مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

كاثرين مارشي ـ أوهل: «رسالة قوية جداً لمرتكبي الجرائم في سوريا»

صورة لامرأة
لدى كاثرين مارشي ـ أوهل، المولودة في فرنسا خبرة واسعة في القضاء وقضايا الجرائم الدولية، لا سيما في كمبوديا وكوسوفو ويوغوسلافيا السابقة. swissinfo.ch/Frédéric Burnand

يزداد عدد الملاحقات الجنائية التي تتقدم بها المحاكم الأوروبية لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا شيئاً فشيئاً في بلدان مثل ألمانيا وفرنسا والسويد والنمسا. وإحدى الأدوات الموضوعة تحت تصرف هذه البلدان هي "الآلية الدولية المحايدة والمستقلة" التي تتخذ من جنيف مقراً لها.

وكانت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قد أنشأت هذه الهيئةرابط خارجي التي مهمتها جمع الأدلة وخدمة سلطات الاختصاص القضائية الوطنية أو أية محاكم جديدة أخرى في المستقبل وتوثيق مجموعة واسعة من البيانات والمعلومات من أجل محاكمات مستقبلية، في ديسمبر 2016، وترأسها القاضية الفرنسية السابقة كاثرين مارشي ـ أوهلرابط خارجي منذ صيف 2017، وهي تتخذ من جنيف مقراً لها، .

هل تعمل الآلية الدولية المحايدة والمستقلة بشكل فعلي على أرض الواقع؟

كاثرين مارشي ـ أوهل: لقد أنهينا بالفعل التحضيرات، لكن الآلية بدأت بالعمل قبل ذلك. فمنذ اللحظة التي قمنا فيها بإعداد وتأمين نظامنا لإدارة الأدلة، في مايو 2018، تمكنّا من جمع إفادات، بما في ذلك الوثائق الأكثر حساسيةً. وهذا التوثيق، الذي هو من صميم آليتنا، سيجعل منها المستودع المركزي لمجموعة أدلة الجرائم الجماعية المرتكبة في سوريا.

ولتحقيق ذلك، قمنا بمفاوضات لإنشاء إطار قانوني يسمح بنقل المعلومات والأدلة مع عدد من الجهات الفاعلة، بدءاً من لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا، بالإضافة إلى الجهات الفاعلة من المجتمع المدني السوري والدولي. ولم نضع بعد إطارا يشمل جميع الأطراف، على الرغم من حصولنا على عدد كبير من بروتوكولات الاتفاق. فنحن لا نستطيع الوصول إلى الأراضي السورية، إلا أنَّ مُحقّقينا قاموا بزيارة عدد من الدول للالتقاء بأشخاص يملكون أدلة ويوافقون على اطلاعنا عليها.

ويسمح توظيف العاملين معنا ـ من محققين ومحللين، بالإضافة إلى تسجيلات الفيديو والتسجيلات الصوتية الرقمية ـ بتطوير تحقيق هيكلي يقدم لمحةً عامةً عن المعلومات التي تمَّ جمعها. وهذا يشمل، على سبيل المثال، العناصر القانونية التي يجب علينا إثباتها لكي نتمكن من ملاحقة تصرف ما بصفته جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية، والمعلومات عن الظروف التي ارتكبت فيها الجرائم، والأطراف المُتنازعة بالإضافة إلى الجهات المختلفة التي يُعتقد أنها شاركت في ارتكاب جرائم من هذا القبيل، حسب الهيئة التي عملوا وتفاعلوا من خلالها.

«لقد أتاح لنا التحقيق الهيكلي الذي قمنا به، والذي تَقَدَّم بشكل جيد حتى الآن، فتح ملفين للتحقيقات في الإطار الذي نحاول فيه تحديد المسؤوليات الفردية في ارتكاب الجرائم.»

وهذا عمل أكثر عمومية مما ينفّذ في الإطار الخاص لملف جنائي. ولكنه ضروري من أجل تحديد الأنماط المتكررة التي تُصَنَّف فيها هذه الجرائم ومن أجل اختيارنا للملفات. لقد أتاح لنا التحقيق الهيكلي الذي قمنا به، والذي تَقَدَّم بشكل جيد حتى الآن، فتح ملفين للتحقيقات في الإطار الذي نحاول فيه تحديد المسؤوليات الفردية في ارتكاب الجرائم.

في الوقت الراهن، يتم تمويلنارابط خارجي من خلال مساهمات طوعية. ولا يمكن أن يستمر هذا الوضع على المدى البعيد. وقد طلبت الجمعية العمومية للأمم المتحدة من الأمين العام وضع ما يلزمنا من تمويل ضمن الميزانية الاعتيادية للأمم المتحدة في عام 2020. بالنسبة لهذا العام، تلقينا تعهدات من الدول بتقديم مساهمات كبيرة. إلا أنها غير كافية لتغطية جميع الاحتياجات لهذه السنة.

ما هي التداعيات القضائية الأولية لعملكم؟

إنَّ التحقيق الهيكلي واسع، حيث أن المهمة التي أوكلت لنا هي تحديد الجرائم الأكثر خطورة، سواء كان مرتكبوها ينتمون إلى هذا الطرف أو ذاك من أطراف النزاع. وبالطبع، لن يكون بوسعنا النظر إلى جميع الجرائم المُرتكبة في سوريا. ولكن سيسمح لنا هذا العمل، الطويل الأمد، بتصنيف مناسب للجرائم. وأحد أهم أهداف عملنا هو تحديد معاناة الضحايا والتمكن من تحديد الجرائم التي تعنيهم. فاختيار الملفات أمر أساسي بالنسبة للضحايا، بما في ذلك أولئك الذين لن يستطيعوا الحصول على عدالة تعوّضهم عما تعرضوا له بشكل مباشر.

«بدأنا بصيغة تعاون، مع وحدات التحقيق الوطنية في جرائم الحرب، تمنح الأمل بأن العدالة ستنتصر في العديد من الحالات»

ويركّز جزء من عملنا، منذ سنة، على تشكيل تعاون مباشر مع وحدات التحقيق في جرائم الحرب التي فتحت تحقيقات جارية في الجرائم المُرتَكبة في سوريا. وهذه التطورات مهمة للغاية. حتى وإن لم يتم اللجوء لأية محكمة دولية بخصوص الجرائم المرتكبة في سوريا حتى هذه اللحظة، بدأنا بصيغة تعاون، مع وحدات التحقيق [الوطنية] في جرائم الحرب، تمنح الأمل بأن العدالة ستنتصر في العديد من الحالات.

وبالمناسبة، قررت السلطات الفرنسيةرابط خارجي والألمانيةرابط خارجي، في العام الماضي، تأسيس فريق تحقيق مشترك من خلال توحيد إمكاناتها. وذلك بعد أن أصدرت السلطة القضائية الفدرالية الألمانية مذكرة توقيف دولية بحق ضابط رفيع المستوى في المخابرات السورية في حين أصدر الفرنسيون مذكرة توقيف دولية بحق نفس الشخص بالإضافة إلى ضابط آخر في المخابرات وشخص ثالث. إن وجود هذه التحقيقات يجعل توقعات نجاح عملنا ملموسة بشكل أكبر ويسمح لنا بتصور واقعي لنوع التعاون الذي يمكننا القيام به مع مختلف السلطات المختصة.

هل استطعتم إقامة علاقات تعاون أخرى؟

لقد تلقينا أكثر من عشر طلبات مساعدة من قبل سلطات قضائية وطنية فتحت تحقيقات بشأن سوريا ونعلم تماماً أن هناك سلطات قضائية أخرى ستلجأ إلينا.

«بالنسبة للجرائم المرتكبة في سوريا، فإن النموذج الأكثر قرباً من الاختصاص القضائي العالمي، الذي لا يرتبط بهذا البلد، يتم تطبيقه في ألمانيا»

فيما يتعلق بالاختصاص القضائي الممارس من قبل مختلف وحدات التحقيق في جرائم الحرب بشأن الجرائم المرتكبة في سوريا، فإن النموذج الأكثر قرباً من الاختصاص القضائي العالمي، الذي لا يرتبط بهذا البلد، يتم تطبيقه في ألمانيا. ولدى بعض الدول الأخرى شكل من أشكال الولاية القضائية الموسعة خارج أراضيها.

ما المكانة التي تولونها للضحايا؟

إنَّ للمجتمع المدني السوري مكاناً رئيسياً. فقد واجه أعضاءٌ منه، حيث كان بعضهم هم أنفسهم ضحايا، مخاطر كبيرة من أجل توثيق ونقل الجرائم. ولدينا منصة مشاركةرابط خارجي مع أعضاء من المجتمع المدني السوري مقرها لوزان. وتجتمع فيها ثلاثين منظمة غير حكومية مع الآلية مرتين في السنة. ونحن مستمرون في التعاون مع جهات فاعلة أخرى من المجتمع المدني السوري بشكل فردي وجماعي، وفي إبلاغهم أيضاً عن أعمالنا عن طريق نشرات إخبارية.

تقوم الكثير من الأنظمة الديكتاتورية بتوثيق جرائمها عن طريق إداراتها. فهل هذا هو الحال أيضاً في سوريا؟

لقد تمَّ تسريب وثائق داخليةرابط خارجي، لعدة أطراف مشاركة في النزاع، تصف طريقة قيامها بعملياتها. وبالتالي يمكن استخدامها كأدلة لإثبات ارتكاب الجرائم الأكثر خطورة، كجرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية.

بعدما شهدت تقدماً كبيراً في مطلع القرن، تجتاز العدالة الدولية أزمة تُفقِدها مصداقيتها، خاصة مصداقية المحكمة الجنائية الدولية (CPI). كيف ترين مستقبلها؟

بالنسبة للوضع السوري، لم يتمكن أحد من اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية. فالجمهورية العربية السورية لم تصادق على نظام روما الأساسي وحالت العقبات داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دون إحالة هذه القضية إلى المحكمة. وهذا الأمر غير طبيعي نظراً لخطورة الجرائم المُرتكبة. إلا أنَّ الوضع الحالي، الذي تقوم فيه سلطات التحقيق والملاحقات وسلطات قضائية وطنية بدورها في الجهود الرامية لتحديد المسؤوليات الجنائية الفردية بشأن هذه الجرائم، ليس بعيداً عن مبادئ نظام روما الأساسي، الذي يعتبر النص التأسيسي للمحكمة الجنائية الدولية. وهذه المحكمة هي محكمة الملاذ الأخير. ولديها صلاحية لمحاكمة بعض الجرائم الأكثر بشاعة، ما لم يكن بإمكان أجهزة قضائية أخرى القيام بهذه المهمة، بحسب مبدأ التكامل.

«هذه رسالة أمل للضحايا. فهذه الجرائم لا تفلت من العدالة مهما طال الزمن. ونحن نغتنم جميع الفرص الممكنة لكي تأخذ العدالة مجراها»

إن تولّي عدد من المحاكم الوطنية المسؤولية من خلال فتح تحقيقات، يُعتبر خطوة شديدة الأهمية في صميم نظام روما الأساسي. وفي الوضع المثالي، يتطلب الأمر مزيجاً من مختلف هذه القنوات لمواجهة وضع بخطورة وطول مدة الحرب في سوريا. هذه هي التركيبة التي تعطي نتائج جيدة، كما رأينا ذلك في رواندا وفي يوغسلافيا السابقة.

وهذا الوضع غير متوفر لدينا، حالياً، بالنسبة لسوريا. إلا أنَّ الآلية التي وضعتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ديسمبر 2016 تظهر أنه، ورغم العقبات، يجب جمع الأدلة وتحليل وتجهيز الملفات القضائية. وهذه إشارة قوية جداً موجهة إلى مرتكبي الجرائم. وهي في ذات الوقت رسالة أمل للضحايا. فهذه الجرائم لا تفلت من العدالة مهما طال الزمن. ونحن نغتنم جميع الفرص الممكنة لكي تأخذ العدالة مجراها.

ما الدروس التي تعلمتموها من التجارب السابقة للمحكمة الدولية؟

لقد تعلمنا أنه يجب القيام بعمل جوهري حقيقي وعلى المدى الطويل للحكم على هذا النوع من الجرائم. كما أنها علمتنا أهمية اتباع نهج استباقي لكيلا يتم نسيان الملاحقات القضائية للعنف الجنسي والجرائم من هذا القبيل والجرائم التي يكون ضحيتها الأطفال، ولكي يتم تقديم الدعاوى بطريقة صحيحة. نحن نعمل بشكل وثيق جداً وأكثر من السابق مع المجتمع المدني، كما تتطلب المهمة التي أنيطت بي.

أحد الانتقادات الموجهة إلى المحاكم الدولية بشأن الجرائم ضد الإنسانية يتعلق بتكاليفها ومدتها. فهل ستساهم آليتكم في تسريع القضايا المرفوعة بشأن سوريا؟

من المفترض أن يساعد عملنا على كسب الوقت في التحقيقات. وأن يساعد أيضاً على الاحتفاظ بالأدلة للمستقبل. وبالتالي لن يكون من الضروري البدء من نقطة الصفر عندما تسمح الظروف السياسية بفتح محاكمات دولية، في يوم ما، في سوريا. ففي الواقع، من الصعب جداً توثيق هذه الجرائم بعد مرور ثلاثين عاماً على الأحداث، كما حدث ذلك مع محكمة الخمير الحمر في كمبوديا.

«من المفترض أن يساعد عملنا على كسب الوقت في التحقيقات. وأن يساعد أيضاً على الاحتفاظ بالأدلة للمستقبل. فمن الصعب جداً توثيق هذه الجرائم بعد مرور ثلاثين عاماً على الأحداث»

وقد أظهرت المحاكماترابط خارجي التي أقيمت ضد بعض مسؤولي الخمير الحمر [أيضاً] مدى التعقيدات لتحديد واختيار الجرائم التي تمثل معاناة الضحايا، بالإضافة إلى صعوبة إدارة هذه المحاكمات. فمن الصعب جداً إجراء محاكمة كبيرة تتناول جميع أبعاد الفظائع المُرتَكَبة. وينبغي أن تحافظ هذه المحاكمات على حجم تكون إدارته ممكنة. وإنَّ تعدد القنوات القضائية، بحسب رأيي، هي أفضل طريقة لإعطاء الأبعاد الكاملة للجرائم المرتكبة والظروف المواكبة لها.

ويرتكز الجسر الذي نقوم ببنائه، بين لجان التحقيق ومختلف الطرق القانونية المُتاحة، على عملنا التحضيري والراسخ بشدة في نهج العقوبات. وبالمناسبة، قرر مجلس حقوق الإنسان إنشاء آلية مماثلة لآليتنا بشأن ميانماررابط خارجي، بهدف ملاحقة الجرائم المرتكبة بحق الروهينغا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية