مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الـكـسـر أو الإنـكـسـار

Keystone

بعد إطاحة إسرائيل باثنين من أبرز قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس في أقل من شهر واحد، تُطرح تساؤلات قلقة على الساحة الفلسطينية.

وفي الوقت الذي يشدد فيه الخطاب الفلسطيني للسلطة والمعارضة على ضرورة التوحد والتنسيق في هذه المرحلة الحرجة، لا يُبدي أي طرف استعدادا حقيقيا للقيام بالتغيير المنشود.

جدير بالقلق الفلسطيني أن يتساوى مع حالة شاعر كالمتنبي، تحركه الريح وتعجز عليه الوجهة الصحيحة. فرئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون مصمم على المضي في مخططه لتقويض اركان المشروع الوطني الفلسطيني ومعه، طبعا، المعارضة الاسلامية.

وإن كانت فرقعات القنابل ونار الصورايخ لا تترك مجالا لمواهب الشعر، فان بلاغة الحالة قد فاضت بكل البراهين والادلة حول صيرورة مخططات شارون الى حقيقة فرض الحل الواحد، شاء الفلسطينيون أم أبوا.

وليست عملية اغتيال قائد حماس عبد العزيز الرنتيسي الاخيرة والثانية من ذات العيار خلال أقل من شهر واحد، سوى تذكرة اخرى لمن تنفعهم الذكرى على الساحة الفلسطينية االناطقة بالوحدة والتضامن.. والعاجزة عن الكر والفر معا.

ويبدو أن لا النطق ولا الحال قادران على الاسعاف، حيث يختبئ وضع معاكس تماما وراء حديث التضامن والوحدة والنطق القائم على الهم الواحد، ودعوات التضامن والانصهار في بوتقة واحدة والاقدام على قلب رجل واحد.

ثمة مفارقة كبيرة ينطوي عليها الموقف الفلسطيني وتستدعي قراءة مغايرة للتوقعات حول تحول الهجوم الاسرائيلي للصالح الفلسطينيي، على الاقل في المدى المنظور، وحول النظرية القائلة بانهيار القوة “الغاشمة” أمام عدالة القضية.

شعور كهذا يتعمق اكثر واكثر في كل مرة تُـوجه فيها فوهة البندقبة الاسرائيلية صوب القلب الفلسطيني، ومع كل دعم جديد، أمريكي ودولي، تتلقاه تل ابيب على حساب الجغرافيا والسياسة الفلسطينية المدفوعتين نحو الزاوية والاضمحلال.

لا عجب ان تتجلى صور مثل هذه المفارقة او التناقض الفلسطيني الآخـذ في التجذر في مناسبات اغتيال القيادة، معارضين كانوا ام في صف السلطة، وفي ذات الوقت الذي تشخص فيه عيون الفلسطينين الشاكية نحو همسة رجاء.

ربما يغال التوصيف في الاصابة، لكن برهان المفارقة يكمن في مثال النظر في جنازة كجنازة الرنتيسي او اي ناشط صغير في مدينة كبيرة او قرية صغيرة، حيث ترفرف مئات الاعلام الخاصة بحماس والجهاد والجبهة والشعبية وحتى أعلام حزب الله والعراق وغيرها، ولا تُـرى بالكاد راية فلسطينية خفاقة واحدة…

الحقيقة المرة

الشارع الفلسطيني ومعه كثير من العارفين يهمسون بضرورة اللجوء الى التغيير الجذري محذرين من مغبة الابقاء على نفس السياسة، وذات الاداوت في التعامل مع الهجوم الاسرائيلي المندفع الى لا نهاية.

انتقادات الخفاء التي لم ينطق بها جهرا سوى العقيد محمد دحلان، والنائب في المجلس التشريعي عزمي الشعيبي ومعهم قلة، تُـكـال لحماس كما تطال السلطة وتتحدث عن انجرار كبير نحو الهاوية ان لم تبدل سياسات المعارضة والسلطة معا.

يقابل ذلك الدعوات المستهلكة نحو انجاز وحدة وطنية اسلامية تسير على برنامج مقاومة واحد وسياسة واحدة، بيد أن نيل المطالب ليست بالتمن،ي بل تؤخذ المواقف الفلسطينية وفق حسبة خاصة.

حسبة فتح، أو حزب السلطة والقيادة تتعارض تماما مع تفكير وطموحات حماس التي تعتبر الحوار الوطني أداة لتحقيق مطالبها والاعتراف بها قوة ند على الساحة، وليس مجرد معارضة تذكر بمعارضة الجبهة الشعبية أيام فتوة العمل الوطني الفلسطيني.

حماس، اعلنت مرارا انها ترفض الدخول في المعادلة التي تطرحها فتح والقائمة على انصهار المعارضة الاسلامية في بوتقة منظمة التحرير الفلسطينية، بل انها تطمح الى اخذ مكانها ان لم تقبل المنظمة العجوز بوصفة الحركة الاسلامية وتغيير كامل معادلة الانخراط في مؤسسات المنظمة.

على الارجح، لا يبدو ان اغتيال الشيخ احمد ياسين وبعده الان عبد العزيز الرنتيسي قد غيرا كثيرا في رؤية حماس نحو العمل الوطني الاسلامي الواحد، بل ان مسؤولين بارزين في الحركة المعارضة اختاروا مناسبة اغتيال الرنتيسي للقول بأن “حماس لا تتمتع بتغطية سياسية من قبل السلطة الفلسطينية”، وهو اتهام ينطوي على دليل قوي بان رغبات حماس تتخطى حدود العمل المشترك، اذ يحمل قول كهذا تأويلات بوصول حماس الى مرحلة باتت فيها تعتبر نفسها القوة الاول على الارض، وانه آن الاوان لأن تُـعامل على هذا الاساس.

لا استعداد للتغيير

بيد ان فتح مازالت بعيدة عن الجنوح الى مثل هذا التفكير، وهي التي تنظر الى مصالحها ومراكز نفوذها في الداخل والخارج، وشبكة علاقاتها الدولية التي هي نتاج سنوات عمل المنظمة والسلطة، على انها اهم بكثير مما يمكن ان تقايضه مع حماس، حتى في مثل اللحظات الحرجة الحالية.

فوق كل هذه الاعتبارات، ياتي موقف الرئيس الفلسطيني المحاصر الذي لم ينل حصاره الطويل من أمر واحد أكيد، كونه صاحب القرار المصيري.

وعندما ياتي ذكر الرئيس في مسالة مثل التي يواجهها الفلسطينيون الان، فان القراءة المعمقة تصطدم التوقعات، اذ سيعطي الرئيس الاولوية للخلاص من حصاره أمام مسالة النظر في تغيير سياسي جذري في المستقبل المنظور.

تتراجع حماس خطوات للوراء تحت شعار الدواعي الامنية، وربما يؤثر الانتظار على الرد ضد اسرئيل حتى تتمكن من الخروج من الحالة المرتبكة التي اوقعها فيها شارون بسلسلة الاغتيالات على مستوى القمة.

ستغلب المصلحة الحزبية أو البقاء على مصلحة الانخراط في بوتقة واحدة مع الحركة الوطنية، لان مثل هذه الحالة لا تستدعي اتخاذ ما يلزم من قرارات شجاعة ومبادرات ذات تداعيات مستقبلية غير محسوبة.

حسبة الفلسطينيين باتت مزيجا من خوف على السلطة وتمسك بالمرتبة الاولى، على ان بلاغة الحالة تقول بوجوب كسر الحالة او الانكسار امام ريح التغيير. هنا لا يبدو ان حماس او “فتح – السلطة” مستعدتان للتغيير وهو، بكلام اخر، كسر ما هو قائم اصلا.

هشام عبد الله – رام الله

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية