التى هى ليست كبرى وأيضا “مضمونة”.

لكن ذلك لايغير من الأمر شيئا، فتلك الدول ترى أن عليها أن تهتم بالشرق الأوسط، وأن تكون قريبة منه بدرجة ما، وان تعد (ربما) لسياسة خاصة بها تجاه تلك المنطقة.

ينطبق نفس المنطق على دولة كاليابان التى كانت اهتماماتها التقليدية تنصب على ساحة أسيا – الهادى المجاورة لها، مع النظر للشرق الأوسط على أنه “ذلك الجزء البعيد من العالم”، مثلما كانت الدول العربية تعتبرها الشرق الأقصى، فثمة حرص واسع من جانب المؤسسات السياسية والثقافية والاقتصادية اليابانية على دعم برامج للتبادل بأشكاله المختلفة مع دول المنطقة، مع تدعيم الحوار معها، وافتتاح – مثل الدول الاسكندينافية – مراكز أبحاث فيها.

ولا تشير الحوارات التى تجرى بين العرب واليابانيين إلى وجود قلق حقيقى من جانب اليابان بشأن النفط (رغم أن 70% من وارداتها منه تأتى من الشرق الأوسط) أو الإرهاب، لكنها ترغب فى أن تكون قريبة.

شهد عام 2005 كذلك اقترابا من جانب دول أمريكا اللاتينية من الشرق الأوسط، عبر حوار رسمى عربى – لاتينى تم تنسيق فعالياته مع الجامعة العربية، فى ظل رغبة أيضا من الدول الرئيسية فى أمريكا الجنوبية تحديدا فى تدعيم علاقاتها مع دول المنطقة، التى لا توجد ارتباطات مصالح قوية للغاية معها تتجاوز الصفقات التجارية ووجود المهاجرين العرب، وبعض مستويات العلاقات الثقافية التى تتصاعد أهميتها فى كل الاتصالات التى تجرى من جانب “المهتمين الجدد” بالمنطقة العربية – الإسلامية.

إقليم “شبه مدول”

وبالطبع، يمكن فهم الأبعاد الجديدة لمسألة الاهتمام بالشرق الأوسط فى ظل التطورات الطبيعية للتفاعلات الدولية التى شكلت “العولمة”. فكل أطراف العالم قد أصبحت أكثر اقترابا من بعضها البعض.

وبصرف النظر عن الدوافع المحددة، تمثل الرغبة فى الاتصال سمة عامة. لكن لاحظ كثيرون أن التيار الرئيسى لحوار الحضارات أو الثقافات فى السنوات الأخيرة يتجه تحديدا ناحية الحضارة العربية – الإسلامية، فلا يوجد ما يمكن اعتباره حوارا حقيقيا بين الغرب وبلدان أسيا أو حتى إفريقيا التى لا يبدو أن المجتمعات فيها تتخذ مواقف متشددة من العولمة أو الغرب، أو تشعر بشكل زائد أنها مستهدفة كما هو الحال فى المنطقة العربية.

إن منطقة الشرق الأوسط فى الواقع أقلقت الجميع بفعل أحداث 11 سبتمبر 2001 التى تشير كل الحوارات التى جرت بين “المهتمين الجدد” والأطراف العربية إلى أنها تحتل فى مدركات تلك الدول نفس موقعها فى الذهن الأمريكي أو الأوروبى.

ورغم أنه لا يبدو من جداول أعمال اللقاءات المباشرة بين الأطراف العربية والدولية أن الإرهاب يمثل مصدر الاهتمام الرئيسى. إلا أن المؤكد أن هناك قلقا ورغبة فى الفهم، ومحاولة استكشاف مبكر للكيفية التى يمكن أن تسير بها الأمور، فى ظل تصور عبرت عنه مقالة افتتاحية شهيرة لصحيفة نيويورك تايمز حول الشرق الأوسط فى نهاية عام 2002 جاء فيها أن “هذا العام، حسب ما تسعف به الذاكرة، غير مسبوق بما مر به من إحباطات، لكن اتضح أن الأمور يمكن أن تزداد سوءا”.

يضاف إلى كل ذلك توجه داخل كثير من مؤسسات صنع القرار فى تلك الدول بأنها يجب أن تتحرك بنفسها إلى الموقع، إذ قنع كثير منها لفترة طويلة بوضع “الراكب المجانى” فى الحافلة الأمريكية التى تهتم بالمصالح الدولية فى الشرق الأوسط، لكن فى ظل السياسة الانفرادية التى تبنتها إدارة بوش الأولى، والحركات العشوائية التى تمت على ساحة المنطقة، وأدت إلى مشكلات على غرار ما يجرى فى العراق، لم يعد وضع “الاستشعار عن بعد” مريحا بالنسبة لكثير من الدول التى قدرت أن عليها أن تبدأ فى الاهتمام بالشرق الأوسط بمنطق يختلف عن كتابات المستشرقين.

بالنسبة لدول الشرق الأوسط ذاتها، فإن نتيجة تلك الاهتمامات المتصاعدة القديمة والجديدة كانت شديدة الوضوح، وهى حالة من “التدويل” غير المسبوق فى نطاقه وأشكاله لكل تفاعلات المنطقة، بحيث فقد مفهوم الإقليم ذاته معظم مضامينه، فقد وصلت تأثيرات العامل الدولى إلى هياكل الدول القائمة وطبيعة النظم السياسية وما اعتبر دائما “شؤون داخلية لها”، وأنماط علاقاتها الثنائية، إضافة إلى ما كان قائما تقليديا بشأن الصراعات الإقليمية والأزمات الحادة، وذلك فى ظل مقاومة إقليمية نسبية لتلك التأثيرات، قبل أن يسود فى النهاية “إتجاه واقعى” للتعامل مع ذلك التطور الحاد، من جانب معظم الدول، ليفرز كل ذلك فى النهاية ملامح إقليم “شبه مدول” بشكل كامل، كما كانت أوروبا فى مرحلة مابعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

د. محمد عبد السلام – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية