مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العبرة في الأفعال لا بالأقوال

الشيخ عبد الله الأحمر، رئيس البرلمان اليمني ورئيس التجمع اليمني للإصلاح (تاريخ الصورة: 21 يناير 2002) Keystone Archive

شكل المؤتمر العام الثالث لحزب التجمع اليمني للإصلاح المنعقد يومي 12 و13 فبراير حدثا بارزا بالنظر إلى ما يتيحه من فرصة لتقيم التحولات التي طبعت مسيرة هذا الحزب ذو التوجهات الدينية.

ومن المنتظر أن تترتب عليه معطيات جديدة قد تحدد ملامح ومراحل الحقبة المقبلة للحياة الديمقراطية والسياسية في اليمن.

لقد ظهر من خلال لغة البيان الختامي ومما ورد في خطب وتصريحات قياداته العليا كلفا زائدا بقضايا الديمقراطية والحقوق والحريات فضلا عن مطالبة بإقرار ديمقراطية حقيقية وانتخابات نزيهة وشفافة.

كما أدان البيان التطرف والغلو الديني وحذر من الاستمرار في تشويه التجربة وإفراغها من محتواها الحقيقي بسبب احتكار الحزب الحاكم للحياة السياسية.

وذهب رئيس مجلس النواب ورئيس الهيئة العليا للإصلاح الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أبعد من ذلك عندما اعتبر أن السياسة المتبعة أوصلت البلد إلى نفق مظلم وحمل تلك السياسة تبعات تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية محذرا من كارثة ومطالبا في الوقت ذاته بمراجعة تلك السياسة.

ويرى المتابعون في لهجة التجمع اليمني للإصلاح حيال الديمقراطية والغلو والتطرف علامة دالة على مدى تأثير التطورات السياسية في المنطقة على تحولات القوى السياسية فيها لاسيما في مرحلة ما بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وغزو العراق في مارس 2003 وما أعقبهما من توجه لمكافحة للإرهاب وتجفيف منابعه، وتنامي الدعوة للإصلاح السياسي في المنطقة العربية.

لغة متقدمة .. لكنها غير كافية

كل ذلك حتم على كثير من اللاعبين السياسيين خوض اللعبة السياسية وفق قواعد جديدة تتلائم مع مقتضيات المرحلة ومتطلباتها وهو ما يفسر تزايد الأهمية النسبية للمسألة الديمقراطية والحقوقية لدى الإصلاح الذي تتهم الولايات المتحدة بعض اعضائه بدعم الإرهاب كالشيخ المؤيد والشيخ عبد المجيد الزنداني (الذي ما فتئت تُطالب بتسليمه).

وإذا كانت كل تلك التفاعلات قد ألقت بظلالها على توجهات ثاني أكبر حزب في البلاد كما جاءت في بياناته وخطاباته فإن ذلك غير كاف في نظر البعض.

وفي هذا الصدد قال الصحفي والسياسي اليمني سامي غالب لسويس انفو: “لغة البيان متقدمة نوعا ما في استخدامها مفاهيم وصيغ ليست مألوفة في خطاب الحركات الإسلامية، وإيراد مفاهيم سياسية ومدنية عصرية أمر إيجابي في حد ذاته لكنه غير كاف إذ أغفل المؤتمر ذكر الناس وما ينتظرونه منه، فالبيان صيغ بلغة عمومية في اغلب القضايا الشائكة كأحداث صعدة ومطلب الإصلاح السياسي ولم يحدد موقفا صريحا من مطلب قطاعه النسوي بتخصيص نسبة من مقاعد مجلس النواب للنساء”.

واعتبر المراقبون تحاشي التجمع اليمني للإصلاح لمطالبة قطاعه النسائي بنظام “الكوتة” علامة على التصور الملتبس لتعامله مع بعض المسألة الديمقراطية والحقوقية قضايا السياسي، حيث اغفل الإشارة إلى هذا المطلب في الوقت الذي طالب أعضائه بـ “توسيع قاعدة الحزب بين مختلف شرائح المجتمع عامة وفي وسط النساء خاصة”، وفقا لما ورد في البيان الختامي للمؤتمر، ما كرس الاعتقاد بأن الموقف من المرأة باق على ماهو عليه: يحبذها كصوت انتخابي ولا يدعم ترشحها. وهو ما يلقي بمزيد من الضبابية على الديمقراطية التي يطالب بها.

وفي السياق ذاته قال لسويس إنفو الكاتب والصحفي عبد الباري طاهر: “الإصلاح كقواعد كجسد كتنظيم له امتداد شعبي لاشك أن له مصلحة حقيقية في الديمقراطية. وكثير من قواعده مهتمة بالديمقراطية غير أن في الإصلاح عناصر مزدوجة فهي مع الديمقراطية وضدها في آن واحد وخطابه مزدوج وملتبس اقرب من خطاب المؤتمر الشعبي العام نفسه وكثير من قيادات الإصلاح لا تختلف في تصورها للديمقراطية عن قيادات المؤتمر وربما هي أقل حرصا على الديمقراطية رغم أنها في المعارضة”.

حملة رسمية مضادة

أما على مستوى علاقة الإصلاح بالحزب الحاكم (أي المؤتمر الشعبي العام) فقد شكل موقف الإصلاح مفاجأة غير منتظرة عندما حمل بشدة على المؤتمر وعلى سياساته في الميادين الديمقراطية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وجاء ذلك على عكس توقعات المراقبين التي كانت ترجح عودة الدفء للعلاقة بين هذين الحزبين نتيجة لموقف التجمع اليمني للإصلاح من أحداث التمرد في صعدة الذي قاده حسين الحوثي وهو الموقف الذي كان محل تقدير من الرئيس اليمني نفسه (الذي اتهم أحزاب المعارضة بمساندة التمرد واستثنى منها الإصلاح) مما بعث على الاعتقاد أن تنتهي القطيعة بين الحزبين ويعود الدفء لعلاقتهما وهو ما لم يتحقق هذه المرة.

وفي معرض تعليقه على ذلك، قال عبدالباري طاهر: “موقف الإصلاح من أحداث صعدة كان يتوقع أن تنبني عليها مواقف جديدة تبعد الإصلاح بمسافة أكبر عن المعارضة وتقربه من المؤتمر، لكن الخطاب جاء حادا مما يعني أن تلك الحدة لها علاقة باستحقاقات ولها علاقة بالانتخابات القادمة. فالإصلاح خسر وزنه في مجلس النواب في الانتخابات الأخيرة وخسر مشاركته في السلطة وخسر المعاهد العلمية وهو يواجه الآن خسارة الجمعيات الخيرية ومدارس تحفيظ القرآن، كل ذلك خلق حالة من القلق والغضب غير المكتوم لدى الاصلاح وتجلى في جوانب معينة وبصورة خاصة في خطاب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وجاءت ردود الأفعال من جانب المؤتمر أكثر حدة مما ينبغي”.

أما سامي غالب فيفسر ردود الفعل تلك بقوله: “لا أفهم مغزى هذه الحملة الرسمية ضد البيان إلا في أنها تضمر نية لخفض سقف المعارضة الوطنية خلال الفترة المقبلة التي ستشهد استحقاقا بالغ الأهمية هو الانتخابات الرئاسية”.

الأفعال لا الأقوال

على كل حال يبدو أن موقف حزب الإصلاح من الديمقراطية وتصعيد لهجته كما بدت من خلال فعاليات الدورة الثالثة للمؤتمر ضد الحزب الحاكم تمثل معطيات جديدة لتحديد ملامح الحياة السياسية خلال الفترة المقبلة لكنها لن تتضح أكثر فأكثر إلا بمعرفة كنه العلاقات الخفية التي تدور في الكواليس منذ أشهر بين هذين الحزبين من جهة ومعرفة الحسابات الخاصة التي بنى عليها الإصلاح موقفه ذاك فجأة ودفعته إلى رفع سقف مطالبه الديمقراطية على النحو المتشدد والمتناقض في آن واحد.

وفي هذا الإطار يقول طاهر: “الخصومة بين المؤتمر والإصلاح ليست حول الديموقراطية أو الحريات وإنما من أجل اقتسام الكعكة والمشاركة في السلطة السياسية وبذلك خطابها لايكون له مصداقية كبيرة فيما يتعلق بالديمقراطية. والتجربة ما زالت ماثلة للعيان والاصلاح الآن يلعب في اتجاهات متعددة والانتخابات قرب موعدها فلا بد ان يظهر بموقف قوي حازم من أجل أن ينتزع مكاسب ويساوم”.

إجمالا يخلص المتابع لفعالية المؤتمر الثالث للتجمع اليمني للإصلاح إلى قناعة بأن مستقبل الحياة السياسية في البلاد محكومة بمدى ما ستكون عليه العلاقة بين الحزبين الرئيسيين في اليمن (أي الإصلاح وحزب المؤتمر الشعبي) وليس بمدى ما أكد عليه المؤتمر والمؤتمرون حيال الديمقراطية والحقوق والحريات العامة. وفي النهاية، تظل العبرة في الأفعال لا بالأقوال.

عبدالكريم سلام – صنعاء

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية